الوباء والمسرح وفلسطين

2021-05-25 12:00:00

الوباء والمسرح وفلسطين
© Photo : Berliner Ensemble

قد لا تؤسس الاستعارات التي تناولها الفنانين حول الوباء الحالي لفهم جديد كما حاول شيكسبير برأي باروخا. ولكن تجربة الوباء أظهرت التناقض بين منظور السلطات للفن، ومنظور الفنان نفسه له. لا بد أن ما يعتبر فائض بالنسبة للدولة، أعتبر ضرورة بالنسبة لمجتمع الفنانين من بين الفلسطينيين. فإنتاج الفن في أغلب الظروف التي مر بها أي فلسطيني يعقد النية على ذلك، هي حالة مستمرة من البحث عن الذات أو الذاتية والبحث عن الجماعة، وهي حالة مستمرة من التحاور والتقابل حول ذلك.

مقدمة 

قدم رستم باروخا* في الخريف الماضي مداخلة محكية تحتوي مجموعة من الأفكار حول العلاقة بين المسرح وفيروس كورونا. آثر أن تكون محكية لأنها تجمع بين تجربته الشخصية خلال إغلاق مدينة كالكوتا حيث تواجد وقد وصلت أعداد الإصابات اليومية إلى أربعمئة ألف وأعداد الوفيات اليومية إلى ثلاثة آلاف، وبين قراءته للوباء من منظار تاريخي وآخر آني. وينظم باروخا مداخلته في ثلاثة أجزاء تسعى كما يقول لا لتقديم موقف جدلي حول فيروس كورونا، بل بالنظر إلى الفيروس حرفيًا كعامل مساعد، وكعنصر غريب يمكّنه من إعادة التفكير في بعض افتراضاته عن المسرح. ويحتوي الجزء الأول من المداخلة على محاولة لتحديد خطر فيروس كورونا داخل حدود مساحات المسرح. وينطلق من سيناريوهين مرتبطين في السياق التاريخي الأوسع. يركز السيناريو الأول على إغلاق المسارح أثناء الأوبئة مثل إغلاق المسرح الإليزابيثي أثناء الطاعون. ويركز الثاني على المسارح التي ظلت مفتوحة خلال الإنفلونزا الإسبانية في نهاية الحرب العالمية الأولى. يمعن باروخا التفكير في هذين السيناريوهين من خلال إعادة النظر في مقالة تتناول المسرح والطاعون، كتبها أنتونين أرتود ازدادت أهميتها في عصر فيروس كورونا. أما في الجزء الثاني، ينقل باروخا تركيزه من المسرح إلى الأداء، تحديدًا إلى العروض التي نتعرض لها في حياتنا اليومية الاجتماعية. ويقوم بتفحص مظاهر التباعد الاجتماعي في المدن الكبرى عالميا وكذلك في المناطق التي تعتبر نائية أو مهمشة طبقياً في الهند، ويبين الاختلافات الفلسفية بين سلافوي جيجيك وجورجيو أغامبين حول فوائد وأشكال قمع الإغلاقات التي تمت وتتم. وبعد ذلك يتناول أداء التجمعات السياسية مستفيداً من كتابات جوديث بتلر في السياق الأكبر لحركة حياة السود مهمة وحركة شاهين باغ في نيودلهي. وفي الجزء الثالث، يتناول المفهوم الفلسفي لما يشكل "الآنية المكانية"، أي ما هو موجود الآن، ويبين ما يقوم به فنانو المسرح من استكشاف لأنماط جديدة للأداء عبر الإنترنت، الأمر الذي يجبر المرء على إعادة التفكير في الاحتمالات التاريخية للمُعاش وللوسيط الذي ينتشر في يومنا هذا لنقل ما هو معاش. وينطلق بناء على ما هو موجود الآن إلى التفكير ببضعة افتراضات حول الحاجة إلى هندسة مسرح جديدة تتعلق بحالة ما بعد الجائحة. ويهتم هذا الجزء بالبحث أكثر في التجربة الشخصية حول كيفية تعلمنا للعيش مع أنفسنا بينما نتعلم كيف نتعايش مع الفيروس. 

وفي سلسلة من المقالات، هذا أولها، سأحاكي مداخلة باروخا بالنظر إلى الحالة الفلسطينية. وسأعتمد في المقالات على ما جاء في الأجزاء الثلاثة كنقطة انطلاق في الحديث عن المسرح في فلسطين في زمن الجائحة. واعتبر أن زمن الجائحة مكون من عدة أزمان متداخلة وتحتوي زمن الحالة الفلسطينية تحت الاحتلال، والزمن الفلسطيني تحت السلطة الفلسطينية، والزمن الفلسطيني المجتمعي، وزمن الجائحة الفعلي. وبالنظر إلى هذه الأزمان على أنها منبثقة من قوى وأيدولوجيات متعددة، فهي تعكس التركيبة الحالية للبنية المهيمنة على المسرح في فلسطين.

وترتكز المداخلة المحكية لباروخا على مفهومي العدالة والمساواة متجليين في الجائحة، فيظهر تضاد الفلاسفة حول تفسير الفايروس. ففي حين صرحت جوديث بتلر "كل الأرواح ليس لها قيمة متساوية''، إلا أنه يرى مع انتشار فايروس كورونا، لم يتم استهداف ووصم الفنانين على وجه التحديد كما تم خلال هجوم فيروس نقص المناعة البشرية الذي أصاب آلاف الفنانين في الولايات المتحدة وأوروبا ومات الكثير منهم بسبب الإيدز. وبدا له أن فيروس كورونا غير تمييزي بشكل مخادع، فقد أثر على نجوم السينما من الأغنياء الذين يعيشون في فيلات منفصلة ومباني سكنية مرهفة، وأثر على الفقراء الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة. وهذا المعنى أجبر جان لوك نانسي Jean-Luc Nancy على التأكيد على أن الفيروس قد يجمعنا معًا في الحاجة إلى اتخاذ موقف مشترك حوله. بعبارة أخرى، هناك احتمالية ديمقراطية لظرف فيروس كورونا. ومع أن فايروس كورونا جعلنا متساوين، ولكنه لم يجعلنا متعادلين. فما تسجل أن أكبر عدد من الوفيات إلى الآن هو من بين العاملين الصحيين في الخطوط الأمامية والأقليات من الفئات الأكثر تهميشًا في المجتمع والتي تعتبر إمكانية وصول الفايروس وقابلية الإصابة فيها مبنية على تفاضل الافراد، ما وصفته بتلر بـ "قابلية تفاضلية" differential vulnerability. 

هل يموت الفنانون في الوباء

في الجزء الأول يستهل باروخا مداخلته بعبارة "دعوا الفنانين يموتون"، هذا العنوان الاستفزازي لإنتاج المخرج البولندي الكبير تاديوس كانتورTadeusz Kantor الذي كان قد سمع لأول مرة كلمات هذا العنوان كما تحدثت بها امرأة تهاجم الفنانين الذين كانوا مهتمين بإعادة تطوير مساحة معرض للفنون في مبنى يحتوي في أحد طوابقه على شقتها. قد يبدو التعليق مضحك، لكنه يشكل دليل على السخط الذي قد يشعر به كثير من الناس تجاه الفنانين المشهورين. "فإنهم يملكون تماثيل لنسور كبيرة ولا يسددون إيجارهم في الوقت المحدد، وأنهم ليسوا أكثر من ممارسي الخدمات غير الضرورية." ويُقدِم ميكال كوبيالكا Michal kobialka على فهم العبارة عبر المرادفات البولندية لفعل الموت المستخدم في عنوان كانتور. ويجد أنها لا تشير فقط إلى الانزعاج من الفنانين، بل إلى الازدراء المقنع لهم. فإن مرادف هذا الفعل يستخدم أيضًا في الإشارة إلى موت كلب. وإن كان ترك الفنانين يموتون أمر صعب بما فيه الكفاية، فإن موت الفنانين في ضوء مرادفات كوبيالكا يوري استنتاج أقسى مما تُرجم إليه العنوان. ولانزعاجه من هذا المعنى يستحضر باروخا هذا المثال بغية إعادة صياغة الفعل الأدائي المتمثل في ترك الفنان يموت بسؤال أكثر إلحاحا في زمن الوباء. هل يموت الفنانون؟ ربما لا يموت الفنانين حرفيا، ولكن هل يتلاشى وجودهم دون أن يموتوا؟ 

في مقابل السؤال عن موت الفنانين، والذي تجلى واقعا عبر علامات الاكتئاب والوحدة وحتى محاولات الانتحار، هنالك آلاف الفنانين من أنحاء العالم تحدوا فيروس كورونا من خلال إعادة تركيب وبناء فنونهم في العديد من العروض الشجاعة عبر الإنترنت. وما ساعد تحقيق هكذا تحدٍ هو البنية التحتية الأساسية التي يفترض توفرها لدى فناني العواصم العالمية مثل وصولهم إلى الإنترنت، التي لا يمكن افتراض توافرها لعدد كبير من فناني الأداء في قطاعات الأداء غير الرسمية وغير المسجلة من المناطق الريفية في الهند وبلدان أخرى، بين الذين قد لا يحصلون حتى على الكهرباء. من بين هؤلاء رواة القصص، وممارسي الطقوس، والشامان، وممارسي الروحانيات المتجولة، والأكروبات، وفناني السيرك، والراقصين. ينتمي الكثير من هؤلاء إلى الطبقات الدنيا والمجموعات البدوية. فقدت هذه القطاعات من الأداء غير الرسمي أكثر من مجرد مصدر رزقهم. كما أن اللامبالاة الوحشية للدولة الهندية ببقائهم تثير التساؤل ليس فقط عن مدى هشاشة هذه القطاعات، ولكن عن وجودها بحد ذاته. لذا فإن السؤال الذي يجب طرحه هنا ليس إذا ما كان الفنان يحتضر، بل يذهب باروخا للتساؤل: هل من وجود واعتبار للفنانين لدى الدولة في زمن الوباء؟

إن السيناريو العالمي لفيروس كورونا أدى إلى الإغلاق الحاسم للمسارح في جميع أنحاء العالم تخوفا من مخاطرة أن تصبح مساحات الأداء وتجمع الناس فيها مواقع محتملة لنشر العدوى. يكون الخطر أكثر حدة في المساحات المسرحية المغلقة، ولكنه ينطبق أيضًا على المساحات المفتوحة حيث يتجمع الناس بأعداد كبيرة، كما يحدث في الرميلا Ramlila of Ramnagar التي تقوم على أعمال مسرحية يؤديها المصلون الهندوس على مدار شهر للتذكير بالإله راما. فبعض العروض في الرميلا يمكن أن تجمع أكثر من 100000 شخص هناك. في هذا العام تم إلغاء هذه الفعاليات واقتصارها على مجموعة صغيرة جدًا من المستمعين. 

وبالتركيز على تجمعات الجماهير بشكل عام في مساحات المسرح المغلقة تحديدا. فهذه المساحات محاطة بحيطان من جميع الجوانب بالإضافة إلى السقف بحيث تفصل الشارع عن خشبة المسرح مكانيا، وتحوي صالة الاستقبال، وقاعة المحاضرات، وخشبة المسرح، والاستراحات الداخلية من وراء الكواليس التي عادة تكون مخفية تمامًا. فهي بذلك تشكل عالم في حد ذاته. وبات هذا الشكل المغلق للمساحات أمراً مسلماً به تمامًا. ولكننا الآن أصبحنا ندرك فجأة كيف أن الفيروس الذي ينتقل عبر الهواء يتسلل إلى هذه المساحات المغلقة عبر ملايين الهباء الجوي والقطيرات غير المرئية التي من الممكن أن تنشر العدوى عبر الهواء المنتشر في الداخل. إن استنشاق نفس الهواء في هذا المكان هو ما يساهم بشكل أساسي في خطر الإصابة بالعدوى. وهذا يشكل هزة حقيقية لبنية المسرح الحديث، بالأخص وأن التنفس يعتبر موضع تقدير في المسرح. فمن المعروف أن تقنيات التنفس في تحضير الممثلين لا توفر الطاقة فحسب، بل إنها فسحة المشاعر الصوتية ومنطلق التحول في أي أداء. ويمكن القول إن التنفس من أهم ركائز أي أداء. ولكن في المقابل، إن أهم ما نبهنا إليه فيروس كورونا هو التواصل الاجتماعي للتنفس في مكان عام. تفسر جوديث بتلر هذا التواصل بقولها "هذا الهواء الذي أتنفس هو لي، ولكن أيضًا ليس أنا الذي أرسمه دائمًا، لأنه مشكل من الهواء المليء بنفحات الآخرين". ويتابع باروخا "بكل صدق، لم أفكر أبدًا في أن تنفسي الصامت في المسرح يمكن أن ينتقل العدوى حين يختلط بأنفاس المتفرجين الآخرين. على وجه الحصر تقريبًا، كنت على دراية بأنفاس الممثل ربما حين يرشها نحوي بدافع الحماسة في أحد أعمال شكسبير أثناء جلوسي في الصفوف الأمامية للمسرح. لكن لم أتخيل أبدًا أن تبادل الشخص الجالس بجانبي لأنفاسي يمكن أن يكون مصدر العدوى المميتة. إن تكشّف هذه الحقيقة مزعج نوع ما ويجبرني على إعادة التفكير في التنفس النشط من منظور أدائي بحت حتى أحاول فهم هذا الانتشار الاجتماعي للتنفس في الفضاء."

بالتأكيد إذا نظرنا إلى مساحة المسرح المغلقة على أنها مشكلة وبائية، فيجب علينا إعادة التفكير في مخططات المسارح في جميع أنحاء العالم وعبر الزمن والتي تطورت لتصبح من الركائز الأساسية الكامنة وراء صعود أو موت العرض. فبالأساس، يرتبط الفضاء ارتباطًا وثيقًا بفكرة "الحماية". فإن مساحات الأداء هي في الأساس مساحات محمية تهدف إلى تحصين المتفرجين ضد احتمالات التعطيل أو التلوث حتى يتمكن المتفرجون من مشاهدة الأداء مع التركيز والمتعة المناسبين. هذا مبدأ عام بديهي في أغلب الأشكال المسرحية حولنا. ويقدم دليل على هذا المبدأ في الفصل الافتتاحي من ناتياسسترا Natyasastra، وهي الموسوعة الهندية القديمة المعروفة بتصنيفها الهائل لكل جانب من جوانب الأداء المتعلقة بالجسد، والتعبير عن المشاعر الداخلية، الأزياء وما إلى ذلك. يروي الفصل الأول من الموسوعة قصة لمئات ممن يؤدون مسرحية في الفضاء المفتوح. تركز المسرحية على هزيمة الآلهة للشياطين. وهذا اختيار مهم لأن المسرحية تُؤدى ليس فقط للآلهة التي يتحدثون بها، ولكن للأسورا أيضًا. الأسورا ليسوا بالضبط شياطين، بل من ينظر إليهم كمتغطرسين عنيدين، ويعتقدون أنهم يعرفون أكثر من الآلهة. وغني عن القول إن هؤلاء الأسورا لن يسمحوا لهزيمتهم المهينة على خشبة المسرح بالمرور دون أي احتجاج. لذا فهم يقتحمون مساحة الأداء ويحدثون الخراب على المسرح وفي تعبئة الممثلين مما ينسيهم أدوارهم. وفي حين تعتبر هذه كارثة، يقترب الممثلون من الإله برومر للحصول على المشورة، فيشور عليهم ببناء مسرح يضمن أن كل شبر من المسرح، والسقف، والأعمدة بداخله وكل المساحة تكون محمية بوصاية الهية ما حتى تستمر تاريخيا دون انقطاع. كما تشمل قواعد تفصيلية لتقديس الأرض التي تم بناء المسرح عليها مع تعداد عدد من مقدمات الطقوس التي تضمن سلامة الأداء. ومنذ ذلك الحين نجد أن كل هذه القواعد والبروتوكولات لا تزال سارية حتى اليوم ليس فقط في القطاعات التقليدية، ولكن في بعض قطاعات الأداء الحديثة وكذلك في الهند. وقد يتبع السؤال عن علاقة هذا بالمسرح الحديث حيث ماتت الآلهة منذ زمن وتمت علمنة مؤسسة المسرح تمامًا. ما أراد باروخا قوله هو أن الآلهة قد تم استبدالها بقواعد وأنظمة الدولة والمجتمع المدني التي تشكل بشكل جماعي جهاز المسرح، والتي بدونها لن يسمح لأي أداء فيها أن يتم. هذا الجهاز هو الذي لا يُعترف به أبدًا لأننا نستهلك المسرح بوهم العفوية والحرية، والديمقراطية، والحجة، والمعارضة. باختصار، الالهة تتمثل في كل ما هو كامن وراء التنوير في أواخر القرن الثامن عشر وبناء المجتمع المدني Bürgerliche Gesellschaft الذي ترتبط فيه الكياسة ارتباطًا وثيقًا بسيادة القانون الضمنية.

وبالتالي يرى باروخا أن القانون في كل مكان. على الطريق ابتداء من المساحات خارج المسرح، انتهاء بمساحات الاستراحة الداخلية. ونحن المشاركون في الفرجة نواجه قوانين تبدأ من مواقف السيارات والمداخل والمخارج، والسيطرة على التجمعات، والنظافة، والصرف الصحي، والسيطرة على الحرائق، والتحكم في المرور، والكهرباء. هذه القوانين إذن تتعمق في القطاعات الإدارية لجهاز المسرح. كما نواجه أيضًا المزيد من القوانين البيروقراطية المتعلقة بالعقود وبوالص التأمين ولوائح النقابات والحماية من التشهير والرقابة. حتى أنه يمكن أن يكون المسرح الحديث واحدًا من أكثر الأماكن تنظيماً إن لم يكن خاضعًا للرقابة للأسف في الديمقراطيات الليبرالية الأكثر تطورًا. ثم يذهب لمقارنة هذه القوانين مع جهاز المسرح في الهند حيث أن القوانين لا يتم الالتزام بها باستمرار، مثل قوانين توبي الحرائق التي تنتهك بانتظام أو التأمين الذي لا يوجد لمعظم شركات المسرح. ومع ذلك، فإن شبح القانون الذي يحكم المسرح لا يزال مهيمنا إلى حد ما على الأقل من حيث المبدأ. وفي ظل هذه اليقظة الإدارية لمؤسسة المسرح في المجتمعات الديمقراطية الليبرالية، يرى باروخا أنه كم هو مثير للسخرية إذن أن تكون حصون الترفيه والتنوير التي تبدو منيعة على ما يبدو معرضة تمامًا لفيروس كورونا الذي تسلل بسهولة إلى الداخل وإلى شقوق مباني المسرح! ثم يطرح السؤال التالي "هل نعتبر هذا انحراف غير مسبوق في تاريخ المسرح؟ وإذا نظرنا إلى عالمية إغلاق المسارح في جميع أنحاء العالم، فعندئذٍ نحتاج إلى الاعتراف بأننا نعيش لحظة تاريخية، لا بد من الاستفادة منها. فيقترح الانطلاق من أمرين على الفور. أولا أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إغلاق المسارح بسبب انتشار وباء. وثانيا، لم تسقط المسارح أثناء الأوبئة التي كانت أكثر فتكًا مما نشهده اليوم في عصر فيروس كورونا." 

وبالانتقال إلى البنية التحتية الأساسية للمسرح في فلسطين (ولا أحصرها في الضفة الغربية) في القرن الماضي حتى الآن فبالإمكان وصفها بأنها بنية قائمة على هزات متعاقبة وتشققات دامغة سببها الانسلاخ الجغرافي وما تبعه من تباين ثقافي فنجد فروقات ثقافية بين المسرح في حيفا وبين مسرح رام الله ومسرح الخليل ومسرح غزة ومسرح يشارك فيه فنانون مما كان يوما مخيم اليرموك مثلا. إضافة لذلك نجد التشققات التي أثرت على بنية المسرح التي سببها الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي ثم الانهمار المؤسسي للبنية التحتية للمسرح بعد إنشاء كيان الحكم الذاتي للسلطة الفلسطينية. فكثرت في فترات محددة المسارح المتنقلة لضرورة سلامة الفنانين ووصولية الأعمال المسرحية للأحياء، وثبتت في فترات أخرى الأعمال التي تعتمد المساحات المغلقة لسهولة وصولية الناس لها تحديدا في المدن الرئيسية. كما تباينت هذه الفرق المسرحية أو الاعمال المنتجة من حيث قربها وبعدها عن السلطة السياسية المهيمنة أو المفروضة في الأماكن الجغرافية المتعددة التي يتواجد فيها الفنان الذي ينسب لهويته "فلسطيني". وتحمل خشبة المسرح في فلسطين، بالإضافة إلى تلك التشققات تحتها، مجمل قضايا التمويل وقضايا إقبال المجتمع للمسرح، وقضايا التمويل المشروط، وقضايا مضايقات الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية. وبالتالي يقف الفنان أو الفنانة الفلسطينية على خشبة تحميه قدر الإمكان من كل أنواع التشققات السياسية وأشكال الانسلاخ التي تتراكم تحت وحول هذه الخشبة. ويجمع أغلب الفنانين على كون خشبة المسرح فسحة للأبداع ومنبر محاكاة لهذه التشققات. وفي العام الأخير كان لجائحة كوفيد-19 دور في تثبيت الإغلاق الفعلي التام لأغلب المسارح. لكن هل لاحظنا ذلك؟ وهل لاحظت السلطات ذلك؟ 

وبالإضافة إلى هذه البنية التحتية، هناك بنية أخرى فوقية تتكون من الفنانين غير مسجلين رسميا لدى أطراف حكومية ويتوجب عليهم في الوقت الحاضر الوصولية للإنترنت. والبعض منهم على علاقة وطيدة بالمسارح والمؤسسات الثقافية المحيطة وذات الصلة، والتي بادرت بدعم مشاريع صغيرة لعدد قليل جدا من الفنانين أثناء الإغلاق في الجائحة. فالسؤال حول موت الفنانين أو تلاشي وجودهم دون أن يموتوا في الجائحة، يعتبر ملحاً في الزمان والمكان الحالي للفنان من ينسب لهويته الفلسطيني. فقد خسرنا عددا من الفنانين فعليا، بينما تقطعت السبل في الكثير منهم خلال الجائحة، وتعرض بعضهم للتنمر حين علا صوتهم مطالبين كالفنانين في سائر الدول بحلول تتعلق بضيق أحوالهم خلال الجائحة، كما تم لغرف التجارة ومحلات المأكولات. ومثال ذلك ما حدث مع أميرة حبش حين أطلقت نداء يدعو لنقاش أحوال الفنانين في الجائحة.

إن توقف فعاليات المجتمع المدني في الفترة الأولى التي شهدت إغلاق عاماً بين آذار وأيار 2020 أثر على هذه الفئة أي الفنانين، وكشفت أن هذه المؤسسات تحمل مسؤولية هذه القطاعات بدلا من الوزارات المعنية. كما كشفت عن عجز هذه المؤسسات والوزارات المعنية عن إصدار أي سياسات تتعلق بأوضاع الفنانين. إذن أظهرت الفترة الأولى من اغلاقات تسببت بها الجائحة هذا الجانب. أي أن الفنان فائض على الدولة، وتعنى به مؤسسات المجتمع المدني وترعاه فعالياتها منذ قيام هذه المؤسسات. والمسرح في هذه الحالة يصير الجهاز الحاضن للفائض وبالتالي لا يشكل الفعل الاجتماعي الناتج عنه أي تهديد لجوهر الدولة. ولربما كان قربه أو بعده عن السلطة غير مهم وتجاوب السلطة مع احتياجاته لا يتجاوز حيز التضامن مع فنان هنا، أو تبرير لمشاكل السماح بعرض مواد في فيلم، وتكريم فنان أو نعيه. كما أظهرت الاغلاقات التي تسببت بها الجائحة أن الدولة تمارس سلطة على الإرث الثقافي الفلسطيني ولا تمتلك أي أدوات لفهم وتعزيز الإنتاج الثقافي المعاصر، وبالتالي لم تعتبر أن الثقافة تشكل أي ركيزة من الركائز التي تستخدمها لمواجهة ما أعلنته السلطة "الحرب" على الفايروس. فهل هذا يعني أن الجائحة أزاحت العشب وبينت أن الفنان ميت بالنسبة للدولة منذ زمن؟ 

ولكن من ناحية أخرى، رقيمة، نجد أن الجائحة لم تزح العشب فقط، بل ازاحت الصخرة وأحيت الفنان من جديد. إن وصولية الجمهور للفنان صارت أسهل من خلال موجات مستمرة من إعادة بث العروض الحية التي قامت بها مسارح سابقا كعشتار ومسرح المدينة ومؤسسة عبد المحسن القطان، وغيرها. أعاد البعض علاقة ما نفدت مع الفنان، وأعادوا التواصل مع فترات زمنية سابقة باتت من ماض نسيناه تقريبا وصار أرشيف محنّط. فمثلا عرض مسرح عشتار مسرحية "جليلي يا علي" أنتجه مسرح الحكواتي في العام 1984. أعادتنا المسرحية لفترة محددة من النشاط المسرحي الفلسطيني، وأحد تشققاته التي انحفرت في ذاكرتنا على هيئة إرث مقاومة وصمود، وأعادتنا لنستمع لأصوات جانبية لربما كانت هامشية في ذلك الوقت وهي أصوات الجمهور وخلفية الآذان في القدس أثناء العرض المسرحي. هذه كلها اتاحتها لنا الجائحة. أتاحت لنا التواصل المرئي مع الماضي، مواجهته في لحظة انغلاق على أنفسنا بعيدا عن صخب المقاهي الحالي وعجلة الفعاليات الثقافية والاجتماعية وفعاليات رأس المال الفلسطيني. لقد كانت الفترة بين آذار وأيار من عام 2020 فرصة لنا لوقف الزمن وزيارة أزمان مضت عبر المسرح. ومثال آخر قدمه مسرح القصبة بإعادة بث أعمال مسرحية من فترة ما بعد 1996 بينت للمشاهد الذي توفرت لديه الرغبة والاداة الأساسية وهي الانترنت عدة بنى تحتية التي شكلت حالة الفنان في تلك المرحلة. تمكنت جماعة المشاهدين غير المتصلة مكانيا في مبنى مسرحي واحد أن تنظر للفنان الفلسطيني في حقب زمنية وسياسية وجغرافية متعددة على خشبة المسرح وبينت كيانه بشكل أوضح من كيان المسرح كجهاز وجهاز الدولة الذي رافق الحقبة التي تعرفنا عليه من خلالها. لا شك أن قضايا وايديولوجيات الدولة ومناهضتها أو التوافق معها بانت من خلال العمل المسرحي ذاته، ولكن بنية استهلاكنا للمسرح جاء بتفرد أكبر وبحرية وديمقراطية وعفوية ومقدرة على استعادة وتقديم بعض اللحظات في العمل المسرحي، جميعها أعطت للمتفرج سلطة أكبر من تلك التي لجهاز المسرح وجهاز الدولة على العمل المسرحي. ومن هنا نخلص إلى أن غياب عناصر من التركيبة المهيمنة على المسرح في فلسطين في زمن الجائحة بين أن الفنان وجوده متلاشي فعلا كونه فائض على الدولة من جهة، ولكنه حاضر تاريخيا بأن استحضاره كضرورة لاستمرار الحياة في ظل الجائحة شكل جسر لاستعادة أزمان أخرى لم تتحها التركيبة السياسية والثقافية الحالية.

إغلاق المسارح أثناء الوباء

عاد باروخا منذ انتشار وباء كورونا لفهم حيثيات وباء الطاعون وما سببه من أغلاق للمسارح العامة في إنجلترا في عهد الملكة إليزابيث. واستند إلى تفسير ستيفن جرينبلات ومؤرخا المسرح جاي ليدز برميل وويليام بيكر في أنه بين عامي 1603 و1613 أغلقت المسارح لمدة 78 شهرًا أي ما يقارب فترة ست سنوات وستة أشهر. وإذا ما قورنت الفترة بإغلاق المسارح لمدة سنة في وقتنا الحالي فتبدو لنا وكأنها أبدية، إلا أنها قصيرة نسبيا بالنسبة لما تسبب به الطاعون. فالطاعون ليس كارثة حدثت لمرة واحدة، بل جاء على شكل ظاهرة متكررة بدأت من عام 1564 أي عام ولادة شيكسبير وامتدت زمنيا إلى ما يقرب القرن، تضمنت فترات ومراحل تعاظم وتضائل لنشاط الوباء فيها وتأثيره على السكان. ومنذ ذلك العام الذي كان شكسبير محظوظًا، كما أننا محظوظين، بنجاته من الطاعون، تكررت موجات متفاوتة للوباء، وصولًا إلى الطاعون العظيم من 1665 إلى 66 الذي قتل أكثر من مئة ألف شخص. وهنا يرجع باروخا لما جاء في كتاب المراقبة والعقاب لميشيل فوكو الذي بحث من خلاله آليات السيطرة في أوروبا القرن السابع عشر ما تعرضت له المسارح في إنجلترا من أنماط المراقبة المدنية خلال فترات تصاعد الوباء. فقد اضطرت المسارح للإغلاق إذا كانت الوفيات الرسمية سجلت ما عدده 30 خلال الأسبوع، وتم تمديدها لاحقًا إلى 40. ولكنه توصل إلى مؤرخ المسرح جيمس شابيرو للحصول على صورة أكثر وضوحًا عن الرعب الذي رافق العيش في لندن خلال سنوات الطاعون. فبحلول عام 1603، صدر أمر من المسؤولين المدنيين بحجر الأفراد والمنازل المتضررة لمدة ستة أسابيع. وبات بالإمكان جلد أولئك الذين يتم القبض عليهم وهم يتسللون دون أن تظهر عليهم آثار الطاعون. واقتصر الحضور في الجنازات على 6. ومنع نقل الفراش من منزل إلى آخر. وذبحت الكلاب التي يعتقد أنها تنشر المرض 

ثم تناول باروخا شيكسبير ومجتمع الفنانين في ظل هذا السيناريو القاتم. فشكسبير عايش الطاعون، إلا أنه لم يخاطب الطاعون أبدًا كحدث في أي من مسرحياته. "أقرب ما وجدناه في أعماله، هو تلك الحالة المميتة في روميو وجولييت المتعلقة الراهب جوان الذي تم عزله ولم يكن قادرًا على تسليم تلك الرسالة الحاسمة إلى روميو التي أرسلها الراهب لورانس مشيرة إلى أن جوليت نائمة وبدت كأنها ميتة. لكننا جميعًا نعرف العواقب المأساوية لتلك الرسالة التي لم يتم تسليمها. وغير هذا الحدث الدرامي الرائع المتعلق بالطاعون، لا يوجد شيء في إرث شكسبير يقترب من موضوع الطاعون غير المشهد الافتتاحي لسفولكليز في عقدة أوديب الذي يمكن أن يقال إنه يشكل السياق العام للمسرحية فيصف الوباء الذي يعاني منه الناس. فهم يريدون معرفة سبب معاناتهم ويظهر العمل أن هناك مصدرًا للتلوث في المدينة، حيث في النهاية يتم توجيه مصدر التلوث مرة أخرى لأوديب نفسه، ومن هنا لا يمكن التفكير في هذه المسرحية بدون الطاعون."

ويعود للنظر في المتلقين للأعمال المسرحية أي عامة الشعب في زمن الوباء. ويستند إلى دراسة لفريق من الباحثين في الوبائيات من جامعة أثينا بينت تشابه بين الطاعون هذا والطاعون التاريخي لأثينا بين 430 إلى 429 قبل الميلاد والذي قتل ثلث سكان المدينة. أشارت الدراسة إلى أنه تم تنظيم أول أداء لعقدة أوديب في مدينة ديونيسا في أثينا بعد وقت قصير من انتهاء الطاعون. ولا بد أن الأشخاص الذين شاهدوا عقدة أوديب في ذلك الوقت بالذات يجب أن يكونوا على دراية جيدة بالمرض بين أفراد عائلاتهم أو أقاربهم أو أصدقائهم الذين ماتوا بسبب الطاعون مما أثارت مشاعر صعبة عند استرجاع هذه التجارب. ويعتقد باروخا أنه لربما لذلك السبب لم تفز عقدة أوديب بالجائزة الأولى في تلك المسابقة. والسبب يعود لأن الجنس البشري لا يمكنه تحمل الكثير من الواقع ويمكن للواقع بالفعل أن يعيق تنظيم التنفيس أو التفريغ الناجم عن الفن Catharsis، لذلك من المحتمل أنه لم يفز بالجائزة الأولى لأنه كان مزعجًا للغاية. 

وقام فريق الباحثين أيضا بالمقارنة بين ما جاء من سرد أدبي حول الطاعون وقراءتهم الخاصة للسمات السريرية والحياتية والتي تشمل التدهور الزراعي والمعدل المرتفع للإجهاض أو موت الأجنة في الأرحام، وتراكم الجثث المتعفنة والنزف المرئي والمكثف بين السكان. كل هذه التفاصيل موجودة في النصوص السردية، ولكن لا يوجد شيء مثل هذه المواجهة المباشرة للطاعون في مسرحيات شكسبير. ويقول شابيرو في مقابلة أجريت معه مؤخرًا أن المسرح في لندن في عهد إليزابيث بيّن الموت بهيئات متعددة فنجد أفراد رؤوسهم مقطوعة وعيونهم مقطعة وممزقة ومغتصبة مثلا، ولكننا لا نتبين عن الموت الناجم عن الطاعون. ولفهم اللغز من وراء ذلك، يعود باروخا لإجابة شابيرو التي بنت افتراضاتها من خلال سؤالين: هل كان من السيئ أن تذكّر الأعمال المسرحية بمخاطر الأمراض المعدية؟ أو هل بالإمكان أن يكون تغييب الوباء عن المسرح مرتبط بحقيقة أن الثقافة المتأثرة بصدمة الوباء لا تستطيع التعامل معه بعد. ويربط باروخا هذه الأسئلة بالتساؤل حول إذا ما كانت الصدمة كما نفهمها اليوم موجودة في العصر الإليزابيثي؟ فيفترض شابيرو أن المحظورات في تمثيل الطاعون في المسرح آنذاك يمكن أن تُعزى إلى حقيقة أنه لم يُعرف سوى القليل جدًا عن الطاعون، وإن كان مفهوم الميازما (نظرية التلوث الهوائي) قد بدأ في الظهور كمفهوم طبي دارج في إنجلترا. وترتبط الميازما بشكل ضبابي إلى حد ما بانبثاق هواء كريه ينبعث من مادة عضوية متعفنة ينتقل من خلال رذاذ صغير محمول في الهواء أو من أجسام المصابين بالطاعون. 

بالعودة إلى شكسبير، فهو لم يستخدم كلمة miasma ولم يلمح إليها وهو بالأمر الغريب لأن مفرداته في المسرح تحتوي أوسع مجموعة من الإشارات والوصف حول الأمراض كما وثقها مايكل كامينغز، وتشمل مفردات عن الحمى واليرقان والروماتيزم وعرق النسا وتقلصات الاسقربوط، إلى الأمراض الجزئية والتهابات مثل الغرغرينا الجذام والزهري. ولا يقتصر استخدام شكسبير على التلميح لهذه المفردات، بل يستخدمها فعليا في مسرحياته. فلا بد أنه كان على دراية بالطبيب جيرولامو الذي يمارس أبحاث رائدة حول مرض الزهري مثلا. ولا يوجد دليل على أن شكسبير أراد الوصول إلى فهم للسبب الفعلي للطاعون، ولكن ما نعرفه أنه أنتج خلال فترة الطاعون روائع مذهلة مثل هاملت ماكبث وأنطوني وكليوباترا التي كتبها أثناء الحجر الذاتي في ستراتفورد. وهذا ما يجعله عبقريًا. وفي حين أن الطاعون لم يتم تمثيله مباشرة في مسرحيات شكسبير، ولكنها دخلت لغته من خلال طيف ممتد من الاستعارات. وبينما تكررت الاستعارات يعتبر شابيرو أن لها تأثير أدائي على المسرح آنذاك. لذلك عندما يلعن لير جونريل ويقارنها بدمّل مؤلم كان له أثر على الجمهور ألُف هذه القروح كواحد من أكثر العلامات المباشرة للطاعون بؤسا. ولا نعرف حقا كيف كانت استجابة المشاهدين لتلك اللحظة، فربما كانت استجابتهم على غير ما نتوقع، أي بالضحك. وبالتالي عند التفكير في استعارة الطاعون في محاولات شكسبير المتعددة لتغيير واقعه، فهي عادة ما كانت تشير إلى اللعنات. ولكنها أشارت إلى الحب أيضا. عندما وقعت أوليفيا في الحب لأول مرة تستسلم للحظة وتستعير للتعبير عن سرعة وقوعها بالحب بتشبيهه بسرعة الإصابة بالطاعون. في هذه اللحظة نتوقف عن التفكير في الطاعون على أنه وباء ناتج عن براغيث القوارض يتسبب في وفاة الآلاف من الناس. بدلاً من ذلك، فإن عين العقل منفتحة على تمويه الحب من نفس الجنس. وهنا تظهر استعارة الطاعون لا كوسيلة لربط مجالين من الخبرة فقط، بل لكونها الحافز الذي يبدو أن شكسبير يلعب فيه بالطاعون من خلال بحث فرصة خلق شيء جديد.

وإلى جانب البراعة في تصوير بعض آثار الرعب الفعلي من الوباء من خلال المسرح، لا بد أن نلتفت الفنانين للممثلين الذين عايشوا الطاعون في تلك الفترة. ويقصد باروخا هنا هؤلاء غير المعروفين نسبيًا، وغير الموثقين في المرحلة الإليزابيثية، الذين حاولوا البقاء على قيد الحياة والعمل أثناء قيامهم بجولة في الريف الإنجليزي خلال سنوات الطاعون. فواجه هؤلاء الممثلون المشاكل أيضًا، وهناك أجزاء من الأدلة الأرشيفية تصور التاريخ التابع للممثلين في تلك الحقبة. يبني باروخا على ما قدمته تيفاني ستيرن وسونيل ماساي من شرح حول تخوفات الفنانين من الطاعون وكذلك الفقر على حد سواء. فالكثير منهم في الهند الآن، على سبيل المثال، يقول نفس الأشياء " نحن نعلم أننا سنموت من فيروس كورونا، ولكن قد نموت أيضًا من الجوع فما الفرق."

وفي وثيقة أخرى عثر عليها باروخا بعنوان "مقالات وشخصيات جديدة" بقلم جون ستيفنز نُشر عام 1631. وفيها، يبدي الفنانون آراءهم وأساليبهم للبقاء على العمل. فأحدهم يدعي أن أي ممثلا فنانا، لا بد أنه غير ناقل للوباء، حيث لا يمكن للفنانين حمل هباء الطاعون مشيرا إلى أن الفنانين في حالة حركة وتنقل باستمرار ما يمكنهم في الواقع من تفادي هجوم الطاعون. ويندب في الوثيقة فنانون آخرون غياب العدل والبطالة والحالة الكئيبة عمومًا في وقت أدت فيه تأثيرات الطاعون والعداء المتزمت المتشدد إلى إنهاء شبه تام للممارسة المسرحية. تم الإبلاغ عن هذه الحالة في كتيب نُشر في عام 1641 بعنوان "اشتكى عازفو المسرح" وجاء فيها أن الفنانين يستنكرون هذه الظروف المحزنة للبطالة، وانخرطوا في سلسلة حوارات ساخرة يتعاطفون فيه مع بعضهم البعض. بالإضافة، لجأ الكثير من الفنانين إلى العروض غير القانونية التي تضعهم عرضة لمخاطر اعتداءات المجتمعات الزراعية المحلية التي كان معروفًا أنها تدفع لفناني الأداء ليس ليقوموا بالأداء، ولكن لمغادرة قراهم من أجل تجنب مخاطر الإصابة. وبذا كانت حياة الفنانين صعبة ومعرضة للإهانة والإذلال وأصبحت حالتهم أكثر كآبة بعد حظر المسرح من قبل البرلمان الخاضع للسيطرة المتزمتة في عام 1642. وهذا يعيد باروخا إلى اليوم في سياق الهند حيث الفنانين المنبوذين الموصومين بأنهم لا يمكن الوثوق بهم ولا تعرف سواء كنت ستصاب بمرض أو عدوى بسببهم، لذا عليك تجنبهم. 

وفي معرض بحثه عن وثائق تتعلق بالمسرح والوباء، توصل باروخا إلى تشبيه قام به المتشدد التطهيري كاره المسرح وليام برنس. قارن برنس بالمقارنة بين العاملين في المسرح وبين وضع المصابين بالطاعون حين قال إن العاملين في المسرح يسببون العدوى بشكل أكثر سميّة لكل أولئك الذين يجرؤون على الاقتراب منهم أكثر ما قد يسببه شخص مثقل بالطاعون. ثم يضيف باروخا "يجب أن أقول إنني مندهش حقًا من هذه الكلمات، لأن أولئك الذين درسوا الأدب الدرامي منا كانوا مدركين تمامًا للعدائية للمسرح من قبل المتشددين، لكن ما يحتويه هذا الوصف ليس مجرد عدائية أو تحيز، بل هو كراهية واضحة". وإن كنا محظوظين بأننا لم نعد نتعامل مع هذا النوع من العداء المتزمت اليوم، لكننا نواجه الاستبداد السياسي. فقد استخدم العديد من رؤساء الدول في الواقع فيروس كورونا لتسهيل أجنداتهم القمعية. ويستخلص بالتساؤل، أنه على الرغم من أن فيروس كورونا ليس هو الطاعون، فمن المرجح أن يتخلل سيناريو ما بعد كوفيد 19 انعكاساته غير المتوقعة للعودة إلى الوضع الطبيعي. فهل نحن جاهزون لهذا؟

وحيث لا يكفي استعراض تساؤلات باروخا حول إغلاق المسارح أثناء الطاعون والسياسات القمعية التي رافقت هذا الإغلاق، فلا بد من البناء على منطلقاته فيما تظهره التجربة في فلسطين بأن الوباء العالمي الحالي مسألة ثانوية. لا يخفى اهتمام بعض ممن بالإمكان إطلاق عليهم صفة أفراد من الطبقة الوسطى بالظروف الصحية وامتناع العديد منهم عن ارتياد المسارح ودور العرض، والأماكن العامة والمكتظة، إلا أن حالة الرعب الأكبر لم ترافق الإجراءات التي فرضتها السلطة السياسية، بل تركزت على الرعب من الفقر، وغياب الخدمات، والإخفاق في توفير اللقاحات، واعتبار الوباء من ضمن جملة المؤامرات التي انهالت على الفلسطينيين منذ نكبتهم.

أما الفنانين، فكغيرهم من السكان انضموا إلى دوامات الحرص والرعب، ومحاولات الفهم. ولكن انتاجاتهم الفنية تراوحت خلال السنة الماضية، لا بل تأثرت سلبا كما أشرنا، على الرغم من حضورهم أمامنا عبر العروض الحية. وكان من أوائل من بادروا بإنتاج برسائل فنية أو محكية أو إنتاجية على شكل أفلام هو عامر حليحل. أطلق عامر رسالة حية عبر صفحة الفيسبوك الخاصة به إلى شيكسبير "رسالة إلى السيد وليم شيكسبير" في نيسان 2020. كانت الرسالة باللغة الإنجليزية، فبانت حقيقية بأن توجهت لشيكسبير متحدث الإنجليزية فعلا، كما أنها عكست عالمية التجربة تحت الوباء. 

يقدم عامر الرسالة من مطبخه حيث المكان الحيوي الحالي للفنان ولغيره أثناء الحجر الشخصي. يظهر خلفه مطربان الزيتون المكبوس على الطريقة الفلسطينية، الخلاط المستورد، سلة من الفواكه وفنجان قهوة بقي في قاعة رشفة واحدة ارتشفها عامر مع نهاية الرسالة. يبدأ عامر بأن يشير إلى أن مراسلة شيكسبير لم تكن وليدة التجربة الحالية وهي مكررة، ولكنها هذه المرة أكثر الحاحا لأنها تحتوي تساؤلات يحملها عامر الفنان في الوقت المعاصر للوباء لشيكسبير عن تجربة الطاعون. يحمل عامر سؤالاً لا بد أن يلوح للفنانين في كافة مجالاتهم "كيف لفنان أن يتصرف في زمن الوباء"، تحديدا وأن ما يختبره الفنانين في الوقت الحاضر للقرن الواحد وعشرين هو حجر صحي، ولكنه عالمي مرة أخرى بعد قرن من الزمان أغلقت فيه المسارح مجددا تحسبا من انتشار الأوبئة. يطرح التساؤل والدهشة تملأ عينيه وصوته. يبرر عامر الرسالة بأنه يريد أن يفهم كيف تمكن شيكسبير من كتابة أعظم أعماله أثناء الحجر الصحي، ويبدأ بالمقارنة بين سياق الحجر في زمن الطاعون والان. ويشير إلى تشابه إغلاق السلطات للمسارح والحياة العامة في الحالتين، ولكن الفرق يتمثل في غياب أساليب التشتيت في الحياة اليومية. فعليه شخصيا أن يمر يوميا بسلسلة من النوافذ الالكترونية الإخبارية والاجتماعية والقراءات، وبعد ساعة أو أكثر من كل ذلك يحاول قطع الاتصال مع كل هذه المشتتات لكتابة بريد إلكتروني أو لكتابة رد ما على تعليق حول أحد أعماله، وبعد ذلك يهم ليحاول كتابة مادة فنية أو أدبية. يختم المقارنة بأن يصف القدرة على كتابة مادة جيدة لمشهد مسرحي في ظل هكذا وضع مشتت، بأنه انتصار. 

أما سؤاله الثاني فيتعلق بعدم الكتابة المباشرة عن الطاعون وكيف أن شيكسبير على الأغلب لم يلتفت للوباء كحدث جوهري، بل انشغل بعمله الفني ليحقق السبب الرئيسي بحسب حسين البرغوثي، والذي عرفنا لاحقا أنه سيستمر بعد الوباء. ويعيد المقارنة مع الفنان في الوقت المعاصر بحيث يمضي أغلب الوقت بمحاولة إنتاج رد فني على الجائحة. ويربط هذه المحاولة في انشغال الفنان في السنوات العشر الماضية في الرد على قضايا متعددة تواجهه في الأخبار وفي الفضاء الاجتماعي وحول الحرب. وهذا ما جعل الوقت للتفكير غير متاح، ويأتي متأخرا في ظل سرعة كل ما يحدث حولنا، وبالتالي يفقد الرغبة لدى المتلقي بمعرفة ما يريد الفنان أن يقوله. ويشير في وقت الوباء الحالي إلى تحول أهل الفن إلى مواكن للرد على ظرف الوباء وكيف بالإمكان أن ينعكس الوباء من خلال العمل الفني. وينهي بالتساؤل "متى نبدأ بالتعامل مع الفن على طريقتك؟ هذا هو السؤال". وينهي الرسالة بمقطع من قصيدة لمحمود درويش "هزمتك يا موت الفنون جميعها...". 

أما بعد رسالة عامر، فما وصلني كمشاهدة متابعة للفنون الأدائية عبر الفضاءات الافتراضية من أداء في تلك الفترة كان لسلمى عطايا، وقد قدمت عرض قصير يحتوي على رسالة لأهلها أثناء الجائحة وكانت رسالتها محكية راقصة وتضمنت الرسالة ردودها الشخصية على بعض القضايا العائلية التي شغلت حيز تركيزها في هذا الظرف الصعب أولا وعبرت عنها من خلال الرقص. كانت التجربة الأدائية شخصية جدا بالأخص أنها تحتوي نصا محكي، وبالتالي تداخلت الحالة الشخصية للفنان مع الحالة العامة في العالم وانتشرت بشكل غير محدود عبر الانترنت، تماهى معها الكثير منا. وتلت تجربة سلمى تجارب أخرى لفنانين آخرين دعمت انتاجاتهم المركز الفرنسي في القدس. 

وبالإمكان القول إن أغلب الإنتاجات خلال العام الماضي أنتجت مفردات تتعلق بالذات والعلاقات الشخصية القريبة والعلاقة مع المحيط المقرب والعلاقة مع الفضاء الافتراضي والعلاقات من خلاله وعالمية التجربة في ظل الوباء. وربما شكلت هذه التجربة بالنسبة للفنانين حالة تنظيم التنفيس أو التفريغ الناجم عن الفن Catharsis ولكننا لا نعلم مدى تأثيرها على المشاهد نفسه عبر القنوات الافتراضية عبر الإنترنت. بالنسبة لي كمشاهدة زادت هذه الأعمال من تساؤلاتي حول مسألة الأولويات في ظرف الوباء. بالنسبة لرسالة شيكسبير وقطعة سلمى عطايا، نجد أن التساؤلات والهواجس التي شغلت الفنان في الفترة الأولى من الحجر المنزلي تتعلق بحماية النفس من الآثار النفسية والسياسية والاجتماعية للوباء، وربما تقدم استرشاد ما بطرق يبدأ من خلالها الفنان إعادة تشكيل علاقته مع الفن والمحيط في ظل مستجدات الوباء. وفي حين فسر باروخا أن الوباء لم يهيمن على كتابات شيكسبير، فلم يفاجئ الطاعون شيكسبير ولم تفاجئه الإغلاقات والأساليب القمعية في الفترات المختلفة من الوباء، لأنها امتدت منذ ولادته ولازمت أغلب فترات إنتاجه، وبالتالي لربما كانت لحرب تحدث في فترة محددة من حياته أن تحدث أثرا على انتاجه أكبر من أثر الطاعون، على الرغم من صعوبته. ومن منظار مشابه. فإن كل من رسالة شيكسبير وقطعة عطايا لم تقدمان رؤية من الجائحة بقدر استجلابهما هموم وقضايا سابقة لتصير لها مركزية ما في ظل الجائحة، وتحديدا تلك التي تتناول "الذاتية"، وهي البحث عن السبب الرئيسي مرة أخرى في وقت استجدت فيه الهيمنة الرأسمالية بصور جديدة تحت الجائحة. 

وفي عمل آخر أنتج بعد ما يقارب العام على الجائحة أسمته الشركة المنتجة سمر كنج (3X 13)، كان بدعم من مؤسسة القطان ومؤسسات دولية أخرى مثل صندوق إغاثة الرقص من فيروس كورونا في مدينة نيويورك. جاء الإنتاج على شكل فيلم يتألف من أفلام قصيرة لـ 12 فنانًا من جميع أنحاء العالم، من بينهم فلسطينيين، يتشاركون من خلالها روايات شخصية عن الأبوة والخسارة، والعرق، والنفي، والأحلام. قُدم الإنتاج على أنه لمحة حميمة عن عالم فناني الأداء الداخلي والخارجي، حيث وجد استعاد الفنانين في تعبيرهم بتصميم مشترك للجسد والكاميرا للتغلب على قضايا البعد في ظل الوباء. ويكرر هذا العمل ربط الفنان الفلسطيني بتجربة الفنون حول العالم، ويطرح اشتراك الفنانين عبر العالم في البحث عن الذاتية في ظرف الوباء الحالي. وبصورة مشابهة استمرت خلال الفترة الماضية محاولات البحث عن الذاتية لدى الفنان، فمثلا أنتجت فرقة ستيريو 48، وفرقة الرقص المعاصر في سرية رام الله الأولى مجموعة فيديوهات بعنوان "حلم الصحوة الكاذبة" بدعم من المركز الفرنسي في القدس. تتناول الفيديوهات قضايا مُعاشة في المجتمع الفلسطيني في ظل الوباء، كالعنف الذي تعاظم وتحديدا ضد النساء، وكمحاكاة الأحلام والرغبة في تفكيك القيود عن الجسد والتي أضيفت فيه ظروف الوباء للاحتلال والتشدد. 

وبالنسبة لفرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، فكما فعل كل الفنانين في رسالة شيكسبير وقطعة سلمى، وفريق ستيريو وسرية رام الله، استمرت الفرقة في رؤيتها التي امتدت لعقود قبل بدء الجائحة. فرؤيتها التحررية من خلال الفنون انطلقت للترويج لمقومات، ومعاني الدبكة الشعبية الفلسطينية، وراح الكثير من الفلسطينيين وغيرهم حول العالم في تعلّم الدبكة الشعبية الفلسطينية وتعليمها لأبنائهم. بانت هذه المبادرة كمحاولة لإبقاء الفلسطيني على مقومات وجوده وذاتيته كجماعة قابعة تحت الاحتلال. وما عزز من رسالتهم خلال هذه الفترة أن التقطوا وسم "جيروساليما"، تلك الترنيمة الجنوب افريقية التي انتشرت بشكل كبير جدا حول العالم، وأعادوا إنتاجها بدلالات تشير لأشكال من التشتت والتفرقة الاجتماعية والجغرافية التي يعيشها الفلسطينيين تحت الاحتلال. وفي ضمن نفس النهج قدم مسرح البسطة سلسلة من الانتاجات المبنية على مسرح الشارع وضمن فلسفة غسان كنفاني "الحبوس أنواع يا معلم"، وركز على مناهضة للتعذيب الذي يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال. وشارك فيه المؤدي "عنان صافي" من مخيم الجلزون، بينما رافقهم إعلاميًا الصحفي علاء الريماوي، وكلاهما يقبعان حاليا في حجر قسري داخل سجون الاحتلال. 

قد لا تؤسس الاستعارات التي تناولها الفنانين حول الوباء الحالي لفهم جديد كما حاول شيكسبير برأي باروخا. ولكن تجربة الوباء أظهرت التناقض بين منظور السلطات للفن، ومنظور الفنان نفسه له. لا بد أن ما يعتبر فائض بالنسبة للدولة، أعتبر ضرورة بالنسبة لمجتمع الفنانين من بين الفلسطينيين. فإنتاج الفن في أغلب الظروف التي مر بها أي فلسطيني يعقد النية على ذلك، هي حالة مستمرة من البحث عن الذات أو الذاتية والبحث عن الجماعة، وهي حالة مستمرة من التحاور والتقابل حول ذلك. في الوقت الذي توقفت السلطة عن النظر إلى دور الفنان كفاعل، أو لاجئ ذا قضية، أو ممثل خلال الجائحة، استمر الفنان بالنظر إلى دوره كما في السابق، وبحث عن أساليب لتحقيق ذلك بمفرده وبالاتكاء مصادره أو على مساحات الدعم المتوفرة. وبالنظر إلى أن الأعمال أو المبادرات التي قام بها الفنانين لم تعالج حتى اللحظة مسألة موت الكورونا، فذلك ربما لان مشاهد الموت تغدق المساحات الاجتماعية الرائجة والسائدة والتي هي نفسها التي يستخدمها الفنان كمساحة أداءه الحالية.

في المقال القادم ينتقل التركيز إلى سياق مختلف جذريًا حيث ظلت المسارح مفتوحة خلال أكثر الجوائح فتكًا وهي الأنفلونزا الإسبانية

 

*رستم باروخا بروفيسور في دراسات المسرح والأداء في كلية الفنون وعلم الجمال في جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي. زميل في مركز الأبحاث الدولي "تشابك ثقافات الأداء" بين عامي 2010 و2012. من بين مؤلفاته كتابه الإرهاب والأداء (روتليدج، 2014) وكتاب المسرح والعالم: الأداء وسياسات الثقافة (روتليدج ، 1993).

مراجع 

١-
البرغوثي، حسين. 2006. سقوط الجدار السابع. بيت الشعر الفلسطيني. رام الله. 
٢-
Bharucha, Rustom. "Theatre and the Coronavirus: A Speech-Act in Nine Episodes." Lecture, Freie Universität Berlin, Calcutta, October 2020.