البيست سيلر، وضيق الوقت، وضعف السيناريو... دوافع نقل الروايات إلى التلفزيون

2019-09-06 00:00:00

البيست سيلر، وضيق الوقت، وضعف السيناريو... دوافع نقل الروايات إلى التلفزيون

وبدوره يوضح السيناريست والمنتج مدحت العدل أن تحويل الروايات لأعمال فنية يعد أمرًا في غاية الحساسية بالنسبة للصناعة، لأن هذا الاتجاه لو أصبح موضة وأقبل عليها المنتجون بسبب سهولة التعامل مع الرواية وضمان نجاحها الجماهيري سيضر بالعمل فنيًا، وسيجعل الصناعة تشهد على الرواية كعامل أساسي في الصناعة، في مقابل تراجع دور السيناريو المكتوب مباشرة للسينما.

اللجوء إلى الروايات لتحويلها لأعمال فنية، مسلسلات أو أفلام، يحمل أكثر من طابع، وله أكثر من محفز، إذ قد يكون الطابع فنيًا خالصًا أو تجاريًا بحتًا، وقد يجمع بين الاثنين، أو قد يظهر حافز جديد يجبر الصانع على اللجوء للرواية، وعلى كلٍ، فإن تحويل الروايات لأعمال فنية ليس بالأمر الجديد، وإنما يحدث من قديم، غير أن السنوات الأخيرة، وتحديدًا تلك الثمانية الماضية التي تلت ثورات الربيع العربي، شهدت انفتاحًا أكثر من جانب صناع السينما على الرواية، وحدث ذلك في نفس الوقت الذي شهدت فيه الرواية مبيعات غير مسبوقة وجماهيرية طاغية، وباتت ترسخ فكرة الروائي النجم أو الكاتب النجم الذي يناطح في جماهيريته وتأثيره السياسيين ولاعبي الكرة والفنانين، وبالتالي بات تحويل روايته لعمل درامي يحمل خصوصية أخرى، هنا نحاول التعرف على سبب لجوء صناع السينما للروايات في السنوات الأخيرة.

في الفترة من 2011 إلى 2019، تحولت عشرات الروايات لأعمال درامية وسينمائية: "ذات" لصنع الله إبراهيم، "واحة الغروب" لبهاء طاهر، "فيرتيجو"، "تراب الماس"، "الفيل الأزرق" لأحمد مراد، "هيبتا" لمحمد صادق، "أرض النفاق" ليوسف السباعي، "لا تطفئ الشمس" لإحسان عبد القدوس، "أفراح القبة" لنجيب محفوظ، وغيرها الكثير.

في نظر السيناريست عمرو سمير عاطف، فإن الرواية تعد رافدًا مهمًا من روافد السينما، والاتجاه لتحويلها لأعمال فنية يجب أن يلتفت فقط لقيمتها الفنية، بعيدًا عن الحسابات التجارية التي رغم أهميتها إلا أن الانشغال بها يضع الصناعة، أي صناعة، في مأزق

يوضح صاحب مسلسلات "بكار، راجل وست ستات، كفر دلهاب، رقم مجهول، لعبة إبليس" وغيرها، في تصريحات لـ"رمان": "الروايات مؤخرًا حازت جماهيرية كبيرة، وأصبحنا نسمع عن البيست سيلر، وهي ظاهرة ليست جديدة علينا، ولكنها راجت للغاية خلال السنوات الأخيرة، ما دفع المنتجين للانتباه لهذه الروايات، وأنا في النهاية أنشغل فقط بالجانب الفني في المسلسل أو الفيلم الذي أشاهده، سواء كان مكتوبًا كنص مباشر موجه للسينما مثلاً، أو عمل أدبي تم تحويله لسيناريو، لأنه في الأخير يصبح قطعة فنية منفصلة بذاتها، لها شخصيتها المستقلة بعيدًا عن الرواية، التي رغم رواجها قد يصبح أمر تحويلها لعمل فني في غير صالحها، ولذلك يجب أن يتمتع الصانع بعين خبيرة ووضوح في ما يريده من وراء قراره، بحيث يكون محددًا هل هو يريد نجاحًا تجاريًا فقط فيلجأ وقتها لأي رواية جماهيرية بغض النظر عن فنياتها، أو يكون مستهدفًا للنجاح الفني والتأثير على المدى البعيد، ووقتها ستكون الرواية التي يختارها بها مقومات فنية تؤهلها لأن تصبح عملاً جيداً".

ويؤكد عاطف أن هذه الجماهيرية التي تحظى بها الرواية قد تصبح عاملًا مساعدًا يصب في صالح الصناعة، شريطة انتقاء روايات تحمل القيمة الفنية المقبولة، وفي نفس الوقت تحظى بانتشار جماهيري. هذه "الخلطة" في نظره ستجلب نجاحات رائعة للعمل من الناحيتين النقدية والجماهيرية، ولن تجعل هناك قلقًا يذكر بشأن تحويل الرواية لعمل فني، ولكن الشخص الذي يقع عليه عبء الاختيار سيكون مطالبًا بأن يكون أكثر وعيًا ونضجًا وثقافة، ولديه رؤية شاملة للصناعة ككل، بهدف تحقيق الهدفين: الربح المادي، والقيمة الفنية.

ويرى السيناريست هشام هلال سببًا آخر يدفع المنتجين مؤخرًا للرواية بغرض تحويلها لأعمال فنية، وهو سبب يتعلق بالزحام وتكدس الأعمال وضيق الوقت.

يقول هشام لـ"رمان": "كانت لي تجربة مع تحويل الرواية لعمل درامي، حيث عملت على رواية "أنا عشقت" للدكتور محمد المنسي قنديل، من أجل تحويلها لمسلسل، وكان سبب ذلك، بغض النظر عن القيمة الفنية للرواية وأهميتها، هو رغبة المنتج في الانتهاء من العمل بأسرع وقت. كان يريد أن ننتهي من المسلسل الذي نخوض به السباق الرمضاني، وبسبب ضيق الوقت كان التفكير في رواية جيدة هو السبيل الوحيد لإنجاز 50% تقريبًا من المهمة، بحيث تكون الخطوط الدرامية واضحة أمامك، والشخصيات مكتوبة جيدًا، وعليك فقط أن تستوعب الرواية وتهضمها، ثم تجلس لتحولها إلى سيناريو. هذه واحدة من أشهر الحالات التي قد يلجأ فيها المنتج أو الصانع السينمائي بوجه عام للرواية من أجل التعامل معها كمسلسل أو فيلم".

يتابع صاحب مسلسل "دولار": "يمكن كذلك أن نفسر سبب الاتجاه بصورة متزايدة مؤخرًا لتحويل روايات لأعمال فنية، وهو الضمان الكبير لنجاح هذه الأعمال بسبب شعبية الرواية، ومن جهة أخرى عدم توافر النصوص المميزة المكتوبة مباشرة للسينما. لا أقول إننا لا نملك سيناريوهات جيدة مكتوبة للسينما أو للدراما، ولكنها ليست على أعلى قدرٍ من الفنية والتكنيكات السينمائية المطلوبة، وهو ما قد يدفع أحيانًا لنص مضمون نجاحه جماهيريًا من ناحية، وبها قدر من فنيات تؤهله ليصبح سيناريو جيد من ناحية أخرى، وفي نفس الوقت فقد تم تحويل أكثر من رواية ليست جيدة فنيًا، بسبب رغبة المنتج في استغلال نجاحها الجماهيري فقط، مهما كانت فقيرة فنيًا".

وبدوره يوضح السيناريست والمنتج مدحت العدل أن تحويل الروايات لأعمال فنية يعد أمرًا في غاية الحساسية بالنسبة للصناعة، لأن هذا الاتجاه لو أصبح موضة وأقبل عليها المنتجون بسبب سهولة التعامل مع الرواية وضمان نجاحها الجماهيري سيضر بالعمل فنيًا، وسيجعل الصناعة تشهد على الرواية كعامل أساسي في الصناعة، في مقابل تراجع دور السيناريو المكتوب مباشرة للسينما.

ويوضح صاحب "الديلر، مافيا، أمريكا شيكا بيكا، آيس كريم في جليم، حرب الفراولة": "يجب أن يبقى الفيصل دائمًا هو المستوى الفني للرواية، كي لا ندخل في مرحلة جديدة تؤثر سلبًا على صناعة السينما، لأن الروايات الجماهيرية لا تحمل غالبًا مستويات فنية عالية، ولا ينشغل السيناريست الذي يعمل عليها، في الغالب الأعم، بفنياتها، على قدر ما يكون مشغولًا فقط بأن يحولها سريعا لـ"سكريبت" لأنه يدرك في داخله أن الناس ستتفاعل مع الفيلم أو المسلسل بسبب جماهيرية الرواية فقط، وهذه نقطة خطيرة تخص تحويل الرواية لعمل فني.

ويتابع العدل: "قررنا كجهة إنتاج في رمضان 2018، تحويل رواية أرض النفاق ليوسف السباعي إلى مسلسل من بطولة محمد هنيدي، حيث أردنا الاتكاء على لماعية الفكرة وتميزها، فضلًا عن الكتابة العظيمة ليوسف السباعي، ونحن هنا لسنا أمام رواية جماهيرية على الإطلاق، ولكنها رواية تحمل فكرة جديدة، مميزة، تجبر القارئ أو المشاهد على التفاعل معها، ولجأنا للسيناريست أحمد عبد الله ليكتبها سيناريو، ولأنه فنان ومبدع فقد أضاف إليها وبث فيها من روحه وخرج السيناريو يحمل طابعًا مميزًا، وحقق المسلسل انتشارًا ونجاحًا جيدًا سواء على المستوى النقدي أو على المستوى الجماهيري، وهذا ما أردناه، وهو جوهر ما أردت التعبير عنه وتأكيده بشأن فكرتي، أنّ اللجوء للرواية عندما يكون وراءها فكرة، يضيف للسيناريو، وسبب فني سيضيف للعمل ككل، وليس فقط استغلال نجاحها جماهيريًا، وهو ليس عيبًا بالمناسبة، وكل منتج في النهاية يريد أن يكسب أموالًا نظير عمله، ولكن ما يثير قلقًا في هذا الشأن هو أن يتحول الأمر إلى سبوبة، بمعنى أن يصبح الأمر بمثابة موضة يلجأ إليها المنتج والسيناريست ضمانًا لنجاح سهل وقريب، بدلًا من العمل والجهد وانتظار المردود الفني والتأثير على المدى البعيد".