سجل توثيقي في كتاب... إنصافاً للشهيدة شيرين أبو عاقلة

2022-10-07 00:00:00

سجل توثيقي في كتاب... إنصافاً للشهيدة شيرين أبو عاقلة

إنّ المأمول من هذا الكتاب/ السجل التوثيقي -بحسب القائمين عليه-، هو أن يشكّل خطوة صغيرة على درب كشف الحقيقة وإعلانها وتحقيق العدالة لشيرين أبو عاقلة، وأن يكون بمثابة مقدمة لتحقيق العدالة لعشرات بل مئات الشهداء في فلسطين المحتلة.

"استشهاد شيرين أبو عاقلة: سجل توثيقي" كتاب صدر أخيراً، عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت/ رام الله، وهو من تقديم وتحرير الباحث والكاتب الفلسطيني خالد فراج، ومن إعداد الباحثات: رندة حيدر؛ سناء حمودي؛ لميس رضى؛ وهالة زين العابدين.

الناظر في الكتاب يدرك من الوهلة الأولى أنه عبارة عن محاولة جادة ورصينة، لتوثيق ملابسات وظروف استشهاد الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة (مواليد عام 1971 في القدس المحتلة)، -المراسلة الإخبارية لشبكة الجزيرة الإعلامية بين عامي 1997 و2022، والتي تحمل الجنسية الأمريكية-، وكذلك تكريماً لمكانتها ومسيرتها الإعلامة وتخليداً لذكراها.

يرصد الكتاب الذي جاء في 329 صفحة، الفترة التي سبقت مقتل أبو عاقلة، التي وُصفت دولياً -بعد تصفيتها بدم بارد برصاصة قناص إسرائيلي في 11 مايو/ أيار2022 على أطراف مخيم جنين شمالي الضفة الغربية-، بأنها من "أبرز الشخصيات في وسائل الإعلام العربية"، بدءاً من التصعيد الإسرائيلي الواسع في جميع مناطق الضفة الغربية، ووصولاً إلى التصعيد والتحريض الكبير اللذين قامت بهما قوات الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جنين في الضفة الغربية، في تلك الفترة، والعمليات الفدائية البطولية الفلسطينية في العديد من المناطق في الضفة الغربية وفي المدن الإسرائيلية. 

كذلك يرصد الكتاب، لحظة القتل العمد وما تبعها من ردّات فعل دولية وإقليمية وعربية وفلسطينية رسمية وشعبية.

قُسم الكتاب إلى ستة أبواب ومقدمة وخمسة ملاحق إضافة إلى ملحق صور، وهي بالتفصيل: الباب الأول: "شيرين أبو عاقلة.. الاغتيال"؛ "إدانات على مستوى العالم ومطالبات بالتحقيق والمحاسبة"؛ "الموقف الإسرائيلي.. إنكار وتضليل وتخبط وتهرب من المسؤولية"؛ "التشييع.. حرب على الجنازة"؛ "تحقيقات أممية وفلسطينية ودولية"؛ وأخيراً، "فلسطين والعالم في تكريم شيرين".

تلا تلك الأبواب الستة، خمسة ملاحق هي: ملحق رقم 1- "مقالات شيرين أبو عاقلة في (مجلة الدراسات الفلسطينية) وفي مدونة مؤسسة الدراسات الفلسطينية"؛ ملحق رقم 2- "مسرد زمني لجريمة الاغتيال (إعداد وليد العمري)"؛ ملحق رقم 3 "رسالة عائلة أبو عاقلة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن (باللغتين العربية والإنكليزية)"؛ ملحق رقم 4- "الإجازة الأخيرة"؛ ملحق رقم 5- "بالأسماء: 51 شهيداً منذ بداية عام 2022 حتى تاريخ استشهاد شيرين أبو عاقلة 11/05/2022"، بالإضافة إلى ملحق الصور. 

مشهد مألوف لآلة احتلالية واظبت على القتل

جاء في مقدمة الكتاب التي حررها الباحث والكاتب خالد فراج (مدير عام مؤسسة الدراسات الفلسطينية)، أنه "قبل 50 عاماً، وفي صباح الثامن من يوليو/ تموز 1972، استشهد الصحفي والكاتب والأديب الفلسطيني غسان كنفاني وابنة شقيقته لميس نجم بانفجار سيارة مفخخة في منطقة الحازمية في ضواحي بيروت، ومع أنّ إسرائيل سبق أن نفذت العديد من عمليات الاغتيال بحق فلسطينيين، فإن اغتيال كنفاني كانت له رمزية خاصة تمثلت في استهداف الكلمة والحقيقة ومهنة الصحافة الملتزمة والنزيهة برمتها. وبعد نصف قرن، وفي صباح 11 مايو/ أيار 2022، اغتالت قوات الاحتلال الصحفية المقدسية شيرين أبو عاقلة على أطراف مخيم جنين (شمالي الضفة الغربية)". مضيفاً: "لم يمض على اغتيال أبو عاقلة سوى 3 أسابيع حتى قامت قوات الاحتلال -في صباح الأول من يونيو/ حزيران 2022- بإطلاق النار على الصحفية الفلسطينية والأسيرة المحررة غفران وراسنة على أطراف مخيم العروب (جنوبي الضفة الغربية). وبعد ظهر اليوم نفسه، اعتدت هذه القوات على جنازة الشهيدة الصحفية غفران وراسنة ونعشها، كما سبق أن اعتدت على جنازة ونعش ومشيعي الشهيدة شيرين أبو عاقلة في باحة المستشفى الفرنسي في القدس". 

وبيّن فراج أنه "في حالة اغتيال الصحفي غسان كنفاني، أو الصحفية شيرين أبو عاقلة، أو الصحفية غفران وراسنة يبدو المشهد مألوفاً؛ فهذه الآلة الاحتلالية واظبت على القتل وامتهنته ومارسته منذ أن تأسست، فاستهدفت الصغار، والكبار، والذكور، والإناث، والسجناء، والجرحى، والأساتذة، والصحفيين، والأطباء، والعمال، والطلاب، وغيرهم، لكن أن تستهدف الجنازات والجثامين والنعوش فهذا أمر غير مسبوق بهذه الصورة الفاضحة، لكنه مخطط له ومدروس؛ أي أنه حدث عن سابق إصرار وتصميم". وأردف فراج: "فعلى الرغم من وجود عشرات الكاميرات الصحفية وعشرات مراسلي وكالات الأنباء ومحطات التلفزة للتغطية، فإنّ الأوامر صدرت للجنود والشرطة بالقمع من دون رحمة أو رأفة، ومن دون أي اعتبار لحرمة الجثامين، وهو سلوك ينم عن عدوانية استعراضية ضد شعب أعزل عبر الاستخدام المفرط لفائض قوة تتمتع به دولة الاحتلال".

وأشار الباحث الفلسطيني إلى أنّ "القاسم المشترك بين كنفاني وأبو عاقلة ووراسنة فهو أنّ هؤلاء الثلاثة -وغيرهم من الصحفيين والصحفيات والعاملين في هذا الحقل- يدحضون فكرة "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"؛ إذ يتفاخر الجيش الإسرائيلي كثيراً بأنه يتمسك بأرفع المعايير الأخلاقية، وروجت مراكز الأبحاث الإسرائيلية وغير الإسرائيلية كثيراً لهذه المقولة المجافية للحقيقة على أرض الواقع".

وفي سياق الحديث عن الجنازة وحرب جنود الاحتلال المجنونة عليها، يحدثنا هذا السجل التوثيقي بمهابة التشييع الذي كانت تستحقه الصحفية الفدائية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، التي دخلت كل منزل فلسطيني وعربي من خلال شاشة الجزيرة على مدى ربع قرن من العمل الصحفي الجاد والمحترم والراقي، حيث "قورنت جنازة شيرين أبو عاقلة بجنازة الشهيد عبد القادر الحسيني في أبريل/ نيسان 1948، أي عام النكبة، وبجنازة الشهيد الأسير عمر القاسم الذي استشهد في سجون الاحتلال في يونيو/ حزيران 1989، وبجنازة الشهيد فيصل الحسيني في مايو/ أيار 2001. بيد أن ما ميّز جنازة أبو عاقلة -فضلاً عن المشاركة الجماهيرية الكبيرة وغير المسبوقة فيها- هو سكان مناطق 1948 وسكان القدس، بينما مُنع سكان الضفة وغزة من المشاركة بقوانين عسكرية".

خطوة صغيرة على درب كشف الحقيقة

إنّ كتاب "استشهاد شيرين أبو عاقلة: سجل توثيقي" عرض بمنهجية بحثية علمية، رواية سلطات الاحتلال الإسرائيلية المتخبطة منذ لحظة استهداف أبو عاقلة وسقوطها مضرجة بالدماء، وهي ترتدي ما يشير إلى كونها صحفية (الخوذة والسترة الواقية وشعار الصحافة)، إضافة إلى توثيق الاعتداء الوحشي لجنود الاحتلال على جنازة شيرين وما تلاها من ردّات فعل غاضبة. متضمناً العديد من البيانات والمواقف التي صدرت عن المنظمات الحقوقية الدولية المطالبة بإجراء تحقيق نزيه في عملية الاغتيال والتصفية الجسدية لصحفية لم يكن هدفها إلا كشف الحقيقة وهي مسلحة بالكلمة والصورة فقط. كما طالبت عديد البيانات التحقيق في الاعتداء الوحشي على الجنازة، وهو ما رصدته عدسات المصورين الفلسطينيين والأجانب، أثناء يوم التشييع المشهود في المدينة المقدسة، بالإضافة إلى توثيق نتائج التحقيقات التي أجرتها كبرى وسائل الإعلام، وأيضاً تحقيق شرطة الاحتلال الإسرائيلية في الاعتداء على الجنازة في القدس، ونتائج التحقيق الأميركي في الرابع من شهر يوليو/ تموز الماضي.

وفي الكتاب أيضاً، مواقف وبيانات صادرة عن عائلة شيرين أبو عاقلة، وعن قناة "الجزيرة" الإخبارية حيث كانت تعمل. بالإضافة إلى رصد النشاطات والفعاليات التكريمية التي أقيمت لشهيدة الحقيقة الفلسطينية في مختلف أنحاء العالم.

إنّ المأمول من هذا الكتاب/ السجل التوثيقي -بحسب القائمين عليه-، هو أن يشكّل خطوة صغيرة على درب كشف الحقيقة وإعلانها وتحقيق العدالة لشيرين أبو عاقلة، وأن يكون بمثابة مقدمة لتحقيق العدالة لعشرات بل مئات الشهداء في فلسطين المحتلة.

في الختام؛ يُشار إلى أنّ محرر الكتاب خالد فراج، باحث وكاتب فلسطيني يعيش في مدينة رام الله في الضفة الغربية، وهو مدير عام مؤسسة الدراسات الفلسطينية. أما رندة حيدر، فهي محررة الشؤون الإسرائيلية في المؤسسة؛ وسناء حمودي، محررة؛ وتترأس لميس رضى، قسم التحرير في المؤسسة؛ وهالة زين العابدين، أمينة مكتبة مؤسسة الدراسات الفلسطينية.