الكتلانيّة مارغاريدا كاستيلس: الترجمة الأدبيّة ترحال بين الثقافات

2020-06-22 12:00:00

الكتلانيّة مارغاريدا كاستيلس: الترجمة الأدبيّة ترحال بين الثقافات

حتّى تصل الأعمال الأدبيّة المُترجمة إلى القُراء، ليس ذلك مُتوقفاً فقط على قوّة الناشر، إنما أيضاً، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار وجود موزع جيد للكتاب، ومن الممكن أن يكون في درجة أكثر أهمية، تسويق جيد. تلك الأشياء، أحياناً، ما تسبب لك الخيبة، لأن القُراء، بشكل عام، يثمّنون ويقدّرون الأدب العربي عندما يجدون الفرصة للاقتراب منه عبر الترجمة.

حققت المترجمة الكتلانيّة مارغاريدا كاستيلس كريبالس (مواليد توريلو، عام 1962)، ترجمات أدبيّة كثيرة من اللغة العربيّة إلى اللغتين الكتلانيّة والإسبانيّة، كان آخرها كتاب «أنا الذي أنتم.. ستّة شعراء من سوريا»، الذي أعدّه وحرّره الشاعر والمترجم الفلسطيني السوري محمد بيطاري، والذي حاز العام الماضي "جائزة أفضل ترجمة شعرية لعام 2019/ جائزة كابال بيرد" (الحصان الأخضر)، الممنوحة من قِبل "مؤسّسة الكُتّاب الكتلانيّة".

رمان" تواصلت مع كريبالس للحديث معها حول الكتاب والجائزة، ومشروعها في حقل الترجمة الأدبيّة، الذي منح لغتها الأم روائع من الأعمال الأدبيّة العربيّة قديمها وحديثها، فكان هذا الحوار..

 

بداية كيف تقدمي ذاتك ومنجزك الإبداعي لقرائنا؟

يطيب لي دائماً، أن أقدّم نفسي كـ مُترجمة أدبيّة، وعلى وجه الخصوص من اللغة العربيّة إلى الكتلانيّة والإسبانيّة، على الرغم إنني ترجمتُ من الفرنسية والإنكليزية. الترجمة الأدبيّة هي ترحال بين الثقافات، مثير للمشاعر، وامتهانٌ مُستمر للغات المُستخدمة، وعملية خلق إبداعية.

ما يميّز هذه العملية، دون شك، هي الحدود في عملية الخلق والإبداع التي يفرضها النص الأصلي، هو تحدي دائم يثير النشاط التفكيري والتأويلي وإعادة خلق النص مرة أخرى.

كيف بدأ مشوارك مع اللغة العربيّة وحقل الترجمة؟ وما هو أول كتاب قمت بترجمته؟

بدأت بدراسة العربيّة في "جامعة برشلونة المركزية" وفي "معهد بورقيبة للغات الحيّة" في تونس. أمّا مشواري في الترجمة، بدأ من العربيّة إلى الإسبانيّة لقصص قصيرة لا أنساها أبداً ما حييت، هذه القصص لم تُنشر أبداً، وكنت أترجمها لأتعلم العربيّة أكثر. 

أتذكر واحدة من تلك القصص القصيرة التي ترجمتها وكانت لـ حسين شوقي –ابن أحمد شوقي- وكتبها عندما كانت عائلة شوقي تُقيم في مدينة برشلونة بين عامي 1915-1919. أما ترجمتي الأولى التي حظيت بالنشر، كانت كتاب «ألف ليلة وليلة» (1995)، ترجمتها إلى اللغة الكتلانيّة، من الطبعة المصرية النادرة بولاق (1835).

صدر مؤخراً كتاب «أنا الذي أنتم.. ستّة شعراء من سوريا»، أعدّه وحرّره الشاعر والمترجم الفلسطيني السوري محمد بيطاري، فيما قمتِ بترجمته إلى اللغة الكتلانيّة. سؤالي: لِمَ أقدمتِ على ترجمة هذا العمل؟ وما هي أهميته بالنسبة للقارئ الكتلاني؟

تعرّفت على محمد بيطاري في عام 2016، عندما ترجمت له قصائد لـ"مهرجان الاكسير الشعري" [Elixir]، وهو أحد أهم المهرجانات الشعرية في إسبانيا، وفي كتالونيا على وجه الخصوص، أسّسته وتديره الممثلة الكتلانيّة روزا بولاديراس [Rosa Boladeras]. في ذلك الحين، أخبرني بيطاري عن مشروعه، واقترح أن أقوم أنا بترجمة العمل إلى اللغة الكتلانيّة، وافقتُ مباشرة على المُقترح. أساساً، افتتني المشروع لما تركته أرض الشام وسوريا أثراً في نفسي، والناس أيضاً، لكن كان افتتاني للمشروع وقناعتي به تزيد يوماً بعد يوم، بسبب أهمية العمل وجوهره، وجودة نصوصه. أعتقد أنّ العمل يقدّم للقارئ الكتلاني فرصة في غاية الكمال ولا تعوّض للتعرّف على ستّة شعراء وشاعرات من سوريا، هم: رائد وحش، رشا عمران، طلال بو خضر، عبدالله الحريري، نسرين أكرم خوري، ووائل سعد الدين. ستّة شعراء إلى جانب محمد بيطاري لأنّه يفتتح الكتاب بقصيدة مُطولة له بعنوان "لعنة الأرض". 

حصلتِ على جوائز أدبيّة عديدة، كان آخرها "جائزة أفضل ترجمة شعرية لعام 2019"/ جائزة كابال بيرد (الحصان الأخضر)، الممنوحة من قِبل "مؤسّسة الكُتّاب الكتلانيّة"، عن كتاب «أنا الذي أنتم.. ستّة شعراء من سوريا». ماذا عنى لك ذلك على الصعيد الشخصي؟ ومن ثم هل تساهم جوائز الترجمة في بلدك والعالمية منها -على قلتها- برفع قيمة الترجمات؟

شخصياً، هذه الجائزة جعلتني سعيدة جداً ومشرقة، ويعود ذلك للخصائص التي يتمتع بها الكتاب، ومن المؤكد، أيضاً أنّ هذه الجائزة هي حافز مُهم لأن يستمر المترجم في عمله في حقل الترجمة الأدبيّة، التي أراها جسراً لا بدّ منه ولا غنى عنه، أعني أنها ضرورية للتواصل بين الثقافات، وللحقيقة هذا يحتاج إلى اعتراف اجتماعي أكثر من الذي يلقاه الآن، وبدون شك، ميزة الجوائز للأعمال المُترجمة تساهم في وضع قيمة لها.

ما هو تقييمك للتعاون مع محمد بيطاري في هذه التجربة؟ وهل هناك أعمال مشتركة بينكما في المستقبل القريب؟

التعاون مع محمد بيطاري، كان وما يزال مميزاً ومثمراً، إلى جانب أننا نتعاون فيما بيننا، وعلى الصعيد الشخصي تربطني به علاقة صداقة قوية. لدينا مشاريع في المُستقبل القريب، والحقيقة، واحدة من الأشياء التي تهمني جداً، هي ترجمة ديوان لـ محمد بيطاري.

ما أبرز الصعوبات التي لاقيتها خلال عملك في ترجمة كتاب «أنا الذي أنتم.. ستّة شعراء من سوريا»؟

من الصعوبات التي لاقيتُها، هي أنه في الحالات الطبيعية تُقدم كلّ الترجمة الشعرية، أما في هذا الكتاب فكان الأمر عكس ذلك، كنتُ أقدّم لـ بيطاري، ترجمة كلّ شاعر/شاعرة على حدا، ويمكننا إضافة أنّ الترجمة أُنجزت، بشكل نسبي، في وقت قصير، ولأصوات شعرية مُختلفة، لكلّ صوت منها خصائصه وميزاته، كنتُ أقرأ وأترجم، فكلّ تلك الأصوات الشعرية لم أعرفها قبل ذلك. في ذات الوقت، كان عليّ أن أواجه الواقع المؤسف للسياق الذي تعكسه النصوص، الواقع الذي ترك في نفسي أثراً عميقاً.

ترجمتِ الكثير من الأعمال الكلاسيكيّة من العربيّة إلى الكتلانيّة والإسبانيّة فهل لك أن تخبرينا كيف عملتِ على انتقاء هذه الأعمال؟ وما هي دوافعك لتقديمها إلى القارئ الكتلاني؟

معايير انتقاء الأعمال الكلاسيكيّة التي اخترتُها، في الدرجة الأولى، تأتي أهمية قيمتها من الأهمية التي تلقاها في الثقافة الأصلية لتلك الأعمال. بهذا المعنى. من تلك النقطة، أبدأ بانتقاء أعمال، إلى يومنا هذا لم تُترجم إلى الكتلانيّة أو الإسبانيّة، ومن المؤكد، الساعة التي أقرر فيها اختيار هذا العمل أو ذاك، يتدخل ذوقي الشخصي. مؤخراً، على سبيل المثال، نُشرت ترجمتي الكتلانيّة لكتاب «البُخلاء» للجاحظ [Ellibro de los avaros de al-Jáhiz]، أما في الإسبانيّة نشرتُ أنطولوجيا لشعراء عرب قدماء (من الجاهلية حتى القرن الثامن عشر) تحت عنوان «غزلان الرمل» [Gacelas de arena].

ترجمتِ أيضاً مجموعة من الأعمال المعاصرة تنوّعت بين السرد والشعر للراحل محمود درويش وسليم بركات وآخرين. ما هي المعايير التي تحدّدين وفقها اختيار الكتب التي تترجمينها؟

على خلاف ما ترجمته من الأدب الكلاسيكي، كلّ الأعمال المُعاصرة التي ترجمتها ونُشرت، كانت بطلب من دور النشر؛ لذلك، لم يكن للمعيار الذي أستخدمه أيّ صلة بترجمة تلك الأعمال. لكن، أعتبر نفسي محظوظة في ذات الوقت، بشكل عام، لأنّ كلّ الأعمال التي اقترح عليّ أن أترجمها وافقت عليها وترجمتها، لأنها شدّت انتباهي واهتمامي، وتعلّمت من تلك الأعمال كثيراً وأنا منكبة على ترجمتها.

هل هناك كُتّاب أو شعراء عرب تفكرين في ترجمة شيء من إنتاجهم الإبداعي مستقبلاً، من هم ولماذا؟ 

في ذهني الكثير من المشاريع الشخصية، لكن عليّ أن أوازن ذلك مع الترجمات التي تطلبها مني دور النشر، عقود تزودني بالوسيلة المادية للاستمرار. مشاريعي الخاصة لها علاقة بالأعمال الكلاسيكيّة؛ على سبيل المثال، ترجمتي الكتلانيّة لكتاب «الاعتبار» [El libro de la experiencia] لـ أسامة ابن منقذ، أو ترجمتي الإسبانيّة لكتاب «أخبار الصين والهند» [Crónicas de la China y de la India]، كتاب أدب الرحالة الأقدم في الأدب العربي.

ما مدى إقبال القارئ الكتلاني على الأدب العربي المترجم بشكل عام؟ وترجماتك بشكل خاص؟

حتّى تصل الأعمال الأدبيّة المُترجمة إلى القُراء، ليس ذلك مُتوقفاً فقط على قوّة الناشر، إنما أيضاً، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار وجود موزع جيد للكتاب، ومن الممكن أن يكون في درجة أكثر أهمية، تسويق جيد. تلك الأشياء، أحياناً، ما تسبب لك الخيبة، لأن القُراء، بشكل عام، يثمّنون ويقدّرون الأدب العربي عندما يجدون الفرصة للاقتراب منه عبر الترجمة.

 كيف تصفين العلاقة بين الأدبين الكتلاني والعربي؟ وما هي المشتركات بينهما. وبرأيك ما هي آليات تطوير هذه العلاقة نحو الأفضل؟

هي علاقة غير متماثلة، نتيجة أنّ العربيّة من أكثر اللغات انتشاراً في العالم، ورسميّة في الأمم المُتحدة وفي 22 بلد، بينما الكتلانيّة هي لغة أقلويّة، إذ توجد في منطقة المتوسط فقط، ورسميّة في بلد صغير: "أندورا". فاللغة الكتلانيّة في إسبانيا لم تصل إلى الرسميّة. مع كلّ ذلك، الأدب الكتلاني لديه تاريخ طويل وعريق، منذ العصور الوسطى، ويحتل مكانة وأهمية في أوروبا.

أيضاً هي علاقة غير مُتكافئة أو متساوقة مع اللغة العربيّة، بمعنى آخر؛ حالياً يوجد أعمال أدبيّة عربيّة مُترجمة إلى الكتلانيّة بينما لا نجد أعمال كتلانيّة باللغة العربيّة، وإذا وجدنا فليس بكم ما هو موجود من الأدب العربي في الكتلانيّة. على أيّ حال، ولأسباب عدّة، الأدب العربي كما الأدب الكتلاني يتشاركان في صعوبات وعوائق من أن يكونا في الأدب العالمي، في عالم مُسيطر عليه من آداب اللغات الغربية الواسعة الانتشار، وبشكل خاص الأدب الإنكليزي والفرنسي. لتحسين هذا الحال، من الضروري العمل على إنشاء مجموعات عمل من المُترجمين المُختصين في ترجمة أعمال بين الأدب العربي والكتلاني، ولذلك، نحتاج إلى تمويل ضخم.

 أخيراً، هل هناك في الطريق عمل مترجم لك؟

نعم، قريباً ستظهر ترجمة كتلانيّة لي، تحت عنوان «سيدات القمر» [Señoras de la Luna]، رواية للروائية العُمانية جوخة الحارثي، وقد صدر قبل ذلك عنوان هذا العمل بترجمة إنكليزية على يد المُترجمة مارلين بوث [Marilyn Booth]، الترجمة الإنكليزية حصلت على جائزة "مان بوكر" [Man Booker] لعام 2015.