"مئة عام على تصريح بلفور": قضية فلسطين بين ثوابتها متغيراتها

2022-02-24 13:00:00

في "تصريح بلفور من وجهة نظر ضحاياه" لرشيد الخالدي، يقول إن وعد بلفور كان بمثابة إعلان حرب من الامبراطورية البريطانية على السكان الأصليين للأرض التي وعدت بها الشعب اليهودي كوطن قومي، وبداية صراع استعماري مستمر منذ قرن في فلسطين، وهي حرب أقرتها ودعمتها مجموعة من القوى الخارجية.

يضم كتاب "مئة عام على تصريح بلفور" أوراقًا بحثية قدمت في مؤتمر علمي عقدته مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بالمشاركة مع معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأمريكية في بيروت، في 13 و 14 كانون الأول/ديسمبر 2017، هدف، عبر العودة إلى الماضي، إلى فهم واقعنا اليوم والسياسات التي تحكمه أو تؤثر فيه، بالسؤال: ما الذي يربط اليوم بالأمس، وما هو الثابت والمتحول من الأمس إلى اليوم؟

وقد توزعت الأوراق البحثية على خمسة محاور رئيسية: قضية فلسطين على محك القانون الدولي والشرعية الدولية، مسؤولية بريطانيا عن المأساة الفلسطينية، الصهيونية وعلاقتها بالاستعمار، العرب إزاء تصريح بلفور وقرار التقسيم، الحركة الوطنية الفلسطينية في مواجهة المشاريع الكولونيالية.

في ورقة بيان الحوت "وليد الخالدي والتأريخ للنكبة"، تبيّن فيها أن أهمية تراث وليد الخالدي عن النكبة يكمن في نهجه الأكاديمي العلمي التأريخي، وفي قدرته الفائقة على التحليل العقلاني الذي يتوازن مع عقيدته ووجدانه. كما جاءت مقالاته، حسب الأستاذة بيان، في مسارات أربعة: المسار الأول، مسار نكبة 48 إذ تميز عن غيره من المؤرخين ليس في مجرد سرده الأحداث وتحليلها ومصادرها في المقالات والمحاضرات والكتب فحسب، بل أيضًا في كونه لم يهدأ عن البحث في الموضوعات التي كان قد أشبعها بحثًا، أما المسار الثاني، مدينة القدس، فقد توقفت عند كتاب "أرض السفارة الأمريكية في القدس: الملكية العربية والمأزق الأمريكي"، إذ من مجموع الوثائق والمستندات التي حصل عليها، قام الخالدي بدراسة أكاديمية تاريخية وقانونية، برهن فيها على أن "أرض السفارة" تعود إلى ورثة أصحابه الملاك الفلسطينيين، أما المسار الثالث، قبل الشتات وعبر التاريخ، هنا تناولت كتاب "قبل الشتات"، يعرف القارئ من خلاله كيف عاش الفلسطينيون خلال الفترة 1876 – 1948، شعبًا ككل الشعوب، له وجوده الثقافي والنضالي، أما المسار الوثائقي الرابع، فإن الخالدي يتعامل مع الوثائق على أنها الأصل، إذ تبرز أهمية المنحى الوثائقي لدى الخالدي في كتابه الأكثر شهرة٬ From Haven to Conquest: Readings in Zionism and the Palestine Problem until 1948، فتتضح رؤية الخالدي لأهمية الترابط بين الوثيقة والنص المكتوب.

أما في ورقة سحر الهنيدي "تصريح بلفور في الأرشيف البريطاني، 1923 إعادة تقويم"، تشير فيها إلى مدى هشاشة الأسس التي استند إليها تصريح بلفور، وكم كانت متقلقلة السياسة البريطانية الموالية للصهيونية منذ البداية في سنة 1917 حتى 1923، هكذا في مواجهة حالة الشك والتردد، كثّف وايزمن نشاطه لدى دوائر الضغط، انطلاقًا من فهمه لضعف أسس علاقتهم السياسية بسلطة الانتداب، وبذلك استغل الصهيونيون قرابة 30 عامًا قبل التراجع التدريجي للبريطانيين عن دعمهم تصريح بلفور، وهي فترة طويلة بما يكفي كي يقوّي الصهيونيون وطنهم القومي إلى الحد الذي أصبح فيه قادرًا على تقرير مصيره بيده.

ينبه ليوجين روغان في ورقة "تصريح بلفور في سياق الحرب" إلى أن تصريح بلفور نتاج اعتبارات زمن الحرب، وأن مجلس وزراء الحرب البريطاني أقر التصريح ولم يفعل ذلك دعمًا للصهيونية بقدر ما كان لتسخير النفوذ اليهودي في الجهد الحربي البريطاني.

ومن خلال دعم الصهيونية، اعتقد أعضاء الحكومة البريطانية أنهم سيكسبون دعم اليهود المؤثرين في الولايات المتحدة وروسيا، بالتالي إبقاء هاتين القوتين منخرطتين في الحرب. كما برز الصهيونيون كحلفاء طبيعيين في هذا المشروع كونهم غير قادرين على تحقيق طموحاتهم السياسية من دون دعم قوة عظمى. وبدا في الظاهر أن اللورد بلفور قدم فلسطين إلى الحركة الصهيونية، لكن كانت حكومة لويد جورج تستخدم الحركة الصهيونية لتأمين وضع فلسطين تحت الحكم البريطاني.

كما كان البريطانيون يأملون بالاستفادة من البعد الأخلاقي لما فعلوه لدى إعادة التفاوض بشأن وضع فلسطين مع حليفتيهم الرئيسيتين فرنسا وروسيا عبر الادعاء أنهم لا يفعلون ذلك خدمة لمصالحهم الإمبريالية، وإنما من أجل حل المسألة اليهودية من خلال إعادة اليهود إلى وطنهم التوراتي.

وفي ورقة كميل منصور "تقلب الرؤية الفلسطينية للدولة ومأزقها الراهن"، يشير فيها إلى التناقضات في دولانية الكيان الفلسطيني، وخصوصًا إزاء غلبة العوامل السلبية المحيطة به، مثل التوجه نحو أقصى اليمين في إسرائيل، وانعدام التوازن في ميزان القوى العسكري، وغياب الدعم الاستراتيجي العربي، يبدو تحقيق السيادة الفلسطينية على قطاع غزة والضفة الغربية احتمالًا بعيد المنال، من هنا يقدم اقتراح اعتماد برنامج دولة على كل فلسطين الانتدابية، رغم أنه محفوف بالمخاطر.

وفي ورقة آلان غريش، "الاستعمار الاستيطاني، بقعة عمياء الصحافيون والكتاب الفرنسيون في فلسطين في عشرينيات القرن العشرين"، يذكر فيها أن المحتوى السردي الطاغي في مقالات الصحفيين كيسيل ولوندر، يعبر عن خطاب ساد في فرنسا فترة طويلة، وتعزّز بصورة خاصة بعد الإبادة الجماعية التي تعرض لها اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، كانت فلسطين الملاذ الوحيد ليهود العالم ولا سيما للناجين من الإبادة، واستمر هذا التعامي الغربي عن رؤية الحركة الصهيونية بصفتها حركة "استيطان استعماري" وحقيقة أنهم رأوا فلسطين من خلال المنظور اليهودي فقط.

جلبير الأشقر في ورقته "الازدواجية الكامنة في المشروع الصهيوني بين الهروب من الاضطهاد العنصري وارتكاب مثله في سياق استعماري"، يقول إن الدولة الصهيونية نشأت وقدمت نفسها على أنها تعويض خلاصي عن الإبادة النازية لليهود، بعد اضطرار يهود أوروبا إلى الارتماء في أحضان الصهيونية، إذ تسببت أنواع أخرى من معاداة السامية بسدّ أبواب الولايات المتحدة وبريطانيا أمام هجرتهم. وقد سمح لها هذا الوضع التاريخي بأن تمارس إزاء سكان فلسطين الأصليين اضطهادًا فاق ما توقعه مؤسسو الحركة الصهيونية الأوائل.

وفي "تراكم المشاريع الكولونيالية على فلسطين" لمضر قسيس، يخلص إلى القول بضرورة تشخيص المشاريع الكولونيالية المتراكمة وصولًا إلى طرق القضية المركزية الضرورية لأي مستقبل: تحديد الهدف، ومن ثم تشخيص الأعداء والحلفاء، وتحديد سبل العمل. وبين المهمات، اكتشاف الأعداء القابعين بيننا، من أجل أن نتمكن من خوض معركة التحرر، التي طال أمدها، بقوى مدركة لمصالحها في الصراع.

في "تصريح بلفور من وجهة نظر ضحاياه" لرشيد الخالدي، يقول إن وعد بلفور كان بمثابة إعلان حرب من الامبراطورية البريطانية على السكان الأصليين للأرض التي وعدت بها الشعب اليهودي كوطن قومي، وبداية صراع استعماري مستمر منذ قرن في فلسطين، وهي حرب أقرتها ودعمتها مجموعة من القوى الخارجية.

بيّن ماهر الشريف في مقالته "من القومية العربية الجامعة إلى الوطنية الفلسطينية القطرية" أن العرب الذين قطنوا المناطق التي ستتشكل منها فلسطين الانتدابية، والذين تطبعت هويتهم منذ القدم بطابع هذه المناطق، صاروا يمتلكون خصائص ثقافية وقومية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر مع انطلاق اليقظة القومية التي شهدتها البلاد المعروفة ببلاد الشام، بصفتهم جزءًا لا يتجزأ من سكان هذه البلاد. كما أشار إلى أن المشروع الصهيوني لم يختلق الوطنية الفلسطينية، وإنما ولدت هذه الوطنية في رحم القومية العربية الجامعة في بلاد الشام، ولم تستقل عن هذه القومية الجامعة سوى نتيجة التجزئة الاستعمارية للمشرق العربي، عقب الحرب العالمية الأولى، وقيام كيان سياسي وإداري واضح المعالم صار يُعرف باسم فلسطين الانتدابية.