الجدران العارية

2018-09-20 09:00:00

الجدران العارية
KAIS SALMAN | CITIES

الجدران العارية

أرتشف القهوة للمرة الأولى
بعد محاولة مالحة في البيت الجديد
علّية صغيرة تزاحمني فيها الشمس
فأترك لها نافذةً سعيدةً
لتدخل وتأخذ مكانها المعتاد
كقطة البيت
لكثرة ما استبدلتها
تعلّمتُ أن البيوت تشبه ساكنيها
البعض منها خارجه أجمل من داخله والعكس صحيح
بعضها غارق في ذاته تملؤه حكايات صامتة
يحاول تعريف نفسه فيحدها بحكاية جديدة
فيفقد ما كان يعنيه.. سابقاً
وأخرى تشبه الأمهات
يكفي أن تكون فيها لتحضنك...
وغيرها مزدحمة بالزيارات
والضحكات وفناجين القهوة
وتبادل الأخبار السريعة
تغصّ بالمناسبات ونبتات الزينة
لها رائحة المذاقات الشعبية كأنّها وطن
تصدح مواويل وعتابات
كلما حزنت سيدة البيت
هناك بيوت متقشفة متشققة الجدران
لا يعنيها ثراء المديح
وأنواع الأثاث ومساحات الغنى
أصغر من أن تملك حديقةً
قد تجد فيها ركناً صغيراً
تستريح فيه ذات ظهيرة
ونافذة بعيدة النظر
تتطلّع إلى ما وراء الأفق
كثيرة الحر صيفاً ويوجعها برد الشتاء
تستقبل الجميع ولا يتقبلها أحد
ليست مشغولة بداخلها ولا خارجها
هي تدرك بأنّها الحياة
وبأنّها ذاتها من صنع أحجارها
وطينها
وأشجارها
لا فرق إن كانت أعلى المدينة
أو في غابة نائية
أو قرب بحيرة كبيرة
أو على حافة غيمة
جدران البيوت تتعدد
تتكاثر حولي
وأنا لا أكسر وحشتها
بلوحة عاشقين أو بحقل زهور
أو بنثر ألوان تضيء عتمتها
أحبها عارية تماماً
بيضاء وعارية
دوماً على أهبة الرحيل


في منتصف الطريق

تماماً في منتصفِ الطريقِ والعمرِ
في قطار مسافر بيني وبيني
الأشجار تحترف بطريقتها الاختفاء
كما لقطات الصّباحِ
أنا بطلة الأماكن الباردة ذات الوجوه الباهتة..
أتحدّثُ الألمانيةِ إلى موظّفةِ مركزِ العملِ:"التأخيرُ له ضريبةٌ ..كان عليكِ الحضورُ أبكرَ "
الطبيبةُ تشرحُ بإسهابٍ:
"الحلّ الأفضلُ أن نجرّبَ حلولاً أخرى"
شاب أنيقٌ وُظّفَ حديثاً في "البنك"
يحاولُ عبثاً أن يبدو واثقاً كخبيرٍ
"سيتم إنجاز كل شيء على أكمل وجه"
صديقٌ يرافقُني طريقَ العودة إلى البيتِ:
"أحبّ النساءَ اللواتي يعشقْنَ التّبوّلَ في العراءِ .."
في البيتِ مع أبنائي..
"لو تستقلّين القطارَ لتمنحي القلقَ إجازتَه هذا العامَ"
صديقي الطبيبُ العجوزُ القديمُ قِدَمَ الحداثةِ هنا
-"احذري سيدتي البداياتِ //الموتُ هنا ينتشرُ كالهواءِ //"
الآنَ في القطارِ...
في منتصفِ الطريقِ الى مكانينِ وزمنين..
امرأةٌ كبرتْ بوخزِ الإبرِ..
فاتسعتْ رئتاها أكثرَ للهواءِ
...
كي أنجو من ماضٍ يشربُ دمَ الضحيّةِ ويسكرُ..
و غدٍ يساومُ على ما بقي فيكَ حياً..
التصقْ بالآن أكثرَ...
طفولتي التي سمعتْ عواءَ الذّئابِ في العراءِ
تعي تماماً أن الأمانَ أكبرُ الخُدعِ...
مثلَ ساحرٍ
يبتسمُ..
فينشطرُ وجهُهُ إلى نصفينِ
يُخرجُ أجملَ شرائطِ الحريرِ معقودةً
يربكُنا الفعلُ منجزاً.. كعقدةٍ
رغم وعْيِنا للخدعةِ
إذ يظل ينقصُنا الدليلُ..
 

وهل يستوي

"علينا أن نفعلَ شيئاً مختلفاً
تقولُ عاملةُ تنظيف
"ما فائدةُ أن نكونَ مثلَ الجميع "
فترنّ براسي آيةٌ مشابهةٌ !
"قُل هلْ يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"
وأسألُ ماذا يحدثُ لو استوى الطرفان؟!
وفي معزوفةٍ أخرى تقولُ مغنيةٌ:
" أينما توجدٌ المعرفةُ يوجدُ الطريقُ "
...
كلّ ما عليكَ أن تكونَهُ
كائنٌ يتماهى مع الوجوهِ المطمئنّةِ
يسمعُ الجميعَ !
لا  صوتَ لهُ
سوى قلبِه
...
يقولُ مُناصرو السلام:
"لا شيءَ يستدعي الحربَ
إن كنا نخاف!!
هذا الكونُ يتّسعُ للجميع،
والقتلُ ليس حلاً كلّما قلّ الأوكسجينُ في الهواء"
...
يقول أبي:
"بعضُ المشاكل تحتاجُ حلّاً استثنائياً
من يأتي به
يكونُ البطلَ
فنحنُ
نحبُّ الأقوياءَ
ونصدق خُرافتَنا في النصرِ
ونسينا أنّ القوةَ رهينةُ المجازفةِ
والمجازفةَ رهينةُ ظروفِها !
...
يقول التاريخُ
"قلبُك  وحدهُ منذ البدء كان  الرهينة !"
في داخلكَ
"أنت" القويّ
والبابُ والمفتاحُ
فاخرجْ !!