زينب هداجي - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/361rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:42:52 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png زينب هداجي - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/361rommanmag-com 32 32 حلّاقتي حزينة إلى الأبد… https://rommanmag.com/archives/21058 Mon, 28 Nov 2022 08:44:16 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%ad%d9%84%d9%91%d8%a7%d9%82%d8%aa%d9%8a-%d8%ad%d8%b2%d9%8a%d9%86%d8%a9-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%a8%d8%af/ منذ يومين كنت مستلقية فوق السرير بصدد قراءة كتاب “حضارة السمكة الحمراء” للصحفي الفرنسي برونو باسيو وإذ بإشعار وتساب يرد إلى هاتفي. إنها حلاقتي أرسلت لي تسجيلا صوتيا لتخبرني بأن إحداهن قد أعلمتها بأنني عدت من السفر. ثم سألتني هل أنا بحاجة إلى خدماتها…   كان الأمر غريباً بالنسبة لي، فحلاقتي الفرنسية هنا في جيبوتي […]

The post حلّاقتي حزينة إلى الأبد… appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
منذ يومين كنت مستلقية فوق السرير بصدد قراءة كتاب “حضارة السمكة الحمراء” للصحفي الفرنسي برونو باسيو وإذ بإشعار وتساب يرد إلى هاتفي. إنها حلاقتي أرسلت لي تسجيلا صوتيا لتخبرني بأن إحداهن قد أعلمتها بأنني عدت من السفر. ثم سألتني هل أنا بحاجة إلى خدماتها…
 

كان الأمر غريباً بالنسبة لي، فحلاقتي الفرنسية هنا في جيبوتي تدّعي دائما بأن كل وقتها محجوز لمدة أشهر في المستقبل وأنه لا يوجد مكان شاغر لأي زبونة جديدة. استغربت اتصالها وشعرت بنوع من الحرج غير المبرر في الحقيقة.. منذ أشهر، قررت أن أتخلى عن كل أنواع العلاجات الكيميائية لفرد الشعر وكذلك مستحضرات صبغ الشعر وأن أتقبل بشكل نهائي شعري المجعد. لقد سئمت الجري إلى صالون التجميل في كل مرة تنمو فيها جذور شعري بعد مضي مدة على معالجته. لم أعد أتحمل ذلك الذعر الذي ينتابني في كل مرة أسرّح فيها شعري باستخدام الحرارة عند الحلاقة ثم يتبخر ذلك المفعول بمجرد أن أتعرق قليلاً. كنت أقضي الكثير من الوقت لدى صالونات التجميل وكذلك على شبكة الإنترانت باحثة عن أحدث المنتجات أو الماركات العالمية لفرد الشعر المجعد/ الإفريقي وتحويله إلى شعر ناعم كالحرير. 

بدأت رحلة المعاناة مع شعري منذ الطفولة. نشأت في حي تسكنه فتيات من ذوات الشعر الناعم والطويل بينما كنت نحيلة سمراء ذات شعر مجعد وجاف. وهي مصادفة سيئة وغريبة. مازلت أذكر أيام الآحاد بالكثير من المرارة حتى اليوم. كانت أمي تُحممني ثم تُجلسي أرضا وتضع إحدى رجلي تحت رجلها حتى لا أفلت عندما تجذب شعري بالمشط بعنف لتصنع لي الضفائر. وذلك لتجنبني تنمر الأطفال في المدرسة والحي على شعري المنكوش ولتحس بكونها أما لا تقصر في واجباتها وتعتني جيدا بطفلتها.  

عندما أصبحت في سن المراهقة توترت علاقتي بشعري أكثر فأكثر. صرت أطالب كل يوم أحد بثلاثة دنانير بتسريح شعري عند صالون التجميل.  ويتزامن ذلك الطلب عرض تراجيدي لفرقة العائلة: تستهل أمي العرض بوصلة طويلة تذكرني بأن ميزانية العائلة لا تتحمل مثل هذه المصاريف وبأنني أنانية ولا أفكر إلا في نفسي… ثم ينهي أبي كل هذا عندما يمد يده إلى جيبه ويمدني بالنقود بكثير من الامتعاض الظاهر على ملامح وجهه. أما أنا فأذهب إلى صالون التجميل لأحجز مكاني في طابور الانتظار الطويل…

عندما دخلت الحياة العملية صرت أنفق جزء كبيراً من راتبي على مستحضرات العناية بالشعر وصالونات التجميل. 

صرت أعيش حالة من الهلع المتواصل بسبب ذلك. أحيانا تراودني كوابيس بأنني صرت صلعاء. أصبح كل ذلك يخنقني… منذ أشهر قمت بحذف تطبيقي فايسبوك وإنستغرام من هاتفي الذكي. ولكني بالرغْم من ذلك لست بمنأى عن الوابل الإشهار الذي يسطو عليا من كل مكان: غوغول، يوتوب وغيرها من التطبيقات… كنت أعتقد مثل الكثيرين بأن العالم الرقمي هو عالم لحرية التعبير والاختلاف. لكن هذا الاعتقاد أصبح مجرد حلم انتهى مع الفجر الأول للأنترنت. أما اليوم فالخوارزميات والروبوتات تعمل بلا توقف على جعل المستخدم أكثر انغلاقا على ذاته ومستسلما لمعتقداته وأفكاره المسبقة. لقد اشتريت منتجات غالية للعناية بالشعر فقط لأنني شاهد إعلانا للترويج لها من قبل إحدى “المؤثرات” على شبكات التواصل الاجتماعي. 

الآن أصبحت أدرك بأنني كأي شخص أمي قد انسقت وراء ما يعرض أمام من منتجات وأن مناعتي من التلاعب والتوجيه تضعف كلما أكلت مدة استخدامي لمنصات التواصل الاجتماعي. لم تحمني ثقافتي وكل تلك الكتب التي قرأت من الوقوع في الفخ. فخ نكران الكثير من النساء لهويتهن الإفريقية ولا سيما نساء شمال افريقيا مثلي. تعرض الشعر الإفريقي إلى الكثير من الإساءة الرمزية لعدة قرون، فوقع وصفه بأبشع النعوت: خشن جدًا، وغير منضبط، ومشتت للغاية أو قبيح! يمكن للضغوط المجتمعية أن تدفع النساء إلى تغيير هذا الاعتقاد القائل بأن الشعر الإفريقي ليس شعرًا جميلا. ويعود ذلك إلى تاريخ طويل من الانبهار بالمستعمر الأبيض الذي بتواجد على الضفة المقابلة من البحر الأبيض المتوسط. هذا المستعمر نفسه من يصنع مستحضرات معالجة الشعر الإفريقي وتمثل بلدان العالم الثالث سوقا مربحة له. النساء من أصول إفريقية ينفقن أكثر من غيرهن على الشعر. حيث ينفقن ما يقارب تسع أضعاف ما يفقه غيرهن من الأعراق الأخرى على منتجات العناية بالشعر والشعر المستعار.

ضف إلى ذلك 473 مليون دولار من إجمالي العناية بالشعر، و 127 مليون دولار من أدوات العناية بالشعر ضف إلى ذلك 465 مليون دولار في مستحضرات العناية بالبشرة وننفق 1.1 مليار دولار على الجمال سنويًا (يشمل ذلك الشعر المستعار، ومتاجر مستحضرات التجميل المستقلة ، والتجارة الإلكترونية ، والأدوات و الأجهزة).

وفقًا لبيانات السوق والمستهلكين العملاقة Statista، تم قياس القيمة الإجمالية لسوق العناية بالشعر في بريطانيا العظمى عند 1.72 مليار جنيه إسترليني في ديسمبر 2019؛ مع إنفاق النساء البريطانيات من أصول إفريقية ست أضعاف ما ينفقه نظرائهن من البيض. للأسف لم أتمكن من الحصول على أي إحصائيات في العالم العربي عن مستوى إنفاق النساء على معالجة الشعر المجعد أو غيره من المستحضرات الكيميائية. ولعل ذلك يدخل في باب الإنكار الآنف ذكره. فعندما أطرح السؤال باللغة العربية على غوغل فإن نتائج البحث التي تظهر لي ليست سوى إعلانات لمستحضرات لفرد الشعر وصالونات تجميل وفي ذلك تأكيد لفكرة أن الخوارزميات في زمن الرأسمالية الرقمية تعمل لغايات تجارية فقط. لقد أصبت بالصدمة عندما قرأت مقالا عن سيدة أمريكية من أصول إفريقية تُدعى “أنجلا والكر” أنها دفعت حوالي 20000 دولار لمعهد تجميل لم تعلمها كيف تعنتني وتقص وتصفف الشعر الإفريقي. كما أنه في ولاية ماريلاند لا تمنح إجازات لمُصففي الشعر الذين يشتغلون بالشعر الإفريقي الطبيعي أو تجديل الشعر. وسيدة أخرى تدعى “إيزيس برانتلي” تعرضت للاعتقال من قبل رجال الشركة سنة 1997 لأنها لا تملك رخصة لمزاولة مهنة مُصففة ومُجدّلة شعر طبيعي دون رخصة.

منذ مدة صرت أشعر بعدم الارتياح النفسي بسبب عدم اعترافنا كنساء من شمال إفريقيا بهويتنا. هذا الإنكار ولّد عندي حالة من الاستلاب. أصبحت أشعر لأنني أعيش بهوية مزيفة وأستذكر كل العبارات العنصرية التي تتعرض لها النساء من ذوات الشعر المجعد في الشارع التونسي: رأس لمِكْنَسَة، رأس النخلة، الشعثاء، الغولة، البشعة… 

استسلمت أخيرا لهرسلة الحلاقة وحجزت موعداً بعد الظهر. استغربت عندما رحبت بي بشكل مبالغ فيه على غير عادتها ثم انطلقت في الكلام كالمذياع: “أهلا وسهلا. لقد اتصلت بك لأنني سأسافر بعد أسبوعين وأكيد أنك تريدين معالجة شعرك بالكرياتين وتعديل القصة والصبغة وذلك يتطلب وقتاً كثيراً كما تعلمين… كما أنك لم تجيئي إلى الصالون منذ مدة طويلة…”

صمت لبرهة ثم قلت لها:” لقد توقفت عن فعل كل هذا. جئت فقط لقص أطراف الشعر. لقد قررت أن أتقبل نفسي كما أنا…” لقد قلت ذلك وأنا أنظر في عينها مباشرة. لاحظت أن سنحتها تبدلت بعد سماع كلامي ثم أشعل سيجارة دخنتها على عجل قبل أن تغسل شعري. وعند الانتهاء من قص الشعر قالت لي: “شعرك جاف جداً يجب أن تعتني به أكثر. ولا تضعي له الزيوت فهي غير مفيدة. منذ قليل كنت مضطرة لغسله بالشامبو ثلاث مرات…”

قُلت لها وأنا أغادر الصالون: ” شكراً. سأفعل ذلك”.

The post حلّاقتي حزينة إلى الأبد… appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>