تيسير خلف: مسيرة النهضة العربية في القرن التاسع عشر بحاجة إلى المزيد من الدراسات

2020-03-06 01:00:00

تيسير خلف: مسيرة النهضة العربية في القرن التاسع عشر بحاجة إلى المزيد من الدراسات

من الصعب الحديث عن كتاب واحد، ولكن يمكن الحديث عن روايات هيرمان هيسة جميعها. لم تتغير علاقتي مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني، بقيت محباً للكتاب سواء أكان مطبوعاً أم الكترونياً، ولكن الكتاب الإلكتروني اختزل عليّ الكثير من الوقت بالنسبة للبحوث التاريخية التي أعمل عليها.

صدر مؤخراً، عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، كتاب موسوم بـ«الحركة النسائية المبكرة في سوريا العثمانية: تجربة الكاتبة هنا كسباني كوراني 1892-1896»، للباحث والروائي الفلسطيني السوري تيسير خلف، الذي تواصلت معه "رمان" للحديث عن إصداره الجديد، فكان هذا الحوار..

صدر لك مؤخراً كتاب «الحركة النسائية المبكرة في سوريا العثمانية: تجربة الكاتبة هنا كسباني كوراني 1892-1896»، لماذا؟ وما الذي قادك لهذا الموضوع؟

هذا الكتاب هو جزء من دراستي لتاريخ بلاد الشام في أواخر العصر العثماني حيث أنجزت بعض البحوث التاريخية ورواية أدبية هي «عصافير داروين».. ومن خلال بحثي في معرض شيكاغو عثرت، من بين الوثائق الكثيرة التي عثرت عليها، على وثائق تتعلق بسيدة من سورية العثمانية شاركت في مؤتمر النساء العالمي تدعى هنا كسباني كوراني ممثلة لنساء سورية، وتتبعت سيرتها فلم أجد عنها أكثر من صفحتين في كتب التراجم والأعلام، وبدأت البحث عنها إلى أن توصلت إلى بعض مؤلفاتها وسجالاتها الصحافية وأفكارها وآرائها في حرية المرأة وخصوصاً خلال العام الذي سبق سفرها إلى الولايات المتحدة الأميركية وأيضاً خلال العامين اللذين أمضتهما هناك كمحاضرة وخطيبة محترفة قبل أن تصاب بالسل وتعود إلى بلدتها كفر شيما في جبل لبنان.

حدثنا عن أهم ما جئت به من جديد -لم يسبق إليه أحد من المؤرخين والبحَّاثة- في هذا الكتاب، وماهي أبرز الاستخلاصات؟ 

لقد درست في هذا الكتاب تاريخ الحركة النسائية المبكرة في سوريا العثمانية منذ العام 1880 وحتى 1898 بشكل معمق من خلال النصوص والوثائق المتوفرة في صحف ذلك الوقت، وأظن أنّ معرفتنا بهذه الحركة جد سطحية، ومختزلة ببعض الأسماء مثل ماريانا مراش وماري عجمي وهند نوفل، ولكننا لا نعرف الاتّجاهات التي كانت تسيطر على الحركة النسوية في بلاد الشام آنذاك، وما هي الأفكار والاتّجاهات العالمية التي أثرت فيها. لم نكن نعرف طبيعة الأفكار التي كانت تسيطر على رائدات تلك الحقبة وطبيعة الفروق بينهنّ، وآرائهنّ بالحركة النسوية العالمية واتّجاهاتها.

أظن أنني في دراستي هذه بيّنت هذه الاتّجاهات وأوضحت الفروق بين النزعة النسوية الليبرالية التي تدعو إلى مساواة كاملة بين الرجال والنساء، وبين النزعة الأنوثوية التي تدعو إلى التكامل بين الرجل والمرأة وليس المساواة، واختصاص المرأة في العمل المنزلي وتربية الأولاد.. حيث انتقلت هنا كوراني من الأنوثوية إلى النسوية الليبرالية خلال حياتها في أميركا لمدة عامين، فقد ذهبت إلى مؤتمر النساء العالمي وهي تدعو إلى تعليم المرأة وتخصصها في عمل المنزل وتربية الأولاد، وعادت وهي تدعو إلى مساواة كاملة بين الرجال والنساء بما في ذلك جميع الحقوق السياسية.

وفي ظني أنّ فهم هذه الجزئية من مسيرة النهضة العربية في القرن التاسع عشر بحاجة إلى المزيد من البحوث والدراسات نظراً لتوفر الكثير من النصوص الأصلية التي تعبر هذه الأفكار ضمن سياقات واتّجاهات عصر النهضة العربية. 

لقد كانت قضية المرأة واحدة من القضايا المطروحة في ذلك الوقت، وكانت الآراء حولها تتباين بين رواد النهضة الرجال أنفسهم.. فمثلاً ثمّة تباين واضح بين بطرس البستاني وبين أحمد فارس الشدياق منذ منتصف القرن التاسع عشر، وكان ثمّة سجالات متأثرة بالداروينية الاجتماعية على صفحات بعض صحف ومجلات القرن التاسع عشر كان من أبطالها شبلي شميل. وهذه السجالات كانت تعكس حالة الجدل الحيوية التي نجم عنها ولادة الأفكار الحداثية العربية بنسختها الأولى.  

أظن بأنني في بحثي هذا فتحت باباً قد يشكل حافزاً لآخرين لكي يعمقوا بعض الأفكار المطروحة في بحثي، مثل حالة الكاتبة زينب فواز التي تعدّ في رأيي صوتاً متميزاً في مسيرة نضال المرأة العربية لنيل حقوقها، وقد دخلت مع هنا كوراني في جدل حول طبيعة حرية المرأة المطلوبة، وكان لفواز آراء سابقة لزمنها وبحاجة لأن تبحث ويضاء عليها. 

لو نستعيد بعض الذكريات من تجربة بناء ذاتك الأدبية، وما هو المنعطف الذي حولك من قارئ إلى كاتب؟ ومن هم الكتّاب الذين شكلوا مرجعيتك الأدبية؟ 

بدأت بكتابة القصة القصيرة، كان هذا الفن يستهويني لأنه يحتمل قول أشياء كثيرة، وذات يوم كنت في زيارة للروائي العربي الكبير عبد الرحمن منيف في بيته، وكنت أزوره حين كنت أعمل في مجلة "الحرية" الفلسطينية لأسباب تتعلق بمساهماته في المجلة، وأخبرني أنه قرأ لي في إحدى المجلات قصة لفتت نظره، وسألني إن كنت كتبت غيرها، فقلت له لديّ محاولات لكنها مجرد محاولات.. فطلب أن يقرأ محاولاتي، فأحضرت له أكثر من 20 نصّاً فشجعني على نشرها في مجموعة قصصية وكتب لي مقدمتها وصدرت في العام 1993 باسم «قطط أخرى».. فالأستاذ عبد الرحمن منيف هو صاحب الفضل الأول في تشجيعي على النشر في مجموعة قصصية، تلا ذلك رواية صغيرة بعنوان «الكتف المائلة».. ثمّ رواية ثانية بعنوان «عجوز البحيرة»، وبعد ذلك نشرت عدداً من البحوث التاريخية كوني مهتم بالتاريخ فتوزعت مؤلفاتي بين الرواية والتاريخ وأدب الرحلات.

ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيراً في حياتك؟ وهل تغيرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

من الصعب الحديث عن كتاب واحد، ولكن يمكن الحديث عن روايات هيرمان هيسة جميعها. لم تتغير علاقتي مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني، بقيت محباً للكتاب سواء أكان مطبوعاً أم الكترونياً، ولكن الكتاب الإلكتروني اختزل عليّ الكثير من الوقت بالنسبة للبحوث التاريخية التي أعمل عليها.

لديك اهتمامات متنوعة ما بين الكتابة الأدبية الإبداعية والتأريخ. أين الولاء الحقيقي؟ وأين المستقر الأكثر دفئاً وأماناً بالنسبة إليك؟

الولاء الأول والأخير للرواية، ولكن خلال عملي في بعض الروايات كنت أجد ثغرات تاريخية فارغة فكان ذلك حافزاً لي لأن أسعى لملئها.

لك أكثر من أربعين كتاباً في الأدب والبحث التاريخي والرحلة والتحقيق، كيف تعلل هذا التنوّع الكبير في إنتاجك؟ وهل أفادتك الكتابة الصحافية في الكتابة الروائية والتأريخية، أم أنّ لكل جنس عالمه الخاص؟

كل شيء يفيد الكاتب الروائي، وخصوصاً التاريخ، وأظن أنّ الكاتب الذي يختار الرواية التاريخية ينبغي أن يصل إلى مرتبة المؤرخ.

ما هي أقرب أعمالك لك ولماذا؟

أقرب الأعمال لي ذلك الكتاب الذي لم أكتبه بعد، علاقتي مع الكتاب أو الرواية التي تصدر لي تنتهي بمجرد طباعتها، أسعى بعدها إلى البحث عن موضوع آخر، وهو موضوع سيبقى قريبا مني ويشكل هاجساً من هواجسي إلى أن يصدر في كتاب.

ما الذي يدفعك إلى الكتابة؟ ما الذي يحفزك؟

ما يدفعني للكتابة أو البحث هي شهوة الاكتشاف.

من يقرأ أعمالك قبل نشرها؟

الناشر فقط، باستثناء مجموعتي القصصية الأولى والأخيرة التي قرأها الأستاذ عبد الرحمن منيف.

حصل كتابك «رحلات البطريرك ديونيسيوس التلمحري في عهد الخليفتين المأمون والمعتصم» عام 2014 على "جائزة ابن بطوطة لتدقيق المخطوطات"، وفي عام 2017 تم اختيار روايتك «مذبحة الفلاسفة» ضمن القائمة الطويلة للبوكر. وفي عام 2018 فزت مرة ثانية بـ"جائزة ابن بطوطة" على كتاب «من دمشق إلى شيكاغو، رحلة أبي خليل القباني إلى أميركا 1938»، فماذا قدمت الجوائز الأدبية لمسارك الأدبي؟

أظن أنّ الجائزة هي نوع من المكافأة على جهد، أحياناً يحتاج الكاتب للتشجيع والجوائز مناسبة لهذا التشجيع.. ولكن عموماً الجوائز لا تقدم شيء للكاتب على الصعيد الإبداعي.. ربما تقدم شيء مادي، مكافأة مالية، وهذا أمر جيد.

كيف تنظر إلى حركة النقد في الوطن العربي اليوم؟ وهل أنصفك النقاد؟

النقد العربي يعيش مرحلة صعبة، لا توجد مدرسة نقدية مواكبة للنهضة الأدبية التي تشهدها الرواية العربية، أما ما كتب عن رواياتي فهو جيد فقد كتب عنها بعض النقاد المرموقين وأنا شاكر لهم.

هل تكتب يومياً؟ ما هي طقوسك وعاداتك في الكتابة؟

لا أكتب يومياً، الموضوع بالنسبة لي حاجة داخلية قد أكتب فصلاً كبيراً في يوم واحد، وقد لا أكتب شيئاً لعدّة أشهر. 

أخيراً، ما انشغالاتك الآن؟ وهل في الأفق عمل روائي جديد؟

أنا الآن في مرحلة تأمل عميق، وعلى مفترق طرق ربما، قد أقلع عن الكتابة نهائياً، وقد أعكف على كتابة رواية جديدة ربما من أجواء منتصف القرن التاسع عشر أو القرن الأول الهجري، محتار ولم أحسم أمريّ بعد.