باسكال مراد - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/153rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:42:01 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png باسكال مراد - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/153rommanmag-com 32 32 مفرقعات https://rommanmag.com/archives/20219 Mon, 14 Sep 2020 10:10:22 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d9%81%d8%b1%d9%82%d8%b9%d8%a7%d8%aa/ الكتابة فعلٌ سخيف  الكتابة فعلٌ عظيم وما بينهما لغة غير صافية وأطنان من التشويش.   أجد نفسي داخل بالون أحمر يطير. سأجوب الشوارع والأرصفة وأمرّ أمام الشبابيك المغمّضة كما حدث في الفيلم الفرنسي الجميل. سأعيش حياة بأكملها وأفشل فيها وأعيد وأحاول الكرّة وأنا داخل البالون الأحمر أطير.   آثار قدمي مارد على الرمل. أعرف سريعا […]

The post مفرقعات appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الكتابة فعلٌ سخيف 

الكتابة فعلٌ عظيم

وما بينهما لغة غير صافية وأطنان من التشويش.

 

أجد نفسي داخل بالون أحمر يطير. سأجوب الشوارع والأرصفة وأمرّ أمام الشبابيك المغمّضة كما حدث في الفيلم الفرنسي الجميل. سأعيش حياة بأكملها وأفشل فيها وأعيد وأحاول الكرّة وأنا داخل البالون الأحمر أطير.

 

آثار قدمي مارد على الرمل. أعرف سريعا لمن تكون. إنها له، هو الذي ترك غيمته لأجلي وليُخفّف عني حزني المتكرّر المستجد. ولكي أشكر له لفتته اللطيفة، قررت أن أصبح مخرجة أفلامٍ في الهواء. سأسند الكاميرا على كتفي الأيمن وأنزل شيئا فشيئا نحوه وموسيقى أورانج بلوسم ترافقني.

 

حبة حلوى بالمفرقعات. هي صغيرةٌ جدا. على الأرجح ستكون أصغر بونبونة سألتقيها حين أكبر في حياتي القادمة. لكنها حين دخلت فمي، تفجّرت فيه لذةً عادلت وستعادل جميع لذاتي الحسيّة مجتمعة.

 

كنت أكثر تواضعاً عندما أعلنت أنني شبحٌ ملوّن. لا شحم ولا لحم ولا دماء. فقط مغارةٌ من الأفكار ومياه معتمة.                  

 

هرعت لتفقّد مدينتي فلم أجدها. انزلقت الى أسفل الصورة. أُزيحت بأهوالٍ من الاستهتار والإجرام والعهر. فتعلّمت معنى أن أكون يتيمة الانتماء.              

 

لوّحَ لي بقلبه من تحت الركام وانتظرني. أوصى لنبضه بمناداتي بالاسم انا تحديداً، علّني التفت. لم يترك لي مجالاً للتهرّب او لحركات التطنيش.

وكل ما فعلت، أنني تجاهلت وأكملت الطريق بتخاذل.

والآن مطلوبٌ مني بعد كل ما حدث أن أتابعَ سيري مع هذا الذنب.

 

أرتني صديقتي صورة. التقطتها لي ولم يكن قدّ مرّ يوم بعدُ على انفجار مدينتي، من هناك، من أمام مرفئها.

سمّيتها “صورة مكسورة”. أفكر أنه عنوان ساذج، يذكرني بتحدٍّ ممتع من الصغر: كتابة جمل “على القافية”.

في الصورة، أرتدي كمامة ولا أتمرّد على السياق الظاهر فيها. عن يميني شبه كائن حديديّ. فوقي سماءٌ وتحتي الخراب. أترك السماء لمنطقها وأنظر إلى الأرض. وأتمنى لو بإمكاني التحلل والاختفاء في جوفِك، فوراً.

بيروت تُحبّ. بيروت تُحبّ. تعلق في رأسي كأغنية. بيروت تُحبّ وأنا أحبّ.

The post مفرقعات appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
للغياب خيطٌ أحمر https://rommanmag.com/archives/19706 Mon, 29 Jul 2019 08:12:34 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%84%d9%84%d8%ba%d9%8a%d8%a7%d8%a8-%d8%ae%d9%8a%d8%b7%d9%8c-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%b1/ عندما سقطت أليس في بئرٍ سحيق محاولةً اللحاق بالأرنب، لم تكن تدري أنها في طريقها إلى بلاد العجائب، وأن البئر الآخذ في عمقه سيكون مسلياً لها بألوان حفافه الممتلئة كتباً. نزلت أليس على مهلٍ يخالفُ نظرية نيوتن عن الجاذبية. من قالَ لكَ أن هناك مكاناً للنظريات العلمية في الحكايات وقصص الخيال؟ فأنا في اللحظة التي […]

The post للغياب خيطٌ أحمر appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
عندما سقطت أليس في بئرٍ سحيق محاولةً اللحاق بالأرنب، لم تكن تدري أنها في طريقها إلى بلاد العجائب، وأن البئر الآخذ في عمقه سيكون مسلياً لها بألوان حفافه الممتلئة كتباً. نزلت أليس على مهلٍ يخالفُ نظرية نيوتن عن الجاذبية. من قالَ لكَ أن هناك مكاناً للنظريات العلمية في الحكايات وقصص الخيال؟ فأنا في اللحظة التي أفلتّ يدك، تحولّتُ بومضةِ فكرةٍ إلى أليس التي تهوي تهوي ولا تقع.

أتكوّر على ذاتي ثم أفردها رقيقةً برقةِ ورقة حرير. لأحطّ هناك، عليك كجنيّة بيتربان، في هذا الانحناء المستقيم الآيل من نقطة بداية العنق إلى نهايته. أحطّ هناك كفعل مقاومة. كمحاولة تحدّ تأتي على شكل توهمّ يائس. جنيّة مختبئة فيك إلى ما شاءت من الوقت.  

أقرأ رواية من نهايتها. أعيشها بالمقلوب. لأنني ببساطة أخاف النهايات. رعبٌ ملطفٌ بكلمة الخوف تلك، يدفع بي عند كل قصة مرشحة للاستمرار إلى تكرار الآلية نفسها التي تقيني ألم النهاية المتخيّل مسبقاً. كمِثل الضغط بإصرار على خيط القصة حتى ينقطع. حينها أرتاح إلى الفرضية التي تقول بأنني أنتمي إلى أولئك الذين لا يملكون قدرة على السعادة. تلك هي منطقة الأمان لديّ، أركن إليها باطمئنان مزعج وسلبيّ. والخسارات تتوالى.

…                    

تعبرُ من أمامي، فأتذكر أن الحياة عادت إلى خانة المتاح. ما زالت احتمالاً.

وأن بعداً آخراً أضيف لي.

كنت في منامي وكان المطرُ أيضاً. في وسط الصورة أنت، هكذا مكشوفٌ على السماء وعلى عينيّ تراك. كل ما في المشهد جامدٌ لا يتحرّك، أنت، ضحكتك، الطريق الممتدّة إلى أقصى ما باستطاعتي الرؤية، كلّه ثابت إلا المياه المنهمرة تنزل على جسدك خيوطاً.

وانت مبتلٌ وباسمٌ وجميلٌ كلحظة صفاء. تحبّ المطر حين ينهمر عليك تقول، لا تفتعل الهروب منه، على العكسِ من ذلك تطلبه. كأنما تحسّ بأن السماء تقبّلك عندما تلمسك بمياه شتائها.

بدوري أسأل السماء، متى سيحين وقتي وتقبّلينني؟

…       

يمتلك الصغار هذا الشيء الخاص، الحميميّ الذي يلازمهم كيفما تحرّكوا. من الصعب عليهم الانفصال عنه لا ليلاً ولا نهاراً. غطاء، قطعة قماش، دمية ملوّنة أو دبدوب لطيف، يجرّونه وراءهم، متحديّاً الأوساخ والروائح، ومكتسباً تدريجياً بقعاً لا يُعرف مصدرها. فيزيد تعلّقهم به وحاجتهم إليه مع تغيّر لونه وبهتانه. ولا يعود بمرور الوقت يشبه بشيء ما كان عليه في البداية. أما أنا، فلا أظن أني احتجت إلى مثل هذا الشيء اللطيف. كفتني نفسي. أجرّها ورائي وأمرّغها في التراب، ولا أزال.

في الصباح التالي، أفاقت على مثل قرصةٍ خفيفةٍ يضجّ بها القلب كلّما منيَ بإحدى خساراته. عرفته، هو المنبّه، آتياً لينبئها، بعد مرةٍ بألم الغياب.

…      

رآها تنسحب من حياته. رفض عقله الاعتراف باستحقاق الغياب. فعاجله الجسم بـأعراضه، متطوعاً، مفرداً له مساحاته لترجمة معاناته النفسية. فاحترق الجسم. احتراق على جهة واحدة. اليسار على الأرجح. لا، متأكد هو، لا مجال للشك بعد الآن. إنه اليسار المشتعل بالألم. رمز القلب الذي يدمى والأم التي رحلت.

The post للغياب خيطٌ أحمر appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
التعلّق كفعل حياة https://rommanmag.com/archives/19510 Thu, 06 Dec 2018 09:36:32 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%91%d9%82-%d9%83%d9%81%d8%b9%d9%84-%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9/ مجرّد تمنّ. يومض عند النهايات. أن تلقى الذكريات جانباً ولا تعاود هوايتها المعتادة بمطاردة الفكر في محاولات عديدة لإخباره بأن ما فات لم يمت وبأن الورقة لن تعود عذراء بل هي ملطّخة بخط الأحداث الأسود وبأحمرٍ متوهجٍ من الانفعالات. كم كان ليكون مريحاً. – مشهد واحد: طفلة لم يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، تأخذ بيده ليُريها […]

The post التعلّق كفعل حياة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
مجرّد تمنّ. يومض عند النهايات. أن تلقى الذكريات جانباً ولا تعاود هوايتها المعتادة بمطاردة الفكر في محاولات عديدة لإخباره بأن ما فات لم يمت وبأن الورقة لن تعود عذراء بل هي ملطّخة بخط الأحداث الأسود وبأحمرٍ متوهجٍ من الانفعالات. كم كان ليكون مريحاً.

– مشهد واحد: طفلة لم يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، تأخذ بيده ليُريها غروب الشمس. يعجبها المنظر الآسر، يثير فيها الحماسة للطلب منه بإعادة اللقطة واسترجاع الشمس إلى الأعلى لتغربَ من جديد. تقول له بتلك الثقة التلقائية التي يمتاز بها الصغار: “بعد، بعد”. فهو بالنسبة لها كائن ذو قدرات خارقة. باستطاعته ببساطة التحكّم بمجريات الأحداث دون جهدٍ منه، كأن تكفيه مثلاً حركة الكبس على زرّ الترجيع السحري ليحقّق لها ما تتمنّاه. هكذا يرى الأطفال آباءهم بعينٍ تملؤها الدهشة. ايمانٌ مطلق. فيتعلّقون بهم أكثر فأكثر. يصبح التعلّق فعل حياة من الصعب عليهم العيش خارج نطاقها.

كيف يعيش الطفل دون أهل؟

كيف يعيش لاحقاً إنسان بالغ دون الآخر، هذا الآخر الذي يربطه به شعور محدّد بالعاطفة وهو يمثّل له شفافية العالم الموجودون فيه؟

سيحوّل هذا الآخر نفسه أو يتحوّل في ذهن من يحبّه، في عملية تفاعلية غالباً ما يشترك فيها الطرفان، إلى كرة كريستال ساحرة وبرّاقة، لتختفي، عبر النظر من خلالها، تعقيدات العالم وإشكالياته ويحقّق المحبّ إنجازاً أرقّه وسيؤرقه على الأرجح بعد ذلك طويلاً، تمييز أساس النفس البشرية وبساطتها. من هذه الزاوية، تصبح رؤية الحياة بشفافيةٍ متاحة.

التجارب العاطفية هي الوحيدة ربما التي توهم الإنسان بالعودة إلى المراحل الباكرة من حياته. إلى مرحلة القدرات الفائقة والإحساس بفيضٍ من قوةٍ وثقةٍ بالنفس وبالآخر وبالحياة بمجملها. يقول الحبيب للمحبّ اتخذني مرآة لك، لأصبح عند كل لقاء، عند كل احتكاك، عند أيّ تصادم، صفحة ماء نقية تنعكس ذاتك من خلالي عبر تساوي زاوية السقوط من عندك بزاوية الانعكاس من عندي. حينها ستتجلّى أمامك خلاصة ذاتك وخلاصة الوجود.

يطمئنه كمن يربت بلطف على وجنة الثاني بأن الوقت هو تماماً للحصول على جواب لكل التساؤلات حتى المستعصية منها. هل هذا ما يسمونه بالاستثمار العاطفي؟ عندما يقفل الوجود بما فيه على الحبيبين؟ وتصبح أشياء العالم الملقاة على جوانبه أشياءهما، يصدرون صكّ ملكية فيها دون الاحتكام لأيّ سلطة كانت. آمران ناهيان. يفتحان أذرعتهما المتناهية الطول لاحتواء كل ما يمكن أن يشمله مجال اهتماماتهما ويشكّلان بذلك دائرة محكمة على عزلتهما مع العالم المحيط. ويصير الخوف، كل الخوف، من إمكانية حدوث تلك اللحظة، ينكسر فيها الإيقاع الدائري لحركتهما ويتركان للوقوع المؤلم من علوّ الصفوة تلك. ليعود حينها الوجود إلى استقامته في خط يسير من البداية إلى النهاية.   

متصلان منفصلان. متصلان ببعضهما البعض وبالعالم المحيط بهما. منفصلان عن الكون. متصلان أم منفصلان؟

للمفكر جورج باتاي رأي في الجزم في حركة الانفصال-الاتصال تلك، في كتابه L’érotisme  والعودة بها إلى البداية. والبداية، بحسب ما جاء في بحثه تشهد على لحظات عبور مستمرّ من المتواصل إلى المنفصل وبالعكس. البشر، كائنات منفصلة، أناس ستموت منعزلة في هذه المغامرة اللامفهومة التي هي الوجود لكنها تحنّ على الدوام إلى حالة الانصهار المفقود المتمثّل بلحظة اتصال كائنَين منفصِلَين، توصلا في انصهارهما إلى نقطة انحلال هُدِمت خلالها بنية الشريك المقفلة فأتى حينذاك وافد جديد إلى الحياة.

– المشهد صفر:  يأتي الإنسان إلى العالم غير مكتمل الوظائف البيولوجية وبالتالي غير مؤهل بالكامل للحياة دون الحصول على الرعاية. تأخر ظهور الأسنان وتأخر المشي، تأخر متلازم للعديد من الأجهزة والوظائف، حتّم عند الطفل عجز يطول إلى ما بعد عمر السنتين. هذا الواقع يعطي للتطوّر الجسدي أي غير النفسي خاصيّته الاستثنائية للإنسان مقابل الكائنات الأخرى غير البشرية، خاصيّة متمثلة بطول فترة الطفولة وتأخر سن البلوغ عنده مما أتاح لعالم الأحياء الهولندي لويس بولك أن يبلوِر نظريته القائلة بأن الإنسان حيوان ذو نشأة سابقة لأوانها. تكتسب نظرية بولك أهمية تخطّت البعد الفيزيولوجي إلى البعد النفسي عند اعتمادها من قبل المحلّل النفسي الفرنسي لاكان كمرتكز لأفكاره عن التطور النفسي للفرد.

*المشهد الأخير: التعلّق، فعلٌ ومفعول به. يطلب الإنسان من الغير تبديد القلق الوجودي البنيوي الذي يسكنه، حاجته له متواصلة وحيوية، هي حاجة للاهتمام والرعاية اللذين عرفهما لفترات غير وجيزة في الصغر واللذين لولاهما لما كان وجوده في هذا الحاضر ممكناً. تعلق بالآخر يولّد ارتباطاً به ويبقيه على النحو الذي ابتدأ به حياته، مفعولاً به.

The post التعلّق كفعل حياة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
شيء ما قد حدث https://rommanmag.com/archives/19329 Wed, 20 Jun 2018 08:52:13 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b4%d9%8a%d8%a1-%d9%85%d8%a7-%d9%82%d8%af-%d8%ad%d8%af%d8%ab/ ينطلق السرد..ثم فجأة انقطاع في نبرة الصوت مترافق بجدية تحيط بظاهر الخطاب الذي كان ما زال يتابع، الى النقطة تلك، مساره بسلاسة. فتأخذ الجملة منحى من يريد الاعلان عن شيء مذهل قد حدث له. كيف ولد الاحساس بالحب؟ هكذا تماما “شيء ما قد حدث”. لقد ولد الحب. قصص الحب دائماً ما تتحيّن الوقت منتظرةً امكانية […]

The post شيء ما قد حدث appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
ينطلق السرد..ثم فجأة انقطاع في نبرة الصوت مترافق بجدية تحيط بظاهر الخطاب الذي كان ما زال يتابع، الى النقطة تلك، مساره بسلاسة. فتأخذ الجملة منحى من يريد الاعلان عن شيء مذهل قد حدث له. كيف ولد الاحساس بالحب؟ هكذا تماما “شيء ما قد حدث”. لقد ولد الحب.

قصص الحب دائماً ما تتحيّن الوقت منتظرةً امكانية للبوح. تعبق برائحتها الأمكنة الداخلية الى الحدّ الذي يصعب حتّى على تلك الأمكنة إحتوائها، فتنسلّ خارجاً الى العلن. في بنيّتها، ما يشبه النزعة تدفع بها إلى ضوء الافصاح إن استحالت ذكرى لماضٍ أو بقيت وميض أملٍ للآتي من الأيام. تدرك تلك القصص أنها لن تستطيع البقاء متواريةً طويلاً، وأن عليها الخروج يوماً ما الى إطار التواصل الرحب بكلّ ما أتيح لها من عناصر البلاغ والتعبير.

تتقاطع الصور والأحداث في السياق السرديّ لأي رواية حبّ بهدف القبض على تلك اللّحظة-الإحساس التي تشكلّ محور السؤال. تتكثّف مع ظهور، فجأة، لفكرةٍ جديدة تكونُ في غاية الدقة منفصلة الى الآن عن ألفة الأفكار المتداولة عادة عن مثل هذا الموضوع في روايةٍ محكيّة، مكتوبة، أو في استراقٍ لذيذ للسّمع. يكفي أن يثير الإنتباه، بشكل مباغت، تفصيل صغير، حدث عابر او ضجة خافتة لإستخراج ما كان الى الآن دون إسم، ومن المتعذّر تمييزه في مجرى الحياة الداخليّة. يتحوّل النظر اليه، يدركه، ثم يبرزه ويعطيه إسماً وبالتالي معنى، لتظهر بعده كلمة “أحبّ” محدثة تشوّشات، في التوقيت ذاته، في نفس من يروي ومن يتلقى.

تنتقل “أحبّ” من صمت الأحاسيس الى صدى الكلمة التي تطلقها. تعبرُ، فجأة، كحدثٍ نفسيّ أتى على حين غرّة، دون إستعداد له.

لعبارة “حدث نفسي” دلالة محدّدة في علم النفس. لكونها تشير الى أن الحدث الوحيد المخوّل إطلاق عليه هذه التسمية، هو “التروما” أو الصدمة النفسيّة. حين يتعرّض الإنسان لحادثة مدمّرة، يشعر معها أن فكرة الموت لم تعد مجرد تصوّر، أصبحت واقعاً مرعباً في قربه منه، يختلّ على إثرها توازنه البسيكولوجيّ. يؤخذ بعين الإعتبار، عند معالجة حالات التروما، أنها كيان مقفل على ذاته، يعجز المرء عن هضمه وبالتالي مزجه كمكوّن إضافيّ في حياته الداخليّة. يبقى هكذا على حاله لحين توفّر إمكانية إسقاطه ضمن بنية سرديّة.

هكذا هو الحبّ على لسان من دُعيَ الى سرد وقائع ولادته، لحظة إنقطاع. تنكسر عندها سلسلة الأحداث والسرد، مع حيّزٍ دائم لكلمة “فجأة”، وفجأة تعني بعد مسار باطنيّ طويل، لكن إيرادها في معرض روايته، يكون لهدفِ إضفاء شحنة عاطفيّة مركّزة على الحدث، كمن يتقصّد مماثلة لحظة ولادة الحبّ باللّحظة الصادمة.

أما لحظة إنتهاء الحبّ “Le désamour”  هي الأخرى تُروى على أنها لحظة مباغتة، ربما لأن ذاكرة الإنسان تعمل بتواتر وتقطّع، تراكمُ الأحاسيس والإنطباعات ليَفيق المرء على واقعٍ أن الحبّ انتهى.

تفرض هذه المحاولة على نفسها وصف للطريقة التي يُروى بها الحبّ في السرد الحكائيّ، مستلهمةً من نتاجَين ثقافيَّين. الأول، دراسة للناقد الأدبي السويسري Jean Rousset بعنوان «Leurs yeux se rencontrèrent» عن مشهد اللقاء الأول بين الحبيبين  في أهمّ الروايات التي تنتمي الى الكنز الأدبي الفرنسي مثل أعمال روسو، رابليه، اندريه بروتون، غوتيه، فلوبير، ايليودور، كريتيان دو تروا. يلفت الكاتب الى شبه حتمية وجود مشهد تلاقي العيون للمرة الأولى كتقليد يتكرّر كحدث إفتتاحي وسببيّ في غالبية الروايات، لما له من تأثير في تتابع واستيلاد للأحداث اللاحقة.

أما العمل الثاني الملهِم هو «L’usage de la parole» للأديبة الفرنسية من أصل روسي Nathalie Sarraute حيث تتناول الكاتبة بشكل دراميّ، بين جملةِ كلامٍ آخر،  كلمة “حبّ” لأنها تنطوي على احتماليّة عالية غالبا ما تكون غير منتظرة  أو غير معروف تأثيرها على القارئ. تدعو الكاتبة قارئها الى زهو الدخول الى أماكن حميمة، دون جرأة التلصص على مضمون ما يقال. أصلاً ليس مهماً ما يقال. بين شخصان وجوههما ممحيّة، هنالك همس فقط، تمتمات لأكثر الكلمات خفراً وحذراً. هوائيّة، رشيقة، ترفرف على مسافات قصيرة كأشعة شمسٍ عكستها من زاوية واحدة، مرايا وُضِعت من جهة وأخرى، كالذبذبات هي. هنالك في لحظة معينة، ستمدّ كلمة حبّ ذراعها تجاهنا نحن القرّاء، ستجذبنا اليها، لنشهد على ولادته. ولادة الحبّ.

يستحقّ كلّ إنسان إمتلاك قصة ما والأجمل أن تكونَ قصة حبّ يرويها بحريّة مطلقة، ربما تكون الحريّة الوحيدة المطلقة والكاملة التي ليس بمقدور أحد أن يسلبها منه. أن يحكي قصته ويظلّ يجرّب فيها ويخلقها ويشكلها بالقدر وبالشكل الذي يحلو له. ويدعو سامعه الى تلمّس الإنفعال الجسدي الذي رافقه في وقت حصول الحدث لكن هذه المرّة عبر الإنفعال الفكري. كما لو أن للأفكار قدرة على الإنفعال تماثلُ قدرة الجسد عليه. الأفكار تنفعل. انتهى السرد.

The post شيء ما قد حدث appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الحب الأوليّ ودفق الحواس ومايكل بالينت https://rommanmag.com/archives/19173 Mon, 19 Mar 2018 12:28:43 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%8a%d9%91-%d9%88%d8%af%d9%81%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b3-%d9%88%d9%85%d8%a7%d9%8a%d9%83%d9%84-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%86/ وجود الإنسان في العالم يحدّه ثقل وتترتب عليه مسؤولية. يفضيان به في أحيان عدّة إلى التفتيش عن وسائط لتهربٍ خاطفٍ يحيد به عن خطّ الحياة الموجز بالمعنى الزمانيّ، في محاولةٍ منه لاستعادة شكل من أشكال الحيوات التي اختبرها قبلاً.   يدخل عمل مايكل بالينت (michael balint 1896-1970) عالم نفس إنكليزي من أصل هنغاري، في سياق […]

The post الحب الأوليّ ودفق الحواس ومايكل بالينت appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
وجود الإنسان في العالم يحدّه ثقل وتترتب عليه مسؤولية. يفضيان به في أحيان عدّة إلى التفتيش عن وسائط لتهربٍ خاطفٍ يحيد به عن خطّ الحياة الموجز بالمعنى الزمانيّ، في محاولةٍ منه لاستعادة شكل من أشكال الحيوات التي اختبرها قبلاً.
 
يدخل عمل مايكل بالينت (michael balint 1896-1970) عالم نفس إنكليزي من أصل هنغاري، في سياق وصف الحالة التي يسعى الفرد لاستعادتها والانطلاق منها نحو تجربة يريدها مغايرة لما يعيشه. 

قبل الدخول إلى نظريته، موضوع النص، هذه إشارة سريعة تعريفية إلى هذا المحلّل النفسي وإن كان يستأهل منا إضاءة أشمل وأوسع على أبحاثه التي ثابر عليها بتصميم وبكثير من الدقة العلميّة طيلة أربعين عاماً. انتمى بالينت إلى ما عرف في وقته بالـ middle group  لرابطة التحليل النفسي البريطاني. 

ما يميّزه أنّه على الرغم من تأثره واتّباعه للمدرسة الفرويدية، ظلّ وفياً لمعلمه ومواطنه Sandor Ferenczi وعمل على إعادة أعمال هذا الأخير وتسويقها متحدياً  “استبليشمنت” التحليل النفسي القائم في حينه.

صحيح أن بالينت لم تعد لديه اليوم الشهرة التي حظي بها في حياته، وهو ما نعتبره أمراً مؤسفاً، دفعت بزميله الطبيب والمحلّل النفسي الفرنسي الشهير Jacques Lacan إلى تقديره واحترام أعماله، إلا أنه يبقى صاحب فكر شديد الشمول والفرادة. 

أكثر ما يميّز نظريات بالينت هو أنها بُنيت عضوياً، كاشفة عن وحدة متراصّة، نجد صعوبة في تجزئتها إلى قطع منفصلة وانتقاء ما نحتاج منها. لذلك لا بد من العودة إلى نقطة الصفر في سيستيم أفكاره والتي تشكّل، بحسب نظرياته، نقطة البداية في التطوّر البشريّ، وهي نظرية الحب الأوليّ the primary love التي يوردها في كتابه thrills and regressions . 

يقول مايكل بالينت أن خبرته العياديّة كمحلّل نفسي أتاحت له اعتماد هذه الصورة لابتداء حياة الإنسان في هذا العالم حيث يكون الانسجام كليّاً بينه وبين ما يحيط به. من دلائل هذا الانسجام، عدم اهتمام الفرد أو بالأحرى عدم قدرته على معرفة أين ينتهي هو ككيان وأين يبدأ العالم الذي يحيط به. هي تلك المرحلة التي تسبق ظهور الأجسام ذات الأطر المحدّدة بالنسبة له، هو الوافد حديثاً إلى الحياة، يطفو خلالها وسط دفق من المواد، substance، كالماء، الحليب، التراب، الضوء، الضباب، الرائحة، المذاق، رنة الصوت، الدفء، الرطوبة… خلاصة الوصف أنهما، الفرد والمواد، متداخلان، يعيشان في حالة من الاختلاط المتناغم.

من هنا يشدد بالينت على أهمية تلك المواد بالنسبة للطفل حينها، وللإنسان البالغ لاحقاً، كمرتكزٍ يساعده على تحقيق رغبته بالتسلّل خارج معاشه والعودة إلى الحالة التي اختبرها قبلاً.

إذاً، نظرياً يرغب الإنسان بالعودة إلى “الحب الأوليّ”، لكن عملياً لا بد للتسلّل من نقطة انعطاف عبر العبور بتجارب حسيّة تسعى إلى محاكاة التآلف الكامل للفرد مع محيطه. 

إحدى التجارب الحسيّة مثال الذي يستأذن ضغوطاً يوميّة، منساقاً برغبةٍ ملحة لاستنشاق دخان سيجارته. يقطع الدخان المسافة الفاصلة بين الخارج والداخل، محققاً الالتباس في ما بينهما، فتنتفي الحاجة إلى التمييز بين دخان الخارج الممزوج بالهواء وذاك العابر في الرئتين. الصلة لم تعد مقطوعة بين داخل الإنسان وخارجه من أشياء ومواد. الدخان (المادة) أعاد وصلها، إن كان عبر الدخنة المتصاعدة أو السخونة في منطقة الشفتين والحلق أو الضبابية الذي تلفّه و تذكّره بالظلّ الذي أحاط به في الأيام الأولى من ولادته للحياة. 

مهمّ القول أن مقاربة تجربة التدخين هنا لا تتمّ من الناحية المرَضية للإدمان، هي تأتي لتوصيف الأحاسيس واللّذات المترافقة لهذا الفعل.

مسار الحب الحسيّ، بديهيٌّ التفكير به كمسار آخر ممكن، يوصل لحالة الانسجام الأوليّ المبتغاة. على طول العلاقة، يختبر الإنسان دفق حواسه جميعها، تختلط الحواس من الجهتين، وفق إيقاع تصاعدي يصل الذروة عند لحظة الانصهار بالجسد المقابل. يأخذ الشعور بالواقع هدنةً. يترك الجسد والفكر لسكونهما ولإحساسهما العميق بالامتلاء. كأنّما كل علاقة حب حسيّة، محاولة وتكرار للحب الأوليّ.

في مقطع لا يتعدّى بضعة أسطر بعنوان Sensation، يحتفي الشاعر الفرنسي Arthur Rimbaud بحالة النشوة التي تصيبه عند احتكاكه بالطبيعة وبعناصرها. “يسير عبر الدروب، موخوزاً بالقمح، واطئاً العشب الرقيق. حالماً، سيشعرُ بالنداوة على قدميه وبالهواء يغمر رأسه العاري. لن يتكلم أو يفكر تاركاً لنفسه الاستغراق في التأمّل، والحبّ اللامتناهي يتصاعد في روحه. سيذهب بعيداً عبر الطبيعة، مثل بوهيميّ، سعيداً كما لو أنه مع امرأة.” 

معبّرةٌ المعادلة التي يعتمدها Rimbaud ومفيدة للمقاربة التي على أساسها بُنيَ هذا النص، عبر تشبيهه السعادة المتأتية من تأمله للطبيعة وملامسة عناصرها بتلك، أي السعادة، التي يدركها عند التقائه بامرأة.

لا يهمّ إن كانت حقيقة أو يوتوبيا مفترضة، حالة الاختلاط والتناغم وفقاً لنظرية الحب الأوليّ، بقدر ما نراها مهمة تلك الحركة بالانحراف جانباً عن السائد وثقله، بحثاً عن لحظةٍ فيها خفة، علّها تصبح الحياة من بعدها أكثر احتمالاً. 

The post الحب الأوليّ ودفق الحواس ومايكل بالينت appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>