"مهرجان إيليا للأفلام القصيرة"... أفلام عن الذكورية والتمرّد والولادة

2019-09-18 13:00:00

لقد استطاع كل من قام على إخراج هذا الفيلم إلى النور أن يعيد المشاهد إلى الحياة من جديد أمام الخوف من النهاية، فاستطاع أن يحصد وبجدارة التصفيق، والابتسامات، والعيون اللامعة أمام عظمة النهاية المتمسكة بكل ما تحمل الحياة من جمال في الدمار.

ها قد انتهت الأيام الخمسة لمهرجان إيليا للأفلام القصيرة، المهرجان الذي أضاء المدينة، مشرقاً بأملٍ قادمٍ في العام القادم. على مدار خمسة أيام، عرض المهرجان أفلاماً قصيرةً من مختلف المدن العربية، شاهدنا أفلاماً لم نسمع عنها من قبل أو لم نشاهدها. ستون فيلماً كانت حصيلة ما تم عرضه خلال أيام المهرجان، إضافة إلى المحاضرات السينمائية وورشات العمل المختلفة في مختلف المراكز الثقافية في المدينة المقدسة. 

"ما تعلاش عن الحاجب"... أحكام شرعية متفاوتة وأحكام ذكورية لا ترحم

إنها القصة البسيطة، أو السؤال العابر الذي تحول إلى فيلم مصري قصير من تأليف أحمد دبور، وإخراج تامر عشري. قصة الفتيات خلف النقاب، لا بل إنها أعمق من ذلك بكثير، إنها قصة الأوامر الإلهية التي لا تُكسر إلا بموافقة الرجل، إنها قصة الحسابات، و"العيب" المختفي وراء تناول البوظة كما يجب. عائشة (أسماء أبو اليزيد) فتاة في أواخر العشرينات، تأتي من خلفية دينية متشددة، ترتدي النقاب واللون الأسود دوماً في الخارج، وتخاف من ارتدائها اللون الأزرق الغامق، لم تقع في الخطأ مرةً، تعيش حياتها كمسألة حسابية ، لكنها ومع كل ذلك تخاف من أمر واحد فقط، يرفضه البعض، وتتفاوت فيه الأحكام الدينية؛ فالمجتمع لا يرحم، والبيئة لا ترحم، حتى المختلف لا يرحم. إنه الخوف الذي ترعرعت فيه عائشة لتكون عالقة في في دوامة الأرقام، والتي استطاعت من خلاله الممثلة المصرية أسماء أبو اليزيد أن تحصد جائزة مهرجان إيليا لأفضل ممثلة عن أدائها دور عائشة، في فيلم تقوده شخصيتان فقط، قد تمثل كل واحدة منهما النقيض المختلف، المحاسِب والمحاسَب.

"بالأبيض"... صراع التمرد باللون

المسافات التي تغرّبنا، ليست المسافات الفعلية في البلاد الأخرى، إنها المسافات التي نحاول اجتيازها بالمقاومة والثبات. إذاً هل يحق للبشري في الألفية الثانية مساءلة القوانين والعادات؟ في "بالأبيض" لمخرجته اللبنانية دانية بدير نحن أمام صراع المظاهر، الكلمات، والنفاق؛ الناس هناك على مقاعدهم دائماً ليتحدثوا عنك حتى لو كنت ماثلاً هناك بحقيقتهم التي يرتدونها دوماً.

لارا (ماريا أشقر) فتاة لبنانية تعود إلى عائلتها في لبنان تاركةً وراءها حياتها التي أخفتها في أمريكا لتتوشح بالأسود الذي رغبت أن يكون أبيضاً لتستذكر الحياة في حضرة الموت في مجتمع يسوده السواد ويكره الاختلاف.

استطاعت بدير أن تنتصر للارا بالصمت، صوتاً وصورةً أيضاً، لتصل بعدها إلى حالة العودة إلى الذات والحقيقة أمام الجماعة مبتعدةً كل البعد عن فكرة أن الفتاة لا تتغير إلا بوجود رجل في حياتها؛ فالفرد الواعي والقادر لا يتغير إلا بوجود الجماعة المختلفة كل الاختلاف عن لارا.

"الحبل السري"... ولادة أمام البندقية

إنها الحروب، تحمل معها كل ما يمكن أن يكون معادٍ للإنسانية والطبيعة التي ينبغي عليها أن تستمر، في أقسى الظروف، وتحت ندرة الموارد، وخلو الحياة إلا من قطرة عيشٍ واحدة، ربما تكون هذه القطرة هي خروج طفلٍ باكٍ من رحم أمه وحبله السري لم يقطع بعد، ممتد من مكانه، من باطن الأرض التي أنجبته، إنه التشبث أمام السلاح، وخرق العيش، ونفاد الأمل. لقد تعددت الأفلام والمسلسلات التي تناولت وضع المدني المسالم في سوريا، المواطن الذي لا يحمل سلاحاً ليهدد بسلاحٍ آخر من أبناء الأرض ذاتها. هؤلاء السوريون هم قطرات الأمل أمام التضحيات، ولعنات العالم. 

في "الحبل السري" لمخرجه السوري الليث حجو نحن أمام المأساة التي نواجهها بالحب، والضحكة، والسخرية؛ فمهما أطلق القناص رصاصة على الخبز، فالعيش سيظل موجوداً إلى أن يشاء الله.

تقول صن- مي هوانغ في روايتها "الدجاجة التي حلمت بالطيران" : هناكَ شيءٌ ما يحدث في هذا العالم على الدوام. هناكَ كائنٌ يموت وآخر يولد. هناكَ فراقٌ ولقاءٌ في الوقت نفسه تقريباً. يعني ذلك أنه يستحيلُ علينا أن نحزنَ إلى الأبد."

لقد استطاع كل من قام على إخراج هذا الفيلم إلى النور أن يعيد المشاهد إلى الحياة من جديد أمام الخوف من النهاية، فاستطاع أن يحصد وبجدارة التصفيق، والابتسامات، والعيون اللامعة أمام عظمة النهاية المتمسكة بكل ما تحمل الحياة من جمال في الدمار.

لقد أسدل "إيليا" ستائره هذا العام، وغادر القدس، ومحبي السينما، والأفلام، والقصص، والإنسان باكراً، مرّ على عجل، لكنه وعدنا أن يعيد الزيارة كل عام.