أفكارٌ من الألياف الصناعية... قصائد لجان ريمي غاندون (ترجمة)

2018-05-09 11:00:00

أفكارٌ من الألياف الصناعية... قصائد لجان ريمي غاندون (ترجمة)
The Banquet by René Magritte, 1958. Oil on canvas, 38 ¼ x 51 ¼ in. (97.3 x 130.3 cm). The Art Institute of Chicago

ترجمها عن الفرنسية: ميس الريم قرفول وياسر عبد اللطيف

 

جالسان على العشب الأسود                 

1

هذا المساء، كنّا على العشب الأسود

بين قبلتين

نشاهد أخواتنا، النجمات

 

العينان في العينين

والأطفال ما زالوا يلعبون في الجدول

 

بصمت، يقع حصىً من السماء

ناعماً على جسدينا الهامدين

 

النيازك تخترق ثيابك،

يا حُبي

يداك مثل أعشاب البحر

نهداكِ سمكتان

 

أيها الموج، أيها المحيط

احتفظْ بغرقاك

امنحْنا حكاياكَ

عن العناقات، عن الأصداف

 

هل بوسعكَ استبقاء هذا الصيف أبداً!

 

2

يا حبي، يا حبي

قلبي يتكتك مثل مفاعل نووي

 

القشرة الأرضية،

قشرةُ الكلمات،

الحممُ البطيئة للكلمات،

عرقُ الرجل الذي يسيل،

في النهر، في البحر، في الريح، في الوحل

شرايينُ وأوعيةٌ مهيبة!

 

ساطعةً، الشمس

تدخلُ كل يوم في جلدي أكثر

عرقٌ

 

عرقٌ!

أوراق الشجر

ونفايات البحر البلاستيكية

قطراتُ عرق الرجل!

الخشبُ، اللحاءُ، النسغُ

قطراتُ عرقِ الرجل!

 

لن أعاركَ مجدداً

لن أتحرك مجدداً

أنا أنتظر عناق شظية الخشب

 

الفراغ بين الألواح التكتونية

الفراغ بين الأجساد

دفقةٌ بطيئةٌ من كلمات

الأرض تتلقّى بشغف قبلة المراكز النووية مخصّبةً باليورانيوم

 

مداعباتكِ تخترق جلدي

يداكِ تمسكان بعظامي

 

روحانا المشبعتان بإشعاعات اليورانيوم

تحترقان

تحترقان

إشاراتٌ

جزيئات

انشطارٌ

شقٌّ

 

جلدي يهوي عند قدميك

أنا عار

عارٍ كما لم أكن يوماً.

 

 

3

أرضُ أغسطس المحترقة

أنا موجود ولستُ موجوداً

أتخيلُ الأيام

أتخيل الليالي

أين ستكونين بين عناقين؟

فاترةٌ، فاترة

حارقةٌ، حارقة

أرض أغسطس!

 

يوميات                           

1 يوليو

اليوم، وبينما أقشِّر خُضارًا

سقطت الأرض في حجري.

 

3 يوليو                          

بين جلدي وجلدكِ

لعبة الكرة و الأوتاد

وشجرةٌ تنبح

وماءٌ جار تحت جسر

وثلاثة عشر زهرة نفل رباعية البتلات.

 

كل هذا حزين جدًا
كل هذا لا أهمية له.

 

بين جلدي وجلدك

عشر تفعيلات

وإحد عشر عود ثقاب

وأربعة عشر حريق

وبعض الويسكي

وأنابيب صمغ لاصق

 

كل هذا طريف جدًا

كل هذا لا أهمية له.

 

4 يوليو

متى يتحوّل حبل المشنقة إلى حبل لبهلوان السيرك

 

5  يوليو   

هذا الصباح

تنام الشمس في قاع البئر

ككرة نسيها أحد الأطفال

 

  8 يوليو                       

في بؤرة زلازل الصيف

كان الشك

يتبوّل واقفًا

 

أين كنتِ

حين كنتُ تائهًا

بين القشور والنخالات؟

 

دعسوقات الحب

المموّهة بالخطوط

في الليل

لا أرى سواك.

 

14 يوليو

أفكار من الألياف الصناعية

قابلة للغسل بالماء

أفكار تذوبُ

كقشدة الحلوى

هذا الصباح،

في زيه النوراني

التهم الديكُ الصباحَ.

 

الحقيقة والجمال والعنف

تنام عاريةً

أحب نهديها وأحب يديها

أحب الجدائل في شعرها

هذا الصباح

ثمة ديك بأفكار وحشية

يرقص في الحديقة.

 

23 يوليو

أحتسي النفطَ معكِ

وأنت لا تطيرين

وفي كل الأحوال، السقف منخفضٌ جدًا

ففيم ينفع الطيران؟

 

23 يوليو

لو ركبّنا للأرنب عجلات، هل سيصل أسرع؟

 

2 أغسطس

على سرير احتضارها

كانت تستعمل المكواة

مع فراشة

 

العصافير ثقيلة جدًا

والفراشات لا تغرّد

 

ولم يكن لديها بعد خواص الهواء نفسها

في كلّ مرة تغرب الشمس

كانت تنظر في مرآتها

السحبُ تعضّ شفاه الندم

في الأفقِ

وهي تفكر أن المرور من هنا كان صعبًا

 

لم يكن لديها بعد خواص الماء نفسها.

 

4 أغسطس

(لا يفقه شيئا  في الكيمياء)

 

شجرتان تربتان إحداهما على الأخرى

في قاع المسبح

فأر يشاهد برامج التلفزيون

خلف الأريكة

عبر ثقوب قالب الجُبن

 

لم ير العلاقة بين هذه الأحداث على الرغم من أنه عاصرها.

 

كم  القتلى اليوم؟

كانت لديه الرغبة في الطيران

أكثر من الاحتراق

الاحتراق نوع من التحلل

الطيران وسيلة لصنع السماء

وللتأكد أحيانًا

أن الأشجار تتصرف كالنجوم

وأننا نرى العالم لا زلنا

عبر ثقوب قالب الجبن.

 

8  أغسطس

كان لديها قط بثلاث أعين

يحب أحيانًا أن ينام في الثلاجة

بين المايونيز

والتفاحات ذات الذَنبين.

 

كان يحب التطلع إلى السماء

ومرطبانات المربى

ولديه خوف رهيب

من الغابات

 

"استغرقتُ وقتًا طويلًا في تتبع الجذوع حتى أعرف لمن تنتمي الأغصان"

 

وهكذا كانت تنام في أحضان كل الناس وفي حضن لا أحد.

 

10 أغسطس

في الليل

اغلق، اغلق هذا البيت مفتوح الفخذين

ثمة جليد تحت الباب

وسمكة على السطح

-إنها ليست نفسي ما انظر إليه

ولا أعشاب البحر التي تتجمع حول ساقيَّ

ولا الصلبان الموشومة على يدي-

 

نهر من أوراق الشجر الميتة

يجري في الغرفة

بين شجيرات العوسج

حيث أبحث عن النسيان

الذي خلقَني.

 

ماخراء الطبيعة  MÉRDAPHYSIQUE
 

وكلّ ماخراء الطبيعة الذي يقبضُ عليّ مرة أخرى، يشدني من شعري، يغطّسني في صحن حساء العائلة الدائري الكبير والصلب. كلماتٌ تدور فيه، كلماتٌ نحتسيها ونعاودُ احتساءَها حد التقيؤ.

الكل يصرخ [كُل]؛ بابا الفاتيكان وأبي؛ ليسوا وحدهم، كثرٌ كانوا كثراً فوق حصان يترنَح: المستشارة المفوضة وهي تتنقّل فوق كرسيها؛ المصرفية بثدييها الذين من دون ظلّ، كلهم يصرخون [كُل]

أصرخ أني لا أريد. الطفلة الصغيرة الممسكة ببنطالي تصرخ بأنها لا تريد. صوتُها في صوتي. صوتها داخلَ صوتي.

كنا نصرخ حتى كدنا نفجرُ لساننا...

فقدتْ بصرَها في معملٍ في مدينة كوانتونغ وهي تصنع هاتفي المحمول، احترقتْ حيةً عشراتِ المرات في بنغلادش وهي تصنع مِعطفي. قتلتُها بشكل عميق عدة مرات، مختلةً جالسةً في خلفية سيارة؛ داخلَ تلفاز بالغٍ في الصِّغر؛ في عليّة. أجبرتُها على الصلاة على أمواتٍ لا تعرفهم، راكعةً على ركبتيها، راكعة تجلس داخلي الذي يعارك كي لا تنهضَ؛ كي لا...؛ كي تنهضَ؛ كي تنفكَّ شفتاي عن حافة الوعاء حيث تدور حبات المكرونة الألف بائية؛ كي أرى الحساءَ والعجينة ...إلخ إلخ يتمشّون فوق حائط المطبخ.

أشربُ. لا أشرب. أنا لا أشرب...
 

الآن هي تتقيّأ، تتقيأ التنازلات، تتقيأ التنفسَ الهادئ لأولئك الذين يعملون وهم جالسين؛ أولئك مَن بمكالمة هاتفية واحدة يطلبون عاهرةً أو وجبةً بيتزا؛ مَن يقتلون نفسهم ألف مرة في اليوم خلال لعبة الفيديو ذاتِها، الوجهُ مغطسٌ في كتلة الخراء اليومية الفيزيائية وغير الخاضعةً للضرائب؛ التي بوسعنا قياسها بكيلو غرام واحد، من الخبز؛ من أصابعَ مقطوعة؛ من صُلبان؛ من طماطم مهروسة؛ من ماوراء الخبز؛ من ماوراء الأصابع؛ من ماوراء الصُّلبان؛ من ماوراء الطماطم، حيث كل فردٍ يبحث عن مسحوق روحه؛ عن حساء عقله؛ عن سماد جسده؛ وحيث كل منهم يَرعى؛ مثل ماشية داخل الحظائر؛ تمضغُ؛ تلوك؛ تُمزّق؛ تبتلع مغليّها من المخاوف؛ هذه المخاوف بالضبط؛ هذه لوحدها؛ هذه بمفردها؛ لا مكان لمخاوفَ أخرى؛ لا لتلك التي يبثّها الليل الذي لا حروف له، ولا لتلك السوداء، أو لتلك التي تتدفق على وجه القديسين؛ ولا التي تقتلع العينين؛ أو التي تحرق العشب الجاف بالبنزين؛ التي تخرب الهناء الذي يعيشه كلٌّ بمفرده مع نفسه؛ تلك التي لليل الذي في الجسد؛ في دمه؛ أحشائه؛ في باطن جلده.

بينما هي تسلم روحها. ألتقط نفَسها الأخير. علينا القيام بذلك دوماً مع مَن يحتضرُ. علينا مراقبة فمه على أية حال. إذاً، هي آخرُ تنهيدةٍ، إذاً، آخرُ صرخةٍ إذاً، صرخةٌ داخل صرختي إذاً، صرخةُ كلب. أنزّهُ ذيلي في المقاهي، أنزّه ذيلي الصارخ البارد، ذيلي الذي يراقب ذيل الفتيات الجميلات يعبرُ والمتشردين يموتون. أنا كلبة، أنا امرأةٌ، أنا متشرّدٌ. أنا هذه القطعة غير المكترثة من الخشب، عظْمةٌ مني داخلي، عظْمةٌ من العالم داخلَ العالَم. أنا هذه القطعة من الخشب المشروخة من صراخ طفلة صغيرة، القطعة التي تفتح الأرض لتجعلها تتفجّر مثل رمّانة. سأقذف الشِّعر بقطراتٍ حارقة وساخنة وسأُعنى بأن تغرق كل مراكز التسوق الضخمة والمولات؛ مُغرقةً الأسماك والسموم؛ وكل الفراديس الضريبية؛ ال ديزني لاند من كل نوع؛ قهوتكَ؛ شريحة خبزكَ المدهونة بالزبدة؛ جريدتكَ، أطفالكَ؛ عشيقاتكَ وعشّاقكَ وحتى فتافيتُ خبزِ القرفة والزنجبيل البائت المتروكِ للصراصير في أسفل علبةٍ معدنية فوق رف المطبخ؛ إلى أن تتحول إلى ماخراء الطبيعة؛ وتصيرَ دابّةً مغطاةً بزهورٍ عطِرة وأنت ستشتمّها كما يفعل المارموط مع الربيع، قبل أن تأخذها بيدك وتغربَ عن وجهي، أخيراً!

 

*جان ريمي غاندون: شاعر فرنسي، من مواليد عام 1970. تخرج في  الجامعة بدرجة في الفلسفة.  كما درس بورشة الشاعر سيرج بيه للكتابة الإبداعية بجامعة ميراي في مدينة تولوز بين عامي 1991 و 1993 . أب لطفلين، ويعمل  حاليا كموثق في مركز للتدريب على العمل الإجتماعي. نُشرت قصائده في عدد من المجلات الفرنسية.