التنوع سمةً أساسية لـ "معرض الفن"

2023-02-08 11:00:00

التنوع سمةً أساسية لـ

هذا الجمهور الذي يتحدث عنه حسين وغيره من العاملين في الوسط الفني، هو جمهور تم بناءه بحيث يتناغم مع ما يتم طرحه في سوق الفن ويشتري منه وهو ليس وليد الساعة بل هو نتاج تراكمي لبيئة أو طبقة محددة بحيث لا تستطيع أن تجد الطبقة العاملة مثلا في هذا الوسط وحتى إن وجدت لا يكون هناك تفاعل بينها وبين ما يتم طرحه من أعمال،

معرض الفن "Art Fair" الذي ينظمه جاليري زاوية، بمشاركة 40 فنانة وفناناً فلسطينيين وعرباً وعالميين، ويعد هذا المعرض الثالث من نوعه، ويعود هذا التكرار وبنفس العنوان حسب ما يؤكد مدير جاليري زاوية يوسف حسين، إلى نجاح المعرضين السابقين اللذان أُقيما بمشاركة 26 فناناً/ةً في المعرض الأول، و32 فناناً/ةً في الثاني. ويشير حسين إلى أن فكرة المعرض جاءت في فترة أزمة الكورونا، حيث لوحظ لدى الجميع حالة الإحباط الجماعي لدى الفنانين وخاصة أن نسبة لا بأس منهم يعتاشون من سوق الفن، وخلال الجائحة تأثر سوق الفن بشكل كبير وتغيرت اهتمامات وأولويات الجمهور حتى متلقي ومقتني الفن، لذا فكرنا في معرض جماعي، يعرض مجموعة من الأعمال، لكل فنان، من مختلف الفئات العمرية، دون فصل كما يجري بالعادة بين أعمال المخضرمين في سوق الفن والمبتدئين، وطلبنا من الفنانين الكبار، إنتاج أعمال فنية صغيرة لتقديمها بسعر مناسب، بحيث ارتكزت سياسة المعرض على تقديم فن أصغر بالتالي يكون سعره أقل مقارنة بالأعمال الفنية الكبيرة، ولم نتوقع نجاحاً كبيراً لهذه الأعمال لكن لاحظنا أن هناك إقبالاً كبيراً على شراء الأعمال الفنية، وهذا حمس الفنانين لإنتاج أعمال فنية.

 جاء معرض الفن مختلف عن سابق معارض جاليري زاوية، ومنسلخ عن جزء من المعايير التقليدية للمعرضية العالمية، التي بدأت تتساقط أمام حاجة السوق، والأزمات التي تعصف بالمجتمعات، وكذلك أمام رغبة الفنانين/ات التوجه نحو الفكر الكوزموبوليتاني. هذا وقد تميزت دورة "معرض الفن" الثالثة عن الدورات السابقة في أنه جمع بين فنانين فلسطينيين عرباً وعالميين، جزء منهم أول مرة يعرض أعماله سواء في فلسطين أو خارجها.  

ويرى القائمون على المعرض، أنه يحاول خلق جسور متنوعة بين الفن والفنانين، بغض النظر عن جيلهم وجنسياتهم، كما أنه وسيلة تواصل من فلسطين إلى العالم ومن العالم إلى فلسطين، ويُعرّض الفنانين/ات الى تجربة وثقافة فنية جديدة، من خلال المشاركات المتنوعة، التي لا تدور حول الحالة الفلسطينية ولا تقتصر عليها، بالضرورة. لا شك أن هذا التنوع مهم، وخاصة أنه لم يكن مرتبطاً بإطار أو ثيمة محددة تفرض على المشاركين حسب ما أكده المشاركون، في صدد المقابلات معهم.

هذا وقد ارتكزت آلية الاختيار حسب ما يشير حسين، على عدة فئات منهم الفنانين الذي يمثلهم الجاليري بشكل حصري، وجزء تم اختيارهم حسب السوق والسمعة، والطلب على أعمالهم، والجزء الثالث بناءً على الموهبة وحداثة واختلاف ما يقدمه الفنان، وخاصة أن سياسة الجاليري تحرص على البحث عن الفن المتنوع والذي يرتكز على آليات متنوعة وخلاقة بحيث تقدم شيء جديد، وهذا ما نجده في معرض الفن، الذي يظهر تنوعاً في الإيماءات الرمزية، والمحملة بتصوير المعاناة الإنسانية، لا سيما المعاناة الناتجة عن العنف السياسي والاستعماري، والتي ليست بالضرورة تنتمي إلى حياة الفنان/ة الخاصة، وذلك على اعتبار أن الفن يمكن أن يكون مساحة للتعاطف، الذي لا يختزل تماماً في حدود هوية المرء الخاصة، وينعكس ذلك من خلال أعمال المعرض سواء المنحوتات، اللوحات الفنية التي تعكس مشاهد متعددة منها ما هو تجريدي ومنها ما هو مجسد، ومنها ما يعكس الجمال أو العنف المصور من منظور صاحب/ة العمل الفني.

وخلال جولة نقاش مع بعض الفنانين/ات المشاركين/ات في المعرض،  تحدثوا فيها عن مشاركتهم، وعبروا فيها عن مدى تقديرهم لمثل هذه المعارض التي تمكنهم من عرض أعمالهم والتفاعل مع تجارب وأعمال الآخرين، حيث يقول نبيل عناني، من الجميل أن يكون هناك مشاركات من كل الأعمار والفئات، فيها تنوع في الأساليب، والآليات وتظهر أفكار وسبحات وخيالات، تعكس أن لكل فنان عالمه، ولا يوجد رابط أو ثيمة محددة بين الأعمال الفنية في المعرض، ويضيف عناني أن من أهداف المعرض تشجيع جامعي الأعمال الفنية والمهتمين من الجمهور على اقتناء الأعمال الفنية وشرائها بسعر مناسب وخاصة في ظل تنوع الأسعار في المعرض، وحركة الشراء هذه تعزز الفنان وتدعمه للاستمرارية. أما حمادة مدّاح  من سكان الجولان السوري المحتل فيقول، ان هذه اول مشاركة له مع جاليري زاوية، وهي جزء من مجموعته الفنية المعنونة بـ " بقايا ملامح" والتي بدأ العمل عليها منذ بداية الثورة السورية، وقد جاءت هذه المجموعة نتاج الأوضاع في سوريا والوطن العربي بمن فيهم فلسطين، ليعكس من خلالها أثر الحرب والعذابات على نفسية وشكل الإنسان الباقي والغائب في ذات الوقت من خلال ما علق في ذاكرة مداح، كما يضيف أن هناك ثيمة روحية تربط بين الأعمال الفنية وهي فكرة التحرر من الاحتلال والاستبداد والظلم في كل مكان.

وتضيف الفنانة رغدة زيتون، بأن المشاركة في معرض الفن أضافت لها الكثير، وهي مشاركتها الأولى وجاءت بعنوان " الحنين" فتقول أن هذا العنوان جاء من الشعور بالحزن على الماضي المتآكل في ذاكرتها الضبابية، والمختزل بفكرة الفقد الذي  يظهر من خلال حنينها لمشهد  أثواب الجدات في الماضي في ظل واقع مشبع بحزن الأم التي تقضي حياتها في انتظار عودة ابنها من الغربة، عودة ابنها من السجن، من العمل، من المدرسة، وترى زيتون أن انتظار الأمهات الفلسطينيات بالذات صعب دائماً ومحمل بالتناقضات التي يرى فيها كل متلقي قصة مختلفة عن الآخر. كما تشير أن تركيزها على العنصر الأنثوي يعود الى ثقل العبء والتحمل الواقع عليهن. 

ويقول الفنان يزن أبو سلامه، أنه سعيد بكونه في معرض جامع لعدد كبير ومتنوع من الفنانين، وهو يحب أن يكون بين الناس ومع الآخرين، ويضيف أن مسيرته الفنية ارتكزت على البحث والدراسة والبناء التراكمي والتجربة الانسانية، والتي طورت من شكل أعماله، وخاصة انه يعمل على محتوى جمعي، وليس بشكل مفرد في كل لوحة، ومن المهم بالنسبة له أن يكون الفن لكل الناس، لذا لا يتردد من طرح أعماله الفنية في المعارض أو الشوارع على شكل جداريات، وقد ظهرت مشاركته في هذا المعرض من خلال لوحات تظهر المدن بتفاصيلها وزواياها الحادة، والتي يعكس فيها طبيعة مدننا العفوية والتي لا ترتكز على التخطيط كما يظهر في مدن الدول العالمية، ويختم بالقول أن المعرض يحمل هوية فلسطينية.

أما الفنانة صفاء شقير، وهي من الحديثين نسبيا في هذا الوسط الفني فتشير إلى أن هذه هي مشاركتها الأولى في جاليري زاوية، وانه لم يسبق أن كان لها معرض خاص، بل مشاركات منفردة في بعض المعارض الفنية، لذا فإن هذه المشاركة إلى جانب أسماء كبار الفنانين تعني لها الشيء الكثير، هذا وقد جاءت أعمالها بعنوان "ما وراء الجدار" إذ تسلط الضوء فيها على الأراضي المصادرة، وذلك حسب ما ترى وتتخيل الأرض على امتدادها، سواء ما وراء الجدار أو امامها، كما انها تغرق هذه الأعمال بالألوان وذلك حسب ما تقول له علاقة بما تتخيل أن أراضينا مشبعة بالخيرات والخضرة. 

ويضيف الفنان غارسيا دي مارينا، الاسباني الأصل، أن جاليري زاوية أتاح له وللمرة الأولى المشاركة في معرض فلسطيني ويرى أن ذلك شيئاً إيجابي للغاية لأنه يعتبر أن الفن عالمي، وأنه يجب أن يعبر الحدود ويكون في متناول جميع أنواع الجمهور ويؤكد أنه لا يريد أن تقتصر أعماله على منطقة أو بلدان أو سكان معينين، ويقول ان الجاليري من خلال المنصة الإلكترونية للمعرض، أتاح الفرصة لكل المهتمين لمشاهدة أعمال الفنانين من جميع أنحاء العالم في نفس المكان، وهذا  يفتح نافذة لمراقبة ما يحدث في كل ركن من أركان الكوكب والتعرف على اهتمامات الفنانين. ويقول فيما يتعلق بأعماله الفنية فإن جميعها تحتوي على رسالة أولى يجب أن تكون مباشرة وواضحة جدا، ولكن لاحقا يمكن أن تكون تفسيرات أعماله الفنية مثل الصور المشاركة في المعرض على أنها مثل طبقات البصل، كلما تعمقت في قلب البصلة تكتشف قصصا جديدة، حتى في بعض الصور هناك قصص شخصية مخفية تتحدث عنه أو كيف يشعر في بعض لحظات حياته. 

أما الفنانة ريم مصري، وتعد مشاركتها في المعرض هي الثانية من نوعها فهي ترى أن المميز في المعرض هو التنوع بالجمع بين عدد كبير من الفنانين، وعدم وجود ثيمة محددة تقيد الأعمال، وهذا أعطى المجال لرؤية أعمال بتقنيات متنوعة ووجهات نظر مختلفة، أما فيما يتعلق في مشاركتها بالمعرض فهي تقول أنها  في الفترة الأخيرة كانت تركز على الكولاج لكنه ظهر في المعرض مع بعض الإضافات، ليعكس المشهد الطبيعي في فلسطيني، بحيث تناولتها  بشكل  مبني اكثر من الذاكرة وبخصوصية أكبر، وظهرت بصورة مجردة لتعطي الفرصة للمتلقي لبناء علاقة بينه وبين العمل الفني من وجهة نظره.

أما الفنان محمد خليلي، فقد تطرق إلى أهمية دور الجاليري في الفضاء الفني الفلسطيني، وخاصة أنه بعد جائحة كورونا تم إغلاق اثنين من الجاليرات وبقي جاليري زاوية نشط وفعال، وهو الثالث والأخير في رام الله، ويضيف أنه شارك في الثلاث نسخ من الجاليري، ويعتبر أنها مغامرة وشجاعة من الجاليري عرض لوحات لفنانين غير معروفين وذلك يشكل تحدي كبير لأي جاليري، ومع ذلك نجح الجاليري في ذلك، وشجع أيضاً على ثقافة الاقتناء وأصبح له دور فاعل في المشهد الفني والثقافي، وهذا ما يختتم فيه مديرالجاليري، بتأكيده مرونة الاختيار، وفتح باب المشاركة للجميع بدون تحيز للعمر أو التجربة، ويشير أيضاً إلى نجح الجاليري على مختلف الأصعدة حيث أصبح الوحيد في رام الله وهذا دليل على صعوبة المسيرة لأي جاليري، ويقول نبذل جهد كبير للمحافظة على مستوى محدد من الأداء، ونلاحظ في كل عرض مدى تقدير جمهورنا للفن.

هذا الجمهور الذي يتحدث عنه حسين وغيره من العاملين في الوسط الفني، هو جمهور تم بناءه بحيث يتناغم مع ما يتم طرحه في سوق الفن ويشتري منه وهو ليس وليد الساعة بل هو نتاج تراكمي لبيئة أو طبقة محددة بحيث لا تستطيع أن تجد الطبقة العاملة مثلا في هذا الوسط وحتى إن وجدت لا يكون هناك تفاعل بينها وبين ما يتم طرحه من أعمال، سواء في ظل فترات الرخاء أو الأزمات. والجدلية التي تكمن في وسط المعرضية في عالم الفن من وجهة نظري ليست بالجمهور بحد ذاته بل بصناعة الجمهور وصناعة الفن المعرضي بما يتناسب وحاجة السوق والأزمات التي تعصف به، هذه الأزمات التي أنتجت مثل النماذج الثلاث لـ "Art Fair"، والتي شهدت الكثير من الجمالية والتنوع في الأدوات والمواد المستخدمة، في إنتاج الأعمال الفنية، حيث جاءت بطروح متنوعة من المكان إلى الطبيعة التضاريس المعاناة الفرح العنف الجمال القبح الحيوانات الأشخاص الأثواب، وغيرها، كل هذا التنوع  يوضح شكل من التكاملية الإستثنائية التي جاءت من خلال فنانين متفاوتين في العمر والجنس والتجربة.