اللاجىء الفلسطيني–السوري وهمومه في الشتات الأوروبي

2016-12-05 04:42:51

اللاجىء الفلسطيني–السوري وهمومه في الشتات الأوروبي
للفنان الفلسطيني مصطفى الحلاج

فرض الربيع العربي إيقاعه على بلدانه التي حاولت الوصول بالتغير السياسي إلى مراحل متقدمة عبر القواعد الديمقراطية للبرجوازية الغربية، لكن مع تعثر هذا التغيير السياسي في العديد من بلدان الربيع العربي في مقدمتها سورية حيث لعب الحل الأمني العسكري دور الفصل في عدم نجاح الثورة السلمية، وتحويلها الى العسكرة التي لعبت بها الفصائل الإسلامية بعد اندحار الجيش الحر أمامها في المواقع التي سيطر عليها، دورا كبيرا في إطلاق ما يسمى"الحل الإسلامي" باتجاه إسلامية الثورية وعسكرتها والدفع بالنصرة ( تنظيم القاعدة)، وفيما بعد ما سمّي جيش الفتح إلى واجهة العمل العسكري ضد الجيش السوري والنظام وحلفائه من حزب الله والحرس الثوري الإيراني، والكتائب الشيعية العراقية.

بالإضافة إلى الدور الكبير الذي قامت به "داعش" في دحر واحتلال المناطق التي كان يسيطر عليها الجيش الحر والعمل على أسلمتها السياسية.

في ظل هذه المعطيات بعد الخروج الكبير لأهالي مخيم اليرموك جنوبي العاصمة السورية دمشق في نهاية العام 2012، وهو الذي كان يعد عاصمة الشتات الفلسطيني في البلدان العربية الذي يحتوي فلسطين كلها في مخيم، ويحتوي المقاومة الفلسطينية بكامل تنوعها الفصائلي في مخيم، وهو الذي درب وربى أجيالاً من المقاومين الفلسطينيين ضحوا بحياتهم في الشتات الفلسطيني المقاوم في صفوف الثورة الفلسطينية التي استطاعت العودة الى أرض الوطن في مرحلة سياسية قائمة على إنجاز تسوية سياسية مع كيان الاغتصاب الصهيوني جوهرها إرضاء الطبقة السياسية بمشروع دويلة تعتمد على تقطيع الأرض الفلسطينية وعدم تواصلها في ظل استمرار السيطرة الأمنية والعسكرية لجيش الاحتلال الصهيوني في الضفة والقطاع، وسلطة فلسطينية غير قابلة للحياة إلا بهذه المشروعية الصهيونية.

عاد مخيم اليرموك يلعب دوراً كبيراُ في مركزة الجهد المقاوم الفلسطيني في شكل جديد يعتمد على الإنسان الفلسطيني المولود في الشتات الفلسطيني، إذ قام المخيم في مسيرتي العودة في العام 2011، انطلقت من الجولان السوري المحتل. حطم المخيم مفهوم العودة الذي تقوده التسويات السياسية لـ( م.ت.ف) وقيادتها، وعاد إلى الوطن المحتل من البوابة الجولانية، ودفع المقاوم السلمي الفلسطيني ثمن لعب النظام السوري مع المنظومة الدولية والكيان الصهيوني إلى مقولة حارس مفتاح الشتات الفلسطيني من البوابة السورية.

فالمخيم الفلسطيني- السوري في الأرض السورية هو فلسطين الجديدة التي هجرَ منها تحت ظروف تشابه الظروف التي هُجّر منها اَباؤه وأجداده إلى سورية ولبنان والبلدان العربية الأخرى في نكبة العام 1948، ويجتاح الفلسطيني اللاجىء في أوروبا الحنين إلى بيته ومخيمه وعمله ودراسته في الوطن السوري، كما الحنين إلى فلسطين أرض الاَباء والأجداد، ومن هنا يتابع كل ما يخص هذا الوطن المعنوي الحقيقي بعيداً عن رغبات الطبقة السياسية السلطوية الفلسطينية أو السورية.

ومع تدمير ومحاصرة المخيمات الفلسطينية - السورية، وتشتيت أهلها في شتات فلسطيني سوري جديد دفع هذا الواقع الإنساني الفلسطيني إلى شتات أوروبي جديد يدخلها من بوابة تحسين وضع الإنسان الفلسطيني الذي خسر كل شيء في سورية ( بيته، إنسانيته، حقوقه، وجوده الإنساني، وحتى في كثير من الأحيان حياته).

وكشفت مجلة الحرية الفلسطينية الناطقة باسم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في عددها" 1598(2672)" الصادر بتاريخ/9-15/10/2016، عن تقرير حقوقي أن( 80) ألف لاجىء فلسطيني أجبرهم القصف العنيف والحصار الخانق لمخيماتهم على الهجرة من سورية الى أوروبا. وأضاف التقرير أن هذا القصف قتل"3247"ضحية، وأكثر من (1100) معتقل في سجون النظام السوري، ونحو"220" ألف مهاجر، وصل إلى أوروبا منهم"80"ألف.

وأكد التقرير أنه لايزال سكان بعض المخيمات الفلسطينية في سورية مهجرين بالكامل مثل سكان مخيم سبينة وحندرات ومخيمات أخرى هجر نصف سكانه أو معظمهم مثل مخيم اليرموك الذي بقي من سكانه أقل من ثلاثة آلاف من أصل(220) ألفا قبل بداية الثورة السورية في العام 2011، ومخيم خان الشيح الذي هجر أكثر من نصف سكانه، ولم يبقَ فيه إلا (12) ألف.

الفلسطيني – السوري وهمومه:

 أمام التحولات الجديدة التي تعيشها المنطقة خصوصاً في المشرق العربي" سورية، لبنان" تعود قضية اللاجئين في الشتات العربي" سورية ، لبنان" إلى واجهة النضال الوطني الفلسطيني، وهذا الهم الذي لم تلتقطه فصائل" م.ت.ف" كقضية سياسية في ظل تراجع قضية التسوية السياسية بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية إلى درجات غير مسبوقة على أجندة السياسة الدولية الإقليمية، وصمت السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة الفلسطينية عن ما يجري للاجىء الفلسطيني في سورية، يجد اللاجىء الفلسطيني في الشتات السوري أمام حلول فردية ذاتية في مقدمتها الهجرة إلى الشمال الأوروبي المتقدم للحفاظ على حياته التي هي الحق الأساسي في الشرعية الدولية لحقوق الإنسان.

وهكذا يغرق ويستغرق اللاجىء الفلسطيني ــ خصيصاً الأجيال اللاحقة لجيل النكبة ــ في الحنين إلى الأرض التي ولد عليها" سورية، لبنان"، وبما أن الشتات الجديد لهذا الإنسان في سورية يستغرق في الحنين إلى أرضه السورية في بلاد الشام كما حنينه إلى أرض الاٌباء والأجداد فلسطين.

فالمخيم الفلسطيني- السوري في الأرض السورية هو فلسطين الجديدة التي هجرَ منها تحت ظروف تشابه الظروف التي هُجّر منها اَباؤه وأجداده إلى سورية ولبنان والبلدان العربية الأخرى في نكبة العام 1948، ويجتاح الفلسطيني اللاجىء في أوروبا الحنين إلى بيته ومخيمه وعمله ودراسته في الوطن السوري، كما الحنين إلى فلسطين أرض الاَباء والأجداد، ومن هنا يتابع كل ما يخص هذا الوطن المعنوي الحقيقي بعيداً عن رغبات الطبقة السياسية السلطوية الفلسطينية أو السورية.

وأمام تعقد شروط الإقامة والاندماج في بلدان الشتات الأوروبي نجد الهم الجديد للإنسان الفلسطيني مقارنة مع حياته السابقة في الوطن السوري. فمن الحياة في السنة الأولى في مخيم (كامب، هايم) إلى تعلم لغة البلاد الجديدة التي هجر إليها للتواصل والتعلم في هذه البلاد، ومحاولة الحصول على الإقامة، ومثول اللاجىء أمام محاكم الهجرة في هذه البلدان الأوربية لشرح وضعه، ووقوع البعض منهم في قبضة المهربين والمضاربين في قضايا الهجرة، وللحصول على هذه الإقامة تحتاج الى آليات التفكير الجديدة في هذه البلدان من أوراق عدم التجنيس في بلدان الشتات العربية، وتوصيف اللاجىء الفلسطيني" إنسان بلا وطن"، والحصول على أطول فترة إقامة فيها، قد يصل بعضها في بلدان مثل فرنسا إلى عشر سنوات، وفي المانيا إلى ثلاث سنوات.

اللغة الجديدة التي يحاول بها شرح قضيته الخاصة كفلسطيني وسوري للتهجير والاضطهاد والمركب يصل بعض الحالات الإنسانية النسوية إلى "الاغتصاب"، الذي لم يتجرأ أحدٌ إلى الاٌن دفع دعاوي أمام محاكم البلدان الأوروبية في بلدان الإقامة الجديدة، وإذ علمنا أن قضية الحصول على جنسية البلدان الجديدة يحتاج إلى اللغة الجديدة وإتقانها، بالإضافة إلى إدراك قوانين البلدان الجديدة في كافة مناحيها الحقوقية والإنسانية والواجبات التي تترتب على اللاجىء الفلسطيني.

كل هذه الوقائع تفرض على اللاجىء الفلسطيني التفكير والحنين القصووي إلى حالة" الهناءة" والهدوء الذي كان يعيشه "رغم الحرمان من الحقوق السياسية في بلدان الشتات  العربي"، والبعض منها الحقوق المدنية، فيعيش الهم السوري- الفلسطيني الجديد وكأنه هم النكبة في العام 1948. لذلك نجده يتابع كل جديد في ساحة الحرب والصراع السوري على أمل العودة الى مخيمات اللجوء المرغوبة كلحظة حلم العودة إلى فلسطين المغتصبة والمحتلة.

وهذا يعود لإدراكه أن دول الطوق العربية تشكل المحيط الطبيعي في قضية عودة اللاجئين إلى بلادهم التي هجروا منها قسرا وعنوة في نكبة 1948، والدور المركزي الذي تلعبه القاعدة السورية للجوء الفلسطيني في قضية العودة.

أخيراً إن حالة الاستغراق التي يعيشها الفلسطيني اللاجىء السوري في أوروبا بالهم السوري كجزء أساسي من قضية الشتات والعودة إلى فلسطين الأم أرض الآباء والأجداد، وبهذا لا يمكن فصل قضية العودة عنده بين العودة إلى بلد المهجر السوري الشتاتي، وبين أرض الآباء والأجداد، وقضية العمل الوطني السياسي الفلسطيني التي تقترب لديه من خلال القرب الجغرافي والديمغرافي العربي والسوري تحديداً.