الفلسطينيون في العالم... جدلية الصراع الديمغرافي

2020-11-11 13:00:00

الفلسطينيون في العالم... جدلية الصراع الديمغرافي

في الولايات المتحدة الأمريكية تصل التقديرات الحالية إلى 310 آلاف نسمة رغم تخبط الأرقام وبعض الاحصاءات، ومع هذا يعد المجتمع الفلسطيني في الولايات المتحدة غنياً جداً في عدة مجالات، فمنهم رؤساء جامعات وأطباء وأصحاب شركات، وبعضهم أصحاب رؤوس أموال كبرى، في حين شغل بعضهم الآخر مناصب رفيعة. 

لا يمكن اعتبار كتاب "الفلسطينيون في العالم" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ٢٠٢٠) مجرد سجلٍ لأرقام عملية إحصاء أو دراسة ديمغرافية روتينية كتلك التي تجريها الدول لمعرفة عدد سكانها بهدف تطوير السياسات، بل هو كتاب يحكي قصة فلسطين والفلسطينيين، قصة أكبر "عملية سطو مسلح في وضح نهار القرن العشرين"*.

هو كتاب يسجّل بالأرقام أصداء أنّات الفلسطيني في بلاد إخوانه العرب، كما يثبّت مؤشرات قوة الفلسطيني ومكانته السياسية والرمزية خارج وطنه العربي الكبير، رغم عدده الصغير هناك، يظهر هذا الكتاب كيف أن الفلسطيني قادر على مجابهة التحديات إذا أعطي حرية الحركة، إذ يبادر إلى تشكيل مؤسسات يمكنها أن تدعم قضية فلسطين في العالم، فكما يقول عزمي بشارة: ليست وظيفة الفلسطيني تحرير فلسطين في وسط أكبر قومية في التاريخ، وإنما وظيفته هي مقاومة النسيان والتشتيت المستمر لوعيه والمحافظة قدر الإمكان على مكانه وذاكرته.

يمكن قراءة هذا الكتاب كامتداد لكتاب نور الدين مصالحة "طرد الفلسطينيين: مفهوم "الترانسفير" في الفكر والتخطيط الصهيونيين 1882-1948" الذي يظهر مركزية فكرة تهجير "السكان الأصليين" في العقل الصهيوني، بينما قام الباحثان المهمان في حقل الديمغرافيا: يوسف كرباج وحلا نوفل بإظهار نتائج هذا التفكير والتخطيط الإسرائيلي المستمر بالأرقام.

عام 1948 كان عدد الفلسطينيين مليون و900 ألف فلسطيني يقيمون على أرض فلسطين، وبعد النكبة، هُجِّرَ منهم 750 ألفاً، فيما وصل عدد الفلسطينيين اليوم إلى 13 مليون فلسطيني، متفرقين في أنحاء العالم كله.

ويتوقع المؤلفان أن يصل تعداد الفلسطينيين بحلول منتصف هذا القرن 2050 إلى  21 مليون نسمة. 

جدلية الصراع الديمغرافي

يعيش اليوم على أرض فلسطين 6 ملايين و400 ألف فلسطيني بحسب إحصاءات عام  2017 موزعين بين الضفة الغربية والقدس الشرقية وفلسطينيي الداخل وقطاع غزة. لكن هذه الأرقام تعد مأساوية مقارنة بأعداد المجتمع الإسرائيلي الذي دخل عملياً في طور التفوق الديمغرافي على الفلسطينيين، وبلغة صاحبي الكتاب فإن الجديد يتمثل "في أن "حرب المهود" تتحول الآن إلى مصلحة اليهود ضد الفلسطينيين". ويرجع هذا إلى جدليّتين رئيسيتين، الأولى إسرائيلية، وهي عبر تسارع معدلات الخصوبة في المجتمع الإسرائيلي التي تكاد تصل إلى التساوي مع المعدل الفلسطيني (أعداد المواليد لكل امرأة)، انخفاض نسبة الوفيات، ارتفاع نسبة الهجرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة {قادمون جدد عبر الصعود إلى إسرائيل "باللغة الدينية اليهودية"}.

مقابل جدلية فلسطينية، هي انخفاض معدل الخصوبة مقارنة بالسابق، ارتفاع معدل الوفيات، وارتفاع نسبة الهجرة من فلسطين. 

تدير إسرائيل معركة الخصوبة لإيصالها حد التساوي مع الفلسطينيين اليوم عبر التصور الديني/القومي الأوسع الذي يشجع على الإنجاب -كأي مجتمع ديني أصلاً- ونقصد هنا تحديداً المستوطنين (المتدينين) في الضفة الغربية والقدس الشرقية الذين يتميزون بارتفاع نسبة الخصوبة عن باقي قطاعات المجتمع الإسرائيلي "العنكبوتي"، وذلك بفضل دعم سياسي/دولتي لضمان استمراريته، يوضح المؤلفان تفاصيل هذا الدعم بالشكل الآتي:  

"دعم يشمل المكافآت بمليارات من الشواكل التي تدفقت على المستوطنات، والإعانات والاستقطاعات، والمساعدة في السكن والصحة والتعليم وتخفيف الضرائب؛ ما يقلل من تكلفة الطفل وتشكل مكافأة لهذه الخيارات الأسرية. ويمكّن الأزواج الشباب من تربية الأطفال هناك بعدد كبير، من دون سلبيات التوسع في الأسرة في المدن. وسواء أكانت من اليمين أم من اليسار، فقد فعلت الحكومات الإسرائيلية كل شيء لزيادة عدد المستوطنين؛ إذ منحت الدولة حوافز متعددة. وصُنّفت المستوطنات أولوية وطنية، ومناطق مؤهلة للحصول على المزيد من المساعدات المالية. وتساهم ست وزارات في ذلك. قدمت وزارة الإعمار والإسكان قروضاً بشروط ميسرة لشراء الشقق. وقدمت دائرة الأراضي تخفيضات لتأجير الأراضي، ووفرت وزارة التربية والتعليم منافع مادية للمعلمين وإعفاءات من الأقساط الدراسية (90 في المئة في رياض الأطفال). ومنحت وزارة الصناعة والتجارة تبرعات للمستثمرين ونظمت المناطق الصناعية. وقدمت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية حوافز للعاملين الاجتماعيين. ومنحت وزارة المالية تخفيضات ضريبية على مداخيل الأفراد والشركات".

وعلى النقيض من هذا، يعاني المجتمع الفلسطيني تحت ضغط متواصل من جميع الأطراف: إسرائيلياً وعربياً وفلسطينياً –سياسياً/حكومياً- أدى إلى انخفاض نسبة الخصوبة وارتفاع معدلات الهجرة خارج الأراضي الفلسطينية، فالحصار المستمر على قطاع غزة بالضرورة سيؤول إلى تفكير بالهجرة، والتضييق على الضفة الغربية والقدس الشرقية أيضاً يجعلهم يفكرون بالهجرة و"ضبط" سياسة الإنجاب، وهنا تظهر أهمية عبارة المؤلفين: "لئن لم يكن هناك ترحيل معلن للفلسطينيين، فربما يكون هناك ترحيل سلس من خلال جعل حياتهم "مستحيلة". 

الشتات الفلسطيني في العالم العربي

الأردن هو المضيف للتجمع الأكبر للفلسطينيين خارج فلسطين، وبحسب الاستبيانات والسجلات الموزعة بين عدة دراسات وإحصائيات الأونروا لعام 2015 بلغ عدد الفلسطينيين 3 مليون و334 ألف نسمة تقريباً من مجموع السكان العام.

لكن الاحصائيات المتعلقة بالفلسطينيين في الأردن تتعرض إلى مبالغات كبيرة من الجانب الاسرائيلي وذلك في محاولة لتحريض المجتمع الأردني وتكريس مجموعة من التصوّرات حول إمكانية تحويل الأردن لوطن بديل للفلسطينيين. يظهر الكتاب مكانة المجتمع الفلسطيني في الأردن فهم متمركزون في المدن، وساعون دؤوبون إلى التعليم، مع وضع أفضل للمرأة الفلسطينية وارتفاع مشاركتها في النشاطات الاقتصادية، وبهذا يشكل "الفلسطينيون الشريحة الأكثر حداثة في المجتمع الأردني". 

أمّا سوريا فهي البلد الثاني بعد الأردن من حيث التواجد الفلسطيني، إذ قُدّر عددهم عام 2011 بنحو 600 ألف نسمة، يعيشون بين 21 مليون هم عدد سكان سوريا آنذاك. ويتوزعون على 14 مخيم، تعترف الأونروا بتسعة منهم، بينما لا تعترف بثلاثة أخرى أبرزها هو "مخيم اليرموك" المعروف بعاصمة الشتات الفلسطيني، إذ كان يضم 144 ألف شخص.

يتمتع الفلسطيني في سوريا بحقوق متساوية مع المواطنين السوريين، حيث سمح لهم بالالتحاق في الجيش والعمل في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص،  ونتيجة مستواهم التعليمي المرتفع فقد تمكّنوا من العمل في وظائف داخل المدن بسهولة. ولكن حالما انفجر العالم العربي عام 2011 حتى انقلب هذا الوضع رأساً على عقب، إذ تم تهجير الآلاف منهم كالسوريين تماماً، ففي منتصف عام 2016 بلغ عدد الفلسطينيين المهجرين من سوريا 142 ألفاً، هاجر جزء كبير منهم إلى الدول الأوروبية، وبحسب المؤلفَين فإن بعض الأوساط الفلسطينية تتخوف من استغلال سعي الفلسطينيين للهجرة إلى أوروبا من أجل البحث عن استقرار جديد بعد الاستقرار الذي فقدوه في سوريا، في مقابل التخلي عن حق العودة. 

أما لبنان، فيعد البلد الأشد سوءاً على الإطلاق في التعامل مع الفلسطينيين، فبينما ارتبطت الهجرة من سوريا بظروف الحرب والتهجير التي عانى منها السوريون والفلسطينيون على حد سواء، فإنَّ لبنان تسعى بسياسات رسمية إلى التخلص من الفلسطينيين بأي طريقة كانت، ودون تحرّج يذكر، ما يؤدي إلى ارتفاع عالٍ جداً في نسبة الهجرة. كما تسود أعداد اللاجئين في السجلات الرسمية لبنان حالة من الضبابية، إلّا أنَّ تقديرات المؤلفَين هي أن أعدادهم وصلت إلى 340 ألف في نهاية عام 2017.  

مصر تراجع دورها في استقبال اللاجئين الفلسطينيين كثيراً اليوم، فبعد أن كانت الملاذ للفلسطينيين إبّان الانتداب البريطاني، سيما أثناء الثورة الفلسطينية 1936-1939، أصبح عددهم 60 ألف فقط عام  2015، وقد شهد التواجد الفلسطيني في مصر تغيرات عدة بين حقوق كاملة ومتساوية مع المصريين في عهد عبد الناصر، إلى حرمان من عدة امتيازات بعد اغتيال وزير الثقافة المصري يوسف السباعي عام 1978م. 

ويفسر الكتاب قلة أعداد الفلسطينيين في العراق بعدم وجود حدود مشتركة مع فلسطين، إذ هاجر إلى بلاد الرافدين عام 1949 ما يقارب 4 آلاف لاجئ وفق بعثة الأمم المتحدة، لكن طفرة النفط عززت الهجرة الفردية للعمال الراغبين في العمل. ليبلغ عدد اللاجئين 34 ألفاً قبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ، ونتيجة الاغتصاب الدولي والحرب الأهلية والدمار وصل عددهم عام 2010 إلى أقل من 10 آلاف، وربما كان أقل من ذلك بكثير اليوم بحسب الباحثين.

ولم تقتصر المسألة على الأعداد وانخفاضها السريع في مدة زمنية قصيرة نسبياً، بل كانت التغيّرات الحادة في مستوى الحقوق والمعاملة كذلك، فمع تولى صدام حسين الرئاسة عام 1979 تمكن الفلسطيني من الحصول على تصاريح إقامة وخدمات صحية وتعليمية وحق في العمل، ويعتبر المؤلفان أنَّ طبيعة حياة اللاجئين في العراق ربما كانت مقاربة لوضع اللاجئين في سورية آنذاك، أما بعد 2003 فقد ظهرت معاملة جائرة ضد الفلسطينيين مع نية معلنة لطردهم. 

في بلدان الخليج اتخذت أوضاع الفلسطينيين مناحي متعرجة أيضاً، بين صعود وهبوط في المعاملة ومسألة الاندماج مع المجتمعات الخليجية المضيفة، إذ استعرض الؤلفان مجموعة من التجارب كان من بينها تجربة أسماء الغول -صحفية فلسطينية من غزة- التي تعرضت للحديث عن تجربة الحياة في دولة الإمارات والفجوة الثقافية بين البلد المضيف وبلدها الأصل فلسطين، ويصل أعداد الفلسطينيين في منطقة الخليج إلى ما يقارب 800 ألف بحسب تقديرات المؤلفين لعام 2020. 

الشتات الفلسطيني في الغرب

هناك اختلاف جذري بين أوضاع الفلسطينيين في العالم العربي وبين أوضاعهم في البلدان الغربية سواء أكان من حيث العدد أو التأثير أو الحقوق. 

يشكل الفلسطينيون في فرنسا 2000 - 3000 نسمة على أكثر تقدير، بينما يذهب البعض إلى تقديرهم بنحو 7000 شخص وفقاً لعدد الطلاب المقيمين في فرنسا، ولا يشكل هذا التجمع قوة اقتصادية كما في بلدان أخرى، فمعظم الفلسطينيين في فرنسا من المثقفين أو من الطلاب.

في بريطانيا تصل تقديرات أعداد الفلسطينيين إلى 25 - 35 ألف، "بينما يذكر موقع مركز العودة الفلسطيني أن العدد نحو 50 ألف، وهو الرقم الذي سبق تداوله في عام 2005، ما يرجح وصول عدد الفلسطينيين في بريطانيا إلى نحو 60 ألف حالياً". ورغم أن المجتمع الفلسطيني في بريطانيا لا يتمتع بقوة عددية، لكنه "يتميز بمشاركة متزايدة في الحياة العامة والسياسية، فضلاً عن بروز عدد لا يستهان به من الفلسطينيين البريطانيين في أوساط عدة، من بينها الأوساط الأكاديمية والقانونية والطبية والإعلامية، ويوجد أيضاَ عدد من رجال الأعمال المهمين وأصحاب شركات". 

أما ألمانيا، فيعيش فيها أكبر عدد من الفلسطينيين في أوروبا، وعلى الرغم من الاتفاق على هذا، فهناك تضارب شديد في الإحصاءات المتضاربة حول الأعداد والتقديرات، إلا أن المؤلفَين يرجّحان وجود نحو 200 ألف فلسطيني عام 2017. ويدعو الكتاب إلى إجراء استقصاء ميداني للفلسطينيين في ألمانيا، لما للوجود الفلسطيني القوي هناك من أهمية. 

من الناحية الرمزية والسياسية، يمتاز الحضور الفلسطيني في تمثّل الدول الاسكندنافية عن أكثر مجتمعات الشتات الفلسطيني الأخرى، ففي السويد يصل الفلسطينيون إلى نحو 10 آلاف، الدنمارك 15 ألف، النرويج 4 آلاف، فنلندا أقل من 4 آلاف، أما آيسلندا فهم بضع عشرات. ورغم قلّة عدد الفلسطينيين في آيسلندا فقد استقبل البرلمان الأيسلندي "أمل التميمي" لتصبح ثاني شخص من أصل أجنبي يصبح عضواً في البرلمان، "ويمثل الشاعر مازن معروف أحد المهاجرين الفلسطينيين المميزين، حيث ترجمت أعماله إلى الآيسلندية". ويدعو الكتاب إلى معرفة ديمغرافية هذه التجمعات، معتبراً أنَّ "حاجة ماسة" لأن مخاطر الذوبان في المجتمع السكاني الكلي ترتفع كلما كانت أعداد الفلسطينيين أقل. 

في الولايات المتحدة الأمريكية تصل التقديرات الحالية إلى 310 آلاف نسمة رغم تخبط الأرقام وبعض الاحصاءات، ومع هذا يعد المجتمع الفلسطيني في الولايات المتحدة غنياً جداً في عدة مجالات، فمنهم رؤساء جامعات وأطباء وأصحاب شركات، وبعضهم أصحاب رؤوس أموال كبرى، في حين شغل بعضهم الآخر مناصب رفيعة. 

أما تشيلي، أخر حالات الدراسة في الكتاب، فتمثّل أهمية كبيرة من ناحية العدد أو من الناحية السياسية والعلمية والثقافية والاقتصادية، إذا يبلغ عدد الفلسطينيين كما قدّره المؤلفان 350 ألف فلسطيني، مميزين بانتمائهم إلى الطبقات الأكثر تعليماً في المجتمع وعيشهم في المدن، أما من الناحية السياسية تظهر "أهميتهم" في المشاركة بانقلاب أوغوستو بينوشيه، إذ أدى بعض الفلسطينيين فيه أدواراً مهمة، في مفارقة غريبة! 

ماذا نفهم من كتاب بلغة الأرقام؟

لم تكن هجرة الفلسطيني إلى العالم متوقفة على مأساة عملية السطو عام 1948 بل جرت عمليات تهجير أكبر وأوسع -لكنها أبطأ- من وإلى البلدان العربية نتيجة دفع ثمن مواقف وسلوكيات سياسية عربية وفلسطينية، إذ يضاف إلى النكبة الأولى نكبات أخرى جاءت في: 1967، 1970، 1973، 1978، 1990، 2011. منها يتعلق بالحروب الإسرائيلية وأخرى عربية، وهي أكثر تأثيراً، فمن أيلول الأسود في الأردن، الحرب الأهلية اللبنانية، موقف منظمة التحرير من غزو الكويت، استجابة الأنظمة العربية للربيع العربي. فليس هناك نكبة واحدة وإنما نكبات في تاريخ الشعب الفلسطيني.

أدى يوسف كرباج وحلا نوفل مهمتهم في إظهار تنوع وتوزيع الوجود الفلسطيني حول العالم دون تحليل واسع للبيانات، التي هي مهمة أخرى تضاف إلى قائمة مهام الباحث العربي والفلسطيني على حد سواء، ويضع المؤلفان بين أيدينا حقلاً نسيناه في السنوات الخمسة عشر الماضية، -أزعم أنه نتيجة الانقسام الفلسطيني- ويدعوننا إلى الانشغال بهذه المسألة بدل الانشغال المتضخم "الفارغ" بسياسة إسرائيل اليومية (المهمة فيما لو كانت تدرس بأجندات بحثية واضحة} والمهاترات السياسية الطفولية بين القوى السياسية الفلسطينية، التي افتقدت إلى الرؤية الواضحة والأجندة المعرفية الرئيسية، إذ شكلت شريحة "الباحثين" المختصين في الشأن الإسرائيلي والفلسطيني -في السنوات الأخيرة- نموذجاً رثاَ للباحث المفتقد العاجز عن اكتشاف هموم أمته وشعبه، الضائع بين الأخبار اليومية والصراعات الحزبية، بينما يتشكّل جيل من الباحثين الفلسطينيين والغربيين في العلوم الاجتماعية والإنسانية يمثّل حالةً مميزة في دراسة بعض مجتمعات الشتات الفلسطيني في أوروبا، إذ نعثر على دراسة أنثروبولوجية للباحث الفلسطيني/الدانماركي محمود عيسى حول الفلسطينيين في الدانمارك المتحدرين من قرية لوبية في الخليل، ودراسة أخرى للينا محمود حول الفلسطينيين في بريطانيا وتحولات مجتمع في المنفى، ومقالة مهمة لكاثلين كريستسون عن تجربة الفلسطينيون في الولايات المتحدة، وكتاب صدرت ترجمته مؤخراً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية حول الفلسطينيين في سورية لأناهيد الحردان.

أي أننا نلحظ توفر بعض الأعمال السوسيولوجية والأنثروبولوجية الدقيقة في دراسة الفلسطينيين في أوروبا والغرب، وحالات أقل تدرس الفلسطينيين في العالم العربي رغم العيش في بيئة عربية يسهل فيها الدراسة والمراقبة لتوفر عينة واسعة ومتنوعة!
 

*"في البحث عن معنى... للنكبة.." د.عزمي بشارة.