"عزلة الحلزون" من ضفة أخرى، هي سيرة قطّاع الطرق في الأمس واليوم، وقراءة في طبقات اللغة واللهجة والتواريخ المزيّفة، وكيف تكون الحكاية مؤنثاً، والراوي ذكراً، ما يفسد قلب الطائر بطعنة من أنياب ذئب.
صدر عن دار هاشيت أنطوان / نوفل، رواية "عزلة الحلزون" للروائي السوري الحائز جائزة الشيخ زايد للكتاب في 2018. يكتب صويلح هذه المرّة رواية تاريخية مكثّفة في أسلوب كتابي مغاير طليق ورشيق. هو بحث مغامر وجريء في عمق الأدبيات العربية والثقافة والتاريخ والحضارة العربية.
في لحظة استيقاظ الهويات الصغرى، يتساءل الراوي عن هويته الشخصية، الهوية التي لم تشغله قبلاً، في محاولة لتفكيك شجرة النسب، وإذا بأجداده سلالة من الغزاة وقطّاع الطرق، كما سيتكشّف التاريخ الشفوي عن "حفنة أكاذيب" على غرار ما فعله المؤرخون الأوائل. سلالة تتنازعها مصائر متضاربة في صراعٍ شرس بين أولئك الذين يحملون بين أضلاعهم قلب ذئب، والذين يحملون قلب طائر.
الراوي الذي يعمل مدقّقاً لغوياً في موقع إلكتروني، ومحرّراً في دار نشر تراثية يجد نفسه أسيراً بين أن يكون حاسر الرأس تارةً، وبعمامة طوراً، غارقاً بين الأخبار الملفّقة في الموقع، وثقل مكابدات أجداده من المفكرين والفلاسفة مثل ابن المقفع وابن رشد والجاحظ، والنهايات المفجعة التي انتهوا إليها، على خلفية مشهديات راهنة عن معنى القسوة، والهويات المتوهمة والدامية التي أفرزتها الحرب.
"عزلة الحلزون" من ضفة أخرى، هي سيرة قطّاع الطرق في الأمس واليوم، وقراءة في طبقات اللغة واللهجة والتواريخ المزيّفة، وكيف تكون الحكاية مؤنثاً، والراوي ذكراً، ما يفسد قلب الطائر بطعنة من أنياب ذئب.
تقع الرواية في 213 صفحة من الحجم المتوسط، وهي استمرار للمنهج السردي الذي بدأه خليل صويلح في "ورّاق الحب"، ولكن باشتباك أكبر مع الحكاية وتفكيكها إلى وحدات صغرى تشكّل معاً جدارية للخرائط الجديدة الممزّقة.
من الرواية...
أبلغتني رهام بعد يومين من وصولها البلدة، باتّصالٍ هاتفيّ مشوّش، بأنّها وجدت بقايا شاهدة الرخام التي تحمل اسم أبيها، لكنّها لم تجد مكان القبر بعد، وبأنّها لن تعود حتّى تعثر عليه، وتعيد ترميمه كما كان، ثمّ قالت بتصميم: «لن أعود قبل أن أكتب السطور الأولى من سيرة أبي المحذوفة من وثائق السجلّات الرسميّة».
كنت أحرّك ملعقة السكّر في الكأس الثانية من شايٍ ثقيل، أعددته بنفسي، لمقاومة صداع كان يلازمني منذ الصباح، حين سمعتُ وقع كعب حذاء نسائيّ على الدرج. توقّفتُ عن تحريك الملعقة، للتأكّد من جهة الصوت. أحسستُ باضطراب مفاجئ في أضلاعي، مع اقتراب وقع الخطوات، فقد كان في التوقيت نفسه الذي أتت فيه رهام سمعان إلى دار النشر أوّل مرّة، قبل سنة وثلاثة أشهر وتسعة عشر يومًا، تستفسر عن معجم بالفرنسيّة، وعن عناوين كتب محظورة.
خليل صويلح
روائيّ وصحافيّ سوريّ فازت روايته الأخيرة «اختبار الندم» (نوفل) بجائزة الشيخ زايد للكتاب العام 2018، وهي الثانية التي يحوزها الكاتب بعد جائزة نجيب محفوظ عن روايته الأولى «ورّاق الحبّ» العام 2009. صدر له أيضًا في الرواية «بريد عاجل»، «دع عنك لومي»، «زهور وسارة وناريمان»، «سيأتيك الغزال» و«جنّة البرابرة». وله في النقد «قانون حراسة الشهوة» و«ضدّ المكتبة».