25 حزيران - 31 تمّوز، 2018، في دار النمر ببيروت

إيقاعات زمن مختلف: معرض استعادي للفنان توفيق عبد العال

2018-07-13 13:00:00

إيقاعات زمن مختلف: معرض استعادي للفنان توفيق عبد العال

نال الفنان توفيق عبد العال العديد من الأوسمة منها وسام اللوتس في موسكو، ومرتبة شرف من متحف سرسق العام 1970، ودرع الفنان ناجي العلي في دمشق العام 1991، وكأن آخرها منحه وسام القدس في احتفال نظمته نقابة الفنون الجميلة في سوريا العام 1993.

تحت عنوان «إيقاعات زمن مختلف»، تقيم دار النمر في بيروت، المعرض الاستعادي الأول للفنان الفلسطيني توفيق عبد العال الذي ولد في العام 1938 في عكا، ثم شرد إلى لبنان في العام 1948، وعاش فيها حتى وفاته في العام 2002. يعتبر توفيق عبد العال من الرعيل الأول من الفنانين الفلسطينيين التشكيليين. عبر مسيرة تشكيلية عمرها أربعون عاماً تمتد منذ أوائل الخمسينات وحتى أواخر الثمانينات، قدم هذا الفنان للإرث البصري الفلسطيني مئات اللوحات الزيتية والمائية، بالإضافة إلى أعماله في فن النحت، وأعماله في التخطيط بالحبر الصيني والرصاص.

يتضمن المعرض ما يقارب الخمسين عملاً فنياً تعود للفنان توفيق عبد العال، وتتنوع بين اللوحات، رسومات الأبيض والأسود المنفذة بالرصاص، وعدداً من المنحوتات الخشبية، وكذلك تعرض بين هذه الأعمال الفنية فيديوهات تعرّف بمدينة عكا، التي ولد الفنان فيها. الأعمال الفنية في المعرض تغطي طيلة المسيرة التشكيلية للفنان، وتبين التنوع الواسع في تقنياته وأساليبه الفنية بين الواقعية والإنطباعية والواقعية التجريدية والتجريدية اللونية.

بالتزامن مع المعرض أقامت دار النمر ندوة عن الفنان، وأطلقت كتاباً خاصاً عنه باللغتين العربية والإنكليزية، ضم أعمالاً فنية، ونصوصاً صحفية ونقدية كتبت عن الفنان، من بين أبرز المشاركين في نصوص الكتاب: الفنان والمؤرخ الفلسطيني ناصر سومي، الناقد اللبناني روجيه عوطة، د. فصيل دراج، علي حسن الخلف، وكذلك نص للدكتورة مليحة مسلماني، وشربل فارس.
 


المسيرة الفنية

منذ معرضه الأول في العام 1962 في الجامعة الوطنية عاليه في بيروت، لم يتوقف الفنان التشكيلي توفيق عبد العال عن تقديم المعرض تلو الآخر في لبنان طوال سنوات الستينات، ومع بداية سنوات السبعينات انتقل إلى تحقيق أول معرض عالمي، وتحديداً في العام 1970 أقام معرضاً في تركيا، ومن ثم في فينيسيا – ايطاليا، وكذلك في نفس العام أقام معرضاً في المتحف الوطني العراقي في بغداد، وفي العام 1976 قدم معرضين الأول في معرض طرابلس الدولي ليبيا، والثاني في صالة سنوونسكي سنتر في زغرب - يوغوسلافيا، ثم معرضاً في العام 1979 في مبنى الأمم المتحدة بسويسرا، وفي نفس العام معرضاً آخر في متحف الفن الحديث في لشبونة – البرتغال، وفي العام 1980 أقام معرضاً في العاصمة القطرية الدوحة، وطيلة تلك السنوات لم يتوقف الفنان عن تقديم المعارض في بيروت نذكر منها معرض العام 1982 الذي ترافق مع دخول الإحتلال الإسرائيلي إلى العاصمة اللبنانية، حيث احترقت أعماله خلال هذا الهجوم، فتوقف الفنان عبد العال لعشرة سنوات عن تقديم المعارض ليكون آخرها في العام 1992 في القاعة الزجاجية في وزارة الإعلام اللبنانية.

إن تجربة عبد العال تُظهر بحثه الدائم في المدارس الفنية المختلفة، وفي اللون والضوء والظل والتكوين العام للوحة، لا تنتمي أعماله لمدرسة فنية محددة، بل تختزن تجارب فنية لمدارس متعاقبة. يكتب عن هذه التجربة الفنان اسماعيل شموط قائلاً: ”لوحات توفيق عبد العال في الخمسينيات والستينيات اتسمت برومانسية جميلة تجلت في جمال ألوانها وتناسق التكوين فيها، وكانت تنعكس فيها تلك الألوان التي عششت في ذاكرته من بحر عكا وارتطام موجاته بسورها التاريخي.“

أما علي حسن خلف فيكتب عن تجربة البدايات عند الفنان عبد العال فيتوقف عند معرضه المقام في أيلول العام 1963 في معرض الفنون الجميلة برمانا – لبنان، حيث قدم الفنان 24 لوحة زيتية. ثم في العام 1966، مع معرض جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت في بيروت حيث قدم عبد العال أعماله المائية التي حققها خلال عشر سنوات، وضم المعرض 48 عملاً من الأكواريل، ومن بعدها تبلورت لوحاته الموحدة الطابع التي سميت بالمرحلة الزرقاء الزيتية، ويرى الكاتب علي خلف أن الفنان في هذه المرحلة أنجز جميع أعماله تحت هاجسين متناقضين عاشهما بإشباع كامل: الصوفية وبنات الليل. ففي معرضه المائي قدم ثماني لوحات عن بنات الليل: ”تخيب الموسيقى“، ”عالم الليل“، ”بقايا جسد“، ”موت البجع“، ”الدرب الطويل“، ”لبؤة في الليل“، ”الضوء النحيل“، و ”انتظار ”.

ومن نص لاسماعيل شموط نتعرف على تأثير أحداث العام 1967 على مسيرة الفنان التشكيلي عبد العال: ”أحداث العام 1967، وما عرف بالنكسة هزت الفنان توفيق وأعادته إلى جذور وجوهر المأساة الفلسطينية، وصارت هي الموضوع الرئيس في إنتاجه، لكنه ظل وفياً لأسلوبه الرومانسي من حيث الشكل، ولم يتخل عنه رغم استبداله للموضوع، كما استمر في عشقه للون والتحاور معه والتغني بجمالياته.“

أما الكاتب الكويتي أحمد حسين فيكتب عن ما يعرف بمدرسة ”البعد الواحد وتيار الحروفية العربية“، مبيناً تاريخ هذا التيار وكيفية تأثر الفنان توفيق عبد العال به: ”تكوّن تجمع «البعد الواحد» في بداية الأمر من ستة فنانين عراقيين وهم: شاكر حسن آل سعيد، جميل حمودي، محمد غني حكمت، عبد الرحمن الكيلاني، ضياء العزاوي، ورافع الناصر وكان ذلك في العام 1971، ترك هذا الجمع تأثيراته في أوساط الفنانين العرب، وهكذا وفي لبنان قام الرسام توفيق عبد العال في العام 1973 بتأسيس جماعة فنية أطلقت على نفسها جماعة «البعد الواحد» ضمت عدداً من الفنانين الحروفيين.“

أما د.فيصل دراج فقد كتب تحت عنوان ”عبد العال تماثل الفن بالحياة“: ”عالم توفيق يكسر الحدود، ويمضي في مملكة اللون، فيصبح اللون إشارة إلى زمن، وإشارة إلى عالم ثم تتداخل الألوان، وتتسع العوالم، فيرى قارئ اللوحة جموح الفنان وطرقه المتعددة، التي تمضي إلى البحر والثورة والإنسان.“
 


أبرز الموضوعات

المراكب، الصيد، الشباك والبحر:

يُجمع النقاد بأن هذه الموضوعات التي تتناولها الفنان عبد العال في لوحاته تعود إلى استلهام مشاهد الحياة اليومية من مدينته الأم عكا، ومن ثم أيضاً المدينة البحرية الثانية التي أكمل حياته فيها أي بيروت. فيكتب عن الموضوع ناصر سومي: ”المجموعة الأهم من أعمال عبد العال تمحورت حول مشاهد مدينته اليومية، كالمراكب والصيد والشباك والبحر، فلم يكتف بالجانب المشهدي لما تراه العين أو تختزنه الذاكرة، بل اعتبر تلك المشاهد مادة خصبة لمعالجة فنية عالية الحرفية وشديدة الإنتساب إلى فناني عصره. استخدم توفيق توليفات من البقع اللونية والخطوط المتماهية مع الفن التجريدي.“

بينما يرى الناقد روجيه عوطة أن البحر عند الفنان عبد العال لا ينفصل عن جمة الأرض، بل إنه يشكل أفقها حسب تعبيره، ويتطرق في نصه عن الفنان عبد العال بعنوان ”خط توفيق عبد العال دنيا الكثرة و آخرها“، إلى التجربة المتميزة للوحة عبد العال في التعامل مع تراكيب البحر واليابسة، ومع الانعكاسات البصرية بين السماوي والمائي، فيحلل بدقة لوحات بارزة الجمالية والأسلوبية في تاريخ الفنان، ومنها لوحته ”أحلام الصياد“، 1966، و لوحة ”الجاروفة“، 1966، كذلك نجد أن لوحة ”مواويل فلسطينية“، 1966، تعالج موضوعة البحر، وشبكة الصياد التي تتحول جزيرةً مرةً وشاطئاً مرة أخرى، ويركز نص روجيه عوطة على الحضور المتكرر لعنصر السمك كمفردة تشكيلية. ونذكر هنا لوحات أخرى تحمل جمالية الربط بين المشهدي والتجريدي منها ”خريف البحر“، 1966، ”مدينة الأحلام“، 1966، و”شاطئ الأماني“، 1966.

المرأة، الجسد، والعري:

يُجمع النقاد أيضاً على أن المرأة والعري شكّلا موضوعة أثيرة في لوحات الفنان عبد العال، وقد قسم الناقد روجيه عوطة وضعيات الجسد التي اهتم بها عبد العال في لوحاته إلى وضعيتن أساسيتين: الإستجمام، الإستحمام. فيكتب: ”يحقق عبد العال معنى الخانتين بالكامل، حيث أن الإستجمام يرادف الإستراحة، والتجمع، والمعافاة، كما أن الإستحمام يساوي الإحماء، والترطيب، والبروز، عدا عن التنزه. على أنه وفي الجهتين يحضر الجسد بنسائه.“

في جانب آخر من موضوعة العري يطلق روجيه عوطة عن إيحاء الأجساد في لوحات الفنان عبد العال تعبير ”ذروة الإنشداد“، فيكتب في وصف هذه الخاصية: ”ومن أجل رؤية هذه الأجساد في ذروة إنشدادها، ووضعها هذا يعني سخونتها، وانصقالها، عدا عن انجذابها صوب الغير، من الضروري الالتفات إلى نحت عبد العال.“
 


النحت

يرى ناصر سومي أن الجانب الثاني المهم بعد اللوحة والذي أطل منه الفنان عبد العال إلى الفن التشكيلي كان النحت، وخصوصاً النحت على الخشب، ويرى أن أعمال الفنان النحتية تنتمي إلى النحت الثنائي الغائر الأبعاد أكثر من انتماءها للنحت بمفهومه التقليدي العام. فموضوع المرأة الأثير لديه، استأثر على مجمل منحوتاته الخشبية: ”لا زوايا ولا تكوينات حادة بل انحناءات وتعرجات رقيقة هادئة تغلق وجوه وأجساد نسائية.“

مرة أخرى نعود إلى توصيف روجيه عوطة للتجربة النحتية عند الفنان عبد العال: ”لقد مارس عبد العال النحت مرة واحدة فقط، وهو، ربما، فعل هذا، من أجل غاية بعينها، وهي تحرير الأجساد من الوجوه، وذلك من خلال صقلها إلى درجة إماطة بدنها عن خطوطها، وبالتالي، لاستخلاص هذه الخطوط التي كانت قد نزلت في الوجوه، كقرارات لها. ففي منحوتات الفنان، ثمة تطابق بين الخطوط والأجساد، والعكس، ولذلك، لما يستكمل الأولى، يواصل شد الثانية بتمليسها وجذبها نحو الغير حتى تختفي وإياه أيضاً.“
 


المحاولات الشعرية

في العام 1987، تعرض الفنان عبد العال إلى اعتداء من قبل مسلحين في شوارع بيروت وجرى تحطيم زجاج نظارته على عينيه مما أدى إلى فقدانه البصر بالتدريج، وبعد أن صار عبد العال كفيفاً عاد إلى عدد من رسومه، تلك التي كان يتدرب فيها على تقنيات الخط، ولونها. أضاف اللون إلى ما كانت مجرد رسومات تدريب على الخط، ومن بعد انتقل إلى كتابة الشعر. يصف الناقد روجيه عوطة تجربة الفنان عبد العال الشعرية بالكلمات التالية: ”عندما توقف الخط في الرسم، بدأ عبد العال في الكتابة الشعرية، لم ينفصل دفعة واحدة عن الأول لكي يحل في الثانية، فالقصائد، التي ألفها عبد العال، تدور حول أمر بعينه، وهو الحديث عن تلك الكثرة التي عرفتها لوحاته.“:

”أرسم شمساً،
أحفرها على جبين الزمن،
أغلقها علامة ضوء في مدخل التاريخ الجديد.“

نال الفنان توفيق عبد العال العديد من الأوسمة منها وسام اللوتس في موسكو، ومرتبة شرف من متحف سرسق العام 1970، ودرع الفنان ناجي العلي في دمشق العام 1991، وكأن آخرها منحه وسام القدس في احتفال نظمته نقابة الفنون الجميلة في سوريا العام 1993.

هكذا وعبر النصوص الصحفية والنقدية الواردة في كتاب ”إيقاعات زمن مختلف“، حاولنا أن نعكس أبرز المحطات والمعارض، أبرز الأسلوبيات التشكيلية والفنية، وأبرز الموضوعات التي عالجها الفنان توفيق عبد العال في أعماله الفنية من لوحة ورسومات وأعمال نحتية جعلت منه واحداً من أبرز الفنانين التشكيليين بين الرعيل الأول والثاني من الحركة الفنية الفلسطينية.

وأخيراً، نؤكد على أهمية الفعالية التي حققتها دار النمر في تحقيق معرض استعادي وندوة وكتاب عن فنان بارز مثل توفيق عبد العال ودوره في تأسيس وتطوير الحركة التشكيلية الفلسطينية والعربية.