عشية إصدار ألبومه «ثلاثي أين»

باسل زايد: عملي الجديد يطرح سؤالًا وجوديًا حول مفهوم الانتماء

2018-07-24 09:00:00

باسل زايد: عملي الجديد يطرح سؤالًا وجوديًا حول مفهوم الانتماء
نسيم الأطرش، باسل زايد، ليث صدّيق

هذه الموسيقى هي للتعبير عن المشاعر الإنسانية الخالصة، وهي رؤيته الخاصة لكيف يمكن أن يكون للإنسان وسيلة تعبير إذا صعب ذلك على اللغة. أما بالنسبة للتصنيف، فموسيقاي لا تنتمي إلى صنف معين، وربما أفضّل أن أتجنّبه، والسؤال هنا: ما جدواه؟ وهل هو ضرورة؟

يقدّم "ثلاثي أين" موسيقى من تأليف الفنان الموسيقي المقدسي باسل زايد، الذي كتب العمل ووزّعه، في محاولة لاقتراح رؤية عصرية للموسيقى الشرقية والمتوسطية، مدموجةً بعناصر من الموسيقى الغربية الكلاسيكية والجاز، والموسيقى المعاصرة. يضم الثلاثي كلاً من باسل زايد (غناء وعود وبزق)، وليث صدّيق (كمان)، ونسيم الأطرش (تشيلّو).

عملٌ موسيقي يتألّف من سبع مقطوعات، وأغنيتين، جرى توزيعها على آلات وترية فقط، من دون آلات إيقاعية. في محاولة لتقديم اقتراح مبني على فهمٍ خاص لكلّ آلة، ولكل نمطٍ موسيقي، بهدف صياغة رؤيا معاصرة تنتمي إلى مناطق جغرافية متنوّعة.

"رمان" التقت باسل زايد للحديث معه أكثر حول هذا العمل ومشروعه الموسيقي عامة، فكان هذا الحوار..

 

في البدء، عرّفنا أكثر عن نفسك؟

باسل زايد فنان عربي من مدينة القدس. يعمل في مجال الموسيقى من عمر صغير، ورافقته الموسيقى خلال جميع مراحل حياته ولا تزال. هو عازف عود محترف، ومغنٍ. وله خبرة طويلة في تعليم الموسيقى، وتقديم العروض الموسيقية. إلى جانب العود، فهو عازف على آلة البيانو. وقد شاركتُ في توزيع وتأليف الموسيقى للعديد من المشاريع والفرق الموسيقية و للأفلام والمسرح والفرق الراقصة.

في عملك الموسيقي الأخير "ثلاثي أين" تقدم رؤية عصرية للموسيقى الشرقية والمتوسطية، مدموجةً بعناصر من الموسيقى الغربية. من أين وُلِدَت فكرة العمل وكيف تقدمه لنا؟

تأتي فكرة العمل من فلسفتي وحبي لفكرة التنوع والانفتاح على الثقافات المختلفة. وأيضاً لأهمية التعددية والتسامح بين الناس. جاءت فكرة "ثلاثي أين" لتطرح أصوات آلات موسيقية شرقية وغربية تحاكي بعضها بعضاً، كمثال على إمكانية تواصل الشخص مع الآخر على مستوى الشعور والعاطفة.

صعوبة الدمج بين آلات من ثقافات مختلفة تحتم على المؤلف الوصول إلى صيغ فنية للتغلب على قوانين الفيزياء والتطور التي تخضع لها الموسيقى، ويأتي هنا تواصل الموسيقيين كواحد من أهم عناصر نجاح فكرة "ثلاثي أين".

"أين"، هو اسم الفريق. ما دلالة هذه المفردة؟

بالنسبة إلى اسم الفريق، "أين"؛ فإن هذه المفردة تمثّل المكان، واللامكان أيضًا، لتطرح سؤالًا وجوديًا حول مفهوم الانتماء، والترحال الدائم، الذي بالضرورة يؤدي إلى مزيد من الاستكشاف، ما يعكس تجربةً أعمق، سواءً على المستوى الثقافي والاجتماعي، أو الموسيقي، من خلال الاطّلاع على ثقافات موسيقية متنوّعة ومختلفة، يسعى العمل إلى فهمها بنسَقٍ معيّن، يمكّنه من مزجها.
 


حدثنا عن تفاصيل اشتغالك على هذا المشروع؟

وجودي في أميركا، وبالتحديد في بوسطن، منذ ثلاثة أعوام تقريباً، أعطاني وقتاً كافياً للتفكير في الموسيقى وإنتاج اعمال جديدة، وأيضاً كان لدي ما يكفي من الوقت لدراسة السوق ونوع وحجم الفئة المستهدفة هنا، بالإضافة إلى درايتي وخبرتي الطويلة بجمهور الموسيقى الحديثة في العالم العربي والأوروبي. توصلت إلى نتيجة أن هناك الكثير من الأنواع والأشكال الموسيقية، وأن الوقت قد حان للعودة لما هو قريب إلى جذور الأعراق المتعددة في العالم أجمع، فبدأت ببناء الأفكار الموسيقية ومن ثم التفكير في العازفين، ووصلنا إلى تشكيل "ثلاثي أين".

ماذا عن الفريق الفني، وما هي آليّة اختيارك للفنانين ليث صدّيق ونسيم الأطرش، هل ثمّة معايير معينة؟

المعايير كثيرة، أذكر بعضاً منها. إن ليث ونسيم، عدا عن العلاقة التي تجمعني بهما منذ فترة طويلة تمتد لسنوات قبل انتقالي للعيش في أميركا، هما عازفان وفنانان ماهران في مجال الموسيقى العربية والغربية والجاز، وقد تعرض كلاهما إلى تجارب موسيقية متنوعة كان لها دور في صقل هويتهما الموسيقية بشكل مميز ومتنوع ومختلف. أيضاً، فقد عمل ليث ونسيم معاً لفترة غير بسيطة، حيث بدأ كلاهما الدراسة معاً في كلية بيركلي للموسيقى وقاما بتشكيل الكثير من المشاريع الناجحة وتطوير قدراتهما بالعزف والتعبير الموسيقي للوصول إلى مستوى يليق بفنانين عالميين. رأيت في ذلك مكاناً عميقاً للتعبير، وإمكانيات موسيقية واسعة يقدر ليث ونسيم من خلالها تنفيذ وتقديم ألحان باسل زايد بشكل مهني وفني بحرفية وتعبير عاليين.

ضمّ الألبوم أغنيتين، الأولى "عرفتُ الهوى"، والتي مُزجت فيها قصيدة لرابعة العدوية مع أبيات للحلّاج من قصيدة "عجبتُ منك ومنّي". والثانية، "أرى في السماء" للشاعر الفلسطيني عامر بدران؛ لما هذه المراوحة بين التراث والمعاصرة؟
 


إنه الظلم الذي عانى منه الحلاج ورابعة العدوية بسبب تصوفهما. رابعة العدوية كشاعرة وموسيقية في مجتمع بطريركي. والحلاج عانى التعذيب بسبب نمط تعبده الذي أوصله إلى اتهامه بالزندقة، ثم القتل.

نرى اليوم اسم رابعة العدوية يتكرر بأشكال مختلفة. لها مزار على جبل الطور في القدس، يحاول الاحتلال الاستيلاء عليه. وفي القاهرة ثمة ميدان يحمل اسمها، خُطفت منه الثورة. لذلك، شعرت بأن العمل بحاجة إلى رؤية عصرية صوفية تعبر عن وجهة نظر صوفية حديثة وأيضاً مختلفة؛ فجاء نص "أرى في السماء" ليشكل تعبيرنا عن التقدير لرابعة العدوية والحلاج، وغيرهما من شعراء الصوفية.

ما هو سبب اختيارك لأبيات شعرية محددة لرابعة العدوية في هذا العمل؟

ما تم تدوينه وتاريخه عن دور المرأة في الشعر العربي الصوفي قليل جداً. أظن أن دور المرأة بشكل عام كان غير موثق في التاريخ العربي، إلا ما ندر. وقد مر دور المرأة في فترات مظلمة بالنسبة إلى تقدير دورها. هذا بشكل عام، أما بشكل خاص؛ فإن المرأة المتصوفة كانت مظلومة من حيث التاريخ، حتى أنه خلال بحثي عن مراجع تتحدث عن رابعة العدوية، هناك مراجع تزعم أنها كشخصية وقصة كلها من ضرب الخيال.

كيف يعرّف باسل زايد موسيقاه وكيف يصنفها ويعيشها؟ وأين تراها تُسمع؟

هذه الموسيقى هي للتعبير عن المشاعر الإنسانية الخالصة، وهي رؤيته الخاصة لكيف يمكن أن يكون للإنسان وسيلة تعبير إذا صعب ذلك على اللغة. أما بالنسبة للتصنيف، فموسيقاي لا تنتمي إلى صنف معين، وربما أفضّل أن أتجنّبه، والسؤال هنا: ما جدواه؟ وهل هو ضرورة؟

هل توافق رأي سائلك أن عدم وجود "مجتمع عربي موسيقي"، خاصة في الحالة الفلسطينية، جعل من الاشتغال في حقل الموسيقى، أقرب إلى العمل الفردي منه إلى الجماعي؟

أظن أن إنتاج الموسيقى يشبه أي نوع آخر من الفنون. لعل وجود تجارب متعددة يزيد من الجودة، وليس من الضروري أن يكون هناك أجسام كبيرة تضم الجميع، فكل يعبّر عمّا بداخله، وللتعددية والتنوع أهمية بالغة للمجتمعات.

ربما نحن بحاجة إلى جسم نقابي أو تمثيلي قوي لحماية مجتمع الموسيقيين، لكن هذا لا يجب أن يتدخل بكيفية وإرادة العمل. العمل في الموسيقى وتكوين علاقات مع الآخرين هو احتياج إنساني اجتماعي ليس بالضرورة أن يتم تقييمه أو تشخيصه، فهو مجرد قرار من الفنانين أن يعملوا معاً، أو للشخص أن يعمل منفرداً. فمثلاً، تراني أعمل كقائد لمجموعة كبيرة تارة، ومع "ثلاثي أين" تارة أخرى، وكعازف في أوركسترا أحياناً، وكل هذه التجارب وسائل للتعبير الاجتماعي.
 


ساهمت مؤخراً في مركز الأميرة بسمة في القدس المحتلة، بعمل تدريب لاستخدام أدوات العلاج الموسيقي للتوحد وفرط الحركة وقلة التركيز.. فكيف ترى العلاج عن طريق الموسيقى من خلال تجربتك الذاتية؟ وبالتالي ماذا عن اهتمام وإدراك المجتمع الفلسطيني بهذا التخصص؟

شاركت مؤخراً بالكثير من المشاريع، فقبل تطوير مركز العلاج الموسيقي في مركز "الأميرة بسمة في القدس، أدخلت العلاج الموسيقي التحليلي والديناميكي إلى مركز الإرشاد الفلسطيني، وبعد ذلك قمت بنيت برنامج العلاج الموسيقي في مخيم الأزرق للاجئين السوريين، كان ذلك من خلال عملي مع منظمة "اليونيسف" في الأردن. ساهمت الثقافة العربية في العلوم والفنون في تطوير العلاج الموسيقي؛ فالغزالي، وابن سينا والكندي وإبراهيم وإسحق الموصلي وزرياب، من الأسماء المهمة في هذا المجال، ومن الطريف أنني سافرت لدراسة هذا المجال في بريطانيا لأجد أنهم لا زالوا يستخدمون بعض نظريات العلاج الموسيقي للعلماء العرب. العلاج الموسيقي هو علاج نفسي يستخدم الصوت كوسيلة للتشخيص، والتواصل والعلاج.

أظن أن العلاج الموسيقي يمكن أن يستخدم في الكثير من الحالات التي يعجز عنها العلاج النفسي التقليدي. المجتمع الفلسطيني والعربي والعالمي أيضاً، لا يزال بحاجة إلى المزيد من الوعي بأهمية الصحة النفسية، والموسيقى جزء لا يتجزأ من الصحة النفسية والجسدية السليمة. في العمل الأول مع "ثلاثي أين"، هناك الكثير من المعايير الموسيقية والتقنية البحتة، ولكن هناك أيضاً معايير موسيقية ونفسية من شأنها أن تشكل حالة من الدعم لبعض الأشخاص. ليس الهدف من العمل هو العلاج الموسيقي والنفسي بشكل خاص، لكن موسيقى باسل زايد تتخذ من منطق وفلسفة الدعم النفسي معياراً.

برأيك ما هي أهمية دور الموسيقى وأثرها النفسي على ذات الإنسان؟

عدا عن أهمية الموسيقى في تعديل المزاج وإضفاء حالة من الفرح على المناسبات السعيدة والحزن على المناسبات الحزينة، وكل ما هو بينهما من عواطف ومشاعر إنسانية؛ فلها أبعاد أخرى أعمق. التأليف الموسيقي يستند بالغالب على أهمية التعبير الصادق عن الأفكار والمشاعر. فالتعبير الصادق ينتج موسيقى تصل إلى المستمع بسهولة ويسر. هذه الظاهرة تثبت لنا كل يوم أن الموسيقى قادرة على فعل الكثير؛ فكل شيء من حولنا وكل شيء نفعله هو موسيقى.

ما هي تطلعاتك الفنية وطموحاتك في عالم الموسيقى؟

طموحاتي أن أقدم أعمالاً كنت أحلم بتقديمها منذ زمن بعيد، وأظن أن الوقت قد حان للإنتاج، خاصة بعد غياب طويل كان ضرورياً لأتمكن من التفكير العميق وإعادة الحسابات. والآن لدي علاقات مع عازفين وفنانين رائعين، مثل ليث ونسيم، وغيرهما، ولدي جيش من الأصدقاء والمحبين والزملاء في إدارة أعمالي الموسيقية ستمكنني بلا شك من مواصلة إنتاج موسيقى تعبر عن الكثيرين.
 

 

يُشار إلى أن باسل زايد شارك في توزيع الموسيقى للعديد من المشاريع والفرق الموسيقية. وقدّم عروضًا موسيقية في محافل ومهرجانات دولية في العديد من البلدان العربية والأجنبية، مثل السويد، وإيطاليا، وفرنسا، وإسبانيا، والدنمارك، والأردن، ومصر، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية. وهو يحمل شهادة الماجيستير من جامعة جيلدهول للموسيقى والدراما في لندن. يقيم حالياً في بوسطن حيث يعمل كفنان، وأخصائي في العلاج الموسيقي.

أما الفنان ليث صدّيق، فهو عازف ومؤلف محترف، وله خبرة في أصول الموسيقى الكلاسيكية. شارك في العديد من الأعمال الحائزة على جوائز "غرامي" اللاتينية، بالإضافة إلى عزفه على مسارح عالمية مهمة. ويحمل صدّيق شهادة الماجيستير بدرجة الشرف من كلية بيركلي للموسيقى من مؤسسة الجاز العالمية. يقيم حاليًا في بوسطن؛ حيث يقود (فرقة الموسيقى العربية) في جامعة "تفتس".

بدوره عُرف عازف آلة التشيلّو نسيم الأطرش، بدمج الموسيقى العربية والجاز والموسيقى الكلاسيكية، وهو على اطّلاع كبير بأصول الموسيقى الكلاسيكية، وعلى أسس الارتجال. حاز على منحة دراسية في كلية بيركلي للموسيقى في بوسطن؛ وأكمل دراسة الماجيستير في الجاز من كلية بيركلي للموسيقى. شارك في العديد من المهرجانات العالمية، وهو يعمل الآن عازفًا منفردًا، ومتخصصًا بالعزف للتسجيلات الموسيقية، وموسيقى الحجرة، وأيضاً مدرسًا لآلة التشيلو.