فرانكا باستيانيلّو... من ثاني امرأة تسوق الجندول في البندقية إلى مديرة مهرجان للفيلم الفلسطيني 

2019-10-26 13:00:00

فرانكا باستيانيلّو... من ثاني امرأة تسوق الجندول في البندقية إلى مديرة مهرجان للفيلم الفلسطيني 

صحيح أنني كنت ثاني امرأة تسوق جندولًا في فينيسيا لفترة طويلة من الزمن إلا أنني إجمالاً كنت أتطلع دائمًا لقضايا الحقوق العادلة والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص وأظن أن هذا نابع من وعيي بفلسطين وقضيتها وأن هناك وضع استثنائي تنقصه العدالة والحق الفلسطيني بالحرية والعيش بكرامة في بلادهم، هذا بالإضافة إلى متابعتي المستمرة للسينما بمختلف أنواعها خاصة السينما المستقلة والتي كان للفيلم القصير فيها نصيب الأسد.

بقلب ملؤه الشغف ومحبة خالصة تفتح فرانكا باستيانيلّو قلبها وبيتها على مدار ثلاث سنوات لضيوف مهرجان "نظرة" للفيلم الفلسطيني القصير والذي عادة ما يتم افتتاحه في مدينة البندقية لينطلق بعدها في رحلة عبر عدد كبير من المدن الإيطالية كان من أهمها هذا العام البندقية وروما ونابولي وميلانو، باستيانيلّو التي لا تكل ولا تمل طوال اليوم وهي تعمل كملكة النحل من أجل إنجاح هذا النشاط السنوي، ما لفت انتباه موقع "رمان" فالتقيناها للحديث عن أهم الأسباب التي كانت خلف تأسيس هذه الاحتفالية القائمة على حب السينما وفلسطين...

حدثينا عن مهرجان "نظرة" الذي أصبح موجودًا بقوة في الساحة الإيطالية وما هي أهدافه؟
 

هدف المهرجان الأساسي هو تسليط الضوء على الثقافة الفلسطينية وتحديداً النشاط السينمائي فيها لأن كل منهما يروج للآخر والسينما قناة فعالة للحديث عن القضية وإبراز نواحي إنسانية متعددة لخدمة هذه القضية العادلة، كما أن هناك ميزة خاصة بهذا المهرجان هي أن الهيئة التنظيمية يستقبلون أعمالًا ليس لسينمائيين فلسطينيين فقط وإنما سينمائيين من مختلف بلاد العالم، يقدمون رؤيتهم ونظرتهم للحكاية الفلسطينية ولهذا حمل المهرجان اسم "نظرة" التي تعني نظرة شاملة عميقة لهذا الشعب، إضافة إلى أن المهرجان يخلق مساحة حوار بين السينمائيين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين للوقوف على الواقع الذي يعيشه الإنسان هناك، كما أن اهتمام المنظمين ينصبّ على الشباب تحديدًا لأن لغة الفيلم القصير هي لغة مختزلة ومكثفة ولديها فرصة لتخطي مصاعب كثيرة يواجهها المخرج في حال كان المشروع فيلماً طويلاً، حيث أن الفيلم القصير لا يحتاج لتمويل ضخم أو معدات مكلفة ولا توزيع على مستوى واسع وهذا يشجع الشباب أكثر على دخول التجربة دون مخاوف إنتاجية، لهذا كان التوجه للشباب لتشجيعهم على المشاركة وإنتاج أعمال سينمائية قد تكون أساسًا لعمل سينمائي كبير قادم.
 


ما هي التحديات التي تواجهكم كجهة منظمة من أجل عرض كل هذه الأفلام؟

الحقيقة أن الصعوبات كثيرة خاصة لو أخذنا بعين الاعتبار موضوع المهرجان ألا وهو قضية شائكة تحيطها وتحيط من يتحدثون عنها الكثير من المخاطر، كما أن المهرجان هو مهرجان مستقل ليس له دعم خارجي أو موازنة ضخمة ويجري تنظيمه بشكل تطوعي من قبل كل العاملين فيه، وهو يخضع للتمويل الذاتي من قبلنا حتى الآن لكنه ومع الوقت والإصرار استطاع أن يأخذ مكانة هامة مكنته من استقطاب شخصيات مؤثرة ومؤسسات ثقافية للتعاون معه ودعمه، كما أن الجامعات هنا صار لها تطلع خاص للمهرجان الذي أخذ مكانة عليا فقدموا مبادرات متعددة لاحتضان فعالياته وتنظيم ندوات ثقافية فنية في صالاتهم وقد تم الاهتمام من قبل عدة دور سينما في مختلف أنحاء إيطاليا بالمهرجان، التي استضافت العروض السينمائية في قاعاتها ونظمت الفنانين المشاركين ندوات متعددة أدرجتها في برامجهم الثقافية، لكن الصعوبات المادية مازالت قائمة وأحيانا محبطة، ومع ذلك فنحن نحاول تخطيها بجميع الأشكال بواسطة التضامن التطوعي سواء من قبل المنظمين أو الضيوف المشاركين الذي يتحملون على كاهلهم عبء شراء تذاكر السفر والتنقل فيما نتحمل نحن الإقامة الشاملة لضيوف المهرجان في بيوتنا التي فتحناها لهم مثلما فتحنا قلوبنا لهذه القضية السامية.

أيضاً ما يهمنا هو مساعدة الكثير من الشباب المبدع على الخروج من الأوضاع الصعبة التي يعيشونها والدائرة المغلقة إلى المشاركة بالمهرجان عبر دعوتهم لحضور الفعاليات وعادة ما تواجهنا هنا صعوبات من نوع مختلف حيث نعاني من أجل الحصول على فيزا للمخرجين المشاركين والتي عادة ما يتم رفضها، فعلى سبيل المثال هذا العام لم يأخذ أياً من المخرجين الفائزين فيزا من السفارة الإيطالية سواء في فلسطين أو في بلدان أخرى يعيش فيها الفلسطيني المشارك مثلما حدث مثلًا مع المخرجة إيليا غربية التي رفضت القنصلية الإيطالية في قطر منحها فيزا الدخول.
 


هل تقومون بخطوات للضغط على الحكومة من أجل تسهيل هذه الإجراءات؟

بالفعل قمنا بإرسال العديد من الاحتجاجات والشكاوى للقنصليات والسفارات الإيطالية، وآخر هذه الاحتجاجات كان بخصوص المخرج الفلسطيني إياد الأسطل الفائز بجائز أفضل فيلم تسجيلي والذي لم يستطع الخروج من غزة هو، وشخصية رئيسية في فيلم "برج غزة" الذي فاز بجائزة فيتوريو أريجوني، حيث تم رفض أحدهما والثاني لم يستطع الخروج من غزة برغم حصوله على الفيزا لأن الخروج من معبر رفح كان يتطلب مبلغاً كبيراً من المال لم نكن قادرين على توفيره. ومازلنا نحاول التواصل مع مؤسسات عدة من أجل حل هذه المعضلة الرئيسية.

من الملاحظ على لجنة التحكيم هو التنويع في تخصصات المشاركين فيها، على أي أساس يتم اختيارها؟

المبدأ الذي يتم على أساسه اختيار لجنة التحكيم هو الإحاطة بكل ما يرتكز عليه الفيلم القصير من عناصر مثل الكتابة والإخراج والموسيقى ولذلك تجد في اللجنة مخرجين وموسيقيين، كتّابًا ومنتجين، وهي تتكون من خمسة أعضاء من فلسطين وخمسة آخرين من إيطاليا من أجل خلق التوازن الفني في الرؤية والتقييم، ومن الملفت أننا لاحظنا اختلافًا في التقييم بين الحكام من كلا الجنسيتين، حيث أن المحكمين الإيطاليين يحكمون وفق التقنيات السينمائية أكثر من الموضوع أو الرسالة المطروحة بعكس الفلسطينيين الذين يولون اهتمامًا أكبر للقصة وحبكتها، وأظن أن هذا يعطي فرصة للأفلام التي لا تمتلك تقنيات كبيرة بحكم الواقع الصعب أن تنتج بدورها أفلامًا حتى لو كانت تحمل نقصًا في الإمكانيات والتقنيات، كما أن

هناك مصادفة ملفتة جداً، وهي أن المخرجين خلال هذه النسخ الثلاث من المهرجان كانوا وبدون سابق اتفاق قد اختاروا موضوعات متشابهة دارت حولها معظم الأفلام المشاركة، فمثلاً العام الماضي كانت هناك ذكرى مرور سبعين عامًا على النكبة ولاحظنا أن الأعمال المشاركة في أغلبها تدور حول النكبة مثلما حدث ذات الشيء هذا العام.
 


ما أهمية الندوات والفعاليات الموازية للعروض السينمائية ؟

في الواقع، إن فعاليات المهرجان تتم بالتزامن مع استضافة مخرجين وفنانين ومثقفين كان من المهم بالنسبة لنا تقديمهم للوسط الإيطالي خاصة وأنه لدينا في البندقية تحديدًا قسم اللغة العربية في جامعة كافوسكاري الذي يعتبر من أهم أقسام اللغة العربية في إيطاليا، لذا كان من المهم أن نعرّف الطلاب على المبدعين القادمين من فلسطين وغيرها ليتحدثوا عن القضية ويعرّفوا الطلاب بثقافة أخرى لتقديم نظرة عميقة على واقع شعوب أخرى كما أن الجامعة أخذت بعين الاعتبار أيضاً تعريف طلبتها على السينما الفلسطينية ورؤيتها من خلال طرح مواضيع متعددة وهو الأمر الذي يصعب على الطالب الإلمام به ان لم تتح له هذه الفرصة.

هل يتم استضافة المهرجان خارج إيطاليا أيضاً؟

نعم، بالفعل منذ بدأ المهرجان فعالياته ونحن نحرص على عرض الأفلام المشاركة معنا في مدينة غزة التي لها أيضاً حصة الأسد في المشاركات التي تأتي منها، مما يجعلنا نشعر بقيمة الجهود التي نبذلها هو حجم الإقبال على مشاهدة أفلام المهرجان في غزة التي لدينا شراكات عميقة مع عدد من المؤسسات فيها، كما أننا تلقينا هذا العام دعوة من أحد مخيمات الفلسطينيين في لبنان لاستضافة المهرجان هناك وسيتم هذا بالتزامن مع عروضنا في غزة خلال شهر فبراير القادم.
 


ما الذي جاء بسائقة جندول إلى تنظيم مهرجان سينمائي يركز على القضية الفلسطينية؟

صحيح أنني كنت ثاني امرأة تسوق جندولًا في فينيسيا لفترة طويلة من الزمن إلا أنني إجمالاً كنت أتطلع دائمًا لقضايا الحقوق العادلة والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص وأظن أن هذا نابع من وعيي بفلسطين وقضيتها وأن هناك وضع استثنائي تنقصه العدالة والحق الفلسطيني بالحرية والعيش بكرامة في بلادهم، هذا بالإضافة إلى متابعتي المستمرة للسينما بمختلف أنواعها خاصة السينما المستقلة والتي كان للفيلم القصير فيها نصيب الأسد.

إذن كيف ابتدأت الحكاية ومن كان معك في هذه الرحلة ؟

الحكاية ابتدأت من حلم، انطلق من حبي للسينما ومناصرتي للقضايا الإنسانية العادلة، ومن هنا كانت الفكرة من مزج السينما بالرسالة الإنسانية، ومن هذا الشغف الذي أحمله تجاه هذين الاتجاهين، على الرغم من أنني لم أكن عاملة في أحدهما بشكل فعلي سواء كانت السينما أو الحراك الفلسطيني، لذا بدأت أول نسخة من المهرجان "ما خلف الجدار" في عام 2017 بتمويل ذاتي تماما وبمساعدة رفيقي ماريو وصديقي بروفيسور اللغة العربية والمترجم سيموني سيبيليو، حاولنا فيها التركيز على فكرة الجدار وما يحيط به وما يخفي خلفه وهذه المناطق المحاصرة داخله ومن ثم تسليط الضوء على من يعيشون هناك، وقد بدأت وقتها بعشرين فيلماً قصيراً.
 

 


وكيف استطعت وأنت التي لا تشتغلين بالسينما التواصل مع هذا العدد من المخرجين وصناع الأفلام؟

في الحقيقة تواصلت بشكل عفوي مع العناوين البريدية التي حصلت عليها من خلال بحثي على الإنترنت عن أسماء مخرجين وغيرهم وقمت فعلاً بالتواصل معهم، حيث حالفني الحظ مع عدد كبير منهم بعد أن شرحت فكرة المهرجان والطموح الذي نتطلع إلى تحقيقه، كما سألت عددًا كبيراً من الأصدقاء، محاوِلة جمع أكبر قدر من الدعم كان على رأسهم الصديق سيموني الذي كان صاحب فكرة تسمية المهرجان بـ "نظرة" وهو الاسم الذي ولد به المهرجان وظل يحمله إلى الآن، وانضم بعدها عدد من الأصدقاء الداعمين للقضية الفلسطينية مثل الصديقة ماري سالفيلي، الناشطة الثقافية والإنسانية في قطاع غزة وبعض الجمعيات الثقافية مثل جمعية "فلنظل إنسانيين" وجمعية "محور فلسطين" وتم التواصل لاحقًا مع جمعيات أخرى حتى وصلنا في هذه الدورة إلى تلقي الدعم من مؤسسة "فيتوريو اريجوني" التي كان هناك جائزة خاصة باسمه هذا العام، والآن صار لدينا انتشار كبير مما مكننا من تلقّي طلبات للمشاركة في المهرجان أكثر مما كنا نتوقع حتى أننا في العام الماضي قمنا بعرض الأفلام المشاركة في حوالي عشرين مدينة إيطالية، وإلى الآن لم تتوقف طلبات الاستضافة من قبل جمعيات ثقافية في مختلف المدن الإيطالية وهذا كله يصب في صالح انتشار المهرجان وجماهيريته وهو الأمر الذي نتطلع إليه في أن يكبر المهرجان ليصبح في مصاف المهرجانات الكبرى برغم كل الصعوبات التي مازلنا نواجهها حتى الآن والتي نأمل أن نتخطاها يوماً ما وكلنا أمل أن نستطيع مواصلة تنظيم هذا المهرجان وألا يوقفنا شيء مهما كانت صعوبته.