اليرموك وكراتين جبهة النصرة!

2017-07-02 18:00:00

اليرموك وكراتين جبهة النصرة!
مخيم اليرموك ٢٠١٥

"إذا شح الطعام فالمجاهدون أولى به من المدنيين"، وهذه فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية!

هذا الكلام قاله لي أبو علي حميد أحد أمراء جبهة النصرة، عندما كنا نقف أمام مبنى دعم الشباب الكائن في شارع المدارس في المخيم، بعد خروجنا من اجتماع بين "النصرة" (أبو هاشم الليبي) و"جيش الإسلام" (الشهيد أبو عدي عمورة) و"الأكناف" (أبو أحمد المشير) من جهة، وبيننا (الفعاليات المدنية في المخيم) من جهة ثانية.

أما في الداخل فقد كان أميرهم أبو هاشم الليبي (رائد الشيخ) متحدثاً، وموضوع الاجتماع يومها كان حول منع الناس من التوجه إلى ساحة الريجة ورفض المساعدات، والسبب هو سوء تعامل حاجز النظام وإهانة نساء المخيم، بالطبع كان تعامله في غاية الحقارة -أعني حاجز النظام- ولكن هذا لم يكن شيئاً جديداً، الجديد الذي عرفناه فيما بعد هو أن الحاجز أعاد زوجة أحد أمرائهم وقال لها: روحي خلي زوجك ييجي يوخد الكرتونة.

ببساطة أرادوا أن يشركوا كل الفعاليات في المخيم في تحمل المسؤولية، ولم يكن الأمر حفاظاً على كرامة نساء المخيم بل نسائهم هم العفيفات الطاهرات.. وبمناسبة العفيفات الطاهرات، أروي لكم هذه القصة التي يعرفها كل المحاصَرين..

كانت "النصرة" و"الأكناف" و"كتيبة ابن تيمية" (القريبة من النصرة) هم المرابطون على الجبهة من ناحية الريجة وشارع فلسطين والثلاثين، المقصود أن الوصول إلى حاجز توزيع كراتين المعونات حتماً يمر عبر هذه النقاط.

أبو علي رجلٌ أربعيني حكى لي ما رآه بعينه، قال: فوجئنا ونحن قرب الحاجز ننتظر الدخول لأخذ الكرتونة بأكثر من عشرين امرأة منقبات.. دخلن من طريق خاص عبر طلاقيات جبهة النصرة، ثم دخلن مباشرة إلى مكان التوزيع دون انتظار دورهن كبقية الخلق.

قال أبو علي: سألت أبو حمزة (الأمير المسؤول عن المحور): شو هدول يا أبو حمزة؟! وكيف هيك فاتوا؟!

أجاب أبو حمزة: هؤلاء نساؤنا العفيفات الشريفات الطاهرات!!!

قال أبو علي: خيّا شو عفيفات ما عفيفات؟! يعني إمي شرموطة لحتى صار لها تلات أربع أيام رايحة جاية وما عم تقدر توخد الكرتونة؟!

اتضح فيما بعد أن هناك اتفاقاً سرياً أو خاصاً بين "النصرة" والنظام بواسطة مندوب النظام (أبو خالد العِرِق) ينص على حصة خاصة لجبهة النصرة.

هكذا كانوا ينظرون إلى الأمر، "نساؤهم عفيفات أما بقية نساء المخيم فهن شيء آخر!!!!"

في ذلك الاجتماع كان أبو هاشم الليبي يريد أن يبلغنا بقرارهم بمنع الناس من التوجه إلى استلام الكرتونة، ولكن "الأكناف" كان لها رأي آخر، (والحق أن علاقة "الأكناف" بالمدنيين كانت جيدة عموماً) ورأي "الأكناف" هو أن موضوعاً كهذا ينبغي أن يناقش من قبل الجميع ويشارك به ممثلو المدنيين وهم المؤسسات الإغاثية العاملة في المخيم ووجهاؤه، ويذكر من كان حاضراً يومها أن الليبي هذا قال بكثير من التعالي والعنجهية: من يقرر هم أهل الحل والعقد. يومها تدخل أبو أحمد المشير (أحد قادة الأكناف) وقال له: هؤلاء وجهاء المخيم وهم أهل الحل والعقد.

تصدى له يومها رجل كبير هو أبو محمد بزري، وهو حموي من سكان المخيم، وقال له: أقل شخص موجود هنا يحمل شهادة أعلى من شهادتك، كان وجود الليبي هذا مستفزاً لأبعد الحدود فهو شخص جلف غليظ لا يحترم أحداً، ربما كان ينظر إلينا كأننا مشركو قريش.

أنا كنت ضد هذا القرار لأن البديل هو الجوع، وقلت للمجتمعين: حسناً فلنمنع الناس ولكن بعد أن يقوم كل واحد من الموجودين بإعطاء كرتونة من الكراتين التي يخزنها في بيته لأرملة أو يتيم أو عجوز، ورد عليّ أخونا (أبو ص ف) بأنه مستعد للتبرع بكرتونة (سيسأل سائل هنا كم كرتونة عنده؟! وسوف أتحدث في وقت لاحق عن أمراء الكراتين).

يومها مرّروا القرار ولكن ليس إلى وقت طويل فقد اتفقوا من جديد مع النظام وضمنوا إدخال الكراتين إلى داخل المخيم دون أن تذهب نساؤهم لاستلامها، أما بقية نساء المخيم فقد عُدْنَ لتحمل الإهانات في سبيل إطعام أُسرهن. 

كل هذا دفع بالناس إلى النفور من الثورة فهم لم يخرجوا من أجل هذا، وهؤلاء أنفسهم الذين خرجوا لحمايتهم في بداية الثورة هم الآن يزاحمونهم على لقمة عيشهم بل ويسرقونها من أفواههم وأفواه أطفالهم.

ولكن كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟! كيف صار وجود جبهة النصرة عبئاً ثقيلاً على صدور أهل المخيم بعد أن شكلت نوعاً من الضمانة لمنع المحاصِرين من النظام و"القيادة العامة" عن اقتحام المخيم في وقت سابق؟! هذا موضوع آخر يأتي.