خيار الدولة الواحدة: ثنائية القومية أم ديمقراطية علمانية؟

2017-03-16 02:00:00

خيار الدولة الواحدة: ثنائية القومية أم ديمقراطية علمانية؟
"بقعة ساخنة" . للفلسطينية منى حاطوم . ٢٠١٣

يطغى الجو السياسي العام على الفهم الشعبي للخيار الأمثل لحل القضية الفلسطينية واستعادة كافة الحقوق المستلبة، مما يفرض على أصحاب الآراء و القراءات الرافضة والمتناقضة مع سياسات القيادة الفلسطينية متمثلة بالسلطة الوطنية بذل جهود كبيرة حتى يتمكنوا من إيضاح رؤيتهم وإيضاح الفروقات بينها وبين رؤى أخرى تتقاطع معها بتفصيل سياسي أو عملي محدد، وهي الحالة التي تعيشها اليوم غالبية الأصوات المطالبة بالعودة إلى خيار الدولة الواحدة عبر وضعها جميعاً في بوتقة واحدة، لتضيع بذلك الفوارق بين من يجد في خيار الدولة الواحدة خطوة تكتيكية، ابتزازية لكل من المجتمع الدولي ولقوى الاحتلال الصهيونية قد تدفعهم لتخفيف العقبات والمعوقات أمام خيار الدولتين، وبين من يعارض حل الدولتين لتفريطه بالكثير من الحقوق الفلسطينية والعربية لكنه يؤمن بإمكانية الوصول إلى حل الدولة الواحدة ثنائية القومية عبر الوسائل التفاوضية، وبين من يجد أن الخيار الحقيقي يجب أن يبنى على ركيزتين هما استعادة جميع الحقوق الفلسطينية المستلبة، وتفكيك الطبيعة البنيوية للكيان الصهيوني وللمجتمع الرسمي الدولي الحاضن لهذا الكيان ليكون خياره الأمثل هو تحرير جميع الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة وإقامة الدولة الديمقراطية العلمانية. إذاً نحن أمام قراءات واستنتاجات مختلفة في الخيارات السياسية وفي الطرق والوسائل الواجبة لتحقيق الهدف المنشود وإن تبنت جميعها خيار الدولة الواحدة.

سنستثني هنا الأصوات التي تلوح بحل الدولة الواحدة بغية الضغط على المجتمع الدولي وعلى الاحتلال من أجل الوصول إلى حل الدولتين ونتناول الشكلين الآخرين، إذ تتقاطع الأصوات الداعية إلى تبني خيار الدولة الواحدة في رفضها القاطع لخيار الدولتين نتيجة تفريطه بالكثير من الحقوق الفلسطينية والعربية والتي يمكن تلخيصها بالتنازل عن الحق بالأراضي المحتلة منذ عام 1948، وعن حق العودة، وأخيراً تضحيتها بحق الشعوب العربية والفلسطينية في تقرير مصيرهم ومصير وطنهم، وتجد جميعها في خيار الدولة الواحدة القدرة على استعادة جميع الحقوق المسلوبة، بينما تكمن الخلافات والتناقضات بينها في الطريقة والوسيلة المناسبة لإقامة الدولة الواحدة والموحدة، وهو تناقض رئيسي، ظاهره خلاف في الوسيلة بينما باطنه خلاف في فهم بنية الاحتلال وبنية المجتمع الدولي والأهداف الكامنة خلف إجرامه وعنصريته ووجوده أساساً، كما يعكس أوهام البعض في التعويل على قوة الحق التاريخي وقدرته على الانتصار دون امتلاكه للعوامل الضرورية لذلك، وهو ما يتجسد في تمسك البعض بالطريق التفاوضي وإنعاش العملية التفاوضية أو السلمية عن طريق تغيير الخيار السياسي الفلسطيني من التفاوض من أجل حل الدولتين إلى التفاوض من أجل الدولة الواحدة ثنائية القومية والذي يعني الاستمرار في هذه المسرحية الهزلية، مستندين بذلك إلى كل من تفوق الاحتلال عسكرياً، وافتراض قدرة الخيار السلمي على ضرب وحدة ما يسمونه بالمجتمع الإسرائيلي نتيجة ضمان خيار الدولة ثنائية القومية للحقوق الدينية والمدنية لكل من الفلسطينيين والمحتلين دون الحاجة إلى الانخراط في أعمال عسكرية باهظة الكلفة، وخصوصاً بشرياً، لكلا الطرفين.

إلا أن هذه القراءة تغفل البنية الحقيقية لهذا التجمع البشري المسمى "المجتمع الإسرائيلي"، والقائمة على تجميع جموع بشرية مختلفة ثقافياً ولغوياً وتراثياً، مدفوعة بأحلام وآمال اجتماعية واقتصادية أفضل مما كانوا يحظون به في دولهم ومجتمعاتهم الحقيقية، ومدفوعة كذلك بتغذية خطاب العنصرية الدينية القائمة على رفض الآخر سواء أكان دينياً أم قومياً، والتي تدفع فئات كبيرة إلى المضي قدماً نحو تحقيق المشيئة السماوية بنفي وسحق الآخر. هذه البنية هي ما يشكل الوقود الحقيقي للمشروع الصهيوني والإمبريالي في فلسطين، والذي يتجسد في زرع كيان أو جسم شاذ في المنطقة العربية ومده بجميع أشكال ووسائل المواجهة الاقتصادية والعسكرية والتقنية كي يحافظ على قدرته في مواجهة محيطه كاملاً وليضرب أي محاولة أو بذور لمحاولة بناء دولة حديثة ومستقلة في أي بقعة من الأراضي العربية. إننا في صراعنا مع الكيان الصهيوني نجد أنفسنا أمام كيان قائم على المواجهة الاستباقية والشاملة حفاظاً على الوحدة الهشة لجموعه البشرية، وحفاظاً على المصالح والغايات التي دفعت القوى الإمبريالية والعالمية لزرعه في منطقتنا العربية، مما يفرض على الفلسطينيين والعرب عموماً خيار المقاومة والتحرير عبر جميع الوسائل المشروعة للدفاع عن النفس والأرض والحرية وفي مقدمتها الكفاح المسلح.

بالإضافة إلى ما سبق يرتكب خيار الدولة الواحدة ثنائية القومية خطيئة سياسية قائمة على الخلط بين الحرية الدينية والقضية القومية والتي تجيز مستقبلاً لأي مجموعة بشرية تتبع لديانة واحدة في المطالبة بحقوق قومية متساوية مع نظرائها بغض النظر عن تجانسها القومي واللغوي والثقافي، بينما يرتكز خيار الدولة الديمقراطية العلمانية على تساوي جميع المواطنين في الحقوق والالتزامات بغض النظر عن العرق والدين واللون، كما يمنحهم حرية العبادة والاختيار السياسي دون تمييز سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي. 

هذان التناقضان الجوهريان أو الرئيسيان هما ما يدفع الكثيرين لرفض استبدال خيار التحرير الكامل للأراضي المحتلة ومن ثم إقامة الدولة الديمقراطية العلمانية بالخيار التفاوضي على أساس دولة واحدة ثنائية القومية، ولذات السبب يعتبر خيار التحرير وإقامة الدولة الديمقراطية العلمانية خياراً مستقلًا ومختلفاً عن مجمل الخيارات الأخرى، مع الإشارة إلى أن هذا الخيار يتطلب العمل على تغيير الظروف الذاتية والموضوعية من أجل انطلاق حركة تحرر عربية شاملة من جميع قوى الاحتلال والتخلف والاستبداد المحلية والعربية والدولية، وهو ما نلمسه في الحركات الثورية العربية الراهنة.