حسني مليطات - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/325rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:43:00 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png حسني مليطات - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/325rommanmag-com 32 32 “دار أبو أحمد”: الفضاء المنتج للسردية الدرامية https://rommanmag.com/archives/21215 Wed, 10 May 2023 07:04:45 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%af%d8%a7%d8%b1-%d8%a3%d8%a8%d9%88-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b6%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%aa%d8%ac-%d9%84%d9%84%d8%b3%d8%b1%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84/ لم يلتفت  الكثيرون إلى معنى المكان في دراما وليد سيف وحاتم علي، علماً أنّه من المحاور المركزية في التكوين الإبداعي الدلالي فيها؛ فالمكان في مسلسل “التغريبة الفلسطينية”، مصطنع، بُني على سردية الكاتب نفسه، ووفق المشاهد التي كتبها. وفعل صناعة المكان، بهذه الطريقة، دليل آخر على القدرة الإبداعية التي أسهم فيها هذان الثنائيان؛ حيث أعادا فكرة […]

The post “دار أبو أحمد”: الفضاء المنتج للسردية الدرامية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
لم يلتفت  الكثيرون إلى معنى المكان في دراما وليد سيف وحاتم علي، علماً أنّه من المحاور المركزية في التكوين الإبداعي الدلالي فيها؛ فالمكان في مسلسل “التغريبة الفلسطينية”، مصطنع، بُني على سردية الكاتب نفسه، ووفق المشاهد التي كتبها. وفعل صناعة المكان، بهذه الطريقة، دليل آخر على القدرة الإبداعية التي أسهم فيها هذان الثنائيان؛ حيث أعادا فكرة بيت الفلسطيني قبل النكبة، واستلهما عناصره المعمارية كافة، وفق المرويات، والصورة الفوتوغرافية التي قد نشاهدها قبل مشاهد حلقات التغريبة. تتكون دار الفلسطيني الفلاح  البسيط من غرفة واسعة، وعتبة، وساحة صغيرة، وحدّ مكاني يتألف من حجارة متراصة، وهي ما يطلق عليها اسم “السنسال”، وطابون، وبيت (خوم) الدجاج، وبئر ماء.

ولتقريب هذا البيت إلى “المشاهد” اتخذت الكاميرا من دار أبو أحمد نموذجاً تقريبياً، ومتتابعاً لتمثيل هذا المكان، وتعريفه إلى المتلقي، إلا أنّ فعل هذا التقريب، باللقطات القريبة والبعيدة، لم يأت عبثاً، كما أرى، وإنما هو جزء تكميلي لتفسير الأبعاد الدلالية التي يتضمنها المسلسل كله؛ ويمكن أن أستمد  قيمة هذا الجزء من المعنى اللغوي لكلمة الدار، فيشير ابن منظور في “لسان العرب” إلى أنّ مفردة الدار مشتقة من الفعل (دور)، وتعني: المكان الذي يحط النّاس فيه رحالهم، وما يُبنى في هذا المكان: دار، والدار: القبيلة أيضاً” (ابن منظور، م4، ص298)، وأشار إلى هذا المعنى أيضاً الناقد الفني جون برجر في كتابه “وجهات في النظر”، حيث يرى أن مفردة “الدار” Home، مُشتقة، ومستمدة من كلمة Komi في الإغريقية، وهي بمعنى (قرية) (برجر، ص80)، والمُلاحظ أن كلا المعنيين يربط الدار بالفضاء العام للمكان، وهو القرية، أو القبيلة، أي أنّ علاقة الجزء مستمدة من الكل، وهذا مهم لتفسير القيمة الدلالية للدار في الفكر الإنساني؛ فالكثيرون عبّروا عن أسطورة الدار وأهميتها في مخيلتنا؛ فهي المسكن، والمأمن، ومكمن الأسرار، ومجمّع الألفة بين الساكنين.

والمعنى الشمولي للدار جعل من دار أبو أحمد “الفضاء التكويني” لتصوير التفاعلات الدرامية التي حدثت في القرية الفلسطينية؛ أي أنّ هذه الدار أسهمت في إنتاج أحداث درامية، ومثّلت “هوية العائلة” الفلسطينية البسيطة، التي تتنقل من مكان إلى آخر؛ سعياً في الحصول على رزقها. ولأنّ من عادات الكثير من القرى وجود النظرة “الآخروية” إلى “الغريب”، فقد كانوا يُعيّبون على هذه العائلة فقدانها إلى نسبها، إلا أنّ الكاتب والمخرج جعلا من دار أبو أحمد نفسها الفضاء الاستدلالي للدفاع عن هوية هذه العائلة، وإظهار أصالة نسبها، من خلال اتخاذ مصطفى السبعاوي من هذه الدار مأواً له من الإنجليز، ليأتلف جسد المُطارد مع هذا المكان، وينتج معنى جديداً لهذه الدراما، ممثلة في الهوية الفعلية لعائلة أبي أحمد؛ فالدار هي المكان الجامع لهذا كله. 

كما أسهمت هذه الدار في خلق المشاهد العاطفية بين شخصيات المسلسل؛ ففضاء الدار، ممثلة بعتبة بابها الرئيس، وساحتها، كان المؤسس الفعلي للتقارب الغرامي بين حسن وجميلة؛ فالنظرة الأولى في الفضاء الخارجي أسست لهذا التقارب، إلا أنّ اللقاء الحقيقي نشأ في دار أبو أحمد؛ حيث تقابلا. وحيث سيحدم الصراع بين الأخ الأكبر، أبو صالح، والأخ الصغير، حسن، الذي يُمثّل الشخصية المتمردة على عادات القرية وتقاليدها، فيما يتعلق بالنظر إلى “الآخر” “الغريبة”، فالقصة الغرامية التي خلقها وليد سيف هنا طوّرت أحداث المسلسل، وخلقت أفكاراً متمردة على “الواقع الجامد”، الذي تعيشه القرية، الدار الكبيرة، ليتخذ حاتم علي من الدار الصغيرة، دار أبو أحمد، تمثيل تلك الأفكار، وأساس فاعليتها في الأحداث التالية، التي ستجعل حسن يزداد تمرّداً على ذاته، لاسيما بعد قتل جميلة، متخذا من صراعه مع ذاته وسيلة لخلق ذات جديدة أكثر تمرّداً، تدافع عن أرضها، دارها. 

ولأنّ الدار، كما يرى ميرسيا إلياد، “المكان الذي يمكن منه تأسيس العالم” (برجر، ص80)، فقد أسست دار أبو أحمد جزءاً مهماً من أحداث القسم الأول من المسلسل؛ فكانت مأوى النقاشات والحوارات الدالة للأحداث الفاعلة بين العائلة الصغيرة والآخرين، ممن يسكنون خارجها؛ أي أنّ هذه الدار لم تكن مأوى للعائلة فحسب، وإنما كانت الفضاء الأعمق للتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم، وتبادل الآراء، وإبداء المواقف المختلفة، كما أسست أيضاً لأحداث لاحقة، ستكشف عن قيمة هذه العائلة وأهميتها في القرية، وغيرها من القرى الأخرى. بالإضافة إلى أنها “محور الصراع” بين أبي عايد وأحمد، فالتعبير عن العنف بين الشخصتين بدأ بإحراق إحدى مكونات معالم هذه الدار: الطابون، الذي يُشكل رافداً مهماً من روافد البيت القروي الفلسطيني. يُظهر القسم الأول من المسلسل تحول دار أبو أحمد إلى “معلم رمزي”، يكشف عن “حال” القرية الفلسطينية، بل يُكتفى به، لـ “تصوير” واقعها، وتمثيل هويتها الثقافية؛ فلو أعدنا مشاهدة الحلقات التي صوّرت ذلك الحال، لوجدنا الكم الأكبر من اللقطات أخذت لهذه الدار أكثر من غيرها؛ لأنها، كما أشرتُ، رمز عام للقرية كلها، وارتبطت قيمتها بقيمة ساكنيها، تمثيلياً، فكل الشخصيات التي صنعت الأحداث داخلها، تصنف ضمن الشخصيات المركزية في المسلسل، والتي أسهمت في تكوين معظم أحداثه، وبالتالي، هناك ترابطية بين السكن وساكنيه، لخلق سرديات توافقية بينهما. وهكذا أصبحت الدار المحور الفاعل والمُصوّر لمعالم المشاهد المحيطة بها، مشاهد القسم الأول من المسلسل. 

The post “دار أبو أحمد”: الفضاء المنتج للسردية الدرامية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
آداب الثورة في الصحافة العربية: “الآداب” مثالاً https://rommanmag.com/archives/20851 Sun, 24 Apr 2022 15:21:22 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a2%d8%af%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%af%d8%a7%d8%a8/ في ملفنا عن فنون الثورة وآدابها:

The post آداب الثورة في الصحافة العربية: “الآداب” مثالاً appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
تُعتبر مجلة الآداب من المجلات الثقافية العربية المهمة، التي اهتمت، منذ تأسيسها، بـ “تمثيل” الواقع العربي، والتعبير عن قضاياه، من خلال مقالات أدبية وفكرية وفلسفية، أسهم في إنتاجها كُتّاب مشهورون في العالم العربي. تأسست المجلة عام 1953، برئاسة تحرير سهيل إدريس، الأديب اللبناني المعروف، الذي رسم أهداف المجلة ورؤيتها في افتتاحيتها المعنونة بــ “رسالة الآداب”، مؤكداً على أن المجلة “ميدانٌ لفئة أهل القلم الواعين، الذين يعيشون تجربة عصرهم، ويُعدّون شاهداً على عصره”، ويتضح هذا بتتبع أعداد المجلة كلها؛ حيث القراءات الفكرية والأدبية التي تحاكي القضايا التي يعيشها العالم العربي، بتخصيص ملفات كتابية لقضايا عديدة، وقراءات نقدية قصيرة ومعبرة في الوقت نفسه، فكان لهذه المجلة دورٌ في التكوين الثقافي عند القارئ العربي، وفضاء كتابي لصناعة كُتّاب قادرين على تحقيق أهداف المجلة ورسالتها. 
 

ومع اندلاع الثورة الفلسطينية عام 1965، أي بعد سبع سنوات تقريباً من تأسيس المجلة، بدأت المقالات الممثلة لأحداث تلك الثورة، تلك المدمجة بين: القراءات الفكرية المؤلفة والمترجمة، والنصوص الأدبية بأنواعها؛ الشعر والقصة والرواية والمسرح، وبمساهمة “كُتاب ثائرين” من أمثال الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور، الذي مثل الثورة بقصائد شعرية تحاكي “لغتها”، وتتخيل بعض شخصياتها، ليسهم وجود مثل هذه القصائد وغيرها في إدخال المتلقي إلى معركة القتال، ولكن “ثقافياً”. 

ومن الأعداد التي خصصها يوسف إدريس لتصوير الثورة الفلسطينية، أعداد عام 1969م، وتحديداً العدد الثالث من ذلك العام، الذي صدر في شهر مارس، وكان عنوانه، كما دوّن على صفحة غلاف المجلة: “الثورة الفدائية”. وتجدر الإشارة إلى أن لوحة غلاف المجلة في ذلك العام، لوحة واحدة، تجسد صورة إنسان يرفع رأسه عالياً، ويمد يده اليمنى بقوة، في إشارة إلى المعاناة، والسعي إلى الحرية، كتعبير عن “موضوعات” المجلة في تلك السنة كلها. إلا أن عدد شهر مارس كان عدداً “ممتازاً” مخصصاً للتمثيل الأدبي والفكري للثورة، ومن المقالات التي تضمنها هذا العدد، على سبيل المثال: مقال “الثورة العربية والفكر العربي” لأحمد عباس صالح، وقصيدة “القضية” لنزار قباني، و”الثورة الفدائية والثورة النقدية” لمطاع صفدي، ومسرحية “زهرة من دم” لــ سهيل إدريس… وغيرها. 

نتحدث في هذه المقالة عن النصوص الأدبية اللافتة في هذا العدد، والتي أعدّها كُتّاب مشهورون من أمثال: نزار قباني، وأحمد دحبور، وسهيل إدريس، وممدوح عدوان، وغيرهم، وسنرى كيف أن مثل هذه النصوص لعبت دوراً مهماً في “تقريب” المعنى الثوري إلى المتلقي، وشكّلت مضموناً سردياً، يحاكي وقائع تلك الثورة. 

ومن هذه النصوص قصيدة الشاعر السوري نزار قباني، “القضية”، وهي قصيدة وصفية، مفعمة باللغة الثورية في كل سطر من سطورها، والممثلة بتكرار مفردة “البندقية” التي كانت رمزاً “مباشراً” للثورة الفلسطينية، كما تجلى ذلك في “الملصقات” الفنية التي ظهرت في تلك الفترة. ونجد اللغة نفسها في قصيدة “الحروف من رصاص” للشاعر المصري مهدي بندق، الذي جعل من الصراخ، والهتاف، والبندقية، وعبارات القوة والانتصار، تشكيلاً أساسياً لبناء القصيدة، وهو التشكيل الذي أطلق عليه بعض النقاد اسم “التشكيل الثوري”، المبني على لغة القصيدة وأسلوبها، المخصصان لــ “تصوير” أحداث الثورة ونتائجها، يقول: 

ستصرخ: 

تلك الحروف البليدة! 

وتصرخ: 

تلك المعاني العتيدة!

وتهتف في صيحة من عذاب: 

فأين المعاني التي تشع البريق؟ 

ولن يتأسى يقول “العيال”

ولن يستكين لحكم القدر

وظهر التشكيل الثوري أيضاً في قصيدة “حكاية الولد الفلسطيني” للشاعر الفلسطيني أحمد دحبور، الذي جعل من “نظرية الأجيال” فكرة يبني عليها قصائده الثورية؛ فالولد في مخيلة الشاعر، هو الصبي المفعم بالنشاط والقوة وحب الحياة، فهو المطل على البلاد، وواصف “حالها”، فهي ضيقة على الفقراء نتيجة المعاناة، والواسعة بحبهم، وعشقهم لها: 

بلادُ الله ضيقة على الفقراء، 

بلاد الله واسعة، وقد تطفح

وكبر الطفل، وأصبح رجلاً، وشاهداً على مُكملاّت المأساة الفلسطينية: الذبح، والنفي، والفقر، واليتم، وهي مكملات التشكيل الثوري في القصيدة الفلسطينية التي كُتبت في تلك المرحلة الزمنية. ونجد معنى قريب إلى هذا في قصيدة “أشياء عن الأرض والمقاومة” للشاعر سعد الله حرب، وهي قصيدة شذرية -بتعبير موريس بلانشو- تحاكي الواقع الثوري؛ فتبدأ بتمجيد الفتيان، رمز الحيوية والقوة، الذين لا ينامون، يسهرون، ويترقبون، فهم، في الظاهر، يشبهون غيرهم من الفتيان، “يحلمون مثلنا بالحب والزواج والصغار..”، إلا أنهم في داخلهم “ميتون.. مغرمون بالحياة.. وفي دمائهم غضب”. 

أما مسرحية “زهرة من دم” لـ سهيل إدريس، والمكونة من ثلاثة فصول، فهي عبارة عن “تخيل سردي” للحياة اليومية التي عاشها بعض الثوار في بعض القرى الفلسطينية، مستشهداً بذلك بقصة حقيقية وقعت في بلدة بيت فوريك شرق مدينة نابلس، وهي الفضاء المكاني المتخيل في المسرحية، ويصوّر فيها: الثائر، والمتعاون، وصديق الثائر، والضابط، مقتحما ذوات هذه الشخصيات، ومعبرا “عن قرب” عن دلالات خطاباتهم القولية، التي تصف حياة الثائر الهارب، والثائر “الغريب” الذي جاء من دولة أخرى ليقاتل، ويستشهد في جبل، يُدفن فيه، دون معرفة هويته، سوى أنه ابن تلك الدولة فقط، ليصبح مكان استشهادهم جزءاً من ذاكرة القرية وهويتها الوطنية. 

The post آداب الثورة في الصحافة العربية: “الآداب” مثالاً appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
خطوة جوزيه ساراماغو الأولى للوصول إلى نوبل (ترجمة) https://rommanmag.com/archives/20708 Thu, 25 Nov 2021 08:41:18 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%ae%d8%b7%d9%88%d8%a9-%d8%ac%d9%88%d8%b2%d9%8a%d9%87-%d8%b3%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a7%d8%ba%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%89-%d9%84%d9%84%d9%88%d8%b5%d9%88%d9%84-%d8%a5%d9%84%d9%89/ نشرت صحيفة ألباييس هذا المقال قبل أيام، احتفالاً باكتمال ترجمة أعمال الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو إلى اللغة الإسبانية، وذلك بصدور ترجمة روايته الأولى، الرواية المنسية، “الأرملة”، الرواية التي صدرت عام 1947 بعنوان لم يرض عنه الكاتب البرتغالي، وفيما يلي ترجمة للمقال، مرفقاً بترجمة أحد فصول الرواية.    مع بلوغه سن الرابعة والعشرين، وقّع الكاتب البرتغالي […]

The post خطوة جوزيه ساراماغو الأولى للوصول إلى نوبل (ترجمة) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

نشرت صحيفة ألباييس هذا المقال قبل أيام، احتفالاً باكتمال ترجمة أعمال الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو إلى اللغة الإسبانية، وذلك بصدور ترجمة روايته الأولى، الرواية المنسية، “الأرملة”، الرواية التي صدرت عام 1947 بعنوان لم يرض عنه الكاتب البرتغالي، وفيما يلي ترجمة للمقال، مرفقاً بترجمة أحد فصول الرواية. 

 

مع بلوغه سن الرابعة والعشرين، وقّع الكاتب البرتغالي أولى روايته “الأرملة”، والتي ترجمت مؤخراً إلى اللغة الإسبانية. 

بلغ ذلك الكاتب الشاب الرابعة والعشرين، عُرف بهدوئه، وانطوائه، يكسب رزقه بالعمل كموظف في الخدمة الإدارية في المستشفى المدني في لشبونة، بعد أن عمل لأكثر من عام كميكانيكي متدرب في ورش عمل تابعة لذلك المستشفى. في ذلك الوقت كان يمتلك عدداً قليلاً من الكتب؛ لأنه كان يتقاضى راتباً محدوداً جداً، لكن قبل ذلك بفترة زمنية، قرأ في مكتبة البلدية في قصر جالفياس كل ما يستطيع قراءته حتى يُدرك عالمه. وفي زمن العزوبية، أقرضه زميله في العمل فيغيريدو 300 إسكودو؛ بهدف شراء مجموعة Cuadernos الصادرة عن دار Inquérito للنشر. أما أول رفّ في مكتبته فكان عبارة عن رف خزانة عائلته الداخلي. في ذلك العام أي في 1947 رُزق ساراماغو بطفلة، أطلق عليها اسم بيولانتي، ونشر في تلك الفترة نفسها، الرواية التي عكف على كتابتها، وعنونها بــ “الأرملة”، إلا أنها ستنشر بعنوان آخر لم يكن يتوقعه على الإطلاق.  

وفي الوقت الذي أمضاه في قريته، زرع عدداً من الأشجار، إذ لم يعد لديه شيء آخر يفعله في الحياة. اعتقد بأنه كتب هذا الكتاب لأنه تذكر محادثة قديمة مع بعض أصدقائه القدماء، وتحديداً في سن المراهقة، في الفترة التي كانوا يسألون فيها بعضهم البعض عن المهنة التي يرغبون العمل فيها عند كبرهم، فقال لهم: أريد أن أصبح كاتباً. ومع ذلك، فقد كان حلم ساراماغو عندما كان صغيراً أن يصبح سائق قطار. ولو أنّ نظره لم يكن ضعيفاً، وقوته البدنية لم تكن ضعيفة، لفكّر بأن يكون طيّاراً عسكرياً. وفي النهاية، أصبح ساراماغو كاتباً معروفاً في عمله، إذ عرف بطقوسه الخاصة به، ودقته المتناهية، لدرجة أنه عندما يبدأ نشاطه الكتابي، يخصص طاولة صغيرة له، ويضعها بجانب المطبعة. لا يعرف ما يقوله حول كيفية مجيء فكرة الكتابة عن حكاية الأرملة الريباتيخونية إليه، لاسيما وأنه يعرف القليل عن ريباتيخو، إلا أنه لا يعرف شيئاً عن أراملها، ولا حتى قصة واحدة من قصصهن، في حال إذا كان هناك على الأقل، بعض الأرامل الشابات وصاحبات ملك، ويلتفت إليهنّ الجميع. 

كما أنه لا يعرف أيضاً لماذا اختار أنطونيو ماريا بيرييرا، عندما قرر بجرأة ملحوظة، وبدون عرابين، ولا توصيات، ليكون ناشر كتابه. وسيخلد إلى الأبد سراً من أسراره الغامضة في حياته، والذي كتبه له مانويل رودريغيز من دار Minerva للنشر، ذلك السر المتعلق بتلقي الناشر لنسخة من رواية “الأرملة” من خلال مكتبة باكس في براغا، وأنه كان ينبغي عليه أن يمر على روا لوث سوريانو، الذي كان موجوداً في دار النشر. ولم يجرؤ المؤلف على سؤال مانويل رودريغز عنه؛ بسبب تورط باكس في هذه القضية، علماً بأن الحقيقية هي أنه أرسل الكتاب فقط إلى أنطونيو ماريا بيرييرا. فظنّ بأنّه ليس من الحكمة أن يطالبه بتفسيرات عن مصير كتابه، وأنه مستعد للاستماع إلى الشروط التي يقترحها ناشر Minerva عليه. أولاً: لن يدفعوا له الحقوق المطلوبة. وثانياً: العمل على استبدال العنوان الذي لم يكن مقنعاً ولا جذاباً تجارياً. 

لم يعتد مؤلفنا على امتلاك بضع أرباع ليوفرها ويضعها في جيبه، وكل الشكر لمانويل رودريغير على المغامرة المحفوفة بالمخاطر التي كان على وشك القيام بها في سبيل نشر كتاب ساراماغو، حتى أنه لم يناقش الجوانب المادية المتعلقة بالعقد، الذي لم يتجاوز على الإطلاق الاتفاق العادي البسيط. وفيما يتعلق بالعنوان المرفوض، همس بأنه يبحث عن عنوان آخر، إلا أنّ دار النشر سبقته في ذلك، وأخبرته بأن عندها عنوان مناسب، فلم يفكر في ذلك مطولاً. سيطلق على هذه الرواية اسم “أرض الخطيئة”. اندهش المؤلف لانتصاره بنشر الكتاب، ولهزيمته بتغيير عنوان مولوده الثاني، كتابه، فأنزل رأسه، وذهب إلى عائلته وأصدقائه ليخبرهم بأنّ أبواب الأدب البرتغالي قد فُتحت له. ولم يستطع أن يُخمّن بأنّ الكتاب سيخفت بريقه إلى الأبد. في الواقع، وبالحكم على ما يُرى، لن يكون للمستقبل الكثير ليقدم ما في جعبته لمؤلف “الأرملة”.

فصل من الرواية
 

ملأت رائحة الأدوية النتنة والمقرفة جو الغرفة، حتى أصبح التنفس صعباً، والهواء، الحار جداً، لم يعد يصل إلى رئتي المريض، ذلك الجسد الممدد تحت غطاء السرير القذر، ومع حرارته المرتفعة، تنبعث منه رائحة قوية مُدوّخة. من الغرفة المجاورة التي لا يُسمع فيها شيء لسماكة بابها المُغلق، سُمع، هذه المرة، صوت ضجيج قادم منها. هزّ المريض رأسه على وسادته المليئة بالعرق ببطء، في إيماءة إلى تعبه ومعاناته. ابتعدت تلك الأصوات شيئاً فشيئاً. وفي الطابق السفلي، سمع طرقات على الباب، شبيهة بطرقات أرجل حصان. أما ضجيج الرمل المسحوق بأرجل الحيوان فزاد فجأة أسفل نافذة الغرفة واختفى بسرعة، كما لو أن حوافره تمشي على الوحل. نبح الكلب. 

وعلى الجانب الآخر من الباب، سمع صوت خطوات حذرة ومدروسة. وبعد ذلك، صرّ قفل الباب قليلاً، وفتح الباب ومشت امرأة باتجاه السرير. استيقظ المريض من سباته قلقاً، وسأل مذعوراً: 

  • مَن يمشي هناك؟ وبعد ذلك لاحظ القادم إليه، وقال: آه هو أنت! أين السيدة؟ 

  • ذهبت لمرافقة الطبيب إلى الباب، ولن تتأخر… 

كان الجواب عبارة عن تنهيدة. نظر المريض بحزن إلى يديه الطويلتين والضخمتين والمصفرّتين كما لو أنهما يدي عجوز. 

  • أنا في حالة صعبة يا بينديتا، أليس كذلك؟ وهذا يعني بأنني، على ما يبدو، لن أخرج من هذه الحالة إلا ميّتاً؟ 

  • ما بك يا سيد ريبيرو، لماذا تتحدث عن الموت؟ فالطبيب لم يخبرك بأي شيء يفزعك… 

  • أتقصدين أخي الطبيب؟ 

  • نعم يا سيدي! بالإضافة إلى الدكتور فيغاس، الذي خرج للتو. فهو حتى الآن لم يصل بعد إلى سياج باب الحديقة. حفظه الله من أي شر قد يتعرض له عندما يمر بجانب المقبرة، إذ عليه أن يمر من هناك حتى يذهب إلى منطقة موشيس!…. 

ابتسم المريض ابتسامة خفيفة، أنعشت، سريعاً، وجهه النحيل المجعّد، وحركت شفاهه الصغيرة والجافة. وضع يده على لحيته الطويلة المليئة بالشيب، وأجاب: 

  • بينديتا، بينديتا، ليس من المعقول أن تتحدثي عن المقابر أمام شخص مصاب بمرض خطير، وينظر كثيراً وبشكل متكرر عبر نوافذ الغرفة إلى جدران أحدها…. 

أخفت بينديتا وجهها، ومسحت دمعتين سالتا على جفنيها المتعبين. 

  • أتبكين؟ 

  • لا يمكنني أن أسمعك تتحدث عن هذه الأشياء يا سيد ريبيرو. فأنت لا يمكن أن تموت! 

  • لا يمكن أن أموت؟! ماذا تقولين؟؟ بل يمكن أن أموت… كلنا يمكن أن نموت…!!

أخرجت بينديتا منديلاً من جيبتها الأمامية، ومسحت عينيها ببطء. وذهبت بعد ذلك إلى الخزانة المركون فيها صورة العذراء، الصورة التي بدت وكأنها تتحرك بتذبذب حركة ضوء الشمع المحاط بها، ضمت يديها أمام الصورة وهمست قائلة: 

  • حفظك الله يا مريم، فأنت مليئة بالنعم… 

عمّ الصمت أرجاء الغرفة. ولم يقطعه إلا همسات شفتي بينديتا وهي تصلي. ومن عمق الغرفة خرج صوت المريض ضعيفاً ومرتجفاً: 

  • أي إيمان تتحلين به يا بينديتا! هذا هو الإيمان الحقيقي الذي لا جدال فيه، ذلك الإيمان الذي رضي به ووجد في أي تفسير يعبر عنه في حياتك نفسها.

  • لا أفهمك يا سيد ريبيرو. فأنا أؤمن ولا شيء أكثر. 

  • نعم، تؤمنين ولا شيء أكثر. ألا تسمعين خطوات شيء ما؟ 

  • ربما هي خطوات السيدة ماريا ليونور. 

فُتح الباب ببطء، ودخلت ماريا ليونور، ترتدي فستانا أسوداً، وحجاباً أسوداً مُطرّزاً على شعرها الفاتح واللامع. 

  • ماذا قال لك الدكتور فيغاس؟ 

  • أنك ما زالت على حالك بعد، لكنه يرى بأنك ستتحسن قليلاً في الأيام القادمة. 

  • يرى بأنني سأتحسن، نعم سأتحسن، على الأرجح بأنني سأكون كذلك. 

ذهبت ماريا ليونور تجاه السرير، وجلست إلى جانب المريض. عيناه المحمومتان تنظران إلى عينيها. سألها بحنان: 

  • أبكيت؟ 

  • لا يا مونيل! لماذا أبكي؟ فأنت لست في حالة خطرة، أيام قليلاً وتصبح في حالة جيدة… فلم البكاء؟ 

  • إذا كان كل شيء على ما يُرام، كما تقولين، فإنه لم يعد هناك أسباب للبكاء. 

اقتربت منهما بينديتا بعد أن أنهت صلاتها، وقالت: 

  • سأذهب لرؤية الأطفال، إن كانوا قد ناموا أم لا يا سيدتي. 

  • مررت من هناك، ووجدتهم نائمين. لكن اذهبي، اذهبي…. 

  • بالإذن. 

أغلقت الباب ورائها، ومشت في ممر طويل غارق في العتمة، حيث تهفت خطواتها على السجاد، ما يجعل إيقاعاتها مكتومة. فتحتْ باباً كبيراً وثقيلاً، وعبرتْ إلى صالون واسع، لا شيء فيه، مُضاء ببريق ضوء القمر المنعكس على الأرض، حيث يتشكل صليب من الظل. مشتْ حتى النافذة، فتحتها، ونظرت إلى الخارج. انعكس ضوء القمر على الأشجار والبيوت المنتشرة في المزرعة. وبينما هي تتأمل ما في الخارج، سمعت هدير أصوات من الطابق السفلي للبيت. بدت تلك الأصوات والأنوار تعلو شيئاً فشيئاً مثل أصابع اليد الخمسة.

أغلقت بينديتا النوافذ ببطء وطرقت وأحكمت إغلاقها. وسارت، بعد ذلك، باتجاه الباب الذي تتخلله شقوق ينفذ منها الضوء، ودخلت. 

The post خطوة جوزيه ساراماغو الأولى للوصول إلى نوبل (ترجمة) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
دلالة مفهوم “الغريبة” في الثقافة الفلسطينية https://rommanmag.com/archives/20620 Sun, 05 Sep 2021 07:20:59 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%af%d9%84%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d9%85%d9%81%d9%87%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d9%8a%d8%a8%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7/ يرتبط مفهوم “الغريبة” بالمفاهيم الدلالية التي تصور المجتمع الريفي في العالم العربي عامة، والفلسطيني خاصة؛ حيث يُعتبر إحدى المفاهيم المكوّنة للحدود الرمزية الفاصلة بين القرية والآخر الذي يعيش خارجها، من غير أبنائها، ويستمد ذلك كله من طبيعة “النظام الاجتماعي” الذي بُنيت عليه القرية العربية/ الفلسطينية، وقد أشار حليم بركات في كتابه “المجتمع العربي المعاصر” إلى […]

The post دلالة مفهوم “الغريبة” في الثقافة الفلسطينية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
يرتبط مفهوم “الغريبة” بالمفاهيم الدلالية التي تصور المجتمع الريفي في العالم العربي عامة، والفلسطيني خاصة؛ حيث يُعتبر إحدى المفاهيم المكوّنة للحدود الرمزية الفاصلة بين القرية والآخر الذي يعيش خارجها، من غير أبنائها، ويستمد ذلك كله من طبيعة “النظام الاجتماعي” الذي بُنيت عليه القرية العربية/ الفلسطينية، وقد أشار حليم بركات في كتابه “المجتمع العربي المعاصر” إلى هذه الطبيعة، عندما تحدث عن تلك البنية القائمة على “العائلة الممتدة”، فالقرية، وفق رأيه، عبارة عن “مجموعة من العائلات”، كل عائلة “تتكون من عدد من الأسر”، وكل أسرة “تحمل كنية واحدة”، وتعود في نسبها إلى جد واحد، تستمد منه كنيتها، لتتوحد، بذلك، في أصولها وكثافة التزاوج فيما بينها، ويكون كل مَنْ هو خارج القرية “غريباً”. (بركات، ص81). 

ويعود خلق مثل هذه المفاهيم إلى “العزلة” الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تعيشها معظم القرى الفلسطينية، وتحديداً في الزمن الذي لم يكن فيه مواصلات حديثة ولا شوارع مُعبّدة، فكان الذهاب من القرية إلى المدينة، حتى وإن كانت المسافة قريبة، عبارة عن حدث عظيم، وبالتالي فإنّ سكان القرية، بسبب تلك الظروف أنشأوا “حدوداً” اجتماعية خاصة بهم، تفصل بينهم وبين الآخرين، فكان فعل زواج الشباب مقتصراً على فتيات القرية فقط، وذلك حتى تبقى علاقة النسب محددة داخل إطار “الحدود” الاجتماعية تلك، وإذا أحضر أحد أبناء القرية عروساً من خارجها، يُطلقون عليها اسم “غريبة”، أي المرأة القادمة من خارج تلك الحدود، والتي تختلف في هويتها الثقافية عن هوية أبناء القرية الأصليين، ويصبح ذلك الاسم مرافقاً لها، في حلها وترحالها، حتى بعد أن تنجب أطفالاً، ليطلقوا عليهم اسم “أبناء الغريبة”، وأرى بأن هذه التسمية مبنية على المعنى اللغوي للمفردة، وهو “الغموض، والتنحي جانباً”، وهذه معاني تحدث عنها العِالم اللغوي ابن منظور في معجمه “لسان العرب”، وهي عبارة عن استدلالات إلى أنّ مفردة “الغريبة” المشتقة من الفعل الثلاثي “غرب”، تعني الغموض، أي السلوكيات المجهولة التي لا نعرف عنها شيئاً؛ فأن تتزوج فتاة “غريبة”، وفق منظور أبناء القرية، معناه “جهل نسبها” ربما، و”جهل سلوكياتها” داخل بيت زوجها، هل هي (نظايفية)، باللهجة الفلسطينية، أم لا، أم هل هي كتومة، حافظة للسر، مثلاً، وما هي تصرفاتها مع أهل زوجها، وكيف يمكنها أن تتعايش مع الحياة الجديدة…. ولذلك، كانوا يُطبّقون المثل القائل: من طين بلادك حط ع خدادك، والذي تعرفه خير من الذي لا تعرف عنه شيئاً، كما يقولون.

كما أن المقصود بالغريبة أيضاً “المتنحية”؛ أي التي لا تُشارك أهل القرية ثقافتهم، فتلزم نفسها في بيتها، دون “التفاعل” مع عادات أهل زوجها وتقاليدهم، وبالتالي، فهي تُنحيّ نفسها عن ذلك كله، أو أنه يتم تنحيتها، في بعض الأحيان، بشكل مقصود، على اعتبار أنها “المختلفة” عنهم في كل سلوكيات حياتهم المتنوعة. تجدر الإشارة إلى عادات الكثير من القرى الفلسطينية، لاسيما قرى المدينة الواحدة، تتشابه مع بعضها، إلا أنّ ذلك “الحدّ” في ذلك الزمن كان موجوداً بينها، ففعل القدوم إلى قرية أخرى، والاستقرار فيها، عبارة عن فعل تكويني لهذه المفردة.  

وقد تحدث عن هذا المفهوم الروائي اللبناني الراحل جبّور الدويهي في روايته “مطر حزيران”، التي ضمّن أحداثها اقتباساً سردياً مباشراً يتحدث فيه عن دلالة مفردة “الغريبة”، المختلفة في لهجتها وعاداتها وتقاليدها، والكيفية التي ينظر فيها أبناء القرية إلى أولادها، تلك النظرة المحايدة، التي تجعلهم “يشعرون”، بشكل مباشر وغير مباشر، بأنهم “مختلفون” عن أبناء عمومتهم الآخرين، ممن هم أمهاتهم من القرية نفسها. كما أنني سمعت من بعض كبار السن بعض الأغاني الشعبية الفلسطينية التي تدلل على أنّ “الغريبة” هي الآخر، وذلك في قولهم، على سبيل المثال: 

يا أهل “الغريبة” ولا يجبر لكم خاطر

وشو عماكم عن ابن العم هالشاطر

يا أهل “الغريبة” ولا يبري لكم علّه

ليش ابن العم عن بنت عمه تخلى 

في تعبير إشاري إلى أهمية التقارب داخل تلك الحدود المصطنعة. 

وقد غنّى الفنان الفلسطيني المعروف إبراهيم صبيحات أغنيته المشهورة “سجل يا قاضي سجل”، التي أصنّفها من الأغاني الشعبية التراجيدية في مخيال الكثيرين من أبناء القرية الفلسطينية، تلك الأغنية التي توثق “حال” العروس التي ستكون بعد خروجها من بيت أهلها “غريبة” في بيت زوجها، بالمعنى الثقافي للكلمة، كما أشرت، كما تصوّر هذه الأغنية “حال” والدة الغريبة وشقيقتها، اللتان تجعلان من “البكاء” وسيلة للتعبير عما يختلج في نفسيهما، يقول صبيحات: 

سجل يا قاضي سجل

واطلعوني غريبة، واطلعوني غريبة

أمي بالبيت تعيّط

وأختي تقول يا حبيبي، وأختي تقول يا حبيبي

سجل يا قاضي سجل

واطلعوني من العيلة، واطلعوني من العيلة

أمي بالبيت تعيّط

وأختي تقول يا ويلي، وأختي تقول يا ويلي

سجل يا قاضي سجل

واطلعوني من الحارة، واطلعوني من الحارة

أمي بالبيت تعيّط

وأختي تقول يا خسارة، وأختي تقول يا خسارة

سجل يا قاضي سجل

واطلعوني من البلد، واطلعوني من البلد

أمي بالبيت تعيّط

وأختي تقول للأبد، وأختي تقول للأبد

تتضمن هذه الأغنية تفسيراً آخر لمعنى “الغريبة”، لا يقتصر على معنى “الغريبة” القادمة من خارج القرية فحسب، وإنما على الغريبة التي تتزوج من عائلة غير عائلتها، حتى داخل القرية نفسها، في إشارة إلى خلق “حدود” داخل العائلة الواحدة أيضاً، تفرض على المرأة الزواج من أحد أبناء أقاربها، على اعتبار أن ثقافة “زواج الأقارب”، كانت الأكثر شيوعاً في تلك البيئة الاجتماعية، وحتى فترة زمنية ليست بالبعيدة. والملاحظ في هذه الأغنية أيضاً، التدرج الدلالي لمفردة الغريبة، فخروج العروس من “حارتها”، وذهابها إلى حارة أهل زوجها “خسارة”، أما خروجها من بلدها كلها عبارة عن فعل إشاري إلى “الأبدية”، وكأنّ خروجها من قريتها “علامة” على “الخلود” في بيت زوجها.   

لقد أسهمت “البيئة الاجتماعية” والزمن المحددين في شيوع مثل هذه المفردة، التي أوشكت، فعلياً، على الاندثار، فحتى ولو كان البعض ينطق بها، إلا أنّ مضمونها، المُشار إليه سابقاً، لم يعد موجوداً، ويعود ذلك إلى التطور المعرفي والتكنولوجي والحضري، وهي العوامل التي أسهمت في زيادة الاحتكاك بين المجتمعات، وتعزيز علاقة النّسب بين طبقات المجتمع كافة، إذ لم يعد هناك السؤال الاستدلالي “من أين عروسه؟”، بل أصبح هناك السؤال الفضولي عن “حال” العروس نفسها، ووضع أهلها، وقيمتهم في قريتها أو مدينتها أو مخيّمها، في إشارة تعبيرية إلى أنّ تلك المفرد، “الغريبة”، أوشكت على النسيان بالمعنى الريكوري -نسبة إلى الناقد الفرنسي بول ريكور-. أي أن آثارها بدأت بالزوال نتيجة “التفاعل الاجتماعي” بين أبناء المجتمع، ممن يعيشون في فضاء أوسع من الفضاء الأول الذي كانوا محددين فيه.

The post دلالة مفهوم “الغريبة” في الثقافة الفلسطينية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>