محمد خير: الفانتازيا موجودة في الواقع لكننا لا نراها

2018-08-04 14:00:00

محمد خير: الفانتازيا موجودة في الواقع لكننا لا نراها

نعم هي تندثر فما الورق إلا وسيط والوسائط هي أول ما يتأثر بتغيرات العصر،  يمكنك أن تعرف أن الصحافة الورقية تندثر حين تجد أن الصحفيين أنفسهم يستخدمون هواتفهم للاطلاع على الأخبار، بالطبع فإن هناك ما يصعب مطالعته عبر الهاتف، مثل التحقيقات المكونة من آلاف الكلمات، لكن ذلك لن يكفي لإنقاذ الورق.

يتعامل محمد خير مع الكتابة بحسابات خاصة، لا يشغله التصنيف، ولا يهتم بأن يكون اسمه مسبوقًا بوصف روائي أو قاص أو شاعر، هو يكتب فقط، ويرى أن أشكال الكتابة كلها تنتمي في النهاية بدورها إلى تصنيف واحد هو الأدب.

ومنذ عام 2002، عندما صدر ديوانه الأول "ليل خارجي" عن دار ميريت للنشر، أصدر خير ثمانية كتب، منها أربع مجموعات شعرية، ومجموعتان قصصيتان، وروايتان، آخرهما "إفلات الأصابع" الصادرة مؤخرًا عن دار الكتب خان للنشر، هنا يتحدث خير عن فلسفته في التعامل مع الكتابة، ورؤيته للأدب عمومًا، اشتغاله بالصحافة والعلاقة التاريخية بينها وبين الأدب، ومشروعاته الكتابية الجديدة.

دعنا نبدأ من روايتك الأخيرة "إفلات الأصابع".. الرواية لا تمنحنا إجابات جاهزة وسهلة، وثمة تشكيك في كل ما يدور حولنا، في الرواية بالطبع، ثمة احتمال بالقبول وبالرفض، لكل سؤال إجابتان، وربما أكثر.. وبشكل عام فالرواية لا تمنح أسرارها عبر قراءة عابرة، أو قراءة واحدة.. هل قصدت ذلك؟ وهل يفرض النص إيقاعه؟ أم بإمكان الكاتب أن يضبط الإيقاع وفق ما يريد؟

في كل ما ذكرت في سؤالك عن الأسئلة والإجابات يمكنك حذف كلمة "رواية" واستخدام" كلمة "واقع"، فلكل سؤال عن الواقع المعاش العديد من الإجابات، ولكل إجابة أكثر من تفسير، ويمكن أن تحيا الواقع نفسه بأكثر من قراءة وأكثر من خيال، ويمكن أن تعيش واقعاً مشكوكاً فيه أو بيقين كامل، كل هذا ينبع من داخلك، أعتقد أن رؤيتي تلك للواقع هي ما تجد نفسها بطبيعة الحال فيما أكتب، بالطبع لا أقصد ولا أتعمد أن أجبر القارئ على أكثر من قراءة، وإنما ينبع الأمر من داخله هو أيضاً ومن طريقته في القراءة، وبالطبع -كإجابة على آخر ما في سؤالك- يفرض النص إيقاعه، وعلى الكاتب أن ينظّم الإيقاع فحسب كما ينظم الإنسان أحيانا أنفاسه.

وبالحديث عن الإيقاع، وقدرة الكاتب على ضبط النص.. ثمة خليط بين الواقعي والفانتازي، غير أنه خليط لا يندفع باتجاه أحدهما، هناك موازنة واضحة في الرواية بين الاتجاهين.. لماذا لم تكتب الرواية بحس واقعي أو فانتازي تمامًا؟ وأيهما تفضل بشكل عام؟ ولماذا؟

أفضل الفانتازيا التي يمكن أن توجد في الواقع، إنها موجودة تحت أعيننا دائما لكننا نادراً ما نراها، مع أنها قادرة على أن تحيل حياتنا إلى تجربة فائقة الغنى.

"شعرت أن في داخلي شخصًا آخر يتحرك بي ويقوم بكل شيء".. هذه آخر جملة في رواية "سماء أقرب" وربما كانت تعبيرًا صادقًا عن اختلاط الوعي على الذات وغيابها بين الإدراك والتشويش.. هل يمكن اعتبار الجملة اختصارًا للحالة التي تفضل الكتابة عنها حيث خلط الواقعي بالفانتازي، وعدم الانحياز الكامل لأحدهما؟

لا أظنه اختلاطاً أو تشويشاً بل ربما تعبيراً عن تعدد مستويات الوعي، في "سماء أقرب" أيضاً لا يمكن أن تحصل على إجابة نهائية عن طبيعة الراوي لأن مثل تلك الإجابة لا تهمّ، ومع ذلك فإن تلك العبارة عن "الشخص الآخر الذي يتحرك بي" كانت تعبيراً أيضاً عن حالة الاكتئاب والاستسلام التي انتهى إليها الراوي مع أنه كان في طريقه إلى حياة جديدة.

تكتب الرواية والقصة والشعر.. هل تنشغل بالتصنيف؟ وهل تعتقد فيه بالأساس؟

انشغلت به في البداية بسبب انشغال المجتمع به و"تصنيفه" لك على أساسه، لكني وجدت في النهاية، وبنظرة من مكان أبعد بعض الشيء، أن أشكال الكتابة تلك تنتمي في النهاية بدورها إلى تصنيف واحد هو الأدب، خاصة في أشكالها الحديثة، الآن لم يعد لدي الوقت للإغراق في هذا السؤال، أفضّل أن أوفر كل دقيقة متاحة من أجل الكتابة.

وبما أنك كتبت الشعر والرواية.. لماذا نسمع كثيرًا عن الشاعر الذي أصبح روائيًا في حين لا نعرف روائياً اتجه للشعر وأصدر مجموعة تلو الأخرى مثلًا.. لماذا لا يكتب الروائيون الشعر؟ وهل المسألة لها علاقة بالقابلية اللغوية عند الشاعر مثلًا أكثر مما تكون لدى الروائي؟

لا أعرف إن كانت المعلومة من الأصل صحيحة، ربما كانوا موجودين ولا "نعرفهم"، مع ذلك أعرف روائيين كتبوا نصوصاً شعرية جيدة جداً وربما لم يمتلكوا شجاعة نشرها، وعلى كل حال حين يصدر الأديب كتابه الأول لا يكون ذلك الكتاب سوى قمة جبل الجليد ولا نعرف ما اختمر من تجارب أسفل تلك القمة، لكن الرواية على أية حال عمل فني صعب ومرهق وتحتاج إلى خبرة إنسانية وأدبية ولذلك فهي تأتي –عادة- في عمر متقدم قليلاً، بينما الشعر –ابن البكارة والأحاسيس الغضة- يأتي بطبيعته أيضا في عمر مبكر، فأظن إذاً أن المسألة تتعلق بالعمر المناسب لكل فن أكثر مما تتعلق باختيارات الأديب نفسه، على كل حال أعتقد أن الجميع يجرب الشعر في البداية، فالبعض يفلح والبعض يعرف مبكرا أن هذا ليس مجاله.
 


وبما أنك أيضًا تكتب في أكثر من لون أدبي.. ما تصورك عما يسمى "المشروع الأدبي"؟

المشروع الأدبي هو ما يطلق على إنتاج الكاتب بعدما ينتهي مشواره.

وما الذي يحدد الصنف الأدبي لكتابك القادم؟ أنت أم النص نفسه؟

في البداية كان "النص"، فيما بعد، بتقدم الخبرة وتحديات الحياة، صرت أختار البدء في نص دون آخر حسب ما أعرفه من ظروف قادم الأيام.

وبالمناسبة، هل تؤمن بالإلهام؟ هل تنتظر قوة خفية تملي عليك ما تكتب وتمنحك القدرة على الكتابة، أم تجلس لتكتب فتكتب، بعد تخطيط، ورغبة، وإصرار؟

أؤمن بالإلهام لكني لا أعتقد أنه "قوة خفية" وإنما هو عمليات عقلية تختمر في مستويات غير مباشرة من الوعي، وتحدد هي وقت جاهزيتها وظهورها واختفائها. ولا يتعارض ذلك مع قرارك بالجلوس للكتابة، فالكتابة عمل أيضاً، لكن لا يمكنك أن تجلس لتعمل دون بذرة على الأقل.

هل يمكن أن أسألك: "لماذا تكتب؟" في المطلق؟ أم ستختلف الإجابة وتتعدّل لو كان السؤال أكثر تخصيصًا بمعنى: لماذا تكتب الرواية، أو الشعر، أو القصة؟

أكتب لأنني وجدت نفسي أفعل ذلك منذ الطفولة، لكل أمرئ طريقته في معرفة نفسه وطريقتي هي الكتابة.

والصحافة، هل تحب العمل الصحفي؟ وهل لازالت لدينا صحافة بالفعل؟

علاقتي بالصحافة معقدة، فقد هربت منها في البداية ثم وجدت نفسي أعمل بها لأنها الوظيفة الأقرب لقدراتي، أحب في الصحافة مخاطبتها لعقول الناس وفتح مداركهم، وأعتقد أن لدينا صحافة لكنها ليست في المؤسسات التي اعتادت أن تقود المهنة.

وبما أنك رئيس تحرير موقع إلكتروني: ماذا عن الصحافة الورقية؟ وهل فعلًا ترى أنها في الطريق للاندثار؟

نعم هي تندثر فما الورق إلا وسيط والوسائط هي أول ما يتأثر بتغيرات العصر،  يمكنك أن تعرف أن الصحافة الورقية تندثر حين تجد أن الصحفيين أنفسهم يستخدمون هواتفهم للاطلاع على الأخبار، بالطبع فإن هناك ما يصعب مطالعته عبر الهاتف، مثل التحقيقات المكونة من آلاف الكلمات، لكن ذلك لن يكفي لإنقاذ الورق.

ماذا تكتب الآن؟

أعمل على نص جديد كنت أحلم بكتابته منذ فترة طويلة، وأتمنى أن أنجح في إنهائه بشكل طيب.