في اليومين الثاني والثالث من "أيام فلسطين السينمائية"... وثائقيات وروائيات، عربية وأجنبية

2020-10-23 12:00:00

في اليومين الثاني والثالث من
من صفحة المهرجان على فيسبوك

إنه فيلم وثائقي يتجاوز الإطار الشخصي ليطرح أسئلة عامةً هامة عن حاجتنا كبشر لهذا التقدم الحضاري المعاصر الذي وصله الإنسان، وعلاقة الصور مع الذاكرة الإنسانية، ومعاني القيم الجمالية وخوفنا الدائم من الشيخوخة والهرم. إنه فيلم يصور تصادم شخصيتين (الأم والابن) حول وجهات نظرٍ مختلفة حول العالم المعاصر وأدواته.

شهد يوما الأربعاء والخميس، ٢١-٢٢ تشرين الأول/أكتوبر، الثاني والثالث من أيام النسخة السابعة من مهرجان "أيام فلسطين السينمائية"، فعاليات وعروض لأفلام في عدة أماكن في مدينة رام الله، في ظروف استثنائية فرضتها جائحة كورونا المستجدة، حيث تقام عروض المهرجان الذي تنظمه مؤسسة "فيلم لاب-فلسطين"، بالتعاون مع وزارة الثقافة وبلدية رام الله، في الفترة ما بين ٢٠ و٢٦ تشرين الأول/أكتوبر الجاري، والذي كان مفترضاً أن تقام فعالياته بالتزامن في خمس مدن فلسطينية في كل من العاصمة الفلسطينية القدس، رام الله، بيت لحم، حيفا وغزة، إلا أن الظروف التي فرضتها الجائحة والاغلاقات الناتجة عنها، تسببت بتأجيل عروض الأفلام في كل من العاصمة الفلسطينية القدس وحيفا وغزة لأجلٍ غير مسمى.  


ثاني أيام المهرجان، عروض أفلام وفعاليات في رام الله

ورغم اقتصار العروض على مدينة رام الله، حتى يوم الجمعة القادم ٢٣ تشرين الأول/أكتوبر حيث ستبدأ العروض في مدينة بيت لحم، فقد شهد اليومان الماضيان فعاليات وعروض متعددة بدأت في الخامسة من مساء يوم الأربعاء بتوقيت العاصمة الفلسطينية القدس. بدأت بفعاليات ملتقى صناع السينما بـ"ماستر كلاس" عبر تطبيق''Zoom'' مع المخرج الفلسطيني الشهير إيليا سليمان تحدث فيها عن تجربته السينمائية، وتقنيات كتابته وصناعة أفلامه (يمكن الإطلاع عليه كاملاً)، وماستر كلاس آخر أيضاً عبر تطبيق ''Zoom''، في الخامسة مساء اليوم التالي، الخميس، مع المخرج البريطاني الشهير كين لوتش، تحدث فيها أيضاً عن تجربته وأفلامه وحاوره فيها الكاتب كليم أفتاب.

كما عرضت أربعة أفلام طويلة روائية ووثائقية، من عدة دول، ابتداءً من الساعة السادسة مساءً يوم الأربعاء ٢١ تشرين الأول/أكتوبر بتوقيت القدس، بعرض للفيلم الوثائقي المصري "أحكيلي"، في المسرح البلدي - دار بلدية رام الله.


"احكيلي"

هو فيلم وثائقي عن نساء واحدة من عائلات مصر السينمائية، تؤرخ فيه المنتجة والمخرجة المصرية ماريان خوري لفترات من صناعة السينما المصرية، محاولةً إعادة اكتشاف ذاتها والتعرف أكثر على ما فاتها في علاقتها مع أمها وجدتها على مدى عقود لكنها في النهاية قدمت فيلما وثائقيا مفعما بالمشاعر عن نساء إحدى أهم العائلات السينمائية في مصر. وعلى مدى ٩٨ دقيقة، يسرد أفراد من أجيال متعاقبة في العائلة ذكرياتهم مع الجدة ماريكا والأم ايريس ويرسمون ملامحهما بالكلمات ثم يأتي الدور الأقوى للأرشيف العائلي المصور الذي ورثته الابنة ماريان من جدتها وحافظت عليه لتثري به الفيلم.

يحمل الفيلم قدرا كبيرا من الصدق والمصارحة، وبقدر الخصوصية التي تحملها تفاصيل الفيلم عن مناسبات ميلاد وسفر وزواج وموت فإن التأمل فيها يفتح مساحة أكبر أمام كل مشاهد للتأمل في حياته الشخصية.

"١٩٨٢"

كما عرض في الثامنة مساءً في قصر رام الله الثقافي، الفيلم الروائي الطويل ١٩٨٢، وهي حكاية يستعيد فيها المخرج اللبناني وليد مؤنس، بعض تفاصيل العدوان الإسرائيلي على لبنان وسكانه بعد ما يزيد عن ٣٧ عاماً على الاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية.

ينظر الفيلم، وهو التجربة الروائية الطويلة الأولى للمخرج اللبناني وليد مؤنس، إلى الحرب وذاكرتها من وجهة نظر من عاشوها أطفالاً، والمخرج ذاته عاشها طفلاً في تلك أيضاً، ويرويها من خلال قصة حب  بين طفل وطفلة من تلاميذ إحدى المدارس في جبال لبنان، خلال يوم واحد.

يبدأ الفيلم من اللحظات التي تذيع فيها نشرات الأخبار اللبنانية أنباء الغزو الإسرائيلي أثناء الامتحانات، تصاب المعلمة ياسمين (نادين لبكي) بالذّعر بمجرد سماعها أصوات الطائرات وهي تحلق فوق المدرسة، ويزداد قلقها حين تعلم أنّ شقيقها جورج انضم إلى إحدى الميليشيات، وفيما يُخبرها زميلها جوزيف (رودريغ سليمان) بأنباء الغزو من خلال راديو صغير يحمله. تختلط أنباء الحرب بالحب، إذ يحاول جوزيف التقرب منها رغم أنّها تكنّ له مشاعر إيجابية، إلا أنها تعارض آراءه القومية، في الوقت الذي يحاول التلميذ وسام إخبار زميلته بالمدرسة جوانا بمشاعره تجاهها، رغم أجواء الحرب والتوتر الذي يصيب المدرسين أثناء توصيل الأطفال إلى منازلهم.

"الجاسوس"

عرض أيضاً في الثامنة مساءً في مؤسسة عبد المحسن القطان، الفيلم الوثائقي التشيلي الطويل الجاسوس، للمخرجة مايت آلبيردي، التي اشتهرت بتركيزها في أفلامها على الصور الحميمية للعوالم الصغيرة، وعرفت من خلال أفلامها السابقة "المنقذ" ٢٠١١، "وقت الشاي" ٢٠١٥، "أنا لست من هنا" ٢٠١٦، "الكبار" ٢٠١٦.

أما فيلمها الأخير والذي يعد تجربتها الطويلة الأولى، The Mole Agent أو الجاسوس، الذي كتبت السيناريو الخاص به وأخرجته، فتدور أحداثه حول المحقق رومولو، الذي يوظف جاسوساً لاختراق بيت للمسنين والمتقاعدين يشتبه في أنه تجري فيه أشياء مريبة. إذ تشتبه امرأة في أن أمها تتعرض للإهانة والعنف في ذلك البيت، وتحاول أن تعرف طبيعة ما يحدث هناك، فيستعين رومولو بالعميل المتقاعد سيرجيو، 83 عاما، الذي يقبل المهمة على الفور لكي ينشغل بعد وفاة زوجته. وفي مهمته لجمع المعلومات وكشف الحقائق يقترب العميل السري من عدد من النزلاء وتفاصيل حياتهم، ويكتشف الحقيقة التي غابت عن الجميع، في فيلم يبدو وكأنه نسخة درامية كوميدية تشبه أفلام الجاسوسية الأمريكية بدون مشاهد عنف مفرط وأسلحة ومطاردات.

لعل اهتمام مايتي بالتفاصيل الدقيقة وحرصها على اقتحام العوالم الصغيرة هو الذي أكسبها شهرة واسعة، وجعلها صوت بارزة في السينما الوثائقية في أمريكا اللاتينية. البطل الرئيسي لدى مايتي هو الرجل العادي والمهمش وليس الخارق، ولقطاتها السينمائية تحتفي بالمشاهد البسيطة شديدة الخصوصية.

"غرز"

 وفي مسرح وسينماتيك القصبة، عرض للفيلم الصربي غُرَزْ، وهو من إنتاج صربيا، سلوفينيا، كرواتيا، البوسنة والهرسك، وإخراج الصربي ميروسلاف تيرزيتش، ومن تأليفه بالتعاون مع إلما تاتاراجيك، تدور أحداثه حول امرأة متزوجة تؤمن أن طفلها الذي ولدته قبل ١٨ عاماً، وفقدته بعد ساعات من مخاضها العسير، على خلفية حرب فككت يوغوسلافيا السابقة وقومياتها، لم يمت في المستشفى ولكنه سُرق بطريقة غامضة.

يحاول الجميع إقناعها بأن المولود قضى في ظروف ملّتبسة، وفرضوا عليها توقيع وثائق وفاته، لكن حدسها الأمومي يرفض ذلك لكونها لم تحصل على جثته، أو تعرف مكان دفنه، فتقرر تحدّي إدارة المستشفى والأطباء والشرطة والمحاكم ومسؤولي البلدية وبيروقراطيتهم، من أجل الحصول على شهادة وفاة قانونية. خلال هذه المعركة الطويلة، تكتشف السيدة درينكا رادونيتش المزيد من المخالفات في وثائق المستشفى وأوراق البلدية الرسمية التي برهنت شكوكها، وكرست اعتقادها أن الطفل لم يمت.

تدور كل أحداث الفيلم في مدينة بلغراد، لسيدة تعمل في مهنة الخياطة، والتي منها استقى المخرج اسم فيلمه، حيث تتشبَّه خطواتها بغرزات تفصيل ملابس زبوناتها العابرات، تعيش على هامش إجتماعي مأزوم ومتنمّر، لكنها تثبت بأنها امرأة قوية تؤمن بحدسها الذي قادها إلى مكان إبنها وبيت العائلة التي سرقته من مهده، بالتواطؤ مع لصوص ردهات الولادة، لن تتمكن من استعادته. 

فيلم ميروسلاف تيرزيتش (٩٨ دقيقة)، والحائز على التكريم الثاني في "جوائز الجمهور" الخاصة بخانة "بانوراما" في الدورة التاسعة والستين لمهرجان برلين السينمائي الدولي ٢٠١٩، يدخل مشاهده مباشرة في تفاصيل القهر الاجتماعي الذي تولده الحرب وأنظمة الحكم الشمولية، مستنداً على حادثة حقيقية اعتمدت فيها المؤلفة ألما تاتاراجيتش، على عشرات المحفوظات والمقالات حول اختطاف الأطفال حديثي الولادة والمنشورة في مطبوعة "بوليتيكا"، وهي أقدم الصحف وأكثرها شعبية في صربيا.

عروض ثالث أيام فلسطين السينمائية

أما في يوم الخميس ٢٢ تشرين الأول /أكتوبر، وثالث أيام فلسطين السينمائية، بدأت عروض الأفلام الأربعة الروائية والوثائقية، بعد ماستر كلاس كين لوتش، بعرضٍ للفيلم الوثائقي "بيروت المحطة الأخيرة"، في المسرح البلدي - دار بلدية رام الله، تمام الساعة السادسة مساءً بتوقيت القدس.

"بيروت المحطة الأخيرة"

رحلة بصرية مدتها ٧١ دقيقة، سعى مخرجها اللبناني إيلي كمال البحث في الأحداث والظروف التي أدت إلى إنشاء لبنان، في مسارين متداخلين في سياق الفيلم، أحدهما عام متعلق في تاريخ البلد، والآخر شخصي يسترجع فيه ذاكرة الطفولة في مسقط رأسه، طارحاً عبر تلك الرحلة البصرية العديد من الأسئلة حول مفهوم الهوية والانقسام الطائفي. في المسار العام والذي يبدو نبشاً في تاريخ البلد عبر تتبع سكة حديد الحجاز التي كانت تمر من قريته، ينتقل بين عربات قطار يعلوها الصدأ وقضبان لم تشهد حركة منذ زمنٍ بعيد، ومحطات خاوية، مقدماً بذات الوقت سرداً معلوماتياً عن تاريخ السكك الحديدية في البلاد منذ أن سار أول قطار على أرضها عام ١٨٩٥.

بحثٌ بصري يسير فوق ما تبقى من قضبان سكة الحديد تلك التي شكلت نقطة بدء البحث من خلال السفر جغرافياً بين المحطات باتجاه المحطة المركزية في بيروت، مستعرضاً مكونات البلد الصغير الذي تحولت فسيفساؤه التعددية إلى نقمة طائفية بين طوائفه وقومياته، وبوصوله محطته الأخيرة يطرح سؤاله الإشكالي: هل شارفت رحلة القطار إلى نهايتها؟ أم أن البلاد لم تبلغ المحطة الأخيرة بعد؟

"ستموت في العشرين"

وفي الثامنة مساءً، عرض الفيلم السوداني الروائي الطويل ستموت في العشرين، في قصر رام الله الثقافي، لمخرجه أمجد أبوالعلا، والذي صنع واحداً من أوائل الأفلام في بلدٍ عانى ولسنوات من انقطاع صناعة السينما التي كان النظام السوداني السابق يراها بدعة وتهديداً.

الفيلم الذي أنتج بشكل مشترك بين السودان وفرنسا ومصر وألمانيا والنرويج، حصد مخرجه في عرضه الأول في الدورة  ٧٦ من مهرجان فينيسيا السينمائي على جائزة  أسد المستقبل، في أولى تجاربه الروائية الطويلة، إضافة إلى جائزة مؤسسة أدفانتج Advantage Foundation للفيلم الإفريقي الأكثر تأثيرًا بالمهرجان، ليكون بذلك أكبر إنتاج في تاريخ السينما السودانية بميزانية قاربت المليون دولار.

قدم أمجد عبر ١٠٢ دقيقة، حكاية سودانية أصيلة، من صلب بيئة الريف السوداني وإشكالياته وتفاصيله وثقافته، وما ورائياته، في معالجة سينمائية لقصة الروائي حمور زيادة «النوم عند قدمي الجبل»، قدمها  بجرأة عالية قد تبدو أيضاً صادمة لمجتمع عاش لسنوات بدون صناعة سينما، ولغة بصرية جميلة ومتقنة، وطرح فيها سؤال الموت والحياة بفلسفة خاصة مدهشة.

"اختفاء أمي"

وفي الثامنة مساءً أيضاً عرض  في مؤسسة عبد المحسن القطان، ضمن سينما الهواء الطلق، الفيلم الوثائقي "اختفاء أمي" (The Disappearance Of My Mother ٢٠١٩)، للمخرج الإيطالي بنيامينو باريسي، وهو فيلم وثائقي في ٩٣ دقيقة، يروي من خلاله مخرجه حكاية شخصية، ينطلق فيها من رغبة والدته بنديتا بارزيني في الاختفاء، فهي عارضة أزياء في ستينيات إيطاليا، وأصبحت مصدر إلهام لكل من فارهول، ودالي، وبين، وآفيدون. وتحولت في السبعينات إلى نسوية راديكالية، تحمل وجهة نظر حادة وعنيفة، تعبّر عنها بدراستها وتدريسها الأزياء والموضة، وارتباط ذلك بفلسفة تمثيل الشخص لنفسه، ولعلاقته بالعالم. من هنا، تأتي رغبتها في الاختفاء، بالذهاب إلى جزيرة في آخر العالم، بعيداً عن ضوضاء العالم الحديث. ويحاول باريسي، وهو مصور مفتون بالأفلام والصور، تأريخ شخصية والدته في السنوات الأخيرة لما قبل اختفائها. 

إنه فيلم وثائقي يتجاوز الإطار الشخصي ليطرح أسئلة عامةً هامة عن حاجتنا كبشر لهذا التقدم الحضاري المعاصر الذي وصله الإنسان، وعلاقة الصور مع الذاكرة الإنسانية، ومعاني القيم الجمالية وخوفنا الدائم من الشيخوخة والهرم. إنه فيلم يصور تصادم شخصيتين (الأم والابن) حول وجهات نظرٍ مختلفة حول العالم المعاصر وأدواته.

المجموعة الثانية من الأفلام القصيرة

بالتزامن مع الفيلمين السابقين، عرضت المجموعة الثانية من الأفلام القصيرة في مسرح وسينماتيك القصبة، حيث احتوى برنامج الأفلام القصيرة على ستة أفلام هي: الفيلم الفرنسي "نظف معي المكان (بعد أن يحل الظلام)" ٢١، للمخرج الفرنسي غابرائيل ستيمر. فيلم الرسوم المتحركة الفرنسي "لا يُنسى"، ١٢ دقيقة، للمخرج برونو كوليت. الفيلم الروائي الفلسطيني - القطري "الهدية"، ٢٤ دقيقة، لمخرجته الفلسطينية فرح النابلسي. الفيلم الروائي السويدي "في انتظار الموت"، ١٢ دقيقة، للمخرجين: لارس فيجا وإيزابيل بيوركلند. الفيلم الغاني - البلجيكي "تصبح على خير"، ٢١ دقيقة، لمخرجه الغاني أنتوني نتي. فيلم التحريك الأرجنتيني الفرنسي "نبض"، د دقائق، لمخرجه الأرجنتيني بيدرو كاسافيتشيا.