إذا ما غاب التضامن، فلا شيء يُنتظر من اليسار (ترجمة)

2024-08-27 12:00:00

إذا ما غاب التضامن، فلا شيء يُنتظر من اليسار (ترجمة)
Solidarity no.7, ABED ABDI, 1978

تقرُّ كلُّ من هانت هندركس وتيلور بفعاليَّة سياسات الهويَّة في إذكاء الحملات محلِّيَّة الطابع. لكن عندما يتعلَّق الأمر بالانتقال من العمل الجماعيِّ إلى السياسات الجماهيريَّة، فإنَّ المؤلِّفتان تناصران مبدأ موحِّدَّاً يتمحور حول العدالة الاقتصاديَّة.

كتبها إيوين موراي ونشرت في "Jacobin" في ٦/١/٢٠٢٤.

 

تظلُّ غايات اليسار عصيَّةً على التحقيق في غياب توحيد المجتمع والهدف. هناك سببٌ يدفع الاشتراكيِّين إلى تنظيم صفوفهم من أجل العدالة الاقتصاديَّة؛ هو أنَّها تمثِّل الركيزة الأساسيَّة لبناء شعورٍ بالتضامن واسع النطاق بما يكفي للدفع نحو تغييرٍ حقيقيّ.

مراجعة لكتاب: "التضامن: في ماضي، وحاضر ومستقبل، فكرةٍ لتغيير العالم" للمؤلِّفتان ليا هانت هندركس وأسترا تيلور (منشورات بانثيون، 2023).

 

عقب تسونامي عام 2004، استمعتُ بتناول طعام الغداء بصحبة أصدقاء في مخيَّم جباليا للاجئين، شمالي قطاع غزَّة. كان المخيَّم حينذاك مكتظَّاً بالسكَّان، ورازحاً تحت فقرٍ مدقِع، وعرضةً لاندلاع حالاتٍ من الاضطراب يمكن أن تتحوَّل في أحيانٍ كثيرة إلى أعمال عنف. بعد الغداء، قاطعَت محادثتَنا مكبِّراتُ صوتٍ وقرعُ جرسٍ في الخارج. استرعت تلك الأصوات انتباهي، متأهِّباً لأيِّ خطرٍ محتمل، لكن سرعان ما عادت أمارات الاسترخاء إلى وجه مُضيفي. استفسرتُ عن ذلك الضجيج، فأجاب الرجل: "آه، إنَّهم يجمعون التبرُّعات لضحايا الموجة الكبيرة. يحُدث هذا في المنطقة برمَّتها".

خالجتني دهشةٌ ساذجة إذ أرى أناساً لا يملكون شيئاً تقريباً، ثمَّ يُنظِّمون أنفسهم تضامناً مع أناس آخرين أشدَّ عُدماً. بعد بضعة أعوام، علمتُ بشأن هديَّةٍ مماثلة كان قد أرسلتها أمَّة تشوكتاو، بُعيدَ وقائع درب الدموع، إلى أولئك الذين يعانون من المجاعة في أيرلندا. وقد احتفى بتلك البادرة المغنّي والناشط الأيرلنديّ داميان ديمبسي في أغنيةٍ حملت عنوان "أمَّة تشوكتاو"، يقول فيها: "مدينُ لكم، يا أمَّة تشوكتاو. لا يسعني إلَّا أن أشكركم".

في كتابهما "التضامن: في ماضي، وحاضر ومستقبل، فكرةٍ لتغيير العالم"، يُمثِّل الدَّين بالنسبة إلى الناشطتين ليا هانت هندركس وأسترا تيلور واحداً من الأطر الأساسيَّة. واحدٌ من أقدم الأمثلة على هذه الفكرة يبرُز في قصيدةٍ هندوسيَّة قديمة إذ ورد فيها "إنَّ الولادةَ دَين". وفي موضعٍ آخر، تظهَر واحدةٌ من أوائل الإشارات المكتوبة عن التضامن في المدوَّنة القانونيَّة للإمبراطور جستنيان؛ والذي يرى في التضامن دَيناً تقع مسؤوليَّة سداده على عاتق الجماعة. يعني هذا، على سبيل المثال، أنَّه في حال تعاونت مجموعةٌ من المزارعين معاً، ثمَّ اتَّضح أنَّ أحدهم غير قادر على دفع الإيجار بسبب المرض أو المحصول السيِّئ، فإنَّه يتعيَّن على البقيَّة تغطية ما عليه من دَين.

كان لمدوَّنة جستنيان القانونيَّة، التي تعود إلى أوائل القرن السادس الميلاديّ، تأثيرها البالغ في الفقه القضائيّ الفرنسيّ أيضاً. وقد طوَّرت لويز بورجوا أوَّل نظريَّةٍ شاملة للتضامن من خلال الزعم أنَّ كلَّاً منَّا "يولَدُ وفي رقبته دَين للإنسانيَّة". هذه الفكرة عن التضامن، باعتباره دَيناً اجتماعيَّاً، تفرضُ مسؤوليَّةً خاصَّة على الأغنياء عندما يتعلَّق الأمر بالتصدِّي إلى قضايا عدم المساواة والعمل من أجل الصالح العامّ.

تمثِّل فكرة دَيننا لإخواننا من بني البشر نقطة الانطلاق لرحلةٍ معمَّقة وشاملة في حوليَّات التضامن. المؤلِّفتان كلاهما من قدامى المحاربين في حركة احتلَّوا، وبمقدورنا عبر طيَّات كتابهما أن نتلمَّس الدروس المستقاة من تلك التجربة. تُبيِّن لنا هانت هندركس وتيلور أنَّ المنصَّات واسعة النطاق تكتسبُ قوَّةً حقيقيَّة من خلال المشاركة الفعَّالة لأعداد كبيرة من البشر. وكذلك تسلِّطان الضوء على أنَّه في غياب الرؤية والإستراتيجيَّة، فمن المرجَّح أن ينتهي المطاف بالحركات إلى الركود والتعطُّل بدلاً من التقدُّم. كما تأكِّدان على مسألة أنَّ بناء الحركة هو عمليَّة جماعيَّة ترتكز على قداسةٍ علمانيَّة تعترف بالقيمة المتأصِّلة لكلِّ إنسان.

ما المضحِك بصدد الصداقة والحبِّ والمجتمع؟

فلسفيَّاً، يستند الكتاب بدرجةٍ كبيرة على أعمال إميل دوركهايم، أوَّل عالم اجتماعٍ كتب بغزارةٍ عن مبدأ التضامن؛ تلك الأعمال التي أصبحَت إرثاً فكرَّياً عظيماً وتركت أثراً في النظم القانونيَّة والاجتماعيَّة الفرنسيَّة، على نحوٍ يعكس التزامه ببناء التلاحم الاجتماعيّ.

وعلى الرغم من أنَّ دوركهايم كتب أعماله في حقبةٍ كانت فيها تأثيرات الثورة الصناعيَّة واستغلال رأس المال للعمالة لا تزال في طور الظهور، إلَّا أنَّ حججه ضدَّ الاغتراب الاجتماعيِّ تبدو ثاقبةً بصدد المجتمع الاستهلاكيِّ المعاصر بجوهره المتمثِّل بالفردانيَّة المستشرية. في هذا الصدد، يخبرنا دوركهايم في بحثه نشوء الدولة الحديثة إنَّه "لا شيء يبقى سوى الكتلة السائلة من الأفراد". بينما الاحتمال المضادّ، المنبثق عن التضامن، هو ما تقترحانه هانت هندريكس وتيلور متمثِّلاً بـ "الصداقة والحبِّ والمجتمع".

على الرغم من تجذُّرها في التقليد الاشتراكي الديموقراطيّ، إلَّا أنَّه دعواهما تتوافق مع دعوة جون بي. كلاك الفوضويَّة الجماعانيَّة؛ إذ ينادي الأخير بـ "مجتمع مستحيل... يقعُ عند تقاطع العالميَّة والخصوصيَّة... ويضطلع بتحقيق نفسه بنفسه إلى ما لا نهاية". في ظلِّ هذا التطوُّر الدائم، نستشفُّ معنى علاقاتنا مع بعضنا البعض ومع ببيئتنا. وبالنسبة إلى هانت هندركس وتيلور، فإنَّه لا مناص من تعزيز أعمال التضامن برؤيةٍ تضامنيَّة تُوفِّر إمكانيَّة إحداث تغييرٍ حقيقيّ؛ وهي عمليَّة تُعنونها المؤلِّفتان بـ "التضامن الجذريّ".

هناك بونٌ صارخ ما بين إمكانيَّات التغيير الجذريّ للتضامن من جهة، والتضامن الضيِّق والمغلق للسياسات اليمينيَّة المعاصرة من جهةٍ أخرى. مع ذلك، وبغية تسخير هذه الإمكانيَّات، فإنَّه يتعيَّن على كلٍّ من الأفراد والجماعات، على غرار النقابات العمَّاليَّة، السمو فوق مصالحهم الضيِّقة والانخراط في حملاتٍ ذات تأثيرٍ عالميّ. في هذا الصدد، يوضخ دوركهايم أنَّ التضامن "الميكانيكيّ" يظلُّ قاصراً على مجتمعاتٍ متجانسةٍ صغيرة، في حين أنَّ التضامن "العضويّ"، المتشكِّل في مجتمعاتٍ أكبر وأكثر تعقيداً، يصير قابلاً للتحقيق إبَّان دمج الاختلافات الاقتصاديَّة والثقافيَّة في غاية تعزيز التلاحم. في هذا السياق، تستشهد المؤلِّفتان بأودري لورد إذ تقول "إنَّه لا بدَّ لنا من الاعتراف باختلافاتنا في الوقت نفسه الذي نقرُّ فيه بتماثلنا".

تقرُّ كلُّ من هانت هندركس وتيلور بفعاليَّة سياسات الهويَّة في إذكاء الحملات محلِّيَّة الطابع. لكن عندما يتعلَّق الأمر بالانتقال من العمل الجماعيِّ إلى السياسات الجماهيريَّة، فإنَّ المؤلِّفتان تناصران مبدأ موحِّدَّاً يتمحور حول العدالة الاقتصاديَّة. هذا التركيز على التجربة شبه العالميَّة للاستغلال الاقتصاديّ يُفسِح مجال التطوُّر للحركات من خلال "التوافق بدلاً من الاستثناء"، على نحو يُنمِّي شعوراً مشتركاً بالوحدة.

لبناء هذه "الوحدة" الجامعة، تستند المؤلِّفتان إلى نموذج سول ألينكسي القائل إنَّه "لا أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون أيضاً". وتطرحان بهذه الصدد دراسة حالةٍ افتراضيَّة تنطوي على رعيَّةٍ كاثوليكيَّة تتعاون مع جماعةٍ نسويَّة في حملةٍ تتمحور حول أجور المعيشة، على الرغم من كون المجموعتين على طرفي نقيضٍ عندما يتعلَّق الأمر بنقاش الإجهاض. الكتاب يقدِّم أيضاً العديد من دراسات الحالة بصدد كيفيَّة التطبيق العمليِّ الفعَّال لمثل هذه التحالفات الجذريَّة.

من الجدير الحديث في هذا السياق عن شتاء بولندا لعام 1970، أي عندما شرع العمَّال في المدن الواقعة على طول ساحل بحر البلطيق بتنظيم صفوفهم من أجل المطالبة بحقوقهم. حينذاك، وبإيعازٍ من الاتِّحاد السوفييتيّ، تدخَّل الجيش البولنديّ لإخماد الإضرابات العمَّاليَّة، ممَّا أسفر عن المجازر المعروفة باسم "الخميس الأسود". في أعقاب ذلك، وبفعل مشاعر الفزع الناجمة عن تلك الوحشيَّة، شرعت مجموعاتٌ من مفكِّرين، ونقابيِّين، وفنَّانين، وزعماء في الكنيسة الكاثوليكيَّة، بتنظيم صفوفها. وفي نهاية المطاف، مهَّد هذا التنظيم الطريق لنشوء حركة نقابة العمَّال المستقلَّة البولنديَّة، المعروفة باسم حركة سوليدارنوش (بمعنى تضامن). يمكن القول إنَّ الحركة آنفة الذكر نشأت جزئيَّاً في أعقاب أعمال القمع التي شهدتها بولندا في عام 1970، بيد أنَّ الأمر استغرق عقوداً من العزم والتنظيم الفوضويّ قبل الإطاحة أخيراً بجمهوريَّة بولندا الشعبيَّة؛ أي لم تُحقِّق الحركة النجاح بين عشيَّةٍ وضحاها، ناهيك عن كمّ المصالح المعقَّدة التي تعيَّن الخوض فيها وتجاوزها- ومثل هذه الدروس يتعيَّن على القيادات المجتمعيَّة إبقاؤها حاضرةً في الذهن.

الصدقة ليست تضامناً

في حديقة زوكوتي، التقت هانت هندركس بمجموعةٍ أصدقاء يجمعهم تقاربٌ فكريّ وأنَّهم ورِثوا ثرواتٍ طائلة. كان كلُّ منهم يبحث عن وسيلةٍ لتوزيع موارده بحيث تُحقِّق أقصى فائدة في دعم الحركات الاجتماعيَّة. هانت هندركس صريحةٌ للغاية بشأن تاريخ عائلتها وكيف اكتسب أسلافها ثرواتهم (تنبيه بحرق الأحدث: لم تكن أعلى معايير النزاهة الأخلاقيَّة حاضرةً على الدوام بهذا الصدد). تُفضي محاسبتها لنفسها، فحصها لضميرها، إلى انتقادٍ شديد لطرق توظيف الأثرياء للعمل الخيريّ- تحت ستار التضامن والإيثار- لتحقيق مصالحهم الطبقيَّة والماليَّة.

إحدى الجهات محطّ الانتقاد كانت مؤسَّسة بيل وميلندا غيتس لما بذلته من جهود لتقييد حقوق الملكيَّة الفكريَّة للقاحات كوفيد 19. مثالٌ شنيع آخر على نفوذ الأعمال الخيريَّة هو الأليَّة المعروفة باسم الصندوق الاستشاريّ للمانحين DAF التي توفِّر إمكانيَّة تخزين الأصول الرأسماليَّة، بعيداً عن الضرائب، في صناديق "خيريَّة". تتطلَّب هذه الصناديق الاستشاريَّة من المانحين تقديم تحويلاتٍ سنويَّة ضئيلة إلى قضايا خيريَّة، لكن ما يحدُث غالباً هو أنَّه يجري ببساطةٍ تحويل الأموال من صندوقٍ استشاريٍّ إلى آخر. فعلى سبيل المثال، حقَّق الصندوق الاستشاريّ فيديليتي الخيريَّة مكاسبَ تقدَّر بـ 94 مليون دولار كرسومٍ مقابل خدماته في عام 2021، لكن ما بين عامي 2016 و2021، أرسل الصندوق 1.5 مليار دولار إلى صناديق استشاريَّة أخرى، ممَّا أتاح للمانحين الحصول على تخفيضاتٍ ضريبيَّة على الدخل مقابل كلِّ "هبة". كمحاولةٍ منها لمواجهة ما تعتبرُه إساءة استخدام للعمل الخيريّ، ساهمت هانت هندركس في إنشاء سوليدير، وهي منظَّمةٌ قائمة على الحركة تلتزم بتوفير الدعم الماليِّ للقضايا الراديكاليَّة.

في أعقاب حركة احتلّوا، نظَّمت تيلور مشروع "اليوبيل المتدحرج" لإلغاء الديون الجماعيَّة، مع التركيز على دعم طلَّاب كلّيّة كورينثيان الذين تعرَّضوا للاحتيال بعد أن رزحوا تحت ضغط ديونٌ هائلة. وكان الهدف الرئيسيّ هو زيادة الوعي العامّ بصدد التأثير المدمِّر للدَين على الطاقات البشريَّة، والدعوة أيضاً إلى إيجاد حلولٍ منهجيَّة. وبحلول عام 2015، نظَّمت مجموعة الديون إضراباً عن الديون الطلَّابيَّة.

وعلى الرغم من الانتكاسات العديدة، نجحَت المجموعة تدريجيَّاً ببناء حركةٍ تُوِّجَت إنجازاتُها بالإعلان التاريخيّ لكامالا هاريس بأنَّ إدارة بايدن ستُسقِط 6 مليارات دولار من الديون عن قرابة نصف مليون شخص. ومع أنَّ النتيجة لم ترقَ إلى مستوى الوعد الأوَّليّ، بل وكانت قاصرةً ومعيبة، لكنَّها مع ذلك وفَّرت إغاثةً واسعة النطاق لعددٍ هائل من الناس. كما مكَّن هذا الانتصار الناشطين من التركيز على تمويل التعليم العاليّ باعتبارها حقَّاً، وليس صفقة تجاريَّة.

التضامن و"القداسة العلمانيَّة"

يتأصَّل الكتاب عميقاً في منظورٍ علمانيّ، بيد أنَّه يكرِّس فصلَه الأخير، وحملَ عنوان "القداسة العلمانيَّة"، لاستكشاف المقدَّس ضمن إطارٍ علمانيّ. من الواضح أنَّ المؤلِّفتين على درايةٍ بالتقاليد الدينيَّة التي تُوفِّر الجزء الأكبر من المرتكزات الأخلاقيَّة العالميَّة للتضامن، لكنَّهنَّ حرصن على تجنُّب أيِّ إشارةٍ على صلة باللاهوت. وبالتالي، هناك فضاء واسع للبحث المستقبليِّ في معنى التضامن من داخل التقاليد المختلفة كوسيلة لتوسيع نطاق الحركات الاجتماعيَّة.

يرتكز نداء "جميعنا أخوة" الذي أطلقه البابا فرانسيس على أعوامٍ طويلة من التعاليم الاجتماعيَّة الكاثوليكيَّة، حيثُ التضامن مبدأ أساسيّ. وبالمثل، تتجسَّد في الآية القرآنيَّة "ولتكن منكم أمَّة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر" دعوةٌ مؤثِّرة تتوافق مع دعوة الحاخام أريك أشرمان، الذي يُخاطر بحياته دفاعاً عن مُزارعي الزيتون الفلسطينيّين، مؤكِّداً أن في سبيل تشكيل روابط التضامن، "فلا شيءَ يُضاهي في التأثير التعرُّضَ للضرب معاً".

تُختتم سرديَّة الكتاب عند دوركهايم، الذي انتهت حياته القصيرة بقلبٍ كسير عقب خبر مقتل ابنه في خنادق الحرب العالميَّة الأولى. في كتاباته الأخيرة، دعا دوركهايم إلى التركيز على المقدَّس، المتأصِّل في القيمة الجوهريَّة لكلِّ إنسان. وترى المؤلِّفتان هانت هندركس وتيلور أنَّ المقدَّس العلمانيّ إنَّما يُنمَّى ويُدرَك من خلال العمل الجماعيّ. ففي أعمال التعاضد، يضفي الناس معنى على النضالات القائمة من أجل العدالة الاقتصاديَّة والبيئيَّة.

في المجمل، نرى أنَّ هذا الكتاب الذي يتمحور حول حقوق ذوي الإعاقة، ولجم طاغوت دولة الرفاهية، وتحليل كلٍّ من حركة مناهضة العولمة والحركات البيئيَّة التي يقودها سكَّان أصليّون، إنَّما يُجسِّد إنجازاً فريداً في تأريخ الحركات الاجتماعيَّة والدروس المستفادة فيما يتعلَّق بتنظيم الصفوف. وهو إذ يستغور إمكانات التضامن والآمال المرجوَّة منه، فإنَّه ينبري بمثابة منشِّطٍ حيويّ في هذه الحقبة التاريخيَّة بينما تستحوذ على العالم مشاعر الوحشة والقتامة والشعور بغياب أيِّ أفق واضح لتحسُّن الأحوال.