صدرت "متسوّلو الخلود" للفلسطيني أنس إبراهيم عن دار هاشيت أنطوان/نوفل

2019-11-18 14:00:00

صدرت

هذه رواية لكلّ من تؤرّقه الأسئلة. لكلّ من وصل حدود السأم وعاد. فيها حبّ مريض وآخر مبتور. فيها العلاقات الموتورة التي يحاول البشر هدهدة قلقهم بها. فيها البطولات الصغيرة التي لا اسم لأصحابها. فيها العادي الخارق، الحاضر في حياة كلّ منّا. فيها أربع شخصيّات تهرب دائماً إلى الأمام في نزوعٍ دائم نحو الجنّة المفقودة، رغم يقينها الراسخ بأنّها وهم.

تقدّم رواية "متسوّلو الخلود" للكاتب الفلسطيني الشاب أنس ابراهيم، الصادرة حديثاً عن دار هاشيت أنطوان/نوفل، نموذجاً هو مزيج من السّرد الروائيّ الذي يشتغلُ على الإنسان بوصفِهِ مركزَ النّظرْ إلى العالَمْ بالاستنادِ إلى التحليل النفسيّ الوجوديّ، والذي يستندُ بدوره إلى أسئلة الوجود، الكينونة، الجنس، الخلود والرّغبة المجرّدة.

هي رواية وجوديّة فلسفيّة وكذلك رواية سيكولوجيّة، أبطالها بلقيس، يوسف، وليد، غسّان. أربع شخصيّات، أربعة وجوه. أربعة أسئلة عن المعنى. وأربعة إسقاطات تحاول مواجهة معضلة الوجود في 311 صفحة من الحجم الوسط. 

 لكلّ شخصيّة من شخصيّات "متسوّلو الخلود" سؤال وجودي ما، إشكاليّة نفسيّة وماضٍ لا يُمكِنُ الهروب منه. يحاول الشّاعر يوسف الرّاوي الوصول إلى تسوية ما، ما بَين وجوده العاديّ ورغبته الحارقة في اللاعاديّة. بينما يجد المقاتل، وليد العبدالله نفسه في مأزق ذهنهِ النقي وواقعهِ القبيح، رغبته الدّائمة بالهرب من المعركة، بانتهاء الحرب، والجلوس في مكان هادئ، أن يتزوّج ويكون عاديّاً بينما أولاده يحيطونه، بعيداً من الحرب الدائمة والمعارك المتتالية، ولا يستطيع. 

وليس بعيداً من يوسف، تجِدُ بلقيس نفسها ترتكب الجرائم العاطفيّة المتتالية، مدفوعةً بشعورٍ دائم بالقلق، بالملل، بالرّغبة في وجودٍ عاديٍ من نوعٍ خاصّ، لا يتخلّى عن المكوّن الثقافي، ولكن لا يجد في المكوّن الثقافي للعيش سبباً خالِصاً للعيش. تختفي بلقيس من حياة يوسف في لحظة، وتهرُبُ منهُ إلى غسّان، المعالج النفسيّ والناجي من مجزرة صبرا وشاتيلا، والذي يحاول جاهداً العيش وفقَ صيغة نفسيّة معقّدة، تمكّنه من الاحتفاظ بتوازن نفسه وتُبعِدُ أشبَاح مجزرة صبرا وشاتيلا عن ذهنه وعن واقعه اليوميّ، ولكنّهما، بلقيس وغسّان، يصطدمان ببعضهما، بالعاطفة، وبماضيهما، يوسف ووليد والمجزرة، يحضُرُ بشكلٍ دائمٍ في الحاضر ولا يترُكُ لهُما أيّ قدرةٍ على البدء من جديد. 

"الماضي لا ينتهي أبداً"، كذلك، السؤال الوجوديّ، الفلسفيّ والنفسيّ، لا يكفُّ عن الحضور أبداً. في الرّواية، ورغم حضور الانتفاضة الثانية كإحدى أهمّ ثيمات المكان والزّمان في الرّواية؛ إلّا أنّ العمل الروائيّ في "متسوّلو الخلود" يكمُنُ في الإنسان وحول الإنسان نفسه. تحضُرُ الانتفاضة كحدث، يؤثّر، يخلُقُ انعطافات استثنائيّة في حيوات الشخصيّات، ويحضُرُ المكان وإشكاليّاته التاريخيّة التي لا تزال امتداداتها في الحاضر قائمة، أيضاً، كمكوّن نفسيّ مهم في بناء الشخصيّات. إلّا أنّ الشخصيّات، رغم المكان، وإشكاليّات الزّمان، تظلُّ في مشدودة إلى واقعٍ متخيّل، تحاول خلقه عبر ذواتها الداخليّة، كعالمٍ موازٍ يحضُرُ على هيئة تخيُّلات، كلمات، شهوات جنسيّة غير منضبطة وتشوّهات نفسيّة غير مفهومة. 

في إطار ما سبق؛ يمكِنُ القول أنّ رواية "متسوّلو الخلود" رواية فلسفيّة بطريقة نظرٍ ما، إذ إنّ السّؤال الوجوديّ، الشعور بثقل الكينونة، محاولة إيجاد صيغة فلسفيّة للعيش بشكلٍ ما ومسألة الخلود أو اللاخلود، تُشكِّلُ بمجملها العناصر الفلسفيّة للرواية. وبطريقة نظر أخرى، يمكن اعتبار رواية سيكولوجيّة تستخدم التحليل النفسيّ أو التشريح النفسيّ للشخصيّات عن كثبٍ وبشكلٍ دائمٍ، كأنّما الرّوائيّ ليسَ إلّا مُراقِب لسلوكيّات الشخصيّات ودوافعها النفسيّة التي لا تظهَر دائماً بشكلٍ واضح. 

ويقول أنس ابراهيم: " الشخصيّات الأربع الرئيسيّة ليست بعيدة عن واقعي الشخصيّ. أمّا موضوع الوجود؛ بطريقة نظر معيّنة يمكِنُ اعتبار الرواية فلسفية، بطريقة نظر أخرى، يمكن اعتبارها رواية سيكولوجيّة، وبطريقة نظر أخرى، يمكن اعتبار الموضوع الفلسفي في الرّواية عارِضْ نتاج أفكار وخيال الشخصيّات الأربع الرئيسيّة".

ويضيف: "شخصيّاً لم أذهب إلى أيّ ثيمة معيّنة، ربّما في بداية الكتابة كنت مأخوذاً بأفكار فلسفيّة ونفسيّة وكنتُ أعتقد أنّني سأعالجها في الرّواية، ولكن لاحقاً، كنتُ كأيّ قارئ آخر، أكتُبْ ما تلفظهُ الشخصيّات وما تفكّر به، وأحاول التدخّل بين الحين والآخر، بشكل مفضوح أحياناً وبشكل سرّي أحياناً أخرى. في بعض الأحيان أعتقد أنيّ كنت أكتُبُ لأعرف حقاً ما سيحدث، وربّما يكون هذا تفسير القلق المُرافق للأحداث والشخصيّات، فلا الشخصيّات ولا الكاتب كانوا يعرفون ما الذي سيحدث حقاً، ولماذا يحدثُ ما يحدثُ حقاً". 

هذه رواية لكلّ من تؤرّقه الأسئلة. لكلّ من وصل حدود السأم وعاد. فيها حبّ مريض وآخر مبتور. فيها العلاقات الموتورة التي يحاول البشر هدهدة قلقهم بها. فيها البطولات الصغيرة التي لا اسم لأصحابها. فيها العادي الخارق، الحاضر في حياة كلّ منّا. فيها أربع شخصيّات تهرب دائماً إلى الأمام في نزوعٍ دائم نحو الجنّة المفقودة، رغم يقينها الراسخ بأنّها وهم.

 يذكر أن أنس إبراهيم ولد في رام الله في العام 1993 لعائلة لاجئة من مدينة اللدّ. حاصل على ماجستير في الدراسات الإسرائيلية من جامعة بيرزيت. له كتابات في عدد من الصحف والمجلّات العربية في مجالَي النقد الأدبي والسينما.