في ذكرى اعتقاله: أشرف فياض... شاعرنا في سجونهم

2018-01-16 11:00:00

في ذكرى اعتقاله: أشرف فياض... شاعرنا في سجونهم

وكان مثيراً للجدل (والسخرية) خلال محاكمة فياض ما صدر عن قضاة تناولوا قضيته، إذ أن القاضي الذي حكم بإعدام فياض اعتبر أن توبته غير مقبولة بذريعة أنها أمر بينه وبين الله، ولا يعلم حقيقتها، علماً أن التشريع الإسلامي يقضي بهذه المسألة باستتابة المرتد لثلاثة أيام حسب ما نص عليه الفقهاء، ولا يحكم عليه مباشرة، ولا يحق للقاضي رفض هذه التوبة، وما حدث كان مخالفة شرعية، ولكن يحق للقاضي تعزيره.

ربما لن تعرف ولن تفهم الأنظمة أن حجب الرأي والقول لن يفضي إلى شيء، ولن يؤدي إلى منع آخرين من خوض تجربة من مُنعوا وصرخوا بوجه ما رأوه خطأ، فكتبوا أو رسموا..

وربما على سبيل المثال لا الحصر، فإن قضية اعتقال الشاعر الفلسطيني أشرف فياض والحكم عليه بالإعدام والتخفيف لثماني سنوات مع 800 جلدة، أبرز القضايا الراهنة التي يجب أن لا تغلق كي لا يتحول هذا الشاعر لذكرى نتندر بها كلما ذكرنا مسألة حرية الرأي في بلداننا العربية.

أشرف المعتقل منذ 1 يناير 2014 على خلفية شعره وأدبه، ينام في اليوم في أقبية السجون السعودية، ولن أحاول تخيل معاناته بحجب حريته، ولن أسرد قيماً عن الحرية في هذا المقال الذي أنعم خلال كتابته بحرية جزئية تتناسب وواقع سياسي يقسم العالم بين محاور مختلفة، لا أعرف تماماً متى ستنقلب فيها الاصطفافات ليصبح المنتقد اليوم محل مدح أو على الأقل ليس محل عداء، أو استعداء مبطن.

أشرف الذي اعتقلته السعودية بسبب الشعر، أي الكلام وهو ما كلفه حكماً بالإعدام خُفّف إلى ثماني سنوات لن يبرأ منها إلا بعد انقضائها كون من يجب عليهم النهوض من أجل حريته، إما مغتصبة آراؤهم، وإما معتم عليهم، وإما أنفاسهم محروقة ببعض المال السياسي الذي أخضعتهم إليه لقمة العيش، وإما وإما وإما حيث لا نهاية.

اليوم، بمرور أربع سنوات على اعتقاله، نذكّر في رمان بما لحق ويلحق بهذا الشاعر، بشخصه وبغيره من الكتاب والأدباء المعتقلين، وبما يمثل لنا فياض من قيمة معنوية ومادية للمطالبة بحقوق الإنسان الطبيعية.
 
مهزلة سجن شاعر

مهيب البرغوثي الشاعر الفلسطيني كتب لنا، معتبراً أن "سجن الشاعر فياض من مهازل الأنظمة العربية التي لم يستطع كل ما كتبه الشعر والشعراء الإفراج عنه رغم تبديل الحكم من الإعدام إلى السجن والجلد".. بينما الشاعر طارق حمدان أضاف "فياض يحاكمنا جميعاً الآن، يحاكم كل صامت منا، وقضيته يجب أن تظل حاضرة بوجدان كل مثقف وفنان وكاتب وكل مطالب بالحرية“.

حمدان أيضاً يعتبر أن السلطة الفلسطينية تتحمل مسؤولية، لكنها بدل أن تطالب بشاعر فلسطيني معتقل في السعودية، ذهبت لتكريم ملك السعودية "في الوقت الذي كان أشرف فياض يستعد لمحاكمته الظالمة قبل عامين، ذهب رئيس السلطة وقلد ملك السعودية "وسام فلسطين"! هذا يجعلنا نستثني أي نقاش عن دور "مرجعية فلسطينية" على الصعيد الرسمي، بالنسبة لي فإن "السلطة الفلسطينية" تحت النقاش فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين أجمع، وليس فقط بحق شاعر  يقبع سجون القهر والظلام“.

البرغوثي صاحب «مختبر الموت» يرى أن محاكمة فياض تدلل فقط على تخلفنا في هذا الزمن، ويطرح سؤال "ماذا يعني أن يسجن شاعر ويجلد لأنه عبّر عن نفسه عبر كلمات رأى أنها تمثله، وهل علينا أن نبعث بأفكارنا إلى الحاكم قبل أن نبدأ بالكتابة!“

محاكمة الرأي

فياض الذي تحركت جمهرة من المثقفين الفلسطينيين والعرب بداية اعتقاله ومحاكمته، غابت تماماً بعد وقت، مثل كثير من القضايا الكبرى التي تثار عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتغيب مع حضور قضية أخرى أهم أو أقل أهمية.

فلسطينياً، جرت تحركات شعبية لم تكن على مستوى الحدث، ويصفها طارق حمدان بالمخجلة، ويضيف أنها "اقتصرت على تجمع يتيم وكأنه مجرد رفع عتب.“

والد فياض رحل عن عالمنا حسرة على ولده المولود في الرياض عام 1980، لم تتحرك قضيته في العام الماضي، ولم تتناوله مقالات لمثقفين يتصدون لقضايا الحريات في غير مكان من العالم العربي. 

ومن المعروف أن فياض كان يعمل في منظمة Edge Of Arabia"" البريطانية السعودية للفن، وقد أدار عروضاً فنية في كل من جدة وفينيسيا، حسب موقع "هيومن رايتس ووتش" بتاريخ 23 نوفمبر 2015.

خلال التحقيقات مع فياض أكد أنه دخل في مشادة وهو يشاهد مباراة لكرة القدم في التلفزيون بمقهى في السعودية في يناير/كانون الثاني 2014، ثم وجد نفسه مقبوضاً عليه بتهمة الترويج للإلحاد في شعره.

وبعد الحكم على الشاعر الفلسطيني بالإعدام، صدرت انتقادات دولية واسعة، وطالب مئات المثقفين حول العالم بإطلاق سراحه. وقد سرع هذا الحراك إلى تخفيض الحكم، حينها صرّح عبد الرحمن اللاحم محامي فياض إن المحكمة في مدينة أبها الواقعة جنوب غرب السعودية "تراجعت عن الحكم السابق بإعدامه للكفر“.

ووفقاً لمنظمة العفو الدولية فإن فياض اعتُقل في أغسطس/آب عام 2013 عقب شكوى من مواطن سعودي زعم فيها أن فياض يدعو للإلحاد ويروج لأفكار التجديف.

وتم إطلاق سراحه في اليوم التالي، ولكن تم اعتقاله في يناير/كانون الثاني عام 2014 ووجهت إليه اتهامات بالكفر بسبب ما يفترض أنها تساؤلاته حول الدين ونشره الإلحاد في مجموعته الشعرية «التعليمات بالداخل» الصادرة عام 2008.

إذن بعد كل هذا شعر فياض كان هو الجريمة، وربما أفكاره، أو الكيدية التي أخذ بها، لكن فياض صرّح غير مرة أن قصائده تدور فقط "حولي كلاجئ فلسطيني. وحول قضايا ثقافية وفلسفية“.

في فبراير العام الماضي، عاد محامي الشاعر للتأكيد على أن قضية فياض لم تنته بعد، وذلك بعد نقض قاضي محكمة أبها العامة، في السعودية بـ 2 فبراير 2016، الحكم بردة الشاعر الفلسطيني أشرف فياض، مكتفياً بسجنه ثماني سنوات مع 800 جلدة.

إلى متى؟

وبعد فصول المحاكمة هذه يبدو أن كلام الشاعر الفلسطيني طارق حمدان مناسباً حيث قال لرمان: "الكيان الصهيوني الذي شرد والنظام السعودي الذي نفذ والسلطة الفلسطينية التي آثرت الخنوع، يتحملون جميعهم مسؤولية ما وقع على فياض وعائلته. أما نحن؛ فعلينا أن نكون جبهة مضادة لكل ذلك، هذا إذا كنا نحلم فعلاً ببلاد تتماثل مع قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان“

وكان مثيراً للجدل (والسخرية) خلال محاكمة فياض ما صدر عن قضاة تناولوا قضيته، إذ أن القاضي الذي حكم بإعدام فياض اعتبر أن توبته غير مقبولة بذريعة أنها أمر بينه وبين الله، ولا يعلم حقيقتها، علماً أن التشريع الإسلامي يقضي بهذه المسألة باستتابة المرتد لثلاثة أيام حسب ما نص عليه الفقهاء، ولا يحكم عليه مباشرة، ولا يحق للقاضي رفض هذه التوبة، وما حدث كان مخالفة شرعية، ولكن يحق للقاضي تعزيره.

وبطبيعة الحال يجب أن يعود الحراك لإعادة الاعتبار لقضايا حرية التعبير في بلداننا العربية خاصة تلك التي تسجل مستويات عالية، ومهيب البرغوثي الشاعر الفلسطيني الداعي لمثل هذا النضال من أجل الحرية أضاف في مداخلته معنا "قضية أشرف فياض هي قضية الشعر والكرامة الإنسانية في السعودية كنظام. وكمثقفين أقف مع كل ما قيل من كلمات تدعو لحرية الثقافة والمرأة وغيرها من ديباجات في الشأن السعودي. أي حرية الإنسان وحقوقه في الرأي". 

ويضيف البرغوثي: "إن قضية أشرف فياض هي قضية الشرف بشكل عام وعلينا أن ندافع عن الكرامة الإنسانية والمعرفة لندافع عن حق الكلمة وهذا ما يجعلنا نقف وراء الدفاع بقوة عن حرية الشاعر أشرف فياض“.

وبعد كل ما جرى لفياض ويجري له ولغيره في معتقلات الرأي داخل بلداننا العربية، يبدو أن قضية الحرية، قضية ملحّة، تستوجب حراكاً أكبر من المثقفين بمختلف مشاربهم وطبقاتهم، لأن السيف الذي كاد أن يطيح برأس الشاعر الفلسطيني أشرف فياض سيهوي على باقي الرؤوس إن لم يكن اليوم ففي الغد، رغم أنه يهوي بأشكال مختلفة على رقابنا يومياً.