‏وصفة تحضير سبانخ بزيت السيرج

2020-05-13 01:00:00

‏وصفة تحضير سبانخ بزيت السيرج
Fouad Agbaria, The Cactus Revolt, 2012

ماذا يعني؟ هل تعاركت مجددا مع ضحى وشعبان؟ لماذا الآن يا صيني. لا أعرف، كما هل ستتصلين بي غدا؟ أكيد، وجدت لوحة رائعة جدا بسعر معقول في الشيخ جرّاح ستحبها، ذوقي لا يخونني بكل ما يتعلق بالصينيُّ المدلل، هل تود أن تراها الآن، أو تنتظر حتى الملتقى؟ لا، أكيد الآن لماذا الانتظار.

ردّدته على مسامعك يا حارث الزفت اسمه الصحيح أكثر من مرة، يدعى زيت السمسم، صحيح يا أباظه اوافقك. سأدعوه المرة القادمة بالضبط كما طلبته مني. لكن، صدقني زيت السيرج أجمل، السمسم يتواجد بلا فائدة في الكثير من المنتجات، أينما توجهت تجده بانتظارك كما لو انه يبحث عنك منذ فترة والآن هو في نشوة كبيرة لتجدد لقائكم حتى وان وددت ألا يجري هذا اللقاء أساسا.

السعال، لا تذكره أرجوك. انه بسبب التدخين ولا علاقة لفيروس كورونا المستجد به، ومؤخرا أتناول يوميا ملعقة صغيرة من زيت حبة البركة وأدهن رقبتي كذلك، وأصحو عند الفجر وأجدني لا زلت على قيد الحياة، وأحمد ربي كثيرا على ذلك.

إلا أنه تبادرني أفكار رمادية تسير بي عبر فتحة نفق لا أدرى إن كان لأغراض هجومية أو تجارية أرى من خلالها أنني لن أشهد نهاية هذه الجائحة الكونية، على الرغم من يقيني أننا لسنا الا في باء بداية الأوبئة العالمية التي لن تقف فيها الدول العظمى مكتوفة الأيدي، لها ترسانة ضخمة من العلماء والمختبرات، وهندسة الفيروس على أي حال ستتحول آجلا أو عاجلا لاقتصاد سوق أسهمه تتداول في البورصات. هل تخشى الا تعايش الأخبار التي تحمل عنوانين على شاكلة "اقتصاد الأوبئة"، أو "انتعاش الأسواق بسبب اقتصاد الفيروسات". لا، لحظة من فضلك.

بدأ حارث منذ دخوله الحجر المنزلي وعيشه الابتعاد الاجتماعي في سبيل مكافحة العدوى وتقليل المخاطر الناجمة عن فيروس كورونا الذي تحول سريعا الى شعار عالمي تجتمع عليه حكومات العالم على اختلاف أنظمتها، تشاركها في ذلك المجموعات المسلحة التي تعتبر بنظر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إرهابية، في الدعوة الى البقاء في البيت من أجل هزيمة الوباء. شنت كل حروب الدنيا خارج عتبة البيوت إلا هذه الحرب المستجدة التي نحاربها من داخل بيوتنا، ونقوم بتقييد القدرة على إحراز النجاح فيها من خلال اختراق الحجر الصحي. لماذا تتشتت مجددا؟ طلبت لحظة من فضلي، وحضرتي سمح لك، ما الأمر؟ الا يعقل ان تكمل جملة مفيدة واحدة، لا غير واحدة طلبت، أود الحديث اليك يا سيد شعبان، لكنك مستمر ربما سندخل شهر رمضان المبارك وانت لم تنته بعد. ماذا يا مدام ضحى؟ مدموزيل لو سمحت. 

آسف، هذا ما وددت اخبارك إياه، لكنك متطفل كعادتك ولا تمنحني الفرصة في ابداء رأي واحد لمدة دقيقة دون ازعاج منك، كما لو اننا نقف على منبر العالم. لك ذلك هل يمكنني الآن أن أبدا الحوار بصورة لائقة لأنني اتضور جوعا ولن يقوم شخصك الكريم بالتفضل بتحضير وجبة حتى لو ألقيت جثتنا في الشارع العام، لا تقلق لن تلقى في الشارع انما ستدخل القبر بنفس هندامك الحقير مع بعض التعديلات على طريقة قبرك. شكرا على المعلومة غير الضرورية سأحتفظ بها لأيام أجمل.

حارث، فعلا هذا لا يعقل، موافق. إذن دماغي المحترم ادعو لي من فضلك لاجتماع طارئ الشقين لنتأكد أننا نسلك نفس الطريق. الجهة اليمنى من دماغ حارث تدعى ضحى، والجهة اليسرى يدعى شعبان. بدا متعبا بينما هو يردد "لازمته في لزوم ما لا يلزم" أثناء تثاؤب ضحى وشعبان مرددا للمرة السادسة بعد المليار تحقيق السلام العادل والشامل الذي يقودنا إلى تحقيق الاستقرار والرفاهية على حدود كانون الأول ديسمبر 2019، بداية الجائحة الحالية، لكن كل هذا لن يحدث ما دمتما تتعاركان بهذه الحرب التي يجب أن تحل عبر الكلم الطيب، المعاملة الحسنة، والثناء الجميل. قرار السلام العادل والشامل هو خياري الاستراتيجي وهذه العملية لا يمكن تجزئتها تحت أي مسمى.

كذلك، لا يمكن تحقيقها في دماغي أنا، المدعو حارث الزفت، المسؤول الأول والأخير عنه، لا أنت يا ضحى باشا وكذلك لست انت يا شعبان اباظه. تعكس كل واحدة من توجهاتي هذه التزام دماغي بإحلال السلام العادل والشامل في جسدي الذي يريد الراحة، ارجوكما بينما تذهبان إلى استراحة القهوة لا تترددان في التفكير الملي بما صرحت به الآن لأني لا افهم لماذا احتفظ بكما ولماذا لا أقوم بعملية تغيير عادلة وشاملة أبدأها بطردكما معا وبذلك أعيد البسمة الى حياتي، أظنها فكرة تستحق العناء.

لا يتنقل فيروس كورونا بين أفكاري فحسب إنما يعيش داخل جمجمتي الحقيرة التي تملؤها الأفلام والكتب والمسلسلات المقرصنة عبر تطبيقات تعرف عني كل شيء عدا ضحى وشعبان. أحبهما جدا ولا يمكنني الانفصال عنهما بهذه السهولة المتخيلة.

قام حارث ليحضر السبانخ للمرة الأولى دون دعوة ضحى وشعبان ليتقاسما معه الحساء الحار الذي يضع عليه كمية غير معقولة من الفلفل المطحون، ربما تكون لهذه الرشفة بلسم لحياته وتعيد الأمل في روحه المسكونة بالحار والبصل والثوم، إلا أنه آثرها لوحده كما لو انه يتدرب على طقوس السبانخ وتحضيرها من جديد.

وقف، التفت حوله ووجد غرفته على حالها، ترتيبها يذكره بالغرفة رقم. ذاكرته لا تسعفه تذكر رقمها. لولا الترتيب الذي قام به مع أبو ليلى لبقي هناك حتى وقوفه المتجمد الآن وسط الغرفة، لكنه على أي حال لم يخسر شيئا، ربما احالوه الى البيت لعدم انتشار الوباء في باقي أقسام البناية التي أعادت له لون الحياة باستخدام الأقراص مرة واحدة كل أربع ساعات.

نظر إلى الرسمة الوحيدة المعلقة على حائط الغرفة. جادل الفنان في سبيلها لمدة ساعة وأربع دقائق وتسع ثواني، في ذلك اليوم كل عقبة الراهبات عرفوا ان حارث حاز على الرسمة مجانا. هذا ما تؤكده إيثار كلما اتصلت به لتسأل عن أحواله في أيام العزل الطوال. هل الرسمة ما زالت معلقة؟ طبعا، انظر اليها الآن؟ ماذا تقرأ؟ لا شيء، أفضّل الاستماع إليك. 

ماذا يعني؟ هل تعاركت مجددا مع ضحى وشعبان؟ لماذا الآن يا صيني. لا أعرف، كما هل ستتصلين بي غدا؟ أكيد، وجدت لوحة رائعة جدا بسعر معقول في الشيخ جرّاح ستحبها، ذوقي لا يخونني بكل ما يتعلق بالصينيُّ المدلل، هل تود أن تراها الآن، أو تنتظر حتى الملتقى؟ لا، أكيد الآن لماذا الانتظار.