مي عودة: نحن لا نضع الثقافة على رأس أولوياتنا فلسطينيًا

2020-02-07 16:00:00

مي عودة: نحن لا نضع الثقافة على رأس أولوياتنا فلسطينيًا

في الحقيقة أنني لجأت إلى السينما للإجابة عن تساؤلات بداخلي أترجمها على هيئة أفلام علّها تستطيع البحث عن إجابات وغزة هي واحدة من الأسئلة الكبيرة، عندما تصبح غزة ممنوعة من قبل الجميع ممّن حولك، فأنت تريد أن تفهم لماذا! وهذه كانت نقطة الانطلاقة،

مي عودة، مديرة شركة عودة للأفلام، وهي شركة إنتاج سينمائي مستقلة، مقرها في رام الله، وتهتم بإنتاج وتوزيع أفلام وثائقية وروائية. عن التحديات والظروف التي ترافق صناعة وإنتاج الفيلم القصير الفلسطيني، كان لنا معها هذا الحوار.

يتصور الكثيرون أن صناعة فيلم قصير لا تحتاج إمكانيات كبيرة ولذا نرى بعض الأفلام التي تفتقر للكوادر السينمائية الحقيقية، كيف تنظرين إلى صناعة الفيلم القصير تحديدا في فلسطين؟

الفيلم هو فكرة، إما أن تتطلب الفكرة أن تكون على شكل فيلم قصير أو فيلم طويل، روائياً كان أم وثائقياً أو حتى متحركاً. وأنا لا أميز بين صناعة الفيلم القصير والطويل، الروائي أو الوثائقي، هي كلها بالمجمل أفلام وصناعتها في فلسطين ليست بالأمر الهين، فالفيلم القصير هو البداية، هو الذي يحتاجه أي سينمائي ليكون هوية لأي مخرج، حتى يثبت مكانته في سوق الأفلام (العربي والعالمي). فالمخرج/ة يحتاج لهوية تمرر دخوله/ا لعالم الصناعة من خلال هذا الفيلم القصير.

أغلب نوافذ التمويل تتطلب إما مادة مصورة أو فيلمًا سابقًا للمخرج/ة، هذا ما واجهنا بالفعل عند إنتاج فيلم «٢٠٠ متر» لأمين نايفة؛ الأمر الذي جعلنا نتوقف عامًا كاملًا من أجل إنتاج فيلم قصير( العبور، ٢٠١٧)، ليكون بطاقة تعريف لأمين كمخرج، وساعدنا هذا بالفعل لإنتاج فيلمه الطويل، أما بالنسبة للإمكانيات، فكل فيلم له ظروفه، والفكرة هي التي تحدد، حيث من الممكن أن أصور فيلمًا في يوم واحد ويمكن أن يتم في عشرة أيام، والفكرة أيضا تحتم عليك عدد الكادر الذي سيعمل في الفيلم، وأخيرا الميزانية.

بشكل عام صناعة الفيلم القصير في فلسطين كما صناعة الفيلم بالإجمال، تحتاج إلى هيكلية وأساس يساعد صُنّاع الأفلام على إنتاج أفلامهم، وعلى سبيل المثال لا يوجد صندوق حقيقي لدعم الفيلم الفلسطيني، هناك المنحة النرويجية المنفذة من خلال صندوق الثقافة الفلسطيني وهذا مفتوح لجميع قطاعات الفنون، لذلك تأخذ السينما النصيب الأقل لأن ميزانيتها كبيرة، وصحيح أننا نسمع عن إنتاج فيلم قصير هنا وهناك، لكن ليس بطريقة ممنهجة، كي نقول أن هناك صندوقًا لدعم الأفلام ينتج كذا أفلام قصيرة وكذا طويلة وكذا وثائقية إلخ كل عام.

هناك مبادرات مؤسساتية تدعم إنتاج أفلام قصيرة، لكن الجهة التي أثرت إيجابيًا في هـذا المجال هي دار الكلمة في بيت لحم، حيث تعمل على تخريج جيل من الشباب بحوزتهم مشاريع تخرجهم -أفلامهم القصيرة-، مما يدعم بشكل كبير مسيرتهم العملية بعد التخرج مباشرة وخصوصا في مجال إنتاج الأفلام. وهذا من شأنه الدفع إيجابيًا من أجل صناعة سينما حقيقية، لكن اليد الواحدة لا تصفق، وعندما يكون بإمكاننا إنتاج عدد معين من الأفلام كل عام، فان عجلة الصناعة تتحرك، بمعنى أن الكوادر السينمائية تستطيع توفير فرص عمل دائمة في صناعة السينما، الأمر الذي يطور الكوادر المهنية المحلية، وينشئ مخرجين، وكتاب ومنتجين وتقنين، من ثم يتم عرض الفيلم على جمهور، ويكتب الصحفيين، ويتشجع الجمهور لدراسة السينما، والمنتج يأخذ حصة من مدخول التذاكر ليبدأ فيه فيلمًا آخر، وهكذا نستطيع تنشيط الصناعة السينمائية في فلسطين.

هل يمكننا أن نلقي باللوم فقط على الاحتلال بخصوص تراجع حضور دور السينما في فلسطين التي كانت سباقة في إنشاء أول دار سينما في بداية القرن الماضي أم هناك مسئولية تقع على أكتاف العاملين في هذا المجال؟ 

الاحتلال له الدور الأكبر لأنه غيّب هذه الثقافة لسنوات عدة، وكان  إغلاق دور العرض من أولى أولوياته. لكننا يجب أن نواجه الحقيقة المرة أنه وحتى الآن لا نضع الثقافة على رأس أولوياتنا فلسطينيًا، وكلنا يدرك أن السلطة الفلسطينية خصصت ميزانيات ضئيلة لوزارة الثقافة، كما أن القطاع الخاص بنظري يتحمل مسؤولية كبيرة عن هذا التراجع، لأن السينما والثقافة هما سلاحنا الوحيد لمواجهة زوبعة الظلام التي تحيط بنا سياسيًا وأخلاقيا، ومن المعيب حقًا أن ندفن رؤوسنا في التراب ونتجاهل دورنا في تعزيز سياسات ثقافية وأخص بالذكر سينمائيًا.

من خلال المتابعة لحركة الفيلم القصير فلسطينيًا نلاحظ تباينًا في المستويات ما بين اللغة السينمائية الواضحة وبين تجارب أقرب ما تكون إلى تجارب الهواة، ما الذي يسبب هذا التباين الواضح من وجهة نظرك؟ 

في الحقيقة أن جميع التجارب الفلسطينية لصناعة الأفلام هي بالأغلب نتاج جهود فردية، وإنه لإنجاز كبير أن تنتج فيلمًا طويلاً كان أو قصيرًا فكلاهما يحتاج لنفس الكوادر والعناصر الإنتاجية، وهناك عدد من الأفلام الفلسطينية القصيرة التي أنتجت من خلال ورشات عمل كانت محدودة الإمكانيات، لأنك هنا محكوم بالزمن والميزانية، لكن ذلك لا يعني أن الفيلم حتى وإن كانت ظروف إنتاجه بسيطة إلا أن الفكرة تكون هي النجمة، ومن الجدير ذكره أن هنالك أفلام كثيرة أنتجت بأفكار وظروف إنتاجية جدا بسيطة؛ على سبيل المثال فيلم مهدي فليفل "لقد وقّعت على عريضة" الذي هو فيلم بسيط إنتاجيًا يحكي عن مكالمة هاتفية بينه وبين صديقه لكن فكرته وحرفيته ومصداقيته أوصلته الى أسمى المهرجانات السينمائية، وبنظري أن الفيلم لو كانت فكرته جيدة، فإن الجمهور يتناسى ظروف إنتاجه إذن الفكرة ثم الفكرة فالفكرة.

قمتِ بخطوة رائدة منذ سنوات قليلة وهي إنشاء شركة إنتاج خاصة بك لصناعة الأفلام، هل يمكن أن تطلعينا على فلسفة الشركة ومشاريعها المستقبلية؟ 

صراحة بقدر سعادتي بإنشاء شركة "عودة للأفلام" إلا أنني ألعن هذه الفكرة يوميًا، لأن التعامل مع فكرة إنشاء شركة لصناعة الأفلام في فلسطين هي تماما بمثل تعامل السلطات مع إنشاء شركة لصناعة الشوكولاتة، هناك جهل كبير بالتعامل معنا كشركات تصنع ثقافة لا سلعة، لكنني وبالرغم من كل المعيقات جدا فخورة بأن "عودة للأفلام" كانت بوصلة لكثير من صناع الأفلام في فلسطين على صعيد الكتابة الإخراج والتصوير والمونتاج والإضاءة والكثير من المهن الأخرى.

بدأ الفيلم القصير يأخذ مكانة أوسع لدى الجماهير العربية مما عليه سابقًا، كيف يمكن أن نستفيد بهذا القبول الجماهيري من أجل صناعة أفلام قصيرة تحظى بشعبية تقترب من الأفلام الجماهيرية الطويلة؟ 

برجع و بقول يد واحدة لا تصفق، وأنا دائما أكرر اننا لا نريد أن نصنع أفلامًا ولكننا نريد أن نخلق صناعة سينما حقيقية، بمعنى، أن ندرس الافلام ونروج لها في دور العرض ونعرضها على التلفاز المحلي، ونعرضها أيضًا لطلاب المدارس والجامعات، ونصنع صندوقًا لدعم الأفلام وتوزيعها، لأننا بخلق هذه الدائرة يمكننا أن نخلق تغيرًا حقيقيًا سهّل علينا تحفيز جمهور السينما من جديد، وللصراحة فهذه المعضلة ليست معضلة فلسطينية فحسب وإنما عربية أيضًا، لكن دعيني أثمّن على دور المهرجانات الفلسطينية والعربية التي لها الدور الأكبر في سدّ هكذا فجوة، وأذكر منها مهرجان "إيليا للفيلم القصير"، و"مهرجان السجادة الحمراء" و"مهرجان حيفا المستقل" و"مهرجان أيام سينمائية".

بدأنا منذ سنوات نسمع عن مسابقات متخصصة بالفيلم القصير، إلى أي مدى ساهمت هذه المسابقات من وجهة نظرك في تعزيز مكانة الفيلم في المشهد العربي؟ 

كل هذه الجهود هي جهود مشكورة وتساعد جدا في تحفيز ودفع عجلة الإنتاج (الله يكثرهم) نعم الله يكثرهم، لأن عدد الأفلام المنتجة هي أكبر من عدد الجوائز والمهرجانات، لذلك في الغالب أننا لن نسمع عن فيلم لأنه لم يتسنّ لنا اكتشافه سواء كان في مهرجان أو مسابقة وأنا لا أقول إنه يجب تفصيل المهرجانات والجوائز على مقاس عدد الافلام، لكنني أقول إن هناك حاجة للمزيد منها، لإعطاء فرصة اكتشاف أكبر لأفلام تستحق. وأخص بالشكر هنا الجهد الكبير والثمين لجميع المهرجانات الفلسطينية والعربية والأجنبية الموزعة على مستوى العالم، لما قدمته للفيلم الفلسطيني قصيرًا كان أو طويلًا، حيث قدمت هذه المهرجانات مساحة ذهبية للعرض في أهم مدن العالم لأفلامنا الفلسطينية التي بالغالب قد لا تصل الى المهرجان الرسمي لتلك البلد، ومن الجدير بالذكر أن أغلب هذه المهرجانات تدار من قبل كوادر تطوعية، لكنها تتميز بالمهنية بدرجة كبيرة، فطوبى لهم.

ما هي المحرّمات التي تجعل من صناعة فيلم قصير أمرًا مستحيلاً حسب تجربتك وهل تظنين أن السينما قادرة على تغيير وجهة النظر الجمعية تجاه هذه التابوهات؟ 

الطامة الكبرى لدى شعوبنا هو الجهل، وهذا نعهده من عدم اعتماد الثقافة أساسًا لنا، لأننا بدون إعطاء أولوية للثقافة، سنظل مجتمعًا جاهلًا، نحتفل ونعطي أهمية للسطحيات ونتناسى الماكينة الكبيرة في الجهة المعادية لنا وما تسخرّه من إمكانيات لإنتاج ثقافة تثبت رواياتها المستعمرة على هذه الأرض، لذا أرى أنه ما زال أمامنا شوطا كبيرا لإزالة الخطوط الحمراء في طريق صناعة سينما أكثر تحررًا، لكن المهم لنا أن نستمر قدمًا، وأنا أعتبر أن صنّاع السينما هم الجنود الحقيقيين فعلًا الواقفين على الجبهات الأولى من المواجهة من أجل إنتاج الأفلام التي يريدونها.

غزة كان لها دائما مكانة كبيرة في الأفلام التي تقومين سواء بصناعتها أو انتاجها، لم هذه المكانة الخاصة لغزة، وما هي أبرز هذه الأفلام سواء التي قمتم بإنتاجها أو التي قيد العمل؟ 

في الحقيقة أنني لجأت إلى السينما للإجابة عن تساؤلات بداخلي أترجمها على هيئة أفلام علّها تستطيع البحث عن إجابات وغزة هي واحدة من الأسئلة الكبيرة، عندما تصبح غزة ممنوعة من قبل الجميع ممّن حولك، فأنت تريد أن تفهم لماذا! وهذه كانت نقطة الانطلاقة، لكني عندما ذهبت الى غزة دهشت لأني تعلمت دروسًا في الحياة كانت أثمن بكثير من أسفاري قاطبة.

هذا بالنسبة لي كمخرجة، لكنني حاولت التنويع كمنتجة من حيث المواضيع فكان "ازرقاق" مع راما مرعي هو أول فيلم قصير أنتجه عن التشويه الذي حصل لمجتمعنا بعد أكثر من ٧٠ سنة من الاحتلال. ومن ثم "رسومات لحياة أفضل" مع ضياء العزة وهو بحث عن بارقة أمل في رسومات أطفال غزة والخليل، ثم "العبور" لأمين نايفة وهو الفيلم الذي يتحدث عن الفصل القسري الذي خلّفه الإحتلال الإسرائيلي للكثير من العائلات الفلسطينية الواحدة، كما أن فيلم "غزة بعيونهن" مع رهام الغزالي هو تحية اعتزاز لخمس نساء غزاويات ملهمات وأخيرًا فيلم "اجرين مارادونا" لفراس خوري، وهو فيلم عن طفلين فلسطينيين في قرية فلسطينية عام ١٩٩٠، يبحثان عن صورة "اجرين مارادونا" ليكملا البوم كأس العالم ويفوزان بلعبة الأتاري وهو فيلم مختلف إذ قمنا بالتصوير مع الأطفال وكان فيلمًا يحاكي فترة زمنية سابقة، مما تطلّب الكثير إعادة تصميم الديكور والملابس لهذا الغرض، لكن من الإنصاف القول بأن هناك تباينًا أيضا في إنتاج هذه الأفلام لأن بعضها كانت أفلامًا طُلب مني إخراجها بميزانية محددة مثل "رسومات لأحلام أفضل" و"غزة بعيونهن"، لكن جودة هذه الأفلام رفعتها من أن تكون مجرد أفلام مؤسسات الى أفلام حازت العديد من الجوائز وما زالت تعرض في المهرجانات حتى الآن، كما أن هناك أفلام قضينا وقتا في كتابتها وتطويرها ومن ثم تجنيد الأموال فالتصوير ومرحلة ما بعد الإنتاج، لكن المرحلة الأصعب هي مرحلة تسويق هذه الأفلام على نطاق المهرجانات، وبكل صراحة كلما أعد نفسي ألا أنتج فيلمًا قصيرًا، أعود لتخطفني فكرة جديدة تقوم بتغير تفكيري، أما عن الأفلام قيد التنفيذ في هذه المرحلة فنحن في مرحلة ما بعد الإنتاج لفيلم "٢٠٠ متر" لأمين نايفة وهو بطولة علي سليمان، وعدد من الممثلين الواعدين وهم معتز ملحيس، محمود ابو عطية، نبيل الراعي، لنا زريق، غسان اشقر، غسان عباس، وسامية بكري. كما لدينا في مرحلة ما بعد الإنتاج فيلم المنسي لغادة الطيراوى وهو فيلم وثائقي طويل يتحدث عن حياة كوزو اكوموتو، بالإضافة لتطوير عدد من الأفلام الروائية والوثائقية.