أدباء أتوا إلى فلسطين، لمعرض الكتاب فيها، وهذه مشاهداتهم...

2018-05-13 00:00:00

أدباء أتوا إلى فلسطين، لمعرض الكتاب فيها، وهذه مشاهداتهم...
مدخل المعرض

لا تكتمل فلسطينية الفلسطيني كاتباً كان أم شاعراً أم قارئاً إلا إذا حقق التماهي بينه وبين الوطن، ولا يكتمل هذا التماهي دون منصة تفاعلية حقيقية يتواصل من خلالها الكتّاب المبدعون مع الجمهور سعياً لإلهام الأجيال القادمة كي تبقى الشعلة متّقدة. فكل كتابة إبداعية هي بمثابة صفعة قوية للنرجسية الجمعية الصهيونية وانتصاراً لكرامتنا وتضامننا الإنساني وشعورنا بإنسانيتنا في فضيحة الزمن العربي الرسمي.

يحتضن مقر المكتبة الوطنية الفلسطينية (قصر الضيافة سابقاً) في مدينة رام الله، في الفترة ما بين يوم الرابع من الشهر الحالي وحتى الثالث عشر منه، معرض فلسطين الدولي للكتاب في دورته الحادية عشرة، تحت شعار "فلسطين الوطن.. القدس العاصمة"، التي تعد الأكبر في تاريخ معارض الكتاب في فلسطين المحتلة، والتي توزعت فعالياتها بين تواقيع كتب لعدد من الشعراء والكتّاب الفلسطينيين والعرب، وندوات أدبية حول الرواية الفلسطينية والعربية، والقصة واليوميات، والترجمة والأدب، وأدب المعتقلات والأغنية الفلسطينية وغيرها، وأمسيات فنية وموسيقية، وذلك بحضور المئات من الأدباء الفلسطينيين والعرب من كل حدب وصوب.

"رمان" كان لها وقفة مع عدد من شعراء وكتّاب فلسطين في الشتات والمنافي البعيدة، ومن غزّة التي حرم الاحتلال كتّابها من الحضور في هذه الدورة. فكان هذا التحقيق، ليضيف كل ممن حاورناهم فصلاً من فصول الرواية الإبداعية الوطنية، لتصبح المسافات بيننا أقصر، والمدن البعيدة إلى فلسطين أقرب..

الروائي الفلسطيني البريطاني أنور حامد: نحن هنا، وإلى هنا دوماً نعود

حضرنا إلى معرض فلسطين الدولي للكتاب في رام الله من منافينا الاختيارية أو الاضطرارية، وكل يحمل جواز سفر بلد احتضنه. جاء كتّاب من دول عربية، متحدين عقبات الاحتلال واتهامات التطبيع المعهودة. أما غزّة، المغبونة الأزلية، فغاب كتّابها بسبب العقبات الإسرائيلية، كما غاب كتّاب وناشرون عرب.

واصلت وزارة الثقافة، هذه السنة أيضاً، توزيع فعاليات المعرض على المحافظات، للتخفيف من مركزية رام الله، فكان هناك نصيب من الندوات والأمسيات الشعرية لجنين وبيت لحم وعنبتا وغيرها.

عقدت ندوات وأطلقت كتب، وجرت نقاشات، وتشبثنا بمبدأ حيوي: أن الثقافة، أيضاً مقاومة: الشعر والنثر والنقاش، تحدي الصعوبات والعراقيل، رفع الصوت عالياً: نحن هنا، وإلى هنا دوماً نعود. تشتتنا المصائر وتتقاذفنا الحياة شرقاً وغرباً، لكننا نلبي النداء حال سماعه: "نداء الكلمة والكتاب".

ختاماً، لا بد من توجيه كلمة شكر لكل العاملين في المعرض، من كل المستويات الوظيفية، فبدون تفانيهم، واصلين الليل بالنهار، ما كان هذا المعرض لينجح.

شكراً لزوار المعرض أيضاً، الذين توافدوا إليه من أنحاء الوطن، من نهره إلى بحره.

الشاعر والروائي الفلسطيني المالطي وليد نبهان: إلهام للأجيال القادمة كي تبقى الشعلة متّقدة

هذه أول مشاركة لي في معرض فلسطين الدولي للكتاب في نسخته الحادية عشرة، وقد كانت بمثابة تجربة عميقة وحميمة منحتني القدرة على الانتساب وأخرجتني من صف المشاهدين دفعة واحدة.

لا تكتمل فلسطينية الفلسطيني كاتباً كان أم شاعراً أم قارئاً إلا إذا حقق التماهي بينه وبين الوطن، ولا يكتمل هذا التماهي دون منصة تفاعلية حقيقية يتواصل من خلالها الكتّاب المبدعون مع الجمهور سعياً لإلهام الأجيال القادمة كي تبقى الشعلة متّقدة. فكل كتابة إبداعية هي بمثابة صفعة قوية للنرجسية الجمعية الصهيونية وانتصاراً لكرامتنا وتضامننا الإنساني وشعورنا بإنسانيتنا في فضيحة الزمن العربي الرسمي.

جاءت مشاركتي من خلال روايتي «هجرة اللقالق» الصادرة مترجمة من اللغة المالطية عن (الدار العربية للعلوم) في بيروت 2018، والحائزة على جائزة الاتحاد الأوروبي للأدب لعام 2017، والتي سبق لها أن فازت بالجائزة الوطنيّة للأدب سنة 2014 في مالطا. بالإضافة إلى مشاركتي في ندوة بعنوان «الترجمة والأدب: فلسطين والعالم» مع الدكتور إبراهيم أبو هشهش والدكتور محمد أبو زيد.

شكّل معرض فلسطين الدولي للكتاب بالنسبة لي فرصة ثقافية غنية وثمينة للتواصل عن كثب مع نخبة من مثقفي وأدباء فلسطين بداخلها وشتاتها والوطن العربي الذين اثْروا هذه التظاهرة النضالية سواء بكتبهم أو ندواتهم وأمسياتهم الدافئة.

أتمنى أن يقام معرض فلسطين على كافة محافظات الوطن وبشكل سنوي أسوة بباقي الدول.

أسعدني كثيراً الحيز المخصص للأطفال، وأحزنني ضعف إقبال الفلسطيني على اقتناء الكتب.

الروائي الفلسطيني الكندي شاكر خزعل (المقيم حالياً في نيويورك): احتفاء هام بالثقافة الفلسطينية التي تربينا عليها

ككاتب فلسطيني يعيش في المنفى البعيد، يعنيني جداً أن أوقع كتابي في مدينة رام الله في فلسطين المحتلة، لعدة أسباب أهمها أن هذه الأرض هي الوطن، ودائماً يرتاح المرء في بيته ويشعر بالفرح والسعادة هو ومن حوله. كما أشعر شخصياً بالفخر لأني بين أهلي وفي بيئتي الفلسطينية التي تشاركني هذا الشعور بالفخر.

فلسطين وطننا المجروح وأي شيء أقدمه لهذا الوطن حتى يرى العالم صوراً جميلة عنه، عن ثقافتنا وأدبنا وعن أشخاص يسعون دوماً إلى البناء والتغيير، فإنه يمنحني شعوراً لا يوصف.

وككاتب أن أشارك في الاحتفاء بروايتي الرابعة «حكاية تالا» Tale of Tala، الصادر باللغة الإنكليزية عن (دار هاشيت أنطوان) البيروتية، مع أهلي وأهل وطني فهذا بالنسبة لي احتفال كبير بمنجزي الشخصي، وأيضاً احتفاء هام بالثقافة الفلسطينية التي تربينا عليها.

ومعرض الكتاب الفلسطيني تكمن أهميته أولاً بجمعه لعدد كبير من الكتّاب والشعراء الفلسطينيين والعرب والأجانب، وثانياً بتأكيده أن فلسطين بالرغم من كل الجروح والآلام والمصاعب هي وطن مثقف، وطن مبدع.

ولا أخفيكم أني وأنا أتعرف على الكتّاب الفلسطينيين والعرب ومن كل دول العالم، وأتجول بين جمهور المعرض، شعرت بفخر كبير لأني عربي، ومصدر فخري أن العروبة تقرأ، وأن العروبة ثقافة.

الخطاط والفنان أحمد داري (المقيم في فرنسا): الفن في ضيافة الكتاب

أشارك هذا العام في معرض الكتاب في نسخته الحادية عشر بصفة فنان فلسطيني قادماً من فرنسا، من خلال إقامة ورشات خط عربي إبداعية مفتوحة للجميع، ربما هذه هي الصورة التي قدمتني بالمعرض، إلا أنني استعيد بهذه المشاركة تفاصيل استثنائية إلى ما قبل اثني عشر عاماً حين كنت أعمل كمندوب مساعد لفلسطين لدى منظمة ”اليونسكو“ في باريس، في تلك الفترة جاءت فكرة إقامة معرض للكتاب في رام الله وكانت المعضلة الأساسية إدخال دور النشر وكتبهم إلى الوطن، قوائم تتجاوز الخمسة آلاف كتاب، هنا وضع الاحتلال شروطاً تعجيزية للرقابة على إدخال هذه الكتب مما خلق أزمة في إمكانية إقامة المعرض من الأساس، فبدأنا نفتش عن حلول لتجاوز هذه الأزمة. في تلك الفترة كانت (اليونسكو) قد أسست مكتباً إقليمياً لها في رام الله، هنا جاءت فكرة المرور من خلال هذه المنظمة الدولية كشريك أساسي بالمعرض، وإدخال كافة الكتب من خلال مكتبها الإقليمي برام الله دون الخضوع لرقابة الاحتلال المتوجس والمتخوف من قدرة الكتابة والقراءة من رفع مستوى الوعي المجتمعي.

تابعنا أيامها من باريس مع وزارة الثقافة في رام الله هذا النجاح في إقامة المعرض، أيضاً استطعنا إشراك معهد العالم العربي في باريس الذي كان له جناحاً كبيراً في المعرض قدم إنتاجاتهم ومنشوراتهم. يومها لم يتسنّ لي القدوم إلى رام الله للاحتفاء بهذه المناسبة.

اليوم أستعيد مشاعر تلك الفترة التي رغبت يومها زيارة المعرض والتجول بين أجنحته والتفاعل مع رواده من مثقفين ومهتمين بالشأن الثقافي والإبداعي، كانت مفاجأة بالنسبة لي دعوة وزارة الثقافة لي للمشاركة هذا العام بصفتي فنان، هذه الصفة التي وضعتني في مصاف الأدباء والمثقفين والفنانين المشاركين... بالتأكيد أتت الدعوة بموعدها وبمكانها الأصح ولو متأخرة لأقدم ما لدي من مادة فنية إضافية بعد اثني عشر عاماً كنت قد خلعت فيها ثوب الديبلوماسية الباهت.

الشاعر والناقد عبد الرحمن بسيسو: قارؤو اليوم هم قادة الغد

كانت النسخة الحادية عشرة من معرض فلسطين للكتاب ظاهرة مميزة وفريدة، وذلك لأمرين أولهما أنه يعقد في مقر المكتبة الوطنية الفلسطينية الذي تم مؤخراً الحصول على مرسوم رئاسي بتحويل قصر الضيافة إلى مقر للمكتبة الوطنية، وهذا حلم قديم راود العديد من الكتّاب والمثقفين الفلسطينيين من زمن بعيد، والآن قد تم بالفعل إيجاد المقر الملائم للمكتبة الوطنية التي هي ذاكرة الشعب الفلسطيني الباقية.

المسألة الثانية، هي حجم المشاركين فهناك عدد كبير من دور النشر العربية إضافة لحضور عدد كبير أيضاً من الكتّاب والمثقفين والمفكرين والفلاسفة العرب والأجانب في هذه الدورة، وهذا ما يفتح الأفق أمام أنشطة وفعاليات وندوات وحلقات نقاش ومشاركات كثيرة.

كما تتسم هذه الدورة بأن حيزاً كبيراً منها مخصص للأطفال، ويوجد أنشطة عديدة مدهشة للأطفال منهم ومعهم، وهناك شعار ثاني للمعرض إضافة إلى شعار "فلسطين الوطن.. القدس العاصمة"، هو "قارؤو اليوم هم قادة الغد".

في هذا المعرض تحديداً لي ديوان شعر عنوانه «شامندة وأطياف الوردة»، وهو من قصيدتين كبيرتين الأولى: "شامندا"، والثانية: "أطياف الورد"، وهو يركز على قراءة وجدانية حقيقية لفكرة الأنوثة، الأنوثة كفكرة وتجليات من منظور شعري وجودي. وهنا لا أريد أن أتكلم عنه كناقد أدبي وإنما هذه تجربة شخصية جداً، وخاصة جداً، ووجدانية جداً، تتعلق برؤية الشاعر الذي كتب، وليس هذا الذي يتحدث معكم، وإنما هذا الذي جلس يكتب عن المرأة في جميع تجلياتها.

الشاعر الغزّي مجد أبو عامر: غزّة تكتب، وغزّة تطبع، وغزّة تقرأ

كنّا ككتّاب وشعراء غزّة قد هيّأنا أنفسنا وكتبنا وحقائبنا؛ للمشاركة في معرض فلسطين الدولي للكتاب، لكننا وجدنا -وتزامناً مع يوم الكتاب العالمي وحقوق النشر- أنه لم يتم استصدار التصاريح اللازمة؛ للسماح لنا بالتنقّل إلى الضفة الغربية.

بالطبعِ أثّرَ الأمر عليّ -على المستوى الشخصي- فمن خلال المعرض، كانت ستكون الفرصة الأولى لي، لأرى الجزء الآخر من الوطن، الذي أراه ولا أراه، كما أنّه كان من المفترض أن أطلق مجموعتي الشعرية الأولى «مقبرة لم تكتمل» في المعرض، وكذلك لقائي بأصدقائي الكتّاب المقيمين في الضفة الغربية وفلسطين الداخل. وباعتقادي، فإن منع كتّاب ومثقفي غزّة من المشاركة بالمعرض، هو استمرار لمشروع فصل قطاع غزّة عن الضفة الغربية بصورةٍ كاملة، فإلى جانب الفصل السياسي والاقتصادي والجغرافي والاجتماعي، ها هو الشرخُ يمتدُ إلى المستوى الثقافي، وهو الأكثر فظاعةً على الإطلاق، لأنّ غزّة لديها إنتاج ثقافي وأدبي ناضج وإبداعي، من الضروري تواجده في التمثيل الثقافي الفلسطيني.. لهذا عقدنا مؤتمراً صحافياً بعنوان "كتّاب مُبعدون"، نوضح فيه استنكارنا لمنع الكتّاب من المشاركة، ونطالب فيه وزارة الثقافة ووزارة الشؤون المدنية، بالتحرك الجاد وعدم التسليم بالقرار الإسرائيلي، لتحقيق مشاركة كتّاب غزّة، ومن ثمّ قمنا بحملة لجمع التواقيع على عريضة حقوقية، لتوجيه رسالتنا إلى المنظمات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان، وختاماً قمنا وبجهود شبابية دون أي حاضنة من المؤسسة الرسمية، بتنظيم معرض كُتّاب غزّة، والذي استمر لمدّة ثلاثة أيام، وشارك فيه ٦٠ كاتباً وفناناً وموسيقياً وباحثاً، كما تخلله حفلات توقيع وندوات فكرية وأدبية، وأمسيات شعرية وموسيقية، وأعتقد أننا نجحنا، لأنه كان لا بدّ من إثبات أن غزّة لها طريقتها الخاصّة للتعبير عنها والاحتفاء بكتّابها ومبدعيها، وللدلالة على أنّ غزّة تكتب، وغزّة تطبع، وغزّة تقرأ.

وكنّا مُصرين أن يُعقد معرض كتّاب غزّة بالتزامن مع معرض فلسطين الدولي للكتاب، وذلك لسدّ الفراغ، ومنع الانقسام الثقافي بسبب تصريح مرور لم يصدر.

أعتقد أننا نجحنا في تحركاتنا، وخصوصاً بمطلبنا الأساسي بعدم تهميشنا، أو السكوت على منعنا، وعلى الأقل أوصلنا رسالة بأن هناك كتّاب في غزّة من حقهم التمتع بأدنى حقوقهم الإنسانية، خصوصاً في ظل غياب الحاضنة الرسمية، جرّاء الاِنقسام السياسي، وبالتالي نمنع تكرر مثل هذا الإبعاد.. والدليل على ذلك، أنّ أصدقائنا الكتّاب، الذي يتسنى لهم الوصول للمعرض، سينظمون في آخر أيام المعرض قراءات لكتّاب وشعراء غزّة، تأكيداً على أهمية مشاركتنا.