هو تطبيع.. ليس حرية ثقافية 

2017-10-28 16:00:00

هو تطبيع.. ليس حرية ثقافية 
زياد دويري، وفي الخلفية مجرم الحرب بشير الجميّل

المعادلة للأسف ليست كذلك، وواقع الحال بدل أن يكون في تقدم طبيعي نحو محاصرة إسرائيل ثقافيا من كل الجهات وبكل الأشكال، أصبح موضع جدل ونقاش وانفتاح وحريات وما إلى ذلك من الكلام الكثير ذو الطابع الثقافي الصرف، في يوم باتت فيه الثقافة فعلياً بحاجة لتعريف واضح المعالم لشعب بعضه يرزح تحت الاحتلال، وبعضه الآخر مشرد خارج أرضه بميزان العدل والقانون الدولي.

قبل سنوات لم تكن لفظة التطبيع والمقاطعة متداولة ولا واردة في أحاديث الناس الكثيرة، ولم تكن أصلاً تشغل بال الناس كما هي اليوم، وذلك ليس لأن الناس كانوا أقل وطنية، واليوم هم أكثر وطنية!

المعادلة للأسف ليست كذلك، وواقع الحال بدل أن يكون في تقدم طبيعي نحو محاصرة إسرائيل ثقافيا من كل الجهات وبكل الأشكال، أصبح موضع جدل ونقاش وانفتاح وحريات وما إلى ذلك من الكلام الكثير ذو الطابع الثقافي الصرف، في يوم باتت فيه الثقافة فعلياً بحاجة لتعريف واضح المعالم لشعب بعضه يرزح تحت الاحتلال، وبعضه الآخر مشرد خارج أرضه بميزان العدل والقانون الدولي.

منذ أيام والأجواء مشحونة في مدينة رام الله، حول قرار بلديتها منع عرض فيلم «قضية رقم 23» لمخرجه اللبناني-الفرنسي زياد دويري ضمن فعاليات "أيام سينمائية"، المقامة في قصر رام الله الثقافي بمشاركة أكثر من 60 فيلماً دولياً وعربياً ومحلياً.

المنع جاء نتيجة ضغط شعبي في الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه الخطوة من البلدية، تطرح تساؤلاً حول ما إذا كان رئيس البلدية موسى حديد قد اتخذ هذا القرار وحده دون الرجوع إلى جهة سياسية فلسطينية وازنة.

ردود الفعل الكثيرة لم تشكل مفاجأة بطبيعة الحال، بقدر ما فتحت الباب واسعاً أمام تساؤلات، حول مفاهيم عديدة منها قدرة البعض على تحويل الموضوع إلى مسألة حرية الحصول على المعلومات وحرية التعبير، في حين أن الأمر بجانبه الظاهري هو كذلك، لكنه في واقع الحال، يرقى لمسألة استراتيجية بسيطة وواضحة، السماح لزياد دويري أن يُمثّل ويُكرّم بعرض فيلمه في فلسطين، يعني فتح المجال واسعاً أمام مخرجين وممثلين وفنانين للذهاب إلى الداخل بذرائع مختلفة جلها "دعم صمود الفلسطينيين في الداخل"، كما ادعى وصرح غير مرة، أولئك الذين ذهبوا إلى فلسطين المحتلة العام 1948.

هناك من اعتبر أن قضية منع فيلم «قضية رقم 23» هي حجب حرية ومنع وصول للمعلومة وإننا يجب أن نحاسب المنتج الفني الإبداعي للرجل، وهناك من قارن بين فيلم إسرائيلي وفيلم لمخرج لبناني، أعتقد أن المقارنة فاسدة من الأصل، فالإسرائيلي مثلاً لن يكون سوى ما يمثل من محتل للأرض، طارد للشعب، هل يمكن أن يحمل معايير أخرى، أو حكم قيمة أفضل أو أسوأ؟! بينما زياد دويري العربي اللبناني، من الأرض التي نالت ما نالته من إسرائيل، يذهب إلى "تل أبيب" ليصور فيلمه «الصدمة» ويستفيد من ممثلين إسرائيليين، ويقدم فيلماً بوجهة نظر دعائية للصهيونية، (تعبير أن الفيلم صهيوني أستخدمه من بعض من كانوا ضد قرار المنع).

وهنا لا بد من الإشارة والتأكيد على مواقف دويري من خلال بعض تصريحات أدلى بها خلال لقاءات متلفزة يذكر في إحداها: "بشير الجميل إنسان وطني بحت، كان عم يدافع عن وطنو بحت، مية بالمية، اضطر يتعامل مع الإسرائيلية، يمكن كانت غلطة بس ما كان في خيار للمسيحية“.

منع فيلم لمخرج مثل زياد دويري في الحقيقة -وأصرّ على كلمة حقيقة- لا يندرج تحت مفاهيم منع الحريات وسلب إرادة الناس، ليس هناك من سيمنع أي أحد من مشاهدة «قضية رقم 23» في بيته أو عبر يوتيوب لاحقاً، وهناك من سيكتب عن الفيلم نقدياً، وهذا أمر جميل وطبيعي ومفهوم، بل يجب أن يكون. لكن أن يقدم عمل لزياد دويري ضمن احتفالية في فلسطين، فهذا ما لا يجوز ولا ينفع، فعطفاً على ما سبق، مثل هذه التصرفات الجريئة بقبحها من شأنها أن تجعل للتطبيع ما يبرره، ليس عن عمد عند المعظم، لكن ما يخشى منه أن يتحول فعلاً لحالة مبررة وفي نظر البعض خلاقة لإنهاء الصراع، وتقديم اقتراحات "وطنية" بمفاهيم جديدة بفتح باب الحوار الثقافي بين الإسرائيليين والعرب.

وفي رام الله الفنان كامل الباشا صرح أنه سيقاطع حملة المقاطعة، سيقاطع "BDS" هذه الحملة العالمية الكبيرة التي باتت إسرائيل تخشاها وتخصص أموالاً طائلة لمحاربتها ومناهضتها، ووضع حد لها بعد أن وصلت إلى اختراقات كبيرة في معظم ميادين الحياة تقريباً وبمختلف دول العالم، حتى تلك التي فيها نشاط كبير للوبي اليهودي. 

ولعلنا لا ننسى المقاطعة الأكاديمية في بريطانيا وأميركا، والمقاطعة لبضائع المستوطنات، والمظاهرات في شوارع بريطانيا خلال الحروب على قطاع غزة، هذه الإنجازات بالضرورة صنعتها حملة المقاطعة "BDS"، التي لا أقول إنها فوق مستوى الخطأ، ومن تلك الأخطاء أن بعض من يتكلم باسم لجان المقاطعة، تبدو طريقتهم وأسلوبهم في الكلام والكتابة أشبه بالوصاية الأبوية، وكأن الوطنية تبدو كفستان يليق فقط بمن يلتزم بكلام هؤلاء غير المشكوك بضميرهم وإيمانهم. ومع ذلك هذا الخطأ وغيره لا يقارن بخطيئة وضع التطبيع مع محتل بلادنا ضمن حيز الحديث عن حرية التعبير والوصول إلى المعلومة.