ما بعد الانفجار العظيم الثاني

2019-05-08 11:00:00

ما بعد الانفجار العظيم الثاني
Wassily Kandinsky, No Title, 1923, Watercolor and Indian ink on paper, 17.7 × 13

عاد المختارون الخمسمئة إلى الأرض وأعادوا دورة الحياة مرة أخرى، واعتمدوا يوم رجوعهم إلى الأرض، يوم بدء التاريخ الحديث؛ تاريخ إنسان ما بعد الانفجار العظيم الثاني.

خرجت سيمانثينا إلى شرفتها المطلة على بيوت دائريّة حديثة يتسع كلّ منها لشخص واحد، ككلّ بيوت مدينة السيكامانا العلميّة. قالت لنفسها بصوت عال: هل كانت البيوت تطل على بيوت أخرى أم على أنهار وحقول وغابات قبل الإنفجار العظيم الثاني؟

وسيمانثينا هذه، عالمة في تاريخ شعوب ما قبل الإنفجار العظيم الثاني، وهي الابنة الوحيدة لعالم الأحياء المعروف هابينال ألاكابر ولعالمة الجيولوجيا ذائعة الصيت شماسه شماسيين-ألاكابر. تبلغ سيمانثينا من العمر الخامسة والثلاثين حسب تقويم هذه الأيام. وكان تاريخ يوم وقوفها في شرفتها المطلة على البيوت الدائريّة في مدينة السيكامانا هو الثامن من الشهر الخامس والعشرين من سنة مئتين وثلاثة، وهو تاريخ مهم، لأنّ سيمانثينا قررت في هذا اليوم أن تبدأ البحث عن أشكال البيوت وإطلالات الشرفات في عالم ما قبل الانفجار العظيم الثاني.

كان حدوث الانفجار أمرًا متوقعًا لدى بعض العلماء، لكن السرعة التي حدث بها فاجأت الجميع. غني عن القول إنّ الانفجار العظيم الأول هو المصطلح المتعارف عليه بين علماء الزمن الجديد للإشارة إلى حادثة بداية الكون وتشكّل كوكب الأرض كواحد من نتائج هذا الانفجار، والانفجار العظيم الثاني هو المصطلح الذي يشير إلى خراب الأرض وبدء حياة الإنسان الجديد. بدأ هذا الانفجار بإرتفاع درجة حرارة الأرض تدريجيًا، بعد ذلك لاحظ العلماء زيادة في نسبة غازات الدفيئة في الجو، غازات مثل غاز الميثان وغاز ثاني أوكسيد الكربون. استمرت درجات الحرارة بالارتفاع السريع، أسرع مما توقع علماء ذلك الزمان، وحين قرر البشر التحرك لحماية الأرض بتغيير سلوكياتهم وأنماط معيشتهم كان الأوان قد مضى وأصبح التغيير مستحيلًا.

ارتفع منسوب مياه البحر وتغيرت كميات هطول الأمطار وتحولت الغابات إلى صحارٍ، اختفت دول كثيرة وتغيرت جغرافيّة الأرض، انحسرت الأنهار الجليديّة واختفت المناطق والبحار المتجمدة وازدادت الفيضانات المفاجئة، انقرضت أنواع كثيرة من الكائنات وتأثرت المحاصيل الزراعيّة بشدّة، قلّ الطعام الطبيعي تدريجيًا وندرت المياه العذبة الصالحة للشرب مما سرّع بقيام حروب عالميّة من أجل السيطرة على منابع المياه العذبة النادرة. 

قَلّتْ أعداد البشر بشكل مخيف بسبب المجاعات والأمراض الجديدة المنتشرة وحروب المياه التي راح ضحيتها مئات الملايين من البشر. بصورة عامة يمكن القول إنّ الغباء هو السمة التي سيطرت على الكائنات البشريّة في ذلك الزمان وإنّ غرورهم وعماهم أوصلهم لما وصلوا إليه، إلا قلّة قليلة من العلماء؛ أولئك نجوا لأنّهم لم يفضحوا سرّهم.

كان حمدوسن سيباني، واحد من أجداد سيمانثينا، كما ستعرف خلال بحثها، واحدًا من ألمع العقول البشريّة، ذكاء صاف ورؤية عظيمة ندرت بين البشر، كان في لحظات الصفاء والمرح يقول لمن حوله مازحًا: وُزع الغباء بالتساوي على البشر إلا اثنين، أنا وألبرت إينشتاين. ثم يطلق ضحكة خفيفة. 

اكتشف حمدوسن سيباني مع بعض زملائه عقارًا يغني عن الطعام والشراب، شيء ما مثل شراب سحري تغني نقطة واحدة منه عن الطعام والشراب لمدة يوم واحد وهي مدة دوران الأرض حول نفسها. أخفوا سرّ هذا الشراب، سهل الصنع، عن عشرين مليار إنسان، وكان هذا تعداد البشر في فترة حدوث الانفجار العظيم الثاني. كما ساهم حمدوسن سيباني في اختراع مركبات فضائيّة يمكن أن تسكن في الفضاء بين الكواكب دون أن تتأثر بما يجري خارجها فتبقى حرارة هذه المركبات-البيوت معتدلة والجاذبيّة فيها تشبه جاذبيّة الأرض. أخفوا سرّ هذه المركبات عن البشر مثلما أخفوا سرّ الشراب، وحين اشتد الأمر وعُرف بأنّ جنس الإنسان ينقرض، توجه حمدوسن سيباني مع خمسمئة شخص مختار على متن المركبات، التي أسموها سفن نوح الجديدة، وانطلقوا بعيدًا عن الأرض بسرعة تقارب سرعة الضوء، كي يمرّ الزمن بشكل مختلف فيعودون بعد انتهاء هذه الحقبة الأرضيّة الجهنميّة دون أن يتقدم بهم العمر كثيرًا. وهذا ما حدث. انقرض البشر بفعل التغييرات المناخيّة والحروب المائيّة وبعد مئات السنوات عادت الحياة إلى الأرض مثلما كانت في عصور ما قبل الحضارة.

عاد المختارون الخمسمئة إلى الأرض وأعادوا دورة الحياة مرة أخرى، واعتمدوا يوم رجوعهم إلى الأرض، يوم بدء التاريخ الحديث؛ تاريخ إنسان ما بعد الانفجار العظيم الثاني.