‎⁨تنهيدة اللاجئ الشبقة الأخيرة لعشيقة بعيدة⁩

2019-04-13 14:00:00

‎⁨تنهيدة اللاجئ الشبقة الأخيرة لعشيقة بعيدة⁩
KAMAL BOULLATA

سوف أدَعُ أحلامي وتمنياتي وأفكاري تُبحِرُ في عينيكِ وفي مُخيلتكِ لكي أدعوكِ لأن تلتحفي بغيمة الدفء القادم والواعِد، ولكي يتهجى قلبُكِ أبجديات الفرح والبهجة والحب في العالم الفعلي بعيداً عن العالم الافتراضي وغرفه التي ينبعثُ من نوافذها ومضاتُ ضوءٍ لا زلتُ أتسلقها لكي أصل إليكِ لكي أبثُ لك تنهيدة اللاجئ الأخيرة هذه.

لماذا لن أستطيعُ بَعدْ أن أُكحل عيوني بنور فجرك؟ وأن أُرافقك في يومٍ لن تمطر فيه الغيوم إكراماً لانبهاري بكِ؟ لماذا سأقضي أياميّ الأخيرة في أرضٍ بور بيادرها مُجدبة؟ لماذا لن أتمكن من تعليمك الإدمان على السياسة لكي أحرفك عن إدمان الحزن والملل؟ لماذا لن أنجح في مضي سلاح كلماتي لتزويدك بذخيرة "الحقيقة" بدون حجاب يحجبها؟ حقيقة تمزقين بعدها بيديك قيودك لتمتشقي راية حريتك وتَحَررك ولكي تستظلي بها في رحلتك في هذه العوالم المُقفِرة نحو فضاء خُضرتك وخضرة الحرية والحب والصفاء والجمال.                                                       

يبدو وآه لحزني، أنني لن أعمد بالنار بَعد صوتي في حضرتك، بعيداً عن مسافات البُعدِ التي لن تُقلصها كل  التكنولوجيات البلهاء الحديثة  وإذا كان لكل جواد كبوة، فلماذا سيكبو جوادي في حضرتك؟ لماذا لا يكتمل قمر فرحتي بلقاك وبالعودة لك؟ لماذا ولماذا...

***

نعبرُ نهر الأحزان والأشجان كل يوم ورؤوسٌ مكتظة بالأحلام التي لم تتحقق وعيونٌ تغمرها الظلمة وصدور تختزن غضباً باسقاً وأسئلةٍ دون جواب حول تلك الارض ذات الأسوار الواطئة التي لا يكف الغزاة عن تدنيسها ولا يكف الطغاة عن تقييد أبنائها بسلاسل الذل والهوان. الغزاة الصهاينة يصوغون آلام القرن الفلسطيني المنصرم لكي يغرسون خجل الانكسار في عيون القرون الفلسطينية القادمة وجراحنا الراعفة لا نزال نتأبطها بانتظار غدٍ يوشِكُ أن يُولَد.

كم أحببتُ ان تكوني معي أو أكونُ أنا معكِ في هذه الولادة العسيرة لكيلا تبقى أسوارنا واطئة وأليفة للغزاة وعقولنا مسرحاً للمشعوذين والمهووسون من أبناء جلدتنا.

لقد تصورتُكِ أنكِ لستِ ممن يستدرون الدمع أمام المصاعب: قوية العزيمة والذكاء، جميلة الروح والوجه البشوش وطاقات دفينة تنتظر أن تكسري سلاسلها لكي تنتشي بمشاعر الانتصار على تجار المبادئ وتجار الدين والعقول الانهزامية.

هل أحملك حملاً ثقيلاً قد لا يعدو انعكاساً لرغباتي أنا والتي لا يكون ضرورياً أن تُقاسميني إياها؟ سؤال دار في خاطري أكثر من مرة... ولكن، في كل مرة أعيدُ الكرّة: في صوتك حنيّة وقوة ورغباتٍ لم يكتمِلُ قمرها بعد، صوتٌ يُحمل تلهف الليل العميق إلى ملاقاة نور النهار الساطع، صوتاً لا يعكس الغنج والخيلاء الأنثوي الشرقي لنساء الحريم ممن يسوقهن كرباج السلطات الذكورية والأبوية. في صوتك، هناك بوحٌ غير مباشر عن رغبات بالانعتاق من القيود البلهاء للسلطات الذكورية. لدي شعور بأنك قاب قوسين أو أدنى من عبور نهر حرية ليس للجته قرار وليس لضفافه من حدود.

قد لا نلتقي أبداً ولكنني على قناعة بأن آمالي بك لن تصبح رماداً تذروه الرياح...

أتمنى أن تواصل كلماتي ريّ داليتك ليكبر عنقودك وتزهو ورودكِ ويلوح سنا فجرك، فجر الحرية.

***

قد لا نلتقي ولكنني سأواصل تسلق ومضات الضوء المنبعثة من عالمكِ الفعلي والمُتَخيل، لكي أبلغ رأس نبعك ونبع هذا الضوء المتهدل من نافذة الكون، كونك.

في حضرتكِ الافتراضية، سوف ألقي بِجلابيب الحذر والخوف وانتقاء الكلمات جانباً لأعبر عن المكنونات العميقة في روحي ووجداني "من الباب للمحراب"، كلمةٌ كلمة، اختلاجةٌ إثر أخرى...

سأقول لكِ، هيّا بنا فعلى "قدرِ أهل العزمِ تأتي العزائم"، هياّ بنا لكي نُحوّل الافتراض إلى واقع فالفرقُ بينهما هو "كالفرق ما بين الثرى والثُريا". حينها، ستتوحدُ مشاعل الحياة التي سوف نوقدها في هيكلي الذاتي وفِي هيكلكِ. حينها، سوف تُطلِق ورود البنفسج رياحينها لتكنسَ كل العفن والوسن المتُهالكِ في طرقات بلادنا وفي منافينا. حينها، سوف نكسر الحزن المنتصب على الجبين، جبينك وجبيني وجبين شعبٍ من المقهورين. وسوف نطفئ هذا الظمأ الأبدي للحرية وسوف ننتصرُ على ظلم القريب وظلم الغريب الصهيوني. هيّا بنا لِنجردَ سيوفنا فـ" كلِ السيوفِ قواطعٌ إذا ما جُرِدَت من غمدها" وسيوف الظمأ للحرية ستكون أكثرها قطعاً. لن نبقى عطشى مُرَدِدين صلوات الاستسقاء والكأسُ ما بين أيدينا فالانتظار انتحار.

سوف أواصلُ تحفيزي لكِ واستوداعكِ مكنونات أسراري الثورية في بحثي عن عالمٍ أفضل وعن وطنٍ ضائع وعن حرية موعودة، سأواصلُ اقتلاع الشوك الجارح من دروب الحرية المنشودة، وسوف أسترِق السمع مزهواً لحشرجة نشيد الحرية في حنجرتكِ كارتعاشةِ لحنٍ جميل في صعوده إلى شفتيكِ وسوف أستمِعُ مرهفاً لتسارع دقاتِ قلبك، وسوف أنظر بحياء لتورد وجنتيكِ ولامتلاء صدرك بنسيم الحرية، وسوف أُراقِبُ سعيداً انجلاء الغيوم من سمائكِ وتفجُر رغباتك الدفينة وينابيعك الثرية تحت ضوء الشمس الساطع والذي لن يحجبه بعد ذلك حجابٌ سوداوي أحمق.

في حضورك الافتراضي سوف أسمحُ لنفسي بالتلصص من وراء الأسوار والأبواب الموصدة على حركات قلبك وأنفاسك المتصاعدة وشهيقك وزفيرك وتورد خديكِ وامتلاء شفتيكِ وأشياء أخرى لن أقولها لكِ. ولكن، سأقول لكِ ودون مواربة بأنه آنَ لصوتكِ المسبي أن يتفجر ولليلكِ بأن ينداح أفقاً، مشرّقاً.

لن نُدمن الحزن بعد اليوم بل الفرحة، لن يجرفنا طوفان الاستبداد والحرمان بعد اليوم بل سوف نُكحل عيوننا بألوان الحرية الزاهية، ولن تبقى حقولنا بوراً وبيادرنا مُجدِبة إذ سوفَ نُمطِرُ الغيوم ونستدر خيرات الأرض دون انتظار مُنة السماء. سوف نسكَرُ وننتشي بمديح الحرية ونكسر السلاسل والقيود، قيود الطغاة والمشعوذين وسماسرة العقائد المترهّلة وتجار الدين ومأجوري الوطنية.

سوف نُحاصِرُ حصارنا ونتأبط أحلامنا وننزع من رؤوسنا ثقافة القمع والحجبِ والتحجب لكي نجيد لغة البوحِ عن مشاعرنا وعن رهفات قلوبنا ولكي نتقنَ قول حقوقنا بملأ الفم على مرأى من الكون بكامله. لن نواصل التفيئ بظل بساطير المحتل الأكبر ووكيله "الوطني" الأصغر ولن يصمت فينا صوت التمرد والشوق والاشتياق لملاقاة امرأة -أرض لا نُطيقُ فراقها ولن يفتضَ الزمان رغباتنا في الإبحار في عيونها وفي الاستلقاء في سهولها والنوم عميقاً في أحضانها وفي تسلق هضابها وقطف ثمارها "الممنوعة".

سوف أدَعُ أحلامي وتمنياتي وأفكاري تُبحِرُ في عينيكِ وفي مُخيلتكِ لكي أدعوكِ لأن تلتحفي بغيمة الدفء القادم والواعِد، ولكي يتهجى قلبُكِ أبجديات الفرح والبهجة والحب في العالم الفعلي بعيداً عن العالم الافتراضي وغرفه التي ينبعثُ من نوافذها ومضاتُ ضوءٍ لا زلتُ أتسلقها لكي أصل إليكِ لكي أبثُ لك تنهيدة اللاجئ الأخيرة هذه.