أغاني الأطفال، بين الغناء عنهم والغناء لهم

2018-06-13 12:00:00

أغاني الأطفال، بين الغناء عنهم والغناء لهم
ريم بنا، من صور ألبوم نوّار نيسان، للأطفال.

من قلب هذا المنع، خُلق الرمز والمجاز وأخذ له مكانًا في مصطلحات الناس البسطاء، فظهرت القصص الشعبيّة المليئة برموز التحدي والاستهزاء من جبروت العدو الجبان الذي يحتمي بالسلاح أمام بطولة الطفل المتسلّح بالحجر، صار الحجر والمقلاع والمفتاح والأطفال والنضال الشعبي واللحمة المجتمعيّة،

عندما نتكلم عن أغاني الأطفال نتكلم عن نوعين من الأغاني: الأوّل، الأغاني التي تتحدث عن الطفولة والأطفال وهي ليست بالضرورة موجهة للطفل، والثانية التي تتحدث بلغة الأطفال عن مواضيع تهمّهم وتنمّي الذائقة الجماليّة والسمعيّة لديهم. في الحالة الفلسطينيّة تحديدًا، الحدود بين هذين النوعين من الأغاني تبدو واهية، فالأطفال ظلوا لفترة طويلة رمزًا للبطولة والفداء، والطفل "يسوع" جاء مخلصًا للبشريّة وضحى بنفسه لفدائها. وهذا الأمر لم يأتِ بالصدفة، لقد كان حاجة أكثر من كونه طريقة.

ضحايا المحتل والأفكار البطوليّة

قبل الانتفاضة الأولى عاش الفلسطينيّون منفصلين عن محيطهم العربي، فقد كانوا ممنوعين من ترديد اسم فلسطين أو التغني بها وبرموزها الوطنيّة كالعلم والنشيد الوطني، في تلك الفترة بدأ الفلسطينيّون يستكشفون طرقًا جديدة في النضال الشعبي معتمدين على الرموز والشعارات التي حمّلوها همّهم الوطني والنضالي ومعانيهم الكبرى في الصمود والمقاومة.

من قلب هذا المنع، خُلق الرمز والمجاز وأخذ له مكانًا في مصطلحات الناس البسطاء، فظهرت القصص الشعبيّة المليئة برموز التحدي والاستهزاء من جبروت العدو الجبان الذي يحتمي بالسلاح أمام بطولة الطفل المتسلّح بالحجر، صار الحجر والمقلاع والمفتاح والأطفال والنضال الشعبي واللحمة المجتمعيّة، البنية التحتيّة للفن الفلسطيني الذي امتد للوطن العربي. جعل الفن فلسطين في ضمائر العالم الحرّ أيقونه للتنديد بالبطش والاحتلال والظلم في كل مكان. وربما نذكر جميعًا كيف تربينا في الثمانينيات وما بعدها على أغنيات "أعطونا الطفولة" و"كبروا الصغار يا جبل النار" و"لأجلك يا مدينة الصلاة (زهرة المدائن)"، التي كنا كأطفال نحفظها ونرددها كأنها أغانينا نحن. لكن الكثير من المغنين المهمين التفتوا منذ التسعينيات إلى الأطفال بوصفهم ضحايا هذا كلّه؛ ضحايا المحتل وضحايا الأفكار البطوليّة التي نوسمهم بها أيضًا.
 


مخاطبة الطفولة

في العام 1995، أطلقت ريم بنّا ألبومًا للأطفال في بعنوان  "قمر أبو ليلة"، وفي العام 1996 ألبوم "مكاغاة"، وألبومها الأشهر "نوار نيسان" في العام 2009 والذي، وإن كان مُهدى للأطفال اللاجئين، إلا أنه تجسيد واضح للإنتاج السمعي الراقي الذي يرفع من وعي الطفل ويخاطب طفولته، سواء على مستوى اللحن أو الكلمات. لكن ريم لم تكن وحدها من الكتاب والمغنين المعاصرين الذين التفتوا إلى الطفل بعيدًا عن رمزيته السياسيّة، فهناك الملحن سعيد مراد (فرقة صابرين) وسهيل خوري، وخالد جمعة، ووضاح زقطان، وعودة ترجمان، ووسيم الكردي، على سبيل المثال لا الحصر، وهم جميعًا يكتبون ويلحنون للكبار والصغار، وربما تكون أغانيهم مكتوبة بوعي إبداعي دون التخلي عن المواضيع السياسيّة والرمزيّة التي تعكس ثقل أن تكبر طفلًا في بلاد مثل بلادنا.
 


أغاني تُعنى بالأطفال

حديثًا، ومع الانفتاح الكبير الذي حصل في الوطن العربي نحو أدب الطفل الموجه نحو مواضيع الطفل (التي ربما تكون نفسية وتربوية وتعليمية أكثر من كونها خطابات رمزية ذات رسائل سياسيّة في الأساس) ومع وجود البرامج التلفزيونيّة الموجهة للطفل وكثرة المشاريع التي تنفذها مؤسسات المجتمع المدني والتي تستخدم الأغاني والموسيقى كنوع من التفريغ النفسي، أصبحنا نجد مجموعة من الأغنيات التي تُعنى بمواضيع الأطفال نفسها مثل؛ النوم والأكل الصحي والحفاظ على الجسد وحمايته وغيرها من المواضيع التربويّة والنفسيّة والاجتماعيّة. وربما مناسبة جيدة هنا لذكر أعمال الموسيقي فرج سليمان الأخيرة الموجهة للطفل مثل العمل الأوبيرالي المأخوذ عن رواية "تنانين بيت لحم" لهدى الشوا وألبوم "قلبي غابة" الذي وضع كلماته كلّ من رنين حنا (والتي غنت الألبوم) والكاتب مجد كيّال. وهذا التوجه الجميل للشباب الموسيقيّين والكتّاب نحو هذا الفن هو مؤشر إيجابي جدًا، لأنه يعني أن الجرأة والتجريب حاضران في الأعمال المقدّمَة وهو ما يحتاجه أي فن للتطور والانتعاش.
 

 

هذا المقال هو جزء من ملف "الأغنية الفلسطينيّة، سردية الناس والمكان" إهداء لذكرى الفنانة الفلسطينيّة ريم بنّا. وهو من إعداد رشا حلوة.