عالمٌ خاص

2017-09-22 10:00:00

عالمٌ خاص
Oussama Diab, Contrast, 2012, Acrylic on Canvas, 150 x 405 cm
لا أعرف كيف ترى أنت عالمك الخاص داخل نفسك. هل كما أرى عالمي الخاص؟ لا أعرف، هل تستطيع بسهولةٍ تحديد أسماء لمشاعرك، أم أنّك مثلي، تتلعثم أمام  كلّ ذلك الدّفق من الأحاسيس؟ 

لكن فلنحاول العودة إلى البداية. كيف يبدأ كلّ ذلك؟ ربّما هي نقطةٌ واحدة (كلمة واحدة، موقف واحد، صدفة واحدة…) تبدأ في الخارج (خارج الجسد) ثمّ تتسرب نحو الرّأس نحو داخل الدّاخل حيث تتكاثر، وتتخبّط كموجٍ كان محبوساً، إلى أن تطفو على الجسد: ألمٌ مفاجئٌ في الكتف، صداعٌ حادّ، نغزة خفيفةٌ في القلب. لكنّها لا تتوقّف هناك. تعود مرّة أخرى إلى الداخل، أقوى وأعنف. ثمّ تطفو مرّة جديدةً ألماً أقوى. 

بالأمس ذهبت إلى المستشفى. قال الطبيب أنّ كل شيء على ما يرام. والقلب كذلك؟ سألته. بدا لي أنّه أطلق ضحكةً ساخرة: لا دخل للقلب، قال. 

كيف "لا دخل للقلب"؟ لماذا إذن أشعر أنّه على وشك التوقّف؟ بالأمس، أردت أن تخترق يدي صدري لأتفقّده. لأهتمّ به. لأحافظ عليه. ذهبت إلى المستشفى وهو يئنّ وأنا أئنّ. وخفت أن يخذلني فجأةً. في رأسي، كتبت ألف وصيّة، وخفت أن أرسلها لأحد. وخفت أن لا أرسلها لأحد. 

*

كيف ترى عالمك الخاص؟ هل تضيع فيه كما أضيع في عالمي؟ هل تمضي ثوانيَ ودقائق وساعات وأسابيع محاولاً أن تعرف ما الّذي يزعجك بالتحديد؟ ما هو المصدر لكآبةٍ ما إن تبدأ حتّى تشعر أنّها كانت هناك طيلة الوقت.. كأنّها لم تغادر أصلاً. كآبةً مألوفةً لدرجةٍ مزعجة، بحيث يصبح غيابها، لبضع ساعات، أو أيّام في أحسن الأحوال، مستغرَباً. كآبةٌ دائريّةٌ كبلّورةٍ سحريّة أحدّق فيها طويلاً ولا أتقن قراءتها.

هل تشعر، مثلي، أنّك تمضي حياتك في تفكيك عمليّة حسابية لا حلّ لها أصلاً؟ هل تشعر أنّك تحاول أن تستوعب الحياة، أن تفهمها، أن تدرك زواريبها، فتنسى أن تعيش؟ ولا تعرف كيف تقلع عن ذلك كلّه. هل تلازمك رغبةٌ بالعودة إلى بداية البدء. إلى ما قبل الخلق. ما قبل الوجود. ما قبل اللّه. حيث السّكون المطلق؟

*

هل يفيد؟ أن أسكب كلّ ذلك على ورقٍ ثمّ أرسله إليك. أم أنّك ستستشعر كآبةً في كلماتي تجعلك أكثر قلقاً، فتجعلني أكثر كآبةً، فأسكبها على ورقٍ آخر وأرسله إليك.. هل يفيد أن نعيد ذلك كلّه؟ مرّة تلو الأخرى؟ كأنّي عالقةٌ في حفرةٍ. أنت تشدّني إليك لترفعني، فأشدّك إليّ فأسقطك. فتقوم فترفعني فأشدّك فأسقطك. هكذا ندور حول بعضنا، كقصيدةٍ فراهيديّةٍ تكرّر ذات الشّطر في كلّ أبياتها، كشاعرٍ يبحث فيها عن بيت البداية والنهاية.

* 

هل تتملّكك الآن، مثلي، 
رغبة بالاستلقاء
تحت شمسٍ خفيفةٍ 
يوماً كاملاً  
بينما الرّأس فارغٌ، 
لمرّة واحدة، 
من كلّ شيء؟