فيلم «تل الزعتر»... إيجاد الأرشيف الضائع

2020-08-12 14:00:00

فيلم «تل الزعتر»... إيجاد الأرشيف الضائع
Nasheed Al Jassad (Bodily Anthem) Tel el Zaatar - Dia Azzawi

لم يركز الفيلم بشكل رئيسي على لقطات الحزن والأسى برغم ذكر ما حدث من تنكيل وتعذيب وانعدام الرحمة، إلا أن الفيلم أعطى صورة عن قدرة الفدائيين على النضال والقدرة على التحمل والبسالة بين شابات وشبان إضافة إلى الصمود البطولي لأهل المخيم.

في لغة سينمائية سهلة يخرج لنا فيلم «تل الزعتر» بعد سنوات من ضياع الأرشيف الفلسطيني في لبنان ليروي قصة حصار المخيم في العالم ١٩٧٦. واللافت في هذا الفيلم بساطة السرد وفي المقابل صعوبة إنتاج وتصوير وتحميض الفيلم والبحث عنه لأكثر من ثلاثين عاما وإعادته إلى شاشات السينما.

خرجت قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، ووضع الأرشيف الفلسطيني تحت حصانة السفارة الفرنسية وعندما تفاقمت أحداث الحرب الأهلية اللبنانية في ١٩٨٥ وأغلقت جميع السفارات فتبرع تاجر لبناني قريب من حركة فتح بوضع الأرشيف في مخزن بضاعة له، ثم تعرض التاجر اللبناني إلى الاعتقال من قبل السوريين في فترة حصار المخيمات، بعد ذلك لم يعثر أحد على الأرشيف السينمائي الثمين.

واختفى الأرشيف إلى أن عادت السيدة خديجة حباشنة والتي كانت مسؤولة عن وحدة الأرشيف ما بين العام ١٩٧٤و١٩٨٢، عادت للبحث عن الأفلام وتواصلت مع سفارات وجماعات سينما صديقة وحتى العام ٢٠١٨ في القاهرة، حيث تم العثور على النسخة الفلسطينية من فيلم «تل الزعتر» مدفوعة الأجر من شركة الصوت والضوء سابقاً، والتي أصبحت تابعة للمعهد القومي للسينما. 

في أواخر يونيو/حزيران ١٩٧٦، بدأت القوات اللبنانية والمليشيات المارونية حصار مخيم تل الزعتر وقطعت عنه المياه والكهرباء والطعام، واستمر الحصار الخانق ٥٢ يوما، ومنع الصليب الأحمر وهيئات الإغاثة من دخوله.

يتتبع الفيلم ما جرى في أيام الحصار وكيف تتالت الأحداث القاسية على سكان المخيم، من خلال مقابلات أجريت مع بعض سكان المخيم الناجين والمقاتلين. استخدم في الفيلم التعليق الصوتي أو أسلوب الراوي لربط الأحداث مرافقا له تصوير المخيم في تلك المرحلة. 

لم تكن الحرب بحسب رواية الفيلم حربا بين مسلم ومسيحي فقد تم قتل مسيحيين أيضا، ولم تكن بين لبناني وفلسطيني لأن جزءاً من سكان المخيم كانوا لبنانيين فقراء. أحد مخرجي الفيلم هو جان شمعون وهو لبناني مسيحي، وأحد المتحدثين في الفيلم مقاتل سوري قال إنه يشارك في الثورة الفلسطينية، وتم استخدام تسمية (القوى اللبنانية الفلسطينية المشتركة مقابل الفاشيين للطرف الأخر) فهو عنف يقوم على فكرة وجود دولة لبنانية مسيحية مارونية عنصرية متواطئة مع الاحتلال الاسرائيلي ترفض الفكر الثوري الوطني.

أحد المتحدثين يقول، توقعنا في الأيام الأولى للحصار دعم ونجدة، ولكن لم يأتي أحد لنجدتنا والناس تعودت، وكان صراعا مع الوقت.

صحيح أن الأحداث صارت في العام ١٩٧٦ ولكن تشبهها كثيرا أحداث حصار كنيسة المهد في الانتفاضة الثانية في ٢٠٠٢. حينها كنت طفلة ولكن أذكر تماما عندما حاصرت القوات الإسرائيلية الكنيسة، قتلت عائلات بأكملها، كان القناص يصيب أي شيء يتحرك، منع تجوال مرعب، عشنا في مدينة أشباح تماما كما أفلام الرعب الخيالية. لم يعد هنالك طعام ليأكله المحاصرون في الكنيسة من مقاتلين ومدنيين فاضطروا لأكل أوراق الشجر والعشب وأي شيء.

الفيلم، وهو من إخراج ٣ مخرجين هم جان شمعون ومصطفى أبو علي وبينو ادريانو، يبدأ بأحداث صادمة حزينة قاسية ثم تزداد سوءا، وفي منتصف الفيلم وفي أثناء لقاء جماعي مع المقاتلين يبدأ المتحدثون بالضحك والمزاح، مشهد هزلي فيه شيء من روح الفكاهة المنبعثة من أصعب اللحظات، ومن ثم تغني إحدى المقاتلات الفدائيات أغنية دلعونة، مشهد يلطف حدة الأحداث ويبعث على الأمل. الفلسطيني لا يحب الموت، ولغة السينما واسعة، أنت لا تحتاج لأن تقول بشكل مباشر: أنا أحب الحياة، يكفي أن ترى ابتسامة طفل، أو مشهد حب بين الناس ليتسلل إلى قلبك شعور بالأمل.

 يقسم المخرجون الفيلم إلى مشاهد كل منها يتخذ مضمونا أو محورا معينا، أحد المحاور كان ما تأكله الناس تحت الحصار لتبقى على قيد الحياة، الإسعاف الأولي والمرضى، والإصابات، والحصول على الماء، وكان أحد المحاور الرئيسية لأنه وبسقوط آخر مصدر للمياه التي كان يغذي المخيم سقط المخيم، فهو من المحاور التي ساهمت بتطور الأحداث وكان مصدرا يخلق التوتر إن صح التعبير. وإلى جانب ذلك فإن الفيلم يعتمد على الترتيب الزمني، يبدأ برواية الأيام الأولى في الحصار، وينتهي الفيلم بانتهاء الحصار.

لم يركز الفيلم بشكل رئيسي على لقطات الحزن والأسى برغم ذكر ما حدث من تنكيل وتعذيب وانعدام الرحمة، إلا أن الفيلم أعطى صورة عن قدرة الفدائيين على النضال والقدرة على التحمل والبسالة بين شابات وشبان إضافة إلى الصمود البطولي لأهل المخيم. لا يقلل ذلك من قيمة الفيلم كونه يحمل طابعا حماسيا ليبث الروح الثورية النضالية، وقد نكون نحن في هذه الأثناء وبعد إعلان ما يسمى بصفقة القرن والحملة الاستعمارية الموجهة ضدنا كفلسطينيين، وما يسمى بخطة ضم أجزاء من الضفة الغربية، نحن الآن بأمس الحاجة إلى هذا النوع من الأفلام التثقيفية الحماسية الوطنية، لما لها من تأثير إيجابي على توحيدنا وإعادة صياغة خطاب ثوري يحقق تطلعاتنا ويركز على نضالنا ضد الاحتلال، وليس ما يريده الممول وأجنداته الاستعمارية.

كما وأن فكرة مشاركة المرأة في النضال كانت واضحة جدا، فالكاميرا ولغة السينما تحب المرأة، فهنالك المقاتلة والمسعفة والمرأة الأم التي ضحت ومازالت واقفة بصلابة وعنفوان. وقد أُنتج هذا الفيلم قبل غزو التمويل الغربي ومؤسسات الـ NGOs التي تتغنى بقضايا النوع الاجتماعي ومشاركة المرأة، فهذا الفيلم يوثق بقصد أو غير قصد الوعي الذي كان آن ذلك، فهي وثيقة بصرية على تحرر الفلسطيني ووعيه ومشاركة المرأة في كل جوانب الحياه ما قبل أوسلو. 

وهذا يشير إلى أهمية الأفلام في توثيق الحالة الاجتماعية والسياسية، فإن هذا النوع من الأفلام يعطي عمرا مديدا للحدث والمجزرة والنضال الفلسطيني في تلك المرحلة، وهو حال كمية الإنتاج السينمائي عن الهولوكوست، ما ساعد أن تظل المحرقة في الذاكرة الإنسانية، وهذا ليس من الممكن أن يتحقق في كتب التاريخ ، فالقوة البصرية التي تمتلكها السينما لا تملكها الكتب.