لسنا فاصلا دعائيا!

2017-03-21 07:00:00

لسنا فاصلا دعائيا!
AFP

حين يُسمح لحركة فتح القيام بفعالية سياسية في قطاع غزة، كالاحتفال بذكرى تأسيسها عام 2013، وحين تحصل الجبهة الشعبية هي الأخرى على إذن من حركة حماس بإقامة فعالياتها العسكرية والسياسة، كحفل تخريج مخيم "طلائع العودة" عام 2015، وحين يحصل مستقلون على ترخيص مكتوب أو توافق شفهي للتجمع السلمي ضد الانقسام في غزة كحراك "29 نيسان"، ما يبقى عالقاً في ذاكرتي ليست هذه الأحداث ذاتها، بمقدار قيام عناصر موالية لحركة حماس بالتشكيك في أخلاقيات الفتيات المشاركات في هذه الفعاليات، وتكرار نشر صورهن على وسائل التواصل الاجتماعي مصحوبة بعبارات تكيل الشتائم والاتهام بالفجور، والتبرج والميوعة، باعتبار النساء الأخريات من الأحزاب المعارضة لا يعول على أخلاقهن، وأن العمل الوطني يتناقض مع الأغاني الوطنية والسلوك الشخصي كاختيار المرأة لمظهرها.

وعلى الرغم من أن غزة تدار من قبل العائلات والمخاتير أكثر من القانون، إلا أن الشاتمين لا يهتمون بعواقب المس بهؤلاء الفتيات والنساء سواء بتداول صورهن أو أسمائهن بشكل مسيء.

ولا أذكر أن الفيسبوك ووسائل التواصل على شبكة الإنترنت، شابها هذا النوع من السلوك غير الأخلاقي إلا في الأعوام الأخيرة، فتأثير ميكاڤيلي أبى إلا أن يطغى في الأزمات السياسية فهو صاحب المقولة الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة"، وهو من قال أيضاً "السياسة لا علاقة لها بالأخلاق"، لذلك غدا واضحاً أنها وسيلة أمنية بحتة غرضها الابتزاز وإضعاف المعارضة من الشباب والشابات بتنظيم هجوم إلكتروني فضائحي.

والمثير للسخرية أن موالين لحركة فتح يقومون بالشيء ذاته، وتحديداً في "زنقتهم" السياسية الأخيرة؛ محاكمة الشهيد باسل الأعرج، وأربعة أسرى عند الاحتلال، بتاريخ 12 من مارس الحالي، حين نشروا صورة لناشطتين من المشاركات في مظاهرة أمام المحكمة تدخنان السجائر، وعلقوا بأقذع الألفاظ والتهم، وتجاهلوا عن عمد عار المحاكمة.

فإذا قلنا أن حماس طالما لعبت على وتر الدين في كل شيء بدءاً من الانتخابات، وانتهاءً بمحاربة معارضيها، ومروراً بإدارتها للقطاع، فما مبرر فتح "العلمانية" كما يحبون وصف حركتهم؟ أم أن الدين أصبح الحلقة الأكثر تأثيراً على الناس والسلاح الأكثر إقناعاً، بعد أن فشلت الوطنية والقومية والحزبية بالتأثير على العامة.

إن استخدام هذه الأحزاب للدين بتأثيره الشعبوي لاكتساب مواقف على حساب الحقائق، والمعارضين، والنساء، أصبح مرعباً ويحتاج وقفة قوية منا جميعاً.

إن مثل هذه العقلية المتصنعة للشرف والموقف الطاهر بسبيل هدف سياسي، ليس مرادها على الإطلاق تدمير المرأة المقصودة ذاتها، فهم يعرفون أنهن نساء قويات وصاحبات موقف، بل يكون الهدف تشويههن داخل بيئتهن، لأن الحزبين في معاركهما الداخلية يعتمدون على نظرة المجتمع التقليدية لهؤلاء النسوة، ويستغلونها للضغط عليهن.

فهذه الأحزاب بعناصرها الأمنية المتسربة على وسائل التواصل الاجتماعي، تعرف أنها تمس منطقة حساسة مجتمعياً، وبذلك تستطيع أن تخرس آلاف الألسن، لأن الناس غالباً ما يخافون من اتهامهم أخلاقياً، ويكفي كونها امرأة لتُحاكم من قبل هذا النوع من العقليات سواء في الأجهزة الأمنية أو المجتمع لاستغلال اللحظة بأسهل تهمة عرفتها البشرية، إنها امرأة، إذن لنتهمها بالـ "الفاحشة".

ولنعد قليلاً إلى تاريخ 12 من مارس الحالي وما لحقه من "حفلات" فيسبوكية؛ لنلاحظ أن نشطاء حركة حماس ركزوا في البداية على قيام شرطي من سلطة رام الله  بشد ناشطة مشاركة في الفعالية من حجابها، واعتبروا أنه يحاول خلعه عنها، وتبادلوا صورة هذا الحدث، على الرغم من أنهم يعرفون جيداً أن مربط الفرس ليس هنا على الإطلاق، وأن ما يحدث داخل أروقة المحاكمة، ومناداة اسم متهم شهيد لهو  فضيحة  قانونية وسياسية أكبر عشرات المرات، ولكن "ما علينا"، سنتجاوز أنهم لا يتقنون سوى هذه اللعبة، وسنتجاوز حقيقة إذا ما كانوا يتقبلون في غزة خروج نساء ضدهم سواء كن محجبات أم لا، ولننظر إلى ما حدث بعدها كردة فعل فورية؛ لقد قام نشطاء فتح في رام الله بمجاراتهم في اللعبة، ليثبت كل طرف أنه صاحب أخلاق ودين أكثر، وبدأوا هجومهم على الناشطتين اللتين تدخنان السجائر، رغم أنهما فعلتا ذلك في العلن وأمام الكاميرات، فلا يوجد شيء يجب أن تخجلا منه.

وإذا راقبنا الصورة العامة لكل هذه الأحداث في شقّي الوطن، سنجد أن هناك نظرة استحقار إلى النساء اللواتي يشاركن بالمظاهرات، باعتبارهن يقمن بفعل مختلط، وسياسي حكر على الرجال، لذلك ففي معارك كل من الحزبين تصبح النساء الواجهة التي يتقاتل عليها كل طرف لإثبات ذاته أو إثبات خلافه مع الآخر.

هذا النوع من الابتزاز الأخلاقي الكلاسيكي توارثي تمارسه الأجهزة الأمنية العربية منذ قرون في أقبية التحقيق، ونحتفظ به بذاكرتنا السينمائية، المصرية منها تحديداً، وتمارسه أيضاً الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في تحقيقاتها لأنها باتت تعرف المحاذير المجتمعية العربية وتستغلها جيداً، ويبدو أننا كمستَعمَرين نقلّد دون أن ندري مستعمِرنا في وسائل اضطهاده.

واليوم يخرج هذا الابتزاز إلى العلن بطرق أكثر حداثة وهو عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبأسماء مستعارة وعلى مواقع صفراء، ومؤخراً بأسماء النشطاء الحقيقية طالما أن حرية التعبير تضمن لهم حق النقد والشتيمة والتعهير، فهذه المعارك على "السوشيال ميديا" التي ترعاها آلة إعلامية أمنية في كل من الطرفين هي معارك خلعت عنها الأخلاق منذ زمن، وارتدت "العنصرية" بحق النساء قبل أي أحد، لتخالف كل الوصايا والشعارات الوطنية والدينية وأهمها "المرأة شريكة الرجل في النضال".

إن ما نفعله كل يوم بسلوكنا السياسي السلبي سواء كنا قادة أو أعضاء أو أجهزة أمنية أو موالين؛ هو تحطيم هذه الشعارات المقدسة والمبادئ الوطنية المقامة، وعلى الرغم من أنه أمر مؤلم اكتشاف إلى أي حد يتم فيه الكذب باسم الدين والوطن والحريات إلا أنها بداية جيدة للأجيال الشابة كي تختار قناعاتها وشعاراتها بصدق، بعيداً عن كل هذا الزيف والادعاء.

من المحزن أن يأتي مقالي هذا في شهر يضم بين أيامه؛ يوم المرأة العالمي وعيد الأم، فنجد آلاف التهاني والصور الفخورة بالنساء، ولكن ما هي إلا كلمات وفاصل دعائي، فيجب أن نسأل أنفسنا ونجاوب بصدق عن حقيقة نظرة مجتمعنا إلى النساء، خاصة حين لا يكنّ في دورهن التقليدي.

من هنا تأتي أهمية ثقافة الجندر، وأستغرب بصدق من المعارضين والمعارضات الذين يخرجون علينا بعبارات مثل: "لا تكوني ضد الرجل"، أو "لا تسترجلي"، وصدقاً ليس هناك علاقة لهذه التمثلات بالجندر، إنها مجرد صور كاريكاتورية قد تكون على غلاف مجلة دينية أو مجلة أنثوية فارهة، ليس أكثر.

كما أنني أستغرب حين تأتي إحدى النسويات لتقول في الثامن من آذار "الجندر هو أن تكون المرأة شريكة الرجل في الأدوار" مع احترامي لهذا التنظير، ولكن لا علاقة له بالواقع، فمشكلتنا أسفل هذه العبارة بكثير، ربما بخمسين طابقاً، وتحديداً في مرحلة "هل المجتمع جاهزة لتقبل النساء في الأدوار المغايرة لنمطيته؟".

وأنا أتحدث هنا عن أبسط دور؛ دورها في السياسة وقضيتنا الفلسطينية؛ دورها النضالي الذي ضجت به رسائل الماجستير وكتب التاريخ والندوات، ومؤخراً مئات التقارير الصحافية عن راميات الحجارة في إرهاصات الانتفاضة الثالثة.

إن كل ما يحدث من تشبث بنقد النساء عند كل حدث سياسي يعبّر عن حقيقة عدم تقبل دورها هذا، فحين تحلّ المعارك السياسية الداخلية نعاير كل حراك وحزب بالنساء، كما نعاير الرجال بالنساء والنساء بأنفسهن، فالنظرة السائدة أنها تهمة، وإذا لم تكن كبش فداء فهي مكسب لاستغلاله.

أتحدث عن أننا لا نزال نحاسب النساء أضعاف ما نحاسب الرجل على خياراتها وأزيائها وسلوكها الاجتماعي والسياسي ونعايرها في كل لحظة بمظهرها، ونعتبره رخيصاً إلى أن يشبه الحزب الفلاني أو الحركة الفلانية.

إنهم يعتبرونها منتجاً سياسياً تابعاً كما الراية الحزبية والأغاني الحزبية، فهي عندهم وسيلة دعائية، لذلك فإنه يجب النظر إلى الجندر كدعوة شعبية لتكون المرأة شريكة الرجل في الكرامة والإنسانية والحرية، والقيمة الاجتماعية والسياسية.