دولة صهيونية بأي ثمن... إرث بن غوريون وتبيان العنصرية في إسرائيل منذ نشأتها (ترجمة - ١/٢)

2020-08-20 00:00:00

دولة صهيونية بأي ثمن... إرث بن غوريون وتبيان العنصرية في إسرائيل منذ نشأتها (ترجمة - ١/٢)

سيتوجّب على هذه الدولة ثنائية القومية المساواة بين جميع الثقافات الوطنية الموجودة، وبما أنها ستكون دولة علمانية، فستعترف أيضًا بالمساواة بين جميع الأديان. سيكون للدولة الديمقراطية ثنائية القومية سياسة هجرة غير تمييزية، نأمل أن تُعطى الأفضلية فيها لضحايا الاضطهاد، سواء كانوا عربًا أو يهودًا.

كتبها صامويل فاربر لمجلة jacobin وهذه ترجمتنا لها.

مقدّمة المترجم

في البداية وعند اختيار المادة، كان المخطط أن يكون العمل عليها ترجمة حصرًا، ولكن كمية المعلومات فيها والإحالات إلى خارجها دفعتني للجوء إلى مراجع أخرى، طبعًا بالاعتماد على المادة الإنجليزية مرجعًا أساسيًا. يحاول صامويل فاربر عبر القراءة النقدية لكتاب توم سيغف أن يضع يده على النقاط المحورية في حياة ديڤيد بن غوريون والتي جعلت من إسرائيل الدولة القائمة اليوم، فيتحدث تحت سبعة عناوين رئيسية، كيف أنّ حلم إنقاذ اليهود من الظلم والاضطهاد في العالم الغربيّ، جعل الصهاينة، يسعون إلى بناء دولة في فلسطين، حتى لو عنى ذلك ممارسة الاضطهاد نفسه على قوميات أو عرقيات أخرى، وهنا لا تكون الصهيونية ضحية، بل هي فاعل مُجرم، يستخدم الأدوات نفسها والنظرة الاستشراقية الغربية في التعامل مع السكان الأصليين، ويركّز الكاتب على الترجمة لحياة بن غوريون في الربط بين تعامل الصهاينة الاستعماري وتعامل القوى الاستعمارية الكُبرى في أميركا الشمالية مثلًا مع السكان الأصليين هناك، ومع المكسيكيين لاحقًا، ومع الأفارقة الأميركان أيضًا. تجدر الإشارة هنا، أنّ المحتوى الموجود في هذه المادة والاستعانة بالمراجع الفرعية كان لضرورة شرح وتوضيح المعلومات في المرجع الأساسي، وبالتالي، فإن عمل المترجم على المادة ونشر المجلة لها لا يعني بالضرورة (أو البتة) الموافقة على ما وردَ فيها، وإنما مُساهمة فِي نشر ما يكتبه رواد حركة المؤرخين الجدد حول العالم فيما يتعلق بالصهيونية ودولة الاستعمار الاستيطاني -إسرائيل. 

 

كان ديڤيد بن غوريون (1886 – 1973) رمزًا رئيسيًا في إنشاء وبناء دولة إسرائيل، ويأتي ثانيًا من حيث الأهمية بعد ثيودور هرتزل، مؤسّس الصهيونية الحديثة. يعد دور بن غوريون محوريًا في ترسيخ الصهيونية بوصفها أيديولوجيا وسياسة مُهيمنة لليهود فِي كل مكان. كان رئيس الوزراء الأول لإسرائيل منذ تأسيسها في عام 1948، إلى أن تقاعد مع العمل السياسي في عام 1963 (مع فجوة زمانية بين 1953 - 1955). 

نجد إنّ بن غوريون في كتاب توم سيغف متفردًا في القرار ومهووسًا بإنشاء دولة لليهود في فلسطين. وكما يشير سيغف، لم يكن بن غوريون مُفكرًا مهتمًا بتطوير النظرية الصهيونية ولكنه سياسي عديم الرحمة ورجل مؤسسة مُستعد للمخاطرة بكل شيء لتحقيق هدفه في بناء الدولة. 

سَعى دائمًا لتحقيق هدفه دون توقف، حتى لو كان الأمر على حساب أراوح بعض اليهود، فما بالك بالفلسطينيين؟ يقتبس سيغف من كلام بن غوريون لأعضاء حزب ماباي (حزب عمال أرض إسرائيل) في أواخر الثلاثينيات: «لو علمتُ أن بإمكاني إنقاذَ كل أطفال اليهود في ألمانيا عبر نقلهم إلى إنجلترا، أو أن بإمكاني إنقاذ نصفهم عبر نقلهم إلى فلسطين، فسأذهب للخيار الثاني».

يُقدّم توم سيغف صورة شاملة وغنية لتاريخ الصهيونية وتاريخ تشكيل دولة إسرائيل، متحدّيًا بذلك الأساطير المؤسّسة لإسرائيل عبر الغوص في الترجمة غير الذاتية لأحد أهم مؤسسيها وقادتها السياسيين وعصرهِ وأيامهِ. تتعرض ترجمة سيغف النقدية لعدد من أهم مشاكل الصهيونية منذ بدايتها. يرتبط تأسيس دولة إسرائيل ارتباطًا وثيقًا بديڤيد بن غوريون، وبالتالي، وعبر استكشاف حياتهِ، سوف نرى بوضوح كيف أن إنشاء دولة إسرائيل كان منذ البداية غير متوافقٍ مع فكرة وجود دولة ديموقراطية ثنائية القومية لليهود والفلسطينيين، وأن مشروع بناء الدولة الإسرائيلية كان محكومًا من بدايتهِ بتحويل «إسرائيل» إلى دولة مُضْطهِدة (تُمارس الاضطهاد والقمع). 

١- سِياسات ومُمارسات بُن غوريون الصّهيونية

وفقًا لسيغف، فإن بن غوريون (اسمه عند الولادة: ديڤيد يوسف غروين) كان صهيونيًا منذ طفولتهِ. ولد في مدينة بلونسك في بولندا، حيث بلغ عدد سكان المدينة 8000 نسمة، بحضور يهودي قويّ. ترعرع بن غوريون في عائلة يهودية من الطبقة الوسطى. كان والده مُساعدًا قانونيًا مُستقلًا ومن أوائل الناشطين في الحركة الصهيونية الناشئة في بولندا.

اتجه بن غوريون إلى فلسطين عام 1906 عن عمر يناهز العشرين، ولكنه لم يكن مستعداً للعمل في الأرض، فغادرها للدراسة في إسطنبول، ولكنه لم يتخرج، ولم يحصل طيلة حياته على أية شهادة جامعية، ما صنع عنده عقد نقص أثّرت عليه. كان يزور بولندا بشكل دوريّ، ومع بداية الحرب العالمية الأولى انتهى بهِ الحال في الولايات المتحدّة الأميركية. في كل مكان زاره، كان ينخرط في العمل السياسي المنظم بهدف إنشاء دولة يهودية، واستقر بهِ الحال في فلسطين في بداية عشرينيات القرن الماضي حيث برز وقتها بدورهِ قائدًا مميزًا للهستدروت، الاتحاد الصهيوني الذي صار لاحقًا واحدًا من أضخم المؤسسات الاقتصادية الصهيونية. 

يكتب سيغف بأن بن غوريون يعتبر نفسه في السياق الصهيونيّ اشتراكيًا من نوعٍ ما، وهذا لسعيه بناء دولة رفاهية توفر الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة لليهود. ومثله ومثل العديد من معاصريهِ اليهود، تأثر بالثورة الروسية/البلشفية. يكتب سيغف بأن بن غوريون كان يشير في كثير من الأحيان إلى حضوره احتفال الذكرى السادسة للثورة الروسية في الميدان الأحمر في موسكو بتاريخ 7 نوفمبر 1923 ممثلًا للهستدروت.

وكما عبّر الثوّار الروس في أوائل القرن العشرين عن عدم اعتقادهم بقدرة البرجوازية الروسية على قيادة النضال للإطاحة بالنظام القيصري وبناء جمهورية ديموقراطية، احتفظ بن غوريون وعدد من الرواد الصهاينة بهذا النوع من الاشتراكية وبأن البرجوازية اليهودية والمدفوعة بالمصالح الشخصية والخاصة، لن تكون قادرة ولا يمكن الثقة فيها لبناء دولة يهودية قوية في فلسطين، على الأقل بالشكل الذي كان يتخيله.

ومع ذلك، وكما قال زئيف ستيرنهيل في كتابه «الأساطير المؤسّسة لإسرائيل The Founding Myths of Israel» فإن بن غوريون كان قومويًا استخدم الاشتراكية بوصفها استراتيجية من أجل التعبئة وبناء الدولة. لم يكن إعجاب بن غوريون بلينين ينبع من سياسته الثورية القوية، وإنما إصرارهِ وإرادته الحديدية في السعي لتحقيق أهدافه السياسية (كان مُعجبًا بتشرشل أيضًا). 

بصفته «وسطيًا» ملتزمًا في الحركة الصهيونية، قاتل بن غوريون بضراوة في بولندا ضد أفكار الجبهة اليهودية العامة وهي الحركة العمالية الاشتراكية اليهودية العلمانية، وضد الشيوعيين والصهيونيين اليساريين وكذلك ضد جابوتنسكي وبيغن (المراجعين اليمينيين في فلسطين). كتب سيغف بأنه حاربهم بصفته الفاعل السياسي الشرس والذي كان جاهزًا للقضاء على كل من اعتبره غير مرغوبٍ فيه سياسيًا، وهو ما حدا بسيغف لوصفه بأنه «بلشفي صهيوني غير شيوعي».

كان بن غوريون صداميًا ونافد الصبر فيما يتعلق بالاختلاف مع شركائه السياسيين، أحيانًا لتفوقه عليهم، وأحيانًا لفقدانه السيطرة على نفسه. «طريقته في الحديث بكل بساطة ليست إنسانية» يقتبس سيغف هنا الكلام عن موشيه شاريت، أحد رؤساء الوزراء الإسرائيليين، والعضو القيادي لحكومة بن غوريون. «إذا وافقته في كلامه 80%، واختلفت معه 20%، أو إذا اتفقت معه في النقاط الرئيسية واختلفت معه في النقاط الفرعية، أو حتى إذا اتفقت معه كُليًا مع اختلاف بسيط على التفاصيل، فتجده لحظتها يُركّز غضبه على تلك العشرين بالمئة أو تلك النقاط الفرعية أو التفاصيل الصغيرة التي اختلفت معه عليها، ويتصعّد الجدال معه بسرعة كما لو أن الاختلاف كان 100%. لا يمكنك أن تتحدث بجملة كاملة وأنت في حوارٍ معه. فهو يقاطعك على الدوام، ويصب جام غضبه على الكلمات التي لا تعجبه، وتجده يستعر ويلتهب». 

ومثله مثل غيره من الصهاينة، كان مفهوم الصهيونية عند بن غوريون مبنيًا على اعتقاد جازم بأن «معاداة الساميّة» ميزة حتمية وغريزية مرتبطة بالإنسان، وأن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو إنشاء دولة يهودية في فلسطين. تمسّك بن غوريون بتلك الفكرة طوال حياته، ولم يسمح إلا باستثناء واحد: الولايات المتحدة. من الجدير بالذكر، أنه وعلى الرغم من عدم استكشاف سيغف لهذه المسألة -تمسك بن غوريون بهذا المفهوم- وعلى الرغم من أنه وقبل الحرب العالمية الثانية، كانت معاداة السامية واسعة الانتشار داخل الولايات المتحدة.

وعندما شهدت معاداة السامية انخفاضًا كبيرًا بعد نهاية الحرب، تجاهل بن غوريون الموضوع مرة أخرى، لأن انتباهه له سيجبره على النظر في الدور الذي أدّته ظروف ما بعد الحرب الاجتماعية والاقتصادية لليهود الأمريكيين على صورة اليهود بشكل عام في المُجتمعات. يتسق هذه الاستخفاف التاريخي بالحقائق مع وجهة نظر بن غوريون الصهيونية لمفهوم معاداة السامية على أنه جزء من «الطبيعة الإنسانية».

ما يلاحظه سيغف على النقيض، هو أن معاداة السامية كانت لبن غوريون، وكما كانت من قبله لهرتزل، حليفًا عظيمًا للصهيونية، فكل مظهر من مظاهر المعاداة، يُعدّ دافعًا لعربة الصهيونية للأمام أكثر. هذا لا يعني أن قادة الصهيونية شجعوا على معاداة السامية، وإنما يعني وجود درجة من التسليم لها بكونها حتمية وإرادة واعية مُتكررة للتفاوض مع المفهوم بهدف تحقيق المصالح مع معادي السامية، إذا ارتأى طبعًا بن غوريون والقادة الصهيونيون أن هذا التفاوض والتعامل سيخدم المشروع الصهيوني. 

كان بن غوريون مع التوسّع الإقليمي للدولة اليهودية، وهذا ينطبق مع تفكيره بوصفهِ صهيونيًا متشددًا. ففي المؤتمر الصهيوني في زيورخ عام 1937، أعلن: «حقنا بفلسطين، كل فلسطين، حقّ أبدي، ولا يمكن الشك فيك»، وعرّف عن نفسه بأنه «مدافع مُتحمّس لدولة يهودية على الحدود التاريخية لأرض إسرائيل». وعليهِ، وحسب كتاب سيغف فإن مقترح إسرائيل للتوسع الإقليمي بعد الخط الأخضر (ترسيم حدود إسرائيل قبل حرب 1967) لم يكن مقامرة للمراجعين اليمنيين، وإنما مقترح مشترك بين اليمين واليسار الصهيوني، ومن ضمنهم بن غوريون. نستنتج من ذلك أن سمعة بن غوريون على أنه «ليبرالي» صهيوني تقوم بشكل كبير على براغماتيته أكثر من استنادها على اليمين الأكثر تشددًا بقيادة جابوتنسكي وبيغن، وتستند على دولة الرفاهية التي أنشأها وعلى علمانيته، إذ لم تمنعه اعتقاداته العلمانية من تقديم تنازلات كبيرة لليهود المتدينين في وقت كانوا فيه أضعف بكثير من اليوم.

وفيما يخص وجهات نظر بن غوريون التوسعية، يُقدّم سيغف رواية مُفصّلة من عام 1954 توضح كيف أعدت دائرة التخطيط في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي تحت حكم بن غوريون لحزب الماپاي ، دراسة بعنوان «نيڤو»، تؤكد حاجة الدولة إلى توسيع حدود الخط الأخضر لأسباب اقتصادية واجتماعية وديمغرافية متنوعة وتقديم العديد من البدائل لهذا التوسع. تضمن هذا المقترح الطموح للغاية إرجاع حدود مِصر حتى نهاية صحراء سيناء ويفضّل حتى ضفة قناة السويس، وأخذ أجزاء من السعودية جنوبًا، وإن أمكن، السماح لإسرائيل بالتحكم بحقول النفط العربية، وأخذ أراضٍ من سوريا، ورسم الحدود مع الأردن في أقصى الشرق من نهر الأردن، وهو اقتراح كان من شأنه أن يجعل دولة إسرائيل أكبر بكثير مما هي عليه اليوم.

يوضّح مقترح «نيڤو» أنه وفي حين تحاول حكومة إسرائيل تبرير التوسع الإقليمي لأرضها -بدرجات متفاوتة- في أوقات الأزمات والحروب، فإننا نرى أن الحكومة نفسها قد أعدت هذه الخطط قبل اندلاع الأزمات بوقت طويل. 

٢- لا مُستقبل للتعايش

يُعلّق سيغف في الوقت نفسه بأن بن غوريون كان واقعيًا للغاية ويعرف تمام المعرفة أن الفلسطينيين، مثل اليهود الصهاينة، يريدون دولة في فلسطين أيضًا، وأنهم لن يستسلموا ويسلّموا أرضهم لليهود ببساطة. من وجهة نظر بن غوريون، لا يمكن أن يوجد أي مستقبلٍ يتعايش فيه العرب والإسرائيليون على نفس الأرض، ولهذا، كانت خطته أن تتوسع إسرائيل في أراضٍ يسكنها الحد الأدنى من العرب.  

وهذا طبعًا يُفسّر معارضته المبدئية في دخول إسرائيل بحرب عام 1967، لأن ذلك يعنى أن تحكم إسرائيل مناطقًا بأغلبية عربية، وبالتالي وجود معاداة عربية للمشروع الصهيوني. ولكن وحسبما يشير سيغف، فإن بن غوريون كان «مأخوذًا بنشوة الانتصارات والغزوات» وبدأ الدعوة إلى برنامج توسّعي واضح، لا سيما عندما طالب بالسيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة ونقل سكّانه إلى الضفة الغربية بمساعدة إسرائيلية وبموافقة الناس أنفسهم (على افتراض موافقتهم)، والمفاوضة مع أهل الضفة الغربية لبناء كيان مستقل (autonomous) يرتبط بإسرائيل اقتصاديًا مع منفذ بحري عبر موانئ إسرائيل، مع تأكيد وجود جنود إسرائيليين لـ «ضمان استقلال الضفة الغربية عن الأردن».

فكرة بن غوريون أعلاه عن «الحد الأدنى» من العرب، تُفسّر تمامًا -وفقًا لسيغف- الدور المركزي الذي أدّاه في طرد الفلسطينيين العرب من أراضيهم في حرب عام 1948. دمّر عمل سيغف وغيره من «المؤرخين الجدد» الإسرائيليين الأسطورة الصهيونية التي تقول إنه عشية إعلان قيام دولة إسرائيل، كان الفلسطينيون العرب قد تركوا بيوتهم ومدنهم وقراهم بإرادتهم الحُرة منفّذين بذلك نداءات وتحذيرات قاداتهم. طبعًا الفلسطينيون على دراية بمدى كذب هذه الأسطورة. 

في الواقع، يبين سيغف أن مُعظم الفلسطينيين قد طُردوا من أراضيهم بقوة السلاح تحت وطأة هجمات الهاغاناه (الجيش الإسرائيلي اليهودي)، أو أنهم خرجوا مرعوبين وخوفًا على حياتهم بعد سماعهم عن المجازر التي نفذتها القوات اليهودية في القرى والمدن الأخرى (مثل مجزرة دير ياسين). وتضمنت المجازر الجزء السفلي من مدينة حيفا، حيث «قصفت الهاغاناه الناس بالهاون من المنحدر العلوي لجبل الكرمل»، وتضمنت أيضًا تهجير الفلسطينيين بقوة سلاح الجيش الإسرائيلي من مدينة اللد، وتهجير الفلسطينيين من قرية إقرت المسيحية. 

يظهر سيغيف موافقة بن غوريون على ما حصل بشكل عامٍ، وأنه أصر أيضًا على استئناف الأعمال العدائية خلال هدنة في حرب عام 1948، بوصفها فرصة «لتنظيف» الجليل من الـ 100,000 فلسطيني الذين لجأوا فيها.

وعلى الرغم من النزعة الحاسمة لدى الحركة الصهيونية بعدم التعامل مع وجود الفلسطينيين في فلسطين، إلا أنها كانت قد ناقشت بين الفينة والأخرى إمكانية نقل أو تحريك الفلسطينيين خارج حدود الدولة اليهودية. في الأيام الأولى من يونيو 1895، قدم هرتزل مقترحًا يتماشى مع نظرته الدبلوماسية و«الواقعية السياسية»، ويقضي بنقل العرب «بسرية وحذر» خارج فلسطين. دعا القادة الصهاينة مثل أهارون زيسلينغ في عام 1937 إلى نَقلٍ يقوم على «تبادل سكاني حقيقي» للفلسطينيين بيهود العراق والدول العربية الأخرى.

لم تناقش مثل هذه المقترحات طبيعة موقف الفلسطينيين أو لماذا ستكون لديهم الرغبة أو الحاجة لترك بلادهم طوعًا؟ الكثير من الصهاينة البارزين مثل غولدا مائير وبيرل كاتزنيلسون، لم يختلفوا من حيث المبدأ مع فكرة النقل، ولكنهم اعتبروها فكرة غير معقولة ولا يمكن تطبيقها.

سواء كان نقل العرب بالنسبة للقادة الصهاينة أمر عملي أو لا، فإن قلة مهم استبصرت احتمالية دفع تلك الفكرة إلى وجود دولة فصل عنصري مثل التي نراها اليوم في إسرائيل-فلسطين. أحد الاستثناءات كان الزعيم الصهيوني مناحيم أوشيشكين الذي جادل صراحة في عام 1941 بأن أية محاولة لإنشاء دولة يهودية قبل وجود أغلبية يهودية في فلسطين ستؤدي إلى دولة فصل عنصري صهيوني.

أشار أوشيشكين إلى أن البيض في جنوب إفريقيا لم يشكلوا سوى 20% من السكان وأن الـ 80% المتبقين كانوا من السود الذين ليس لديهم حقوق على الإطلاق. تساءل أوشيشكين عما إذا كان يجب على الحركة الصهيونية الرضى بأن يشكل اليهود 20% من مجموع سكان فلسطين التي يحكمونها كاملة. لقد عارض كذلك دعوة بن غوريون لـ «إنشاء دولة يهودية كأولوية أولى ومنح حقوق متساوية للعرب ونقل أولئك الذين يوافقون طواعية»، بحجة أنها دعوة متناقضة وغير واقعية وحسب كلامهِ «دعوة مستحيلة».

أصر أوشيشكين أن أهداف الصهيونية يجب أن تتركز في المستقبل القريب على تنفيذ هجرة يهودية واسعة النطاق إلى فلسطين بدلًا من إنشاء دولة يهودية (كان أوشيشكين يضع جُل تركزيه على تجنب إمكانية ولادة نظام فصل عنصري مثل نظام جنوب إفريقيا لدرجة أنه لم يفكر أبدًا في أن اقتراحه قد يؤدي إلى دولة صهيونية مُضطهِدة تشبه النموذج الأمريكي للقوة البيضاء/الأسود والأبيض/السكان الأميركان الأصليين وعلاقات القوة).

يوثق سيغف أيضًا كيف أن صهيونية بن غوريون حالت دون أي لبس عن إمكانية تحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية أو دولة حرة ومستقلة لفلسطين/إسرائيل أو لإسرائيل/فلسطين، على أساس التعايش بين شعبين متساويين، بحقوق وطنية وثقافية واستقلالية مكفولة لكليهما. يمكننا مراقبة حالة كندا متعددة الجنسيات (تضم الشعوب الأصلية والمهاجرين من أصول قومية مختلفة والعديد من الكنديين الناطقين بالفرنسية والإنجليزية)، لنعرف أن مثل هذه الدولة تتطلب عملية طويلة من النضال لضمان صيانة حقوق الجماعات الوطنية المضطهدة في الأفعال وكذلك في قوانين البلاد.

وجّه بن غوريون نقده اللاذع إلى الليبراليين اليهود الألمان الداعمين لثنائية القومية مثل مارتن بوبر، إذ هاجمه من خلال التشكيك في ولائه لليهودية واتهامه بامتلاك عقلية خادم. بوصفه لثنائية القومية على أنها خيانة، حذر بن غوريون أنصارها -فكرة ثنائية القومية- من أن التوصل إلى «اتفاق مع العرب، يشبه دخولك في معسكرات اعتقال هتلر».

هدفت مقترحات الدولة ثنائية القومية إلى بناء جسر للعرب الفلسطينيين الذين يقاومون بعنف الهجرة الصهيونية إلى فلسطين والمتسمة بـ: سوء معاملة المستوطنين اليهود للعمالة العربية وشراء الأراضي الذي يؤدي إلى طرد المزارعين العرب المستأجرين من أرضهم (يدعي سيغف أنه أحيانًا دُفعت تعويضات لهم وأحيانًا لم يُدفع) والتهميش، إن لم يكن استبعاد العمالة العربية من سوق العمل في الزراعة والصناعة من خلال سياسات العمل الصهيونية التي تسعى إلى توظيف العمالة اليهودية فقط ومنع العرب القادرين من الحصول على عمل أو من الانضمام إلى الهستدروت حتى عام 1959، ومنعهم من التصويت في انتخاباته حتى عدة سنوات لاحقة.

كان بن غوريون يدعو منذ ثلاثينات القرن الماضي لسياسة «الدفاع العدواني عن النفس» لمحاربة المقاومة العربية الفلسطينية، والتي تشمل -السياسة- طرد العرب من فلسطين. على الرغم من أنه في مرحلة ما، في منصبه وزيرًا للدفاع، (تولاه بالتزامن مع منصبه رئيسًا للوزراء)، ذكر أنه في سعيه لتحقيق هدف السلام، كان على الحكومة الإسرائيلية «كسب قلوب العرب»، ولكنه أكّد وجود «طريقة واحدة فقط يمكننا من خلالها تعليمهم احترامنا. إذا لم نفجر القاهرة، سيعتقدون أنه بإمكانهم تفجير تل أبيب».

٣- براغماتيّة بن غوريون

في تعامله مع القوى الدولية، كان موقف بن غوريون الصهيوني غير المتنازل يتحول إلى موقف براغماتي غير صدامي ويهدف إلى الشد والتفاوض للحصول على ما يريد منهم. يكتب سيغف أن هذه البراغماتية سمحت لبن غوريون أن يكون صاحب أفق واسع وأن يقبل بالأرض الصغيرة التي أعطتها الأمم المتحدة لإسرائيل عام 1947 في قرار التقسيم (181). 

من وجهة نظر بن غوريون، كانت الأرض حسب قرار التقسيم «نصف الرغيف» الذي يمكن أن يكبر وأن يزيد في المستقبل حسب الظروف. وعليهِ، وعندما صاغَ «إعلان الاستقلال» الإسرائيلي عام 1948، أصرّ وساد بأغلبية خمسة مقابل أربعة أعضاء في اللجنة المُعدّة للإعلان، بأن يُحذف منه أية إشارة إلى حدود الدولة، وهو ما يترك إمكانية التوسّع المستقبلي مفتوحة دون الاضطرار لمواجهة القوى الأجنبية الكبرى والرأي الدولي. 

وبالفعل نجحت تكتيكاتهِ: عندما استولت إسرائيل عام 1948 على أراضٍ أكثر مما أعطتها الأمم المتحدة، وافقت القوى الدولية على التوسّع بوصفهِ إحدى مُخرجات الحرب، وهو أمر لم يكن ليكون بهذه السهولة لو أن إسرائيل كانت قد أعلنت بصراحة عن نواياها وخططها التوسعية قبلًا. 

يلاحظ سيغف أن بن غوريون قد وضع أذنيه على الأرض واستمع بعناية وتابع عن كثب علاقات القوى الدولية وخاصة تلك التي تشمل واشنطن. انتهى به الأمر بدفع ثمن باهظ في تلك الأحداث التي تجاهل فيها خطأ أو قلل فيها من الضغوط القادمة من تلك القوى، كما حدث في عام 1956، عندما أجبرت إدارة أيزنهاور إسرائيل وكبار شركائها إنجلترا وفرنسا على الانسحاب من مغامرتهم العسكرية ضد مصر لمعاقبة جمال عبد الناصر لتأميمهِ قناة السويس.

تشرح براغماتيته الكثير من ادعاءاته الزائفة التي يظهرها عند سؤالهِ عن قضايا سياسية دقيقة يمكن أن تكلفه الدعم الدولي للصهيونية. في عشاء له مع قاضي المحكمة العليا فيليكس فرانكفورتر والدبلوماسي الأمريكي وليام بوليت، رد بتواضع على اقتراح الدبلوماسي لعام 1942 بطرد جميع العرب من فلسطين من أجل إقامة دولة يهودية بأنه ليست هناك حاجة لطرد العرب، لأن فلسطين قادرة اقتصادياً على دعم العرب واليهود.

وعلى الرغم من أن سيغف لا يعلق على هذه النقطة، إلا أن بن غوريون كان يعرف أن الموافقة على طرد العرب من فلسطين علنيًا عام 1942 ستؤدي بهِ إلى أزمة سياسية وأزمة علاقات عامة. هذا الخطاب الحذر والدبلوماسيّ وحتى الأخلاقي كان ما ميز التصريحات الصهيونية السائدة للاستهلاك الأجنبي، خاصة قبل قيام إسرائيل وخلال السنوات الأولى من وجودها.

أعتقد أن هذه البراغماتية هي ما حفزت رد بن غوريون في عام 1931 على مجموعة صغيرة من المهنيين والمثقفين المعروفين في حزب بريت شالوم والذين كانوا يدافعون عن دولة ثنائية القومية وينتقدون سياسات بن غوريون الهادِفة إلى إنشاء دولة أغلبية يهودية: «بحسب وجهة نظري الأخلاقية، ليس لدينا الحق في التمييز ضد حتى طفل عربي واحد، حتى لو كان هذا سيمنعنا من تحقيق كل ما نريد»، حيث يؤكد من كلامه بوجود قلق مفترض لديهِ على الفلسطينيين.

٤- الآفاق الإثنية والعرقية لصهيونية بن غوريون الأوروبية
 

عند قراءة الصهيونية في السياق الأوروبي الذي يعامل الفلسطينيين والعرب على أنهم غرباء اجتماعيًا وثقافيًا، نجد أن الصهيونية لم تتوقف عند عدم مناقشة الأمر، بل تمادت في إنكار وجودهم معرفيًا وفعليًا بالحديث عن فلسطين بصفتها أرض بلا شعب، تماشيًا مع شعار الصهيوني يسرائيل زانغويل في عام 1901 «فلسطين أرض بلا شعب، واليهود شعب بلا أرض»، وهذا مثال واحد من بين أمثلة عديدة طرحها عالم النفس الاجتماعي ليون فستنغر تحت ما يسمى بـ «التنافر المعرفي» أو cognitive dissonance (محاولة البحث عن الاتساق الداخلي عبر نفي أو تشويه واقعٍ قد يؤدي إلى التنافر المعرفي أو الإدراكي).

كانت دولة إسرائيل، ووفقًا لثيودور هرتزل (مؤسس الصهيونية)، بعيدة كل البعد عن محاولة الاندماج في العالم العربي، بل إنها وجدت لتكون «متراسًا لأوروبا ضد آسيا، وبؤرة حضارية في قلب البربرية». يصف سيغف بن غوريون بأنه كان مقتنعًا تمامًا باستشراقية هرتزل المشحونة عنصريًا. عززت ثورة عام 1929 العربية، التي أسفرت وفقًا للأرقام الرسمية عن مقتل 130 يهوديًا و100 عربيًا وإصابة أكثر من 200 عربي و300 يهودي، ميوله الاستشراقية دافعة إياه للتصريح بأن العرب كانوا «بدائيين» وأن اليهود يواجهون «تفشي أسوأ الغرائز الغوغائية المتوحشة – التطرف الديني الملتهب والرغبة الحارقة بالسرقة والنهب والتعطش للدماء». وحذر بن غوريون من أن العربي «ابن الصحراء» ينظر إلى اليهودي من «كوخه» ويحدّق في حظيرتهِ ويراها وكأنها قصر ملكي».

نَظَر بن غوريون إلى اليهود الشرقيين عبر نفس العدسات الاستشراقية أوروبية المركز. ردة فعله على أعمال الفوضى في عام 1959 التي قام بها يهود إسرائيل الواصلين حديثًا من دول عربية، لم تختلف عن ردة فعله في أيام الثورة العربية عام 1929. كتب في رسالة إلى رئيس لجنة التحقيق المُشكَّلة شُكِّلت للتحقيق في الأحداث: «إن المجرم أو اللص أو القواد أو القاتل الأشكنازي لن يكون قادرًا على كسب تعاطف مجتمع الأشكناز (إذا وُجدَ مثل هذا المجتمع أصلًا)، ولن تأتي مثل هذه الفكرة في رأسه. ولكن يمكن أن يحدث ذلك في مجتمع بدائي [مثل مجتمع اليهود المزراحيون أو اليهود الشرقيين]». أعاد بنغوريون بعد بضعة أيام مخاوفه بشكل خاص حول تزايد تأثير اليهود من العالم الإسلامي على المجتمع الإسرائيلي.

ومثلما يرى بن غوريون أن معاداة السامية جزءًا متأصلًا من الطبيعة البشرية، فقد دفعته وجهات نظره الاستشراقية للتعامل مع الخصائص الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجموعات الإثنية والعرقية المُختلفة على أنها نابعة من «طبيعتها» بدلاً من كونها ناتجة من الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها تلك المجموعات تاريخيًا. لهذا السبب لم يعتبرهم بن غوريون محضَ أجانب أو غرباء أو غير متعلمين ومهاجرين من العالم العربي، وإنما كان يرى بأنهم يزيدون من الفقر ويؤثرون سليًا على الناجين من المحرقة النازية والقادمين حديثًا إلى إسرائيل. يتحدث بن غوريون عن اليهود الشرقيين قائلًا إنهم كانوا يهودًا فقط «لأنهم ليسوا غير يهود».

كان لدى بن غوريون نهجًا داروينيًا اجتماعيًا تجاه اليهود الأوروبيين، إذ كانت أقلية منهم صهاينة خلال السنوات التي سبقت المحرقة. أوضح بن غوريون أنه إذا كان الأمر يتعلق باختيار ما بين عشرة آلاف يهودي سيكونون مفيدين لفلسطين أو «ولادة» إسرائيل مع مليون يهودي سيكون عبئًا، فيجب إنقاذ العشرة آلاف. يشير سيغف أن بن غوريون أجرى خطط الإنقاذ "كواقعي ذي أفق ضيق وضعيف الإيمان»، مضيفًا أن الزعيم الصهيوني رأى الأهمية الفظيعة للمذبحة النازية ليس من زاوية العدد الهائل من اليهود الذين ذبحوا، ولكن من زاوية أنه تم إبادة هذا الجزء المحدد من اليهود -الأوربيين- الذين كانوا قادرين ومجهزين لبناء الدولة وحدهم.

٥- من دولة مستوطنين إلى دولة اضطهاد/قمع

نجح بن غوريون في النهاية في تحقيق هدف حياته بإنشاء دولة صهيونية قائمة على استثناء وطرد الفلسطينيين العرب ونجاح الحركة الصهيونية العالمية تحت قيادته.


لا يمكننا أبدًا المُبالغة في مقدار الهيمنة السياسية التي حققتها الصهيونية على يهود العالم في أعقاب المحرقة. انبثقت الصهيونية من المجال السياسي الذي كانت قد تنافست فيه مع الأيديولوجيات السياسية الأخرى في أوروبا اليهودية قبل الحرب العالمية الثانية -بشكل أساسي البونديين والأحزاب الدينية- باعتبارها «الحل» السياسي الوحيد ضد معاداة السامية، ووصلت إلى ذروتها فِي حرب عام 1967 وبعد ذلك صارت الفكر المعبّر والسائد سياسيًا وثقافيًا لليهود في جميع أنحاء العالم.

لم تفكر الغالبية العظمى من اليهود بجدية في الهجرة إلى إسرائيل وخاصة يهود الولايات المتحدة. لكن التشاؤم المزمن ليهود أوروبا الشرقية، والذي عبّر عن نفسه في كثير من الأحيان من خلال فكرة «سياسة التأمين» الصهيونية (الفكرة: «وجود دولة إسرائيل مهم في حالة وجود مشاكل، إذ يكون لدينا مكان نذهب إليه») جعل الصهيونية تتلقى دعمًا كبيرًا من خارج الولايات المتحدة وكندا. دعم معظم اليسار الدولي في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين الصهيونية ولم يلقوا أي اهتمام لمصير العرب الفلسطينيين.

كان البونديون وأصحاب ووجهات النظر الاشتراكية الأخرى وفي فترات معينة مثل أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي هم الاتجاه السياسي السائد للمجتمع اليهودي في بولندا، ولكنهم هزموا تمامًا بسبب المصير المأساوي لليهود الأوروبيين الشرقيين. شكّل هذا ضربة ساحقة للبونديين وبشكل عام للاشتراكية غير الصهيونية صاحبة موقف البقاء والقتال من أجل حقوق اليهود أينما عاشوا بدلاً من المغادرة. لقد فازت الإيديولوجية النازية وممارسات الإبادة الخاصة بها بتلك المعركة السياسية لصالح الصهيونية، والتي اتجهت نحو البونديين لاحقًا وغيرهم من الأمميين اليهود وقالت لهم «أخبرناكم أن هذا سيحصل». كان للهزائم السياسية عواقب وخيمة، خاصة على البونديين، فقد قضى النازيون عليهم وعلى قاعدتهم الاجتماعية، وبدرجة أقل على الأحزاب السياسية الدينية الأخرى.

في الواقع، نجحت الجالية اليهودية في فلسطين وبعد ذلك الدولة اليهودية التي أسستها الحركة الصهيونية المنتصرة بقيادة بن غوريون في إنشاء دولة إسرائيل. لقد كانت دولة يهودية مبنية على أساس اللغة العبرية الحديثة والتي وحدت اليهود القادمين من أجزاء مختلفة من العالم وعلى التواصل الاجتماعي الفعال والشامل لليهود الإسرائيليين في القيم الصهيونية وعلى المشاركة شبه العالمية للنساء والرجال اليهود في جيش الدفاع الإسرائيلي وعلى الشعور بالتفوق الوطني الناتج عن عدة اشتباكات منتصرة مع الأعداء الفلسطينيين والعرب. أثبتت هذه القوى أنها أقوى بكثير من القوى العديدة التي كان بإمكانها تفريق اليهود من أصول وثقافات وتاريخ مختلفة على نطاق واسع، بالإضافة إلى الاختلافات الطبقية والانقسامات العرقية والإثنية. كانت هذه دولة يهودية جديدة تمامًا. لم يشكل اليهود في جميع أنحاء العالم أمة/دولة قبلًا، باستثناء اليهود الناطقين باللغة اليديشية داخل «نطاق الاستيطان» في الإمبراطورية القيصرية.

لقراءة باقي المقالة... هنا