رائدة طه: "شجرة التين" تكملة للحكاية التي أحاول روايتها

2022-03-31 16:00:00

رائدة طه:
Where Can I Find Someone Like You, Ali?, written by Raeda Taha, presented at the 2018 International Play Reading Festival.

"شجرة التين" كتبتها على أساس أن تكون سردية قصصية التي من الممكن أن أنتقل فيها من مكان إلى آخر بدون تقنيات كبيرة، ولذلك يروي العرض الرواية الفلسطينية التي تعتمد على النص أكثر من التقنية، لا يمكننا أن نستغني عن التقنية، ولكن في عرض "شجرة التين" هي بسيطة جداً.

في تجربتها المسرحية تقاطع رائدة طه بين تجربتها السياسية الطويلة كونها كانت سكرتيرة صحفية مع ياسر عرفات وبين حياتها الغنية التي حاولت أن تصيغ من خلال عملها المسرحي، تضيء التجربة على الحكايات المروية للشعب الفلسطيني، تستعيد فيها ما هو شخصي في تجربتها الطويلة والذي تحول في عروضها المسرحية إلى ذاكرة جماعية تعكس تجارب مختلفة للشعب الفلسطيني في مراحل تلخص الحنين واللجوء والبحث عن احتمالات العودة، وتقدم من خلالها الحكايات المروية الفلسطينية في إطار قصصي كان واضحاً في عرضها الأخير "شجرة التين" الذي قدمه أخيراً في المخيمات الفلسطينية في لبنان، حرصنا في هذا اللقاء على توثيق التجربة الإضاءة على الدور الثقافي الذي تعمل عليه رائدة طه في مسرحها بما يتقاطع بين ما هو شخصي وعام.

البداية، حدثينا كيف بدأت تجربتك المسرحية؟ 

أنا منذ البداية لم أدرس المسرح، ولكن منذ الصغر كان لدي شغف للفنون بشكل عام، لقد كان لدي الفرصة أنني عشت بدايات مدينة بيروت مع المسرح والسينما، وكانت والدتي أم نضال فتحية طه لديها إصرار على أن يكون لدينا نافذة قوية على الفنون، فأنا كنت مطلة بشكل مستمر بسبب والدتي على مسرح "شوشو" في بدايات حتى مسرح زياد الرحباني الذي عاصرته وحضرت أعماله، إضافة على ذلك على السينما التي كانت نوعية في بيروت وخاصة في سينما "كليمنصو" التي كانت تعرض الكثير من الأفلام والجميل في ذلك الوقت أنه كان غالباً بعد الفيلم تتم مناقشة ما تم عرضه. 

بالإضافة إلى القدر الذي وضعني في مجال متنوع كوني ابنة شهيد وكثيرة السفر مع وفود فلسطينية، خاصة الدعوات التي كانت تأتي من المعسكر الشرقي الأوروبي وحتى غرب أوروبا، كنت أتابع كل ما يقدمه المسرح هناك وكنت حريصة على هذه المتابعة بدقة. فأنا منذ البدايات كان لدي ميول للفنون وعززت التجربة من خلال المتابعة المستمرة. كما عزز هذا الشغف تجربتي الطويلة مع ياسر عرفات التي امتدت لثماني سنوات كوني سكرتيرة صحفية معه. وللحقيقة أتى يوم وحققت شغفي في المسرح.

قدمت الكثير من العروض، استلهمت أغلبها من الواقع، كيف كانت بدايات تلك العروض بشكل خاص، والعمل الثقافي بشكل عام، بالنسبة لكِ؟ 

كانت بالصدفة البحتة تماماً، مع عودتي في عام 1994 إلى الداخل الفلسطيني وانتهائي من العمل مع ياسر عرفات انخرطت بالعمل الثقافي، كنت رئيسة الهيئة الإدارية لمركز خليل السكاكيني لما يقارب ثماني سنوات، ولم أكن أعرف أن القدر وضعني على هذا الطريق، منذ وفاة عرفات ومنذ أن توفي زوجي ومنذ أن توفى معلمي الشاعر محمود درويش الذي تعلمت منه الكثير من الأشياء، وكان دائماً يشجعني دائماً. عندما رحلوا جميعهم قررت أن ألاحق حلمي. 

ذهبت إلى تونس لكي أتعلم من المسرح التونسي، وكنت مثابرة في هذا العمل ومواكبة على القراءة، وكتبت بعد هذه المثابرة جزءاً من سيناريو مسرحية "ألاقي فين زيك يا علي". فكانت أول مرة مجرد صدفة، كنت في بيروت، وطلبت مني ليلى كنفاني ابنة الشهيد غسان كنفاني المشاركة في مسرحية للكاتب غسان كنفاني "عائد إلى حيفا" وطلبت مني لعب دور "صفية" وللحقيقة لم يكن لدي الثقة للقيام بهذا العمل ولكن دفعتني الظروف للقاء المخرجة، فكان أول ظهور لي في المسرح بشكل محترف كان بدور "صفية" وكان نجاحاً كبيراً بالنسبة لي. 
 

من عروض المخيم


لديكِ تجربة سياسية في الشأن الفلسطيني، كيف تقاطع العمل السياسي مع العمل الإبداعي والفني في المسرح؟

بالنسبة لي العمل الفلسطيني هو واجب، وهو إقحام على الحياة من ناحية ظروفنا وحياتنا، أنا برأيي لا يوجد فلسطيني لا يعرف التفاصيل السياسية لقضيتنا ومدى عدالة قضيتنا عربياً وعالمياً، وفعلياً الإنسان الفلسطيني يُخلق على وعي تام بما الذي حدث سياسياً من خلال حياته الشخصية ومن خلال حياة أهله من قبله، وهذا الشيء جزء من حياتنا اليومية، ولكن الإنسان الفلسطيني في النهاية هو إنسان لديه آرائه وشغفه وأحلامه، لذلك أرى الإنسان الفلسطيني مثل باقي الناس لديه خياراته في الحياة، ربما بوقت من الأوقات السياسية وخاصةً معاركنا السياسية لم يكن لديه الوقت أو الأولوية ليقدم لنفسه العمل الذي يحبه فنياً، ولكن هذه الأشياء هي جزء حي من الإنسان ويتمنى تحقيقها. 

في أغلب اعمالك المسرحية التي تم عرضها حتى الآن، كنتِ تركزين على تجربتك وحياتك الشخصية بشكل كبير، إلى أي حدي برأيك يتقاطع ما هو شخصي مع التجربة العامة في العروض المسرحية التي تقدمينها ؟

أنا في حياتي الآن لا يتقاطع الشخصي بالعام، بل أصبحت شخصية واحدة أنا رائدة الفلسطينية مع كل الناس، بمعنى في ظل هذه التجربة الغنية التي مررت بها، لم ألاحظ ولا لمرة واحدة غياب حياتي الشخصية كوني فلسطينية وابنة شهيد وابنة هذه التجربة الفلسطينية وابنة الثورة الفلسطينية. 

كان لدي اهتمامات أخرى وأنا صغيرة مثلاً، ومازالت لدي اهتمامات أخرى، ولكن كل الاهتمامات الأخرى من رقص البالية إلى الرقص المعاصر وحتى الرسم كلها إضافة لشخصيتي كفلسطينية، أنا الآن في الخمسينات وأصبح الموضوع لا ينفصل عن شخصيتي وإنسانيتي كفلسطينية وقضيتي، لأن قضيتي إنسانية، وأنا كفلسطينية لدي كل الخيارات لكي أحب وأكره، ولكن لدي حب لفكرة أن يكون لدي وطن، وعندما أعود إلى هذا الوطن وأستعيد حقي من الممكن أن أنتقل إلى مواضيع مختلفة عن هموم هذا الوطن. ولكن الآن في ظروفنا الحالية، كوني فلسطينية وكون القضية الفلسطينية جرح مفتوح، أنا لا بد لي أن أتماهى مع هذا الجرح، ولكن بذات الوقت أن أعيش حياتي كإنسانة تقاطع الشخصي مع العام. 

قدمت أخيراً مسرحية "شجرة التين" في المخيمات الفلسطينية في لبنان، حدثينا عن هذه التجربة؟ 

للحقيقة هذه الجولة في المخيمات متأخرة، كان يجب أن أقوم بها قبل ذلك، ولكن الظروف التقنية في المخيمات كانت غير متاحة، وهذه ليست أول مرة أقدم فيها عروضاً مسرحية في المخيمات، قدمت قبل الآن عرض "ألاقي زيك فين يا علي" قبل خمس سنوات في مخيم برج البراجنة وكانت الظروف التقنية متواضعة جداً، ولكن يجب أن ندرك أن الظروف التقنية في المخيمات مسرحياً غير متاحة، أدركت فعلياً بعد عرض مسرحية "ألاقي زيك فين يا علي" و "36 شارع عباس" أن عروضي المسرحية تتطلب الكثير من التقنيات، ولكن قررت أن أقدم العروض التي تعتبر تكملة للرواية الفلسطينية المحكية فكان عرض "شجرة التين" الذي يعتبر تكملة للحكاية التي أحاول روايتها، وسوف يكون هناك تكملة أخرى للرواية الفلسطينية من عدة مدن أخرى. 

"شجرة التين" كتبتها على أساس أن تكون سردية قصصية التي من الممكن أن أنتقل فيها من مكان إلى آخر بدون تقنيات كبيرة، ولذلك يروي العرض الرواية الفلسطينية التي تعتمد على النص أكثر من التقنية، لا يمكننا أن نستغني عن التقنية، ولكن في عرض "شجرة التين" هي بسيطة جداً. قدمت العرض في أغلب مخيمات لبنان منها  برج البراجنة، برج الشمالي، الراشدية، عين الحلوة، نهر البارد، وأنا قدمت المسرحية من خلال متطوعين من المخيم الفلسطيني اللبناني، الدكتورة منى الخالدي نائب رئيس الهيئة الإدارية في بيت أطفال الصمود، ومؤسسة "غسان كنفاني" بحضور آني كنفاني. 
 

The New York Times


يرتكز غالباً عملك المسرحي على المحكي والتراث الشفوي الفلسطيني، كيف تتعاملين مع هذا التراث، وماذا تحرصين على التقديم من خلاله؟ 

لقد شاء القدر أن يكون لدي تجربة متنوعة جداً، لقد خلقت في القدس وعشت في عمان ثم بيروت وسافرت كثيراً، هذه التجربة أغنت الجانب الثقافي بداخلي، لذلك استثمرت بكل هذه التجربة لأحكي عن روايتنا الفلسطينية، التي تعاملت معها منذ والدتي، جميع الفلسطينيين الذين قابلتهم في تجربتي كان لديهم هم متداخل بين العودة، والحديث عن الذاكرة وخاصة فكرة الحنين للوطن. أنا أعتقد إني منذ سنوات قررت أن تكون روايتي هي التعمق في الرواية الفلسطينية ضمن صياغة المكان والزمان والرائحة واللهجة، وما يجمعنا من ذاكرة مشتركة. 

أخيراً، ما طبيعة الأعمال التي تستعدين لتقديمها قريباً؟ 

للحقيقة كثيرة، لدرجة أتمنى فيها أن أمتلك حياتين معاً، أتمنى أن يكون لدي الطاقة والجهد والعمل لرواية حكايتنا الفلسطينية، وكل مساهمة هي مهمة جداً. في أحد الأيام سألت الشاعر محمود درويش "هل تظن أننا سوف نعود؟" قال لي بما معناه أن جميع الشعارات سقطت، علينا بالتراكمية، كل شخص يجب أن يصقل ما يعمل لكي تصبح العملية تراكمية، أن يمتاز الطبيب والمهندس والصحفي والمسرحي كل شخص بما يعمل لكي يصبح هناك نجاح عام وتراكمية. لذلك علينا بالعمل لتعزيز قضيتنا، وعملي هو مساهمتي الصغير في هذا الفضاء الكبير. أعمل الآن على مشروع عن غسان كنفاني وأستعد بمشروع كبير عن غولدا مائير ولا تنتهي الحكاية أبداً.