جديد: "مذكراتي على هامش القضية العربية"

2020-06-25 16:00:00

جديد:

صدر عن سلسلة "طي الذاكرة" في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب أسعد داغر "مذكراتي على هامش القضية العربية"، قدم له وحققه خالد زيادة، مدير فرع بيروت في المركز العربي. وفي هذا الكتاب يستعرض المؤلف مذكراته خلال مرحلة تزيد على نصف قرن من الزمن، رافق خلالها تطورات القضية العربية، منذ تأسيس أول المنتديات في إسطنبول حيث كان يتابع الدراسة بعد إعلان الدستور العثماني عام 1908، مرورًا بالقاهرة التي بدأ فيها ممارسة الصحافة، إلى المشاركة في النشاط السياسي في دمشق إثر قيام الحكومة العربية (1918-1920)، ثم متابعته كافة الأنشطة السياسية العربية على امتداد العشرينيات حتى نهاية الخمسينيات من القرن العشرين. ويقع هذا الكتاب (464 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) في 13 فصلًا.

أنا عربي

في الفصل الأول، "في عهد الطفولة"، يتحدث داغر عن كيفية معرفته أنه عربي، وعن كيفية اعتناقه القضية العربية. أمّا في الفصل الثاني، "في العاصمة العثمانية"، فيروي تفاصيل سفره إلى العاصمة العثمانية التي شهد فيها خلع السلطان عبد الحميد الثاني وبوادر الخلاف بين العرب والترك، والتي عرف فيها الصهيونية أيضًا. في حين يتحدث في الفصل الثالث، "قبل الحرب الأولى"، عن الآراء المتضاربة في السياسة العربية، وتعرفه إلى الملك فيصل بن الحسين، واعتقال عزيز علي المصري ومحاكمته ثم الإفراج عنه.

يتناول المؤلف، في الفصل الرابع "المؤتمر العربي الأول" من حيث اجتماعه وقراراته، وتحسُّن العلاقات بين العرب والترك. ويتكلم، في الفصل الخامس "في مصر من سنة 1914 إلى سنة 1919"، على الحماية على مصر، ووعود الحلفاء للملك الحسين، والمظالم والفظائع في سوريا. ثم يتحدث، في الفصل السادس "الثورة العربية الأولى"، عن الأسباب المباشرة للثورة العربية، والعرب وثورة الحسين، ووعد بلفور، والعلاقات بين الحسين وزعماء العرب. وإثر ذلك يتناول، في الفصل السابع "في سوريا سنة 1919-1920"، سفره إلى دمشق، ولجنة كراين، والرأي العام وتطوره في سوريا، وتطور الوعي الوطني، ونوري السعيد وتطور سياسته.

عواصف الشام وبغداد

في الفصل الثامن، "في مهب العاصفة"، يعود المؤلف إلى تناول الوعي العربي الذي يبلغ ذروته ... ولكن! ويتحدث عن معركة ميسلون، ولجنة الاستفتاء في سورية واتفاق فيصل – كليمنصو، والإنذار الفرنسي، وآخر لقاء مع يوسف العظمة والفتنة في حوران. ثمّ يتناول في الفصل العاشر "في مصر من سنة 1920"، مرور الملك فيصل بمصر، ومبايعته ملكًا على العراق، وأثر الثورة السورية، وفشل التفاهم بين سوريا وفرنسا. أمّا في الفصل الحادي عشر، "في بغداد"، فيتحدث عن أولى رحلاته إلى العراق، واجتماعه بالملك فيصل الأول، وثورة الآشوريين، ورأي فيصل في نوري السعيد، والعلاقات السعودية – الهاشمية، ومؤتمر جنيف. في حين يتحدث في الفصل الثاني عشر، "قصتي مع نوري السعيد"، عن حقيقة نوري السعيد وتطور علاقته به من علاقة جيدة إلى علاقة سيئة. أمّا في الفصل الثالث عشر (الفصل الأخير)، "في خلال الحرب العالمية الثانية وما بعده"، فيتكلم على مؤتمر لندن، وظهور جريدة القاهرة، وجمعية الوحدة العربية.

همّ القضية العربية

يقول زيادة في مقدمته للكتاب: "في مذكراته، يحدثنا داغر عن سنواته المبكرة التي اكتشف خلالها انتماءه العربي، كما يحدثنا عن تطور وعيه بالقضية العربية من خلال مراحل حياته في لبنان، ثم في إسطنبول، ثم في القاهرة، وبعدها في دمشق، ثم تنقّله بين عمان وبغداد وبعض عواصم أوروبا. ومن خلال مسار حياته نكتشف أننا إزاء شخص نذر حياته لهذه القضية، من دون أن يكون لديه مطمع في منصب أو نفوذ أو مجد شخصي؛ إذ كان واحدًا من أولئك الذين تكوّنت شخصياتهم وأفكارهم من خلال متابعتهم ومشاركتهم في الحوادث التي تطورت خلالها العروبة من فكرة إلى ثورة إلى حكومة، وكانت العقيدة التي بُنيت عليها الدول الوطنية التي نشأت بعد عام 1920.

ينتمي داغر إلى الجيل الذي نذر شبابه في سبيل الفكرة العربية. فكان من بين أبناء هذا الجيل من قضى على أعواد المشانق في ساحات القتال، في حين تسنى لبعضهم الآخر أن يضطلع بالمسؤوليات فكان إداريًّا أو سفيرًا أو وزيرًا أو رئيسًا أو قائدًا عسكريًّا؛ من الذين يصفهم بأنهم "النخبة الممتازة التي تولت قيادة الأمة في أعظم مرحلة من مراحل حياتها"، كما يقول فيهم: "كانوا يعرفون أنفسهم معرفة تامة، ويبحثون دائمًا عن أفضلهم وأشجعهم ليسيروا وراءه. اندمجت أشخاصهم بمبادئهم وتجسّدت هذه المبادئ بأشخاصهم وأحزابهم، كانوا يُعدّون بالألوف سواء في ذلك رجال الفكر أو رجال السيف".

يبيّن داغر أيضًا كيف أنّ السعودية صارت محطَّ أنظار بعض العروبيين الذين فقدوا الأمل في قيادة الهاشميين للقضية العربية. يقول زيادة: "كان داغر واحدًا من الذين تنبهوا إلى دور ممكن أن يؤديه الملك عبد العزيز بن سعود، خصوصًا بعد لقاء المصالحة الذي عقد بين الملك فيصل وابن سعود، على الرغم من أنه جرى على ظهر بارجة إنكليزية بحسب ملاحظته. وفي الخلاف بين المملكة السعودية والعراق، سعى أسعد داغر إلى التوفيق، خصوصًا أن العراق كان يدعم معارضي الملك عبد العزيز داخل أراضي المملكة. كذلك، فإنه يذكر ميزات الأمير فيصل بن عبد العزيز الذي كان يُبدي كل الدعم لأي مسعى في سبيل القضية العربية"، ويرى زيادة أيضًا أن داغر كان يتطلع إلى اندراج مصر في القضية العربية؛ إذ كان يرى أنها البلد العربي الأكبر، وأنّ انضمامها إلى القضية العربية سيغير المعادلات، وسيجعلها قاطرةً العمل العربي.

آمال مبكرة تتحقق

كانت فكرة الزعيم أو القائد الذي تعلّق الأمة عليه آمالها قد راودت داغر مبكرًا، وكان لا يزال طالبًا في إسطنبول حين وجد في اللواء عزيز علي المصري الشخصيةَ القيادية التي يمكن أن تقود الأمة، خصوصًا أنه كان عسكريًّا مرموقًا خاض الكثير من المعارك، ومؤيدًا للانقلاب الدستوري وداعمًا له. وكانت رتبته العسكرية الرفيعة وتأثيره في الضباط العرب في إسطنبول قد جعلا منه شخصية تتطلع إليها أنظار العرب الذين كانوا يفتقدون إلى الرجل الذي يقود نضالهم في سبيل الاستقلال، إلا أن داغر فقد الأمل في عزيز علي تدريجيًا بعد أن شغلت أمور عديدة هذه الشخصية التي لم تعُد قادرة على أداء الدور الذي يتوخاه منها. وتسنى لداغر أن يلتقي عبد الناصر في اجتماع عامٍّ ضمَّ أصحاب الصحف، فأطال النظر إليه ودرس حركاته وسكناته، كما يقول، فوجد فيه الزعيم الذي اختاره الله لإنقاذ الأمة العربية.

قُيّض لأسعد داغر أن يرى بعض آماله تتحقق. فقبل وفاته بأشهر قليلة، قامت الوحدة بين مصر وسورية. وكانت الوحدة العربية الحلم الذي طالما عمل من أجل تحقيقه.