إيمان بديوي - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/362rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 22:20:05 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png إيمان بديوي - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/362rommanmag-com 32 32 «الطوفان» لعزمي بشارة: السياسية والأخلاق والقانون في ميزان القضية https://rommanmag.com/archives/21662 Mon, 07 Oct 2024 05:23:36 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%88%d9%81%d8%a7%d9%86-%d9%84%d8%b9%d8%b2%d9%85%d9%8a-%d8%a8%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%84%d8%a7/  يمرُّ اليوم عام على عملية “طوفان الأقصى” التي تبعها عدوانٌ على قطاع غزّة، وهو عدوان غير مسبوقٍ في تاريخنا الحديث، وما زلنا نعايشه. وعلى الرغم من أن هذا الحدث كبيرٌ وممتد، ولم تُعرف خواتيمه بعد حتى يُتمكّن الإلمام به، إلّا أنه في ظلّ حربٍ طرحت بتجلٍّ مسألة الشرِّ المطلق، أدرك عزمي بشارة “حدود موقعه” في […]

The post «الطوفان» لعزمي بشارة: السياسية والأخلاق والقانون في ميزان القضية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

 يمرُّ اليوم عام على عملية “طوفان الأقصى” التي تبعها عدوانٌ على قطاع غزّة، وهو عدوان غير مسبوقٍ في تاريخنا الحديث، وما زلنا نعايشه. وعلى الرغم من أن هذا الحدث كبيرٌ وممتد، ولم تُعرف خواتيمه بعد حتى يُتمكّن الإلمام به، إلّا أنه في ظلّ حربٍ طرحت بتجلٍّ مسألة الشرِّ المطلق، أدرك عزمي بشارة “حدود موقعه” في الأزمنة الصعبة، مجسّدًا “الانحياز  للحقيقة” فيه، في كتابٍ عنوانه “الطوفان: الحرب على فلسطين في غزّة“، الرؤية الشمولية في قراءة العدوان المستمر على قطاع غزّة وتحليله وفهمه، ضمن إطار استهداف كامل فلسطين التاريخية التي ما القطاع إلّا جزءًا منها. وهو ما قدّمه بشارة بتحليلٍ نقديّ وموضوعيّ شامل، ارتكز على الأبعاد السياسية والعسكرية والقانونية  والقضايا الأخلاقية، مع تفكيك الأحداث والربط بين واقع غزة والسياسيات الإسرائيلية ضدّ الفلسطينيين.

يتكوّن الكتاب من أربعة فصول، تبدأ بتحليل مشهد طوفان الأقصى؛ من الدوافع إلى التنفيذ، وحتى التداعيات وحديث “اليوم التالي”، ثمّ ينتقل بشارة إلى نقاش القضايا الأخلاقية من حيث أفعال المقاومة وأفعال الردّ عليها، التي تحيل تلقائيًا إلى إزدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين، تلك المعايير التي كشفت عنها غزّة بوضوح. خصّص بشارة الفصل الثالث لطرح ثالوث السياسة والأخلاق والقانون الدولي، في إطار تضمّن “الإبادة الجماعية”. وختم كتابه بفصلٍ شمل توصيفًا للحرب على غزة وتحليلًا لها، مع طرح ما أسماه “أسئلة المرحلة”. يستعرض هذا المقال ويناقش أبرز القضايا التي كتبها وحلّلها ونقدها بشارة بأفكارٍ وتوثيقات أطّرت لفهم خلفية “الطوفان” وأبعاده على مختلف الأصعدة، إلى جانب ما يطرحه من تساؤلات. 

“لم يَغمُر الطوفان الأرض من العدم”

يفتتح بشارة كتابه بفصلٍ مخصّص لنقاش خلفية الطوفان بإيجازٍ، غير أنه إيجازٌ مكثّف، وفيه خطٌ ناظم للقارئ، ينتقل معه من تفنيد المقولة الإسرائيلية التي تسوّق عدم احتلال القطاع بدعاية الانسحاب أُحاديّ الجانب في عام 2005، التي بها يغيب أي مبرر لأهليته بالعمل المسلّح ضدّ إسرائيل، وذلك عبر مرتكزين: الأول يستند إلى أن القطاع ليس وطنًا، وإنّما جزء من الوطن (فلسطين)، والانسحاب منه لم يعنِ نهاية الاحتلال؛ والثاني يكمن في أن الانسحاب لم ينزع عن القطاع الاحتلال، وإنّما استبدلته إسرائيل بصورٍ أخرى من خلال التحكّم بمنافذها وسكّانها وحصارها. وبذكر تداعيات هذه الأخيرة وتحليلها من مختلف الجوانب والأبعاد، يؤطر بشارة لمشهدية القطاع ودورها في بواعث الطوفان، ثمّ ينتقل إلى الأجزاء الأخرى، فيصف حالة الضفّة الغربيّة نتيجة تكثيف الاستيطان، واستهداف مجموعات المقاومة، وتفاقم معاناة الأسرى في السجون الإسرائيلية. ويربط هذا كلّه بحكومة نتنياهو التي تشكّلت في أواخر عام 2022 بطابع يمينيّ، والأكثر تطرّفًا في تاريخ دولة الاحتلال. ثمّ يبيّن بشارة تزامن هذا المشهد الداخليّ مع واقع تهميش القضية الفلسطينية المتمثّل بالتطبيع العربي-الإسرائيلي الذي تجتهد أمريكا فيه. ويرى في هذا كلّه شروطًا لفهم الطوفان وتفسيره، ما قد يكون محاولةً من قيادات حماس في ” تغيير قواعد اللعبة”، يمكن فهمه ليس بطبيعة الفعل الميدانية فقط، وإنما في حال أدركنا البُعد السردي والرمزي للعملية وتعبيرات الغضب ونزع الحق بوصفها أفعالًا رمزيةً في الفعل العسكري للعملية.

أمّا عن التنفيذ، يؤكد بشارة أن الحسابات كانت “خاطئة” لمن قرّر وخطط، على الرغم من التحوّل الكبير في طبيعة المقاومة الفلسطينية المنعكس في عملية الطوفان التي امتازت بالسِمَة العسكرية والنظامية إلى حدٍّ ما، وببيان قدرة حماس بصفتها فصيلًا مسلّحًا على إطلاق “عملية حربيّة” فيها تجاوزٌ “للمنطق الدفاعي الردعي” الذي ترتكز عليه استراتيجية الكفاح المسلّح. ويحيل بشارة ذلك الخطأ (بأن تكون الاستراتيجية “هجومية”) إلى ميزان القوى بين حركات المقاومة في فلسطين وإسرائيل والأوضاع الإقليمية. غير أنه يبيّن أن هذا الرأي ينبع من الناحيتين السياسية والاستراتيجية، مع التأكيد على أن الردّ الإسرائيلي على الطوفان لم يكن متوقعًا، وافتراض توقّعه يعني أن الحركة بادرت بهجومٍ “انتحاريّ” لها، الأمر الذي يُعتبر مستحيلًا. وبهذا كلّه وازن بشارة بين مشروعية المقاومة والحاجة إليها، وتعريضها لنقد بنّاء.

ردّات الفعل والتغطية الإعلامية: بين الدعم والتواطؤ والحرب على الوعي

لم تقتصر جبهات الحرب على الساحة الميدانية للقتال والعدوان، فمنذ اللحظات الأولى للطوفان شكّلت الساحة الإعلامية، وما زالت، جبهة لا يستهان بها لإدارة الحرب وتشكيل الوعي بها والرأي عنها، ثمّ المواقف منها وحولها. وانطلاقًا من هذه الأهمية للإعلام، كذلك محوريّتها وبُعدها الوظيفي، عمل بشارة على نقد التغطية الإعلامية ودور انحيازها المسبق لآلة الدعاية الإسرائيلية في تشكيل السياسة الدولية؛ إذ ربط بين الدعاية الإسرائيلية والسيطرة على الرواية الإعلامية العالمية، لخلق تحيّز إعلامي ضد الفلسطينيين وسرديتهم (دعشنة القطاع)، ثمّ بيّن التحول في المواقف الشعبية الغربية التي بدأت تنفصل عن التفافها حول ما هو رسميّ، وتشكّل حراكات تضامنية وتظاهرات واحتجاجات مبتكرة وعابرة للقوميات وللحدود، وهو ما بدأنا نتلّمسه منذ أدركنا تأثير الإعلام البديل، أو الإعلام الاجتماعي (السوشيال ميديا)، في نشر الرواية الفلسطينية وإعادة تشكيل الرأي العام الدولي والوعي العالمي بمجريات الحرب وبالقضية الفلسطينية، وبالسرديات التقليدية حول المقاومة الفلسطينية. وقد ساهم ذلك في إنتاج خطاب داعم على الساحة الدولية، مستندًا إلى الحقائق التي بدأت تزعزع الاستراتيجية الدعائية لإسرائيل، المعتمدة على استخدام  التضليل و”الذاكرة التاريخية المؤدلجة” و”الخوف الوجودي” للتعبئة وتجييش الإسناد والتضامن.

أدت الساحات العربية دورًا في الحراك، وشكّلت حدًّا فاصلًا بين التضامن الشعبي مع الفلسطينيين، ومقارنته بردّات الفعل الرسمية للدول العربية، وكيفية تعامل كلٍ منهما مع الأحداث. وبالنسبة إلى الساحة الإيرانية، قدّم بشارة تحليلًا تفصيليًا  للدور الإيراني ودور الفاعلين من غيرها من الدول في الدعم وفتح جبهات الإسناد، إلى جانب دور أوروبا والولايات المتحدة في العدوان المستمر، ودعمهما المطلق لإسرائيل، ذلك الدعم الذي ما زال يشجّعها على تنفيذ استراتيجياتها المتبعة في الهجوم، التي لم تقتصر على القطاع، وإنّما (بعد نشر كتاب بشارة) وصلت إلى الضفة الغربية بكثافة أكبر، وامتدّت إلى قلب طهران باغتيال إسماعيل هنية، ثمّ اتّسعت، فارتفعت وتيرة التصعيدات بين إسرائيل وحزب الله، حتّى حوّلت إسرائيل جبهة لبنان من جبهة إسناد إلى جبهة حرب شاملة اليوم، على الأقل من طرفها، بعد أن نفذت سلسلة اغتيالات استهدفت الهيكل التنظيمي للحزب حتّى رأسه، الأمين العام حسن نصر الله، وقررت بدء الهجوم البري في لبنان.

ومن جهة أخرى، ذكر بشارة الاستراتيجيات الإسرائيلية المتّبعة في الهجوم، مع تبيان أهدافها من منظور السياسات الإسرائيلية الأوسع تجاه القضية الفلسطينية، التي بكشفها يمكن فهم العنف الإسرائيلي الممنهج ضدّ الهوية والمقاومة والصمود الشعبي، باعتبار أن العقوبات الجماعية ضدّ كامل الشعب، بالحصار والتجويع والنزوح والدمار البيئي والخدماتي والعمراني وتفاقم الأزمة الإنسانية، تُعدّ استهدافًا استباقيًا لتحييد أي محاولات مستقبلية على غرار الطوفان، من خلال كيّ وعي الشعب وإيمانه بجدوى المقاومة، ما إن قورنت بتداعياتها. كما أنها محاولة لاستعادة هيبة الردع التي قوّضتها حماس في السابع من أكتوبر باستهدافها الرمزي والعسكري لمنظومة الأمن الإسرائيلية وتفوقها الاستخباراتي.

التحديات الأخلاقية والقانونية وإعادة تعريفها في زمن الطوفان

استعرض بشارة مفاهيم أخلاقية ومعايير وقيمًا إنسانية في ظلّ الحرب، وقدّم نقاشًا يحاول الموازنة بينها وبين الضرورات السياسية للمقاومة الفلسطينية، في حرب يرى في زمنها “طمسًا لحدود الأخلاق في غمرة التجييش والاستقطاب السياسي والهويّاتي”. وفي هذا السياق، حلّل كيفية تشكيل هذه الحرب للهويات الوطنية للجانبين، الفلسطينيين والإسرائيليين، في إطار الكيفية التي تعيد بها تشكيل الوعي الوطني بما ينعكس مباشرةً في الخطابات السياسية والإعلامية والأممية.

كما عمل بشارة على وصف الأحداث وتشخيصها بتبيان كيفية انطباق مفاهيم “الإبادة الجماعية” و”الجرائم ضدّ الإنسانية” عليها، بناءً على الوقائع المثبتة؛ ففي إطار نقد تفاعلات المجتمع الدولي مع ما يحدث من انتهاكات صريحة، يجادل بشارة أن الممارسات والسلوك الإسرائيلي يعدّان شكلًا من أشكال “الإبادة الجماعية”، طالما هناك خطط ممنهجة ومنظّمة لاستهداف الهوية الوطنية الفلسطينية. ووافق بشارة بين تعريفه للمصلحات التي استخدمها والتعريفات النظرية لها في القانون الدولي.

وفي الوقت الذي تستمر فيه الحرب وتمتد في الجبهات الأخرى في المحور، لبنان خاصةً، ومع فشل المحاولات السياسية والدبلوماسية في كبح آلة القتل الإسرائيلية، وعلى الرغم من التصاعد السريع في الأحداث على نحو غير متوقّع، فإن الجوانب الأخلاقية والقانونية التي قدمها بشارة لا تزال تُقرأ في إطار الأحداث الجارية من وقت نشر الكتاب في مايو 2024، حتّى اللحظة الآنية. ولا تزال إسرائيل توظّف مفهوم “اللاسامية و”حق الدفاع عن النفس” في تشريع انتهاكاتها كافة، والممتدة من الفلسطينيين إلى اللبنانيين واليمنيين والسوريين والعراقيين. مهما فاق حجم الردّ الفعل ذاته.

خاتمة

ربط عزمي بشارة في كتابه بين عملية الطوفان والمشهد السياسي الفلسطيني والدولي والإقليمي، وكيف ساهمت في إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية وتغيير استراتيجيات المواجهة بين إسرائيل ومحور المقاومة، وحاول تقديم فهم عام للديناميات الجيوسياسة في المنطقة. كما نقد السياسات التي اتّبعتها الأطراف المختلفة في تحليل ردّات الفعل، من دون أن يغفل دور الانقسام السياسي الفلسطيني في تقويض المقاومة واستثمار جهود بناء دولة، الأمر الذي يجعل من الكتاب مرجعًا مهمًا في وصف الأحداث وتشخيصها وقراءتها، بمزيج يجمع بين الأبعاد الأخلاقية والسياسية والقانونية والتاريخية، بما يحقق موازنة وتكاملًا بين الخلفيات المتعددة للحدث وتداعياته، ويضعنا جميعًا أمام انكشاف مع الذات في مواجهة أنفسنا بأسئلة المرحلة.

The post «الطوفان» لعزمي بشارة: السياسية والأخلاق والقانون في ميزان القضية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
تجذر الوعي الثوري: قراءة للمسافة صفر (٢/٢) https://rommanmag.com/archives/21615 Mon, 05 Aug 2024 08:20:11 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%aa%d8%ac%d8%b0%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b9%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%b1%d9%8a-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%84%d9%80-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%b5%d9%81%d8%b1-2/ يقول درويش: لم يسألوا: ماذا وراء الموت؟ كانوا يَحفظُون خريطةَ الفردوس أكثرَ من كتاب الأرض, يُشْغِلُهُمْ سؤال آخر: ماذا سنفعل قبل هذا الموت؟  …  (( اُلموت لا يعني لنا شيئاً. نكونُ فلا يكونُ. اُلموت لا يعني لنا شيئاً. يكونُ فلا نكونُ))   ثنائية الجسد المشتبك والوعي: ينطلق المدخل الثاني للقراءة من النظر إلى عمليات “المسافة […]

The post تجذر الوعي الثوري: قراءة للمسافة صفر (٢/٢) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

يقول درويش:

لم يسألوا: ماذا وراء الموت؟ كانوا
يَحفظُون خريطةَ الفردوس أكثرَ من
كتاب الأرض, يُشْغِلُهُمْ سؤال آخر:
ماذا سنفعل قبل هذا الموت؟ 

 (( اُلموت لا يعني لنا شيئاً. نكونُ فلا يكونُ.
اُلموت لا يعني لنا شيئاً. يكونُ فلا نكونُ))

 

ثنائية الجسد المشتبك والوعي:

ينطلق المدخل الثاني للقراءة من النظر إلى عمليات “المسافة صفر” بوصفها عمليات استشهادية؛ إذ إنّ اللحظة التي يتقدم فيها المقاوم الفلسطيني من أقوى آلة يتحصّن فيها الجندي الإسرائيلي، واضعًا عبوته الناسفة عليها من “النقطة صفر”، هي لحظة يُمارس فيها فعل الموت، ومشهد لأجساد معلقة بينه وبين الحياة. من هذا التوصيف، نحاول فهم قيمة الصفر في المشاهد التي يبثها الإعلام العسكري لمقاومين “يَصْعَدون إلى حَتْفِهِم بَاسِمين”- بالتوصيف الدرويشي- من منظور الوعي بما هو مُدرِكٌ لطبيعة سياسات تطويع الاحتلال للجسد الفلسطيني أو قتله كَمُدرَك. ذلك ما تأسس عليه أهم أوجه معاني الجسد الفلسطيني ورمزيته في المجال السياسي والثقافي بوصفه مشكَّلًا بخطابهما، وتعبيرًا هوياتي عن عقيدة المقاومة والكفاح المسلّح. 

من هنا، نقرأ قيمة المسافة الصفريّة للمقاومة من قيمة اختيار الموت وإنتاجه بوصفه ما يلي:

١- الموت كممارسة تحرّريّة

من المهم في محاولة تكوين فهم شمولي لدوافع العمليات التي يستخدم فيها الفلسطيني جسده كأداة لمواجهة الاستعمار والمستعمِر أنّ ننظر في توصيف هذه العملية وتسمياتها من داخل السياق الواقعة فيه. مثلًا؛ الخطابان الاستعماري الإسرائيلي والغربي يسمّون تلك العمليات ب”العمليات الانتحارية”، فترتب على ذلك خطاب يهمّش أهم دوافع هذه العمليات ويرتكز على الأبعاد الدينية (بالتركيز على مفاهيم الإرهاب و الإسلاموفوبيا) والاقتصادية والنفسية. بينما فهم هذه العمليات من خلال تسميتها “بالعمليات الاستشهاديّة” ومن داخل سياق الفاعلين والشاهدين عليها يبلور أبعاد أخرى وينفي بعضًا مما بلوره الخطاب المضّاد. فالكثير من الروايات والشهادات ووصايا الاستشهاديين، وبعض الأدبيات الباحثة في هذه الظاهرة تثبت أنّ الباعث لهذه العمليات لا يقتصر على ما هو إيماني ديني، بل أنّ هناك أبعاد وطنية، وأيديولوجية ثقافية، فرضها وجود الاحتلال واستمراره. 

بمعنى أنّ أبعاد العمليات الاستشهادية ليست دينية عقائدية فقط، وإنما وطنية وسياسية واجتماعية. وهي ثقافة جمعيّة تتعدى ثقافة الفرد الفلسطيني. بالتالي من المهم فهم العمليات الاستشهادية في اعتمادنا على الجسد كوحدة تحليل، ليس فقط من منظور الرؤية الجهادية تجاه الموت الاستشهادي (جسد الشهيد)، بل بالتركيز أيضًا على الرؤية التحررية تجاه (الجسد المستعمَر) التي تعدّ الموت الاستشهادي شكلًا لمقاومة الجسد الفلسطيني في سياق العنف الاستعماري. 

(بالعودة مرة أخرى لعماد عقل، ننظر إلى ما خاطب به رابين في أول ظهور له عبر الإعلام (سبق ذكره))

 

إنّ تاريخ النضال الفلسطيني تاريخ مليء بالعمليات الاستشهادية بتعدد أنماط وأشكال ممارستها. لكن لمقاربة المشهد أكثر سنعتمد على مثال العمليات العسكرية الجارية في قطاع غزّة بين جيش نظامي وقوة فدائية. الجندي في الأول يقاتل من داخل أكثر الآليات العسكرية تحصينًا وحماية له مع إمداد حاضر ومستمر من الجو والأرض والبحر، بينما المقاوم في الثانية يخرج بلباسه العادي، حافي القدمين، عاريًا من أدنى تدابير الحماية والإسناد. كما أنّ القتال في الأول هو وظيفة مؤسساتية مقابل راتب وامتيازات ماديّة، وهو جيش تكثر فيه المرتزقة وترتفع عروض المكافآت والحوافز. بينما يكون القتال في الثانية من أجل هدف جمعي معنوي؛ من أجل الشعب والثأر وإدراك الحق، بالإضافة إلى هدف مادي يتمثل في تحقيق التغيير. فهنا تكون “القيمة الأهمّ بالنسبة إلى الفدائيّ هي كونه واعٍ أنّه غير منكفئ عن القيام بدوره، ولا يهمّه أن تكون احتمالية استشهاده واردة جدّاً، إن لم نقل حتميّةً بحكم دوره، ما يهمّه حقاً هو تغيير الحالة الكائنة لحالة ما ينبغي أن يكون، أي مواجهة الاحتلال بهدف كسره وتحرير الأرض”(1).

ذلك من ناحية، ومن ناحية أخرى إنّ اختيار الموت الاستشهادي يعني أن الفلسطيني-الفدائي يرفض أن يكون هناك أي تمظهرات للسلطة الاستعمارية على جسده؛ فينتج موته الاستشهادي مقابل رفض الترويض في منظومة السجن/المعتقل، وأمام الاحتمالية اللحظية للموت في فضاء الاستعمار المغلف كليًّا بآلة القتل الإسرائيلية. وبهذا يقهر سياسة الموت الفلسطيني التي ينتهجها الاحتلال/في السياق الاستعماري؛ “لأن تحدي الموت وقهره يحمل في النهاية معنى للانتصار المعنوي على القهر والاضطهاد والاستعمار، لأن العيش تحت الاستعمار عبارة عن موت معنوي ووجودي”(2). كما يتحدّى أيضًا عنف سياسات التأديب والعقاب التي غايتها ترويض الجسد وصهر الوعي؛(بالمعنى الذي استخدمه “وليد دقة” في توصيف وتحليل أساليب التعذيب في السجون الإسرائيلية). بالتالي يترتب على هذه الهيئة للموت (الاستشهادي) إرادة ترفض تطويع الجسد الفلسطيني وتطويع الوعي الثوري الفلسطيني، وفي هذا وما يترتب عليه ويتصل فيه، يبيّن “إسماعيل الناشف” كيف”أن إرادة الخيار الجماعية التي تقف في أساس منظومة الشهيد بحد ذاتها تنفي رمزيًا سلطة النظام الاستعماري على إدارة شؤون الموت الجماعي الفلسطيني”(3).

٢- استعادة الجسد الفردي لجسد الأرض  

في إحدى محاور ورقته التي تناولت المشهد الثقافي الفلسطيني، يطرح الناشف ثلاثية (مقدسة ومترابطة ومتماسكة) للأجساد الفلسطينيّة، يقسمّها إلى: (جسد الأرض، الجسد الجمعيّ، الجسد الفرديّ) (4). يبيّن من خلالها جوهر الصراع الاستعماري في فلسطين، وأيديولوجيا الحركة الصهيونيّة التي سعت إلى شراء جسد الأرض بدايةً لتتمكن بعدها من فرض سيطرتها على الجسدين؛ الجمعي والفردي وتفككهما بممارساتها الاستعمارية. فكانت الأرض أساس الصراع حتّى جاءت النكبة؛ “لحظة فقدان جسد الأرض وما تلاها من فقدان للجسد الجمعيّ وتشرُّد ذلك الفرديّ في أصقاع شتّى”(5)، وهي اللحظة التي وضعت الجسد الجمعي في المركز، حتّى مرحلة أوسلو التي جعلت من الجسد الفردي واجهة للصراع والمقاومة معًا. هذا السياق التاريخي هو الذي أنتج الآني الذي “يتميّز بكونه لحظة الجسد بمادّيّته الفرديّة ومَجازيّته الجمعيّة بكلّ ما يحمل هذا التميّز من معانٍ تراجيديّة وتحرّريّة للمجموع الفلسطينيّ، من جانب، ومعانٍ تكثّف ورطة المستعمِر من خلال لولبيّة العودة إلى البدء أي الأرض/الجماعة/الفرد، من جانب آخر.” من هنا، بحسب الناشف، نشأ الفلسطيني الاستشهادي الذي يحاول كفرد أنّ يشتبك بفعله الفردي (الاستشهاد) مع الجماعة الفلسطينيّة. 

مما سبق، يتضح كيف أنّ جوهر المنظومة السياسية الاستعمارية يكمُن في الهيمنة على الفضاء الوطني ونفيه من خلال تشظية وشرذمة الحيز الجغرافي لفلسطين التاريخية وفصل السكان عن الأرض لمحو علاقتهم؛ بما يقضي إلى تغييب الطابع الوجودي للسكان الأصلانيين (الفلسطينيين) عنها؛ بهدف موضعة الاحتلال وتصنيع دولة إسرائيلية. بمعنى أنّ هذا المشروع الصهيو-غربي سعى لقيام الكيان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية من خلال العمل وفق سياسة محوريّة تقضي سلب وتقطيع الأرض الفلسطينية أولًا، وتشظية الفلسطينيين مكانيًّا لتفكيك الجماعة الفلسطينية كنتيجة لذلك، والتي ما إن انفكّت حتى عاش الفلسطيني الفرد باغتراب. 

هذه النظرية الاستعمارية ما زالت توجّه الفعل الإجرامي لإسرائيل لليوم وفق كل سياساتها الماديّة والرمزية في السلطة والعنف وفي الاستيطان وفي الرقابة والعقاب والتعذيب ومحو العمران وسرقة التراث وغيره. لكن، ها هو الجسد الذي تسعى الصهيونية إلى ضبطه وتطويعه وتصفية وجوده يقاوم من “المسافة صفر”، فَيُفشِل جدوى كل سياسات الهيمنة والبطش، بعد أنّ صار أداةً في الكفاح المسلّح”الذي يقرب المسافة بين الشهيد والوطن وينفي حالة الاغتراب عن جسد الأرض”(6)؛ وعليه تفشل المنظومة الاستعمارية لليوم في تحقيق ذلك لعدة أسباب؛ منها أن الوعي الثوري متجذّر في الثقافة الفلسطينية، وأنّ كل قيم التحرر والقيم التي توضّح علاقة الفلسطيني بالفلسطيني الآخر، وتحدد طبيعة وجوهر وأساس علاقة الفلسطيني بالآخر المحتل لم ينجح الاحتلال في سلخها عن المجتمع الفلسطيني بتعاقب الأجيال وتقادم الأيام، أو باتفاقيات السلام ومخططات التطبيع وسياسات الاحتواء والتنسيق الأمني. ذلك لأن شكل العلاقة مع الاحتلال هو ذاته، ثابت بثبات معنى استعمار الأرض في فضاء المجتمع الفلسطيني، مهما تباينت الأجيال واختلفت السياقات الزمانية والمكانية المتشظية بسياسات الاستعمار. بالتالي ينتج الوعي الثوري جيلًا فجيل؛ فيفشل الاحتلال في تفكيكه، لأن وجوده بالأساس؛ الوجود الاستيطاني والعسكري والسلطوي هو ما يولّد مقاومين ويفرض كل أشكال المقاومة. هذا ما يثبته الفرد الفلسطيني الذي يختار المقاومة عبر فعله الاستشهادي الذي “هو تطوير وبَلْوَرة لنمط مترسّخ بالوعي الجمعيّ الفلسطينيّ الذي يحدّد إمكانيّات عمل الفرد.”(7)

هذا العمل المتمثل بالموت الفردي هو فعل يتراكم على كل موت فردي سابق وينتج لِلاحق؛ كلهم يؤسسون لفعل العبور إلى ما هو جمعي لإعادة تشكيله وترسيخ حضوره لاستعادة ما هو أرضي جغرافي وتاريخي؛ “فالاستشهاديون يقدّمون بأجسادهم الدليل على حقيقة وجود الجماعة “(8)، لا سيما أنّ “الشهيد نفى مفهوم الجسد بادّعاء أنّ الجسد الفلسطينيّ الجمعيّ لن يعود، ولا يمكن له أن يعود إلاّ من خلال نفي جسد الفدائيّ الفلسطينيّ”(9). 

ذلك كلّه، ذلك الموت الاستشهادي الذي يكثر في المواجهة من النقطة صفر، نجد معناه وجدواه وغاية فاعله في قول الشاعر الفلسطيني “سعيد المزين” في نشيد “أنا يا أخي”- نشيد الثورة الفلسطينية: “حَملتُ رشاشي لتحمِلَ بعدنا الأجيالُ مِنجلْ”. 

ميراث الثأر: “يموت الموت ولا نموت” 

مرّ أكثر من سبع عقود ولم يَعِ العقل الاحتلالي الإسرائيلي حدّ اللحظة صورة الموت (الاستشهادي) للفلسطيني المقاوم، والإرادة التي تنتج هذا الموت وتختاره طواعية، ومعناه للفدائي بما هو ممارسته التحرّريّة. كما لا يزال يجهل فهم منظومة الشهيد عند هذا الشعب.هذا الاحتلال الدمويّ، خاسر كان وسيبقى؛ فهو لا يحارب الجسد الفلسطيني. هو في مواجهة مفتوحة ومستمرة مع فكرة فلسطينية أداتها الجسد، ومصدرها عقيدة إيمانية ووطنية واجتماعية، راسخة ومتجذّرة وممتدة ما تعاقبت الأجيال واختلفت السياقات الزمانية والمكانية؛ فالفكرة لا تموت وليست بناءً يقصف أو جسمًا ماديًّا يفجّر أو يعتقل أو يُعدم. 

بالتالي، يفشل الاحتلال في نفي الثوريّة عن الشعب الفلسطينيّ واحتواء أي ظاهرة لنشاطٍ مسلّح، وكل محاولاته في فرض الخوف والتراجع تثبت أنها الحافز والباعث للمزيد؛ فيتبين كيف أنّ الكفاح المسلّح هو أداة ذات طبيعة إنتاجية، لا يمكن القضاء عليها أمام كلّ حلول التسوية التي لم تحقق تطلعات الفلسطينيين وأهداف السلام وإقامة دولة فلسطينية. وأنّ كلّ شهيد يسقط عبره يصير رمزًا خالدًا في ذاكرة الشعب الفلسطيني والحاضنة الفلسطينية؛ مما يجعل الثأر له مقدس ويورث حتّى نحسنه من المسافة صفر.

كلّ ما سبق لا يعني أسطرة الفلسطيني، ولا أسطرة قدرته على التحمل أو نفي جسده. هذا أسطرة لفعل المقاومة وللإيمان بجدواها رغم كل انكشافات اليوم وتعرّي هذا العالم، ورغم فيض الخيانة والتخاذل والحياد. هذا أسطرة  للثأر بما هو حق ينتزع ولا يغيّبه زمان ولا سلام ولا تطبيع. وأسطرة للكفاح المسلّح القادر حتّى اليوم على أنّ يعيق جوهر المنظومة الاستعمارية القائم على فرض سيادة ماديّة ورمزيّة من شأنها تفكيك المجتمع الفلسطيني وقيمه الوطنية والاجتماعية ووسائله بالكفاح.

 

المراجع

  1. رياض ملحم، “خطابنا الثوري – نحو فهم وصايا الشهداء”، الأخبار، 24/9/2022، شوهد في12/1/2024، في: https://al-akhbar.com/Albilad/345796

  2. بلال عوض سلامة،”العمليات الاستشهادية الفلسطينية: تطور الجسد كأداة مقاومة، المستقبل العربي، مجلد38، عدد441(2015)،ص 68

  3. انظر: إسماعيل الناشف، صور موت الفلسطيني، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات: الدوحة، 2015)،ص68

  4. إسماعيل الناشف، “في اللا/تحوّل في الممارسة والخطاب :إشكاليّة الثقافيّ الفلسطينيّ”، قَدّيتا.نت،(16 أيلول/سبتمبر 2011)، شوهد في 14/1/2024، في: https://www.qadita.net/featured/esmail/

  5.  المرجع السابق

  6. بلال سلامة، مرجع سابق،75-76

  7. الناشف، “في اللا/تحوّل في الممارسة والخطاب :إشكاليّة الثقافيّ الفلسطينيّ”، مرجع سابق.

  8. مي جيوسي، “تشكل الذات وحالة الاستثناء: الجسد كموقع للمقاومة”، في: أليساندرو بيتي [وآخرون]، حالة الاستثناء والمقاومة في الوطن العربي، تحرير ساري حنفي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2010)، ص105

  9. الناشف، “في اللا/تحوّل في الممارسة والخطاب :إشكاليّة الثقافيّ الفلسطينيّ”، مرجع سابق.

The post تجذر الوعي الثوري: قراءة للمسافة صفر (٢/٢) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
تجذر الوعي الثوري: قراءة للمسافة صفر (١/٢) https://rommanmag.com/archives/21614 Mon, 05 Aug 2024 07:15:08 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%aa%d8%ac%d8%b0%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b9%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%b1%d9%8a-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%84%d9%80-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%b5%d9%81%d8%b1/ مثلثاتٌ ودوائر حُمْرْ كيف نقرأ “المسافة صفر”؟ من أين؟  في ماذا؟ عن أي (قيمة) للصفر نكتب وأيّها نُحلل؟  قيمته يوم العبور في اشتباك المقاومين مع عدوهم، في أراضيهم المغتصبة بعد سنوات الحصار من “المسافة صفر”؟ في عمليةٍ أجبرت الاحتلال على النزول من برجه العاجي المحصّن ليخوض “حرب المدن” التي يخشاها من “المسافة صفر”؟ نكتب عن […]

The post تجذر الوعي الثوري: قراءة للمسافة صفر (١/٢) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
مثلثاتٌ ودوائر حُمْرْ

كيف نقرأ “المسافة صفر”؟ من أين؟  في ماذا؟ عن أي (قيمة) للصفر نكتب وأيّها نُحلل؟ 

قيمته يوم العبور في اشتباك المقاومين مع عدوهم، في أراضيهم المغتصبة بعد سنوات الحصار من “المسافة صفر”؟

في عمليةٍ أجبرت الاحتلال على النزول من برجه العاجي المحصّن ليخوض “حرب المدن” التي يخشاها من “المسافة صفر”؟

نكتب عن تعرية إسرائيل وحلفائها من “المسافة صفر”؟ أم عن هذا المستعمِر وهو على “المسافة صفر” من النازيّة والوحشية والدمويّة؟

عن مجلس الأمن؟ المجتمع الدولي؟ الديمقراطيات؟ أو منظمات حقوق الإنسان بعد انكشافهم من “المسافة صفر”؟

عن خذلان من هو فينا ومنّا على “المسافة صفر”؟ عن حركاتنا للتحرر وجدواها من “المسافة صفر”؟

نكتب عن صورة غزّة وأهلها أمامنا من “المسافة صفر”؟ أو عن القضية والسرديّة الفلسطينيّة وهما على “المسافة صفر” من كلّ العالم؟

تحاول هذه المقالة أن تقرأ “المسافة صفر” المشار إليها في مثلثات ودوائر حُمْر. تلك التي جردّت المحتّل من هيبة ترسانته المحصنّة في أرضٍ يحرقها، ويغطيها بمقاتلات حربية وطائرات مسيّرة وإسناد مدفعي وصاروخي كثيف، حين جردّت الفلسطيني المقاوم من الخوف من الموت. فَقيمة الصفر هنا تكمُن في قهر الاحتلال الإسرائيلي وإعباط المشروع الصهيو-غربي، وحفظ جدوى طريق التحرير وحق تقرير المصير. هذه القيمة هي ما تجعلنا ندرك “المسافة صفر” في كلِّ ما سبق ثمَّ نقف عليها. 

إحياء إرث “المسافة صفر”

تنظر المقالة في مشهدية “المسافة صفر” في الحرب البريّة على غزّة من مدخلين مركزيّين؛ أولهم -في هذا الجزء- ينطلق من حيث علاقتها بإرث أعمال المقاومة القسّاميّة بما هي امتداد تاريخيّ لتجارب تمّ مراكمتها والبناء عليها. بمعنى أنّ القتال من “النقطة صفر”هو إحدى استراتيجيات العمل المقاوم التي بدأت منذ زمن بعيد وكانت محطة فارقة في تاريخ الكفاح المسلّح، وها هي تمتد اليوم لتدرج في مدى تاريخي جديد قد يؤسس لحركات جديدة كما كان للماضي منه دور في إنتاج كلّ ممارسات المقاومة في الحاضر. وعليه نقرأ قيمة الصفر في مسافة القتال في معركة اليوم بوصفها عقيدة في النشاط المسلّح، متجذّرة ومتوارثة. وهي ممارسة نضاليّة تخلّد ذكرى المقاومين الشهداء وخطاهم في الكفاح، وما تبثه الفصائل الفلسطينية من مشاهد اشتباكهم مع قوات الاحتلال المتوغلة في غزّة، يُحيي ذاكرة هذا النمط من المقاومة ويكثّف حضور فعل التذكّر لكثيرٍ من أحداثها. 

للتفصيل، يمكن أن ندرك فعل إحياء إرث “المسافة صفر” وإرث المقاومين في عمليات الالتحام المباشر التي تنشرها كتائب القسّام إن لاحظنا فيها التالي: 

١- استنساخ نماذج مقاومات بطوليّة

تعود ثقافة الاشتباك المسلّح من المسافة صفر إلى مهندسها وأول مقاتليها، جنرال كتائب القسَّام؛ “عماد عقل”. صاحب العمليات النوعيّة التي أضفت للصفر قيمة في سلسلتها الممتدة من شمال غزّة إلى قلب الضفة الغربية ثمّ إلى غزة مرّة أخرى. ولد عقل في مخيم جباليا عام 1971، واستشهد في عملية اغتيال إسرائيلية، في الشجاعيّة عام 1993. وبعمرٍ لم يتعدى 22 عامًا وبمسيرة نضاليّة لم تتجاوز الثلاث سنوات (1990-1993)، أسس عقل لنظرية “المسافة صفر” ونفذ عشرات الاشتباكات مع جنود الاحتلال وفق إستراتيجية القتال هذه، ما دفع بالاحتلال إلى أنّ يجنّد كلّ إمكانياته المادية والعسكرية والاستخباراتية وعروض المكافآت مقابل الحصول على معلومات عنه والتخلص منه، فهو “الذي جعل أسمى أماني رابين أن يستيقظ فيرى البحر قد ابتلع غزَّة ليتخلَّص منها ومن عماد”(1) . 

عام 1988 اعتقله الاحتلال بذريعة الانتماء لحركة “حماس” لمدة عام ونصف، ثم أُعيد اعتقاله عام 1990 لمدة شهر، حتّى”كان يوم الثُّلاثاء السَّابع والعشرين من شهر مارس عام 1990م يومًا لن ينساه الكيان الصُّهيوني على مرَّ تاريخه، فهو اليوم الذي خرج فيه عماد من السِّجن، وأقسم ألَّا تلمس أيدي الصَّهاينة جسمه إلَّا شهيدًا”(2). من هنا، بدء عقل عمله العسكري مع “كتائب القسّام” بعنوان “المسافة صفر”. ونفذ عمليات نوعية في قطاع غزّة، كشفت عن تطور العمل المقاوم والقدرة على الالتحام الميداني المباشر مع العدو. وعلى أثرها بدء الاحتلال بملاحقة عقل الذي أصبح لاحقًا الرقم”1″ في قائمة المطلوبين، فاضطر حينها للانتقال إلى الخليل، حيث بدء في تشكيل خلايا عسكرية تابعة لكتائب القسام وتنفيذ عملياتٍ نوعيّة، فعزز العمل المسلّح في الضفة الغربية، ونقل تجربة “المسافة صفر” في أسلوب المهاجمة الذي اعتمده في استهداف جنود الاحتلال ومركباتهم ومواقعهم العسكريّة. وعلى أثر هذا النشاط العسكري النوعيّ وتصاعد الهجمات، كثفت الاستخبارات الإسرائيلية جهودها للكشف عن المنفذين وملاحقتهم، وعليه قرر عقل العودة للقطاع ليكمل عمله المقاوم هناك ويشتبك ميدانيًّا مع العدو في عملياتٍ خلّدته في تاريخ النضال قائدًا شجاعًا و”أسطورةً” بوصف إسحاق رابين، وصاحب “الأرواح السَّبعة” لدى الاحتلال الإسرائيلي.

وبعد أنّ سَخّر الاحتلال كل إمكانياته الأمنية والاستخباراتية لاغتيال عماد عقل، يتبين اليوم أنّه استهدف جسدًا فقط، وأنّ نظرية عقل تتجلى بوضوح في أرض قطاع غزّة، وفي مخيّمات الضفّة الغربيّة، وعند الحواجز الممتدة على كامل التراب الفلسطيني. أي أنّ نموذج عقل هو نموذج يستنسخه الفلسطينيّ اليوم في عمله الفردي المقاوم، كمثال عمليات الشهيدين “عدي التميمي وخيري علقم”. وفي السنوات الثلاث الأخيرة تحديدًا، يعاد إنتاج تجربة النقطة صفر في اشتباكات الكتائب والمجموعات المسلّحة بالضفة الغربية،خاصةً في مخيمات جنين ونابلس وطولكرم وأريحا.

أيضًا، تجدر الإشارة إلى أنّ الهيئة التي يظهر فيها الناطق الرسمي لكتائب القسام “أبو عبيدة” في الإعلام العسكري، في ما يوجهه من خطابات وبياناتٍ يركّز فيها على التصريح عن عمليات “المسافة صفر” بين المقاومة والجيش الإسرائيلي. تلك الهيئة لمقاوم لا يرى المشاهد منه سوى لثامٍ وسبابة، ويقلدها الكبير والصغير بعد أن اتخذوا من صاحبها رمزًا وأيقونةً للنضال، هي صورة عودة للملثم القسّامي الأول، فهي تتشابه إلى حدّ كبير مع  أول وآخر ظهور إعلامي للقائد عماد عقل، في  8 نوفمبر 1993 قبل استشهاده بأيام. حين خرج ليوصل رسالته لأبناء شعبه وللكيان الصهيوني ولجنرالات العرب، وليقدم موجزًّا عن عمليات كتائب الشهيد عزّ الدّين القسّام، ويؤكد على أنهم يرفضون السلام وخيارهم مع الصهاينة هو العمل المسلّح (3).

بالتالي، يثبت الإعلام العسكري والحربي لفصائل المقاومة في ما يوثّقه اليوم من مشاهد للاشتباك من مسافته الصفريّة، أنّ سياسة إسرائيل في تفريغ حركات المقاومة من قياداتها بوصفهم المرجعية السياسية للتخطيط ورموزًا للمقاومة واستمرار النضال والكفاح المسلّح، هو أفشل هدف سياسي إسرائيلي؛ لأن اغتيال القادة يعظّم الثأر ويدفع بمقاوماتٍ متجددة، فأثبتت حماس وغيرها، منذ تأسيسها حتّى الآن، أن اغتيال القادة لم ينجح في تفكيك بنيتها لا القتاليّة ولا الفكريّة. وأنّ عماد عقل وأحمد ياسين، يحيى عياش، عدنان الغول، عبد العزيز الرنتيسي، محمد الزواري وغيرهم، ليسوا قيادات سياسية وعسكرية فقط. بل هم قيادات روحيّة للمقاومة وحركات التحرر، ورموز خالدة في ذاكرة الشعب الفلسطينيّ والحاضنة الغزّيّة والفلسطينيّة عمومًا، ومصدر إلهام لكثير من المقاومين الجدد. كما أنّ اغتيالهم و/أو استشهادهم في ساحات النضال نتج عنه بنادق وقذائف وصواريخ تدّك تل أبيب وتجهز على الجنود وآلياتهم وترسانتهم المحصنّة من المسافة صفر. 

٢- إعادة إنتاج نماذج مقاومات مكانيّة

إنّ المشاهد التي تنشرها القسام لعملياتها التي تتركز في الشجاعية، حي الشيخ رضوان، جباليا، حي الزيتون، وشمال بيت لاهيا، قادرة كلّها على أن تحيي لنا ذاكرة المكان نفسه لعمليات تمت بنفس التكتيك القتالي (المسافة صفر) بقيادة وتنفيذ عماد عقل. فتعكس تلك المشاهد المنشورة عودة الحدث ضمن سياق عام طوّره وبنى عليه، وتثري للمشاهد العلاقة التي تربط هذه النماذج بماضيها.  مثلًا، الشجاعية التي فيها نفذّ جنرال القسام عماد عقل عمليات أسفرت عن قتل جنود وإصابة آخرين، وفيها اغتيل بعد أنّ اشتبك حتّى الرصاصة الأخيرة، بعث منها اليوم جيل جديد يثأر له من حيث هو ثَأر؛من المسافة صفر. فبعد شهرين من القتال في المعركة البريّة، سحب الجيش الإسرائيلي اللواء “جولاني”، من قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي، من قطاع غزّة، بعد سقوط عشرات المقاتلين وإصابة العديد منهم في كمائن كتائب القسام. 

أضف إليه، أنّ شمال غزّة الذي فيه ومنه صورت وتصوّر عمليات كثيرة للاشتباكات الصفريّة، هو ذاته المكان الذي شهد أول عملية مصورة في تاريخ الكفاح المسلح، نفذتها أيضًا كتائب القسام بقيادة عقل، عام 1993 بحي الزيتون. ما أثارته هذه العملية التي سميت بعملية (مسجد مصعب بن عمير) يتقاطع مع المعاني الكامنة في العمليات الحالية باختلاف حجم الدلالة؛ فهذه العملية التي قُتِلَ فيها ثلاثة جنود واستولى فيها المنفذ عقل على أسلحتهم، شكّلت أزمة لإسرائيل على الصعيدين؛ الأمني والاستخباراتي؛ حيث بقيت الجثث على الأرض وصوّرتها الصحافة قبل أنّ يعلم الاحتلال بالحادثة،”ليُصبح حديث السَّاعة بين النَّاس: “الذُّباب شبِع من جثث جنود الاحتلال”(4).  

إنّ “هذه العمليَّة كانت سيلًا من فيضان الغضب القسَّاميِّ الذي ضخَّه القائد عماد عقل ورفاقه المجاهدون؛ الأمر الذي أرغم قائد القوَّات الصُّهيونيَّة “يوم توف سامية” على الاعتراف بكونها عمليَّةً معقَّدةً ومُحكمةً، وفضيحةً مُكتملةَ الأركان، فأنْ يأكل الذُّباب جثث الجنود المُدجَّجين بالسِّلاح في الجيش الأقوى في الشَّرق الأوسط!” وأنْ تصل التَّعزيزات العسكريَّة إلى المنطقة بعد ساعتين من تنفيذ العمليَّة، يعني ذلك نجاحًا استخباريًّا وعسكريًّا لكتائب القسَّام!”(5). وهذا ذاته ما أثبتته القسّام مجددًا في يوم العبور، في السابع من أكتوبر. أضف إلى ذلك، أنّ هذه العملية تمت قبل توقيع اتفاقية أوسلو بيومٍ واحد، ما يعني أنّ زمانيّة الاستهداف حملت رسالة مضمونها استمرار العمل المقاوم المسلّح ورفض التسويات.

من هنا، ومن حيث قدرة مشاهد الالتحام اليوم على استعادة إرث المكان وتنشيط فعل التذكّر، تكون “المسافة صفر” التي تكشف وهم الانتصارات الإسرائيلية في أرض المعركة البريّة، ممارسةً تخلّد تاريخ ومكان عمليات نوعيّة للكفاح المسلّح، وتكثّف رمزية المقاومة وتفكك سرديات جيش الاحتلال. 

الصفر كموقع للمقاومة 

تأسيسًا على كلِّ ما سبق، يمكن القول، أنّ جزءًا من فهم المسافة صفر وقيمتها وأثرها اليوم، يمكن أن يكون من خلال فهم تفاعل هذه العمليات مع سياقها التاريخي والثقافي والقيمي الوطني، ومقاربتها مع الذاكرة التي نمتلكها عن تاريخ عمليات المسافة صفر وتداعياتها على الحركة الصهيونية، لا سيما في إعاقة ممارسات سلطة الاستعمار وبنيته الساعية لطمس الهويات النضالية وتغييب أو نفي حركات التحرر والكفاح. هذا يدفعنا لملاحظة كيف أنّ لماضي الأحداث الواقعية سواء المحكيّة (مروية) أو المكتوبة من قبل الفاعلين أو الشاهدين؛ (أي التاريخ الشفوي والمكتوب لأعمال المقاومة ولجرائم الاحتلال) مساهمةٌ في تشكيل الأحداث اليوم وإنتاج الحاضر. بمعنى أنّ الرواية الفلسطينية هي رواية تحفظ وتتوارث، وتبني الكثير من مسارات النضال الفلسطيني، ما يعني أنّ لهذا التاريخ قيمة ثورية، وطنية، وتنشيئية تحررية من شأنها التأسيس لحركات وأنماط وأفعال مقاومة.

بالتالي، تكون إستراتيجية المسافة صفر ممارسةً تتصدى لسياسات العدو في محو الذاكرة الفلسطينية وتعطي معرفة عن تاريخ الهيمنة والعنف الاستعماري ودور الأفراد والجماعات في مقاومتها؛ حيث أنّ في ارتباطها بالقائد الشهيد عماد عقل تخليدٌ لإرث تلك الفترة الزمنية وإحياءٌ لقيمها. كما أنُها لا زالت تجذر الرفض للواقع الاجتماعي والسياسي في ظلّ الاستعمار. أضف إلى ذلك، أنّ التفاعل الشعبي الكبير مع مشاهد هذه العمليات يكشف أنّها فعل المقاومة الأكثر رغبوية لديهم؛ فيتبين أنّها ممارسةٌ تبني نقيض ما تحاول إسرائيل الترويج له، فتتحدّى الخطاب المهيمن وتدحض الكثير من المفاهيم السائدة بعد أوسلو، فتكون تعبيرًا عن عنفوان المقاومة الذي تحاول الحلول السلمية تغيبه وتهميش روح وتاريخ النضال الفلسطيني.

وعليه، قد تكفي معرفتنا عن دموية هذا الاستعمار وممارساته الإحلالية إلى جانب المعرفة بشكل المستقبل الفلسطيني في واقع التطبيع وتهميش القضية الفلسطينية، في أنّ تجعل من المسافة صفر مستقبلاً لآلية المقاومة وكيفية مواجهة الاحتلال وممارساته، لا سيما أنّ الحاضر يشهد أبشع ما يمكن أن تفعله آلة الحرب والقتل الاستعماري؛ وهذا كفيلٌ بأنّ يدفع بظهور مقاومين وتشكيل نماذج من العمل العسكري/المسلّح يكثّف حالة المقاومة من مسافتها الصفرّية، كما كان لإرث شهداء النكبة والمجازر والانتفاضات وسيرتهم النضالية مساهمةً في شكل حالات الاشتباكات الراهنة.

 

المراجع

  1. الإعلام العسكري لكتائب القسام: قسم التاريخ العسكري، مهندس المسافة صفر: السيرة الجهادية للشهيد القائد عماد حسن عقل، (غزّة: الهيئة العامة للشباب والثقافة،2022)، ص194

  2. المرجع السابق،ص40

  3. المرجع نفسه، ص175-176

  4. المرجع نفسه، ص170

  5. المرجع نفسه، ص172

The post تجذر الوعي الثوري: قراءة للمسافة صفر (١/٢) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الإعلام العسكري… جبهة أخرى لإدارة الحرب https://rommanmag.com/archives/21407 Wed, 13 Dec 2023 09:44:50 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b3%d9%83%d8%b1%d9%8a-%d8%ac%d8%a8%d9%87%d8%a9-%d8%a3%d8%ae%d8%b1%d9%89-%d9%84%d8%a5%d8%af%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1/ بين ظلّ وسبابة ولثام مع انطلاق عملية “طوفان الأقصى” في الساحة الميدانيّة للقتال، شكلت المقاومة الفلسطينية ساحة إعلامية موازيّة للأولى لإدارة حربها مع الاحتلال، ترشق فيها جبهته الداخلية تارةً والخارجية تارةً أخرى، وتجهز في كلتيهما على الرواية الصهيوغربيّة بسلاح خطابها السياسي وبيانها العسكري؛ بدءًا من الكلمة التي أعلن فيها القائد العام لكتائب القسام (محمد الضيف) […]

The post الإعلام العسكري… جبهة أخرى لإدارة الحرب appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

بين ظلّ وسبابة ولثام

مع انطلاق عملية “طوفان الأقصى” في الساحة الميدانيّة للقتال، شكلت المقاومة الفلسطينية ساحة إعلامية موازيّة للأولى لإدارة حربها مع الاحتلال، ترشق فيها جبهته الداخلية تارةً والخارجية تارةً أخرى، وتجهز في كلتيهما على الرواية الصهيوغربيّة بسلاح خطابها السياسي وبيانها العسكري؛ بدءًا من الكلمة التي أعلن فيها القائد العام لكتائب القسام (محمد الضيف) انطلاقة المعركة، مرورًا بالخطابات المتتالية للفصائل، سواءً كانت على لسان “أبو عبيدة” الناطق باسم كتائب القسام-الجناح العسكري لحماس (وهي الغالبة)، أو على لسان “أبو حمزة” المتحدث باسم سرايا القدس-الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.

يطرح هذا المقال الأدوار المركزيّة لخطابات القادة والناطقين العسكريين، الذين لم ترى الجماهير منهم إلّا ظلّ وسبابة ولثام! ورغم ذلك حظيت عالميًا ببعد تداولي وتفاعلي؛ وهذا ما سيحيل تباعًا إلى السؤال عن العوامل التي ميّزت هذه الخطابات لتكون فاعلة في تكثيف التفاعل مع المقاومة الفلسطينية وعملها الثوري المشروع.

البعد الوظيفي في البيان الخطابي

يستخدم هذا المقال مفهوم الخطاب بمعنى “التفاعل بين المتكلم والسامع”(١)، وهو ما توجهه المقاومة في كلّ مرةٍ عبر إعلامها العسكري والحربي للاحتلال الصهيوني، ولكلّ الشعوب الحرّة، ولأهل غزّة الصابرين المرابطين. وهو خطاب يمكن أن نلاحظ أن أبعاده الوظيفية تتجلى في ثلاثة أدوارٍ مركزيّة، هي:

  1. التعبئة وإنتاج حاضنة شعبية عالمية

ركزت المقاومة في خطاباتها الإعلامية على أهمية التأسيس لفعل التحشيد الشعبي مقابل ما تشهده من تحشيد دبلوماسي غربي يدعم إسرائيل في عدوانها عليها، لا سيما أنّ للبعد التعبويّ الإعلامي دورًا في إنتاج فعل المؤازرة الشعبية وتوجيه الجماهير لفعل الالتفاف نحو المقاومة، الذي يُجسَّد عادةً في الشارع الذي من الممكن أن يسهم مع تكرار التظاهر وتوسعته في الضغط على الحكومات ورفع سقف تأثير الشعوب على المواقف الرسمية. أضف إلى ذلك أنّ عملية التعبئة التي تمثل (استثمار انفعالي) تضفي على الخطاب فعالية رمزية ممتدة من خلال انعكاس ذلك على الأحداث والذاكرة؛ بمعنى إبقاء الصلة بين الماضي والحاضر للحفاظ على جدوى أي عمل مقاوم كان وسيكون.

رغم الانقسام السياسي والجغرافي بين غزة ومختلف الأراضي الفلسطينية، تُبين خطابات حركتي حماس والجهاد الإسلامي مدى فشل التشظية المكانية والتنظيم الفصائلي المتعدد في استهداف وحدة الشعب الفلسطيني في رفضه للعدوان؛ فلا تنفصل معاركهم في كلّ مرة عن سياق الردّ عما تتعرضا له القدس والضفة مثلًا، وهذا ما شكّل إحدى بواعث “طوفان الأقصى”، وهو ما يسهم بلا شك في وجود حاضنة شعبية في الضفة الغربية، نلحظ وجودها أولًا في المسيرات التي خرجت داعمة ومؤيدة لها رغم ردّات فعل السلطة التي حاولت في كلّ مرة تحجيمها واحتواءها والسيطرة على امتدادها واستمرارها. ثانيًا، في كلّ الاقتحامات اليومية التي يستهدف فيها الاحتلال أماكن وجود الكتائب والمجموعات المسلّحة؛ لأنه مدرك أن ما تقوم به الفصائل في غزّة من شأنه أن يحرّض الحاضنة الشعبية في الضفة الغربية ضدّ الاحتلال أكثر؛ لا سيما أن قِوام هذه الحاضنة هم الأفراد المؤمنون بجدوى المقاومة ولو قدموا قوافلاً من الشهداء. 

أما على المستوى الدولي، فإنّ العدد الغير مسبوق من التظاهرات التضامنية، عَكَسَ قدرة الخطاب على التعبئة وتشكيل حاضنة اجتماعية دولية على مستويي الفكرة والفعل. نقصد بها “مجموعة الفعاليات والمواقف الشعبية المساندة لقضية ما، وتأتي انعكاسًا لموقف أيديولوجي أو سياسي، كما تتأثر بالانتماء إلى ثقافة مشتركة”(٢)، والتي من شأنها أن توسّع النمو الجماهيري الداعم لحركات المقاومة بما يضمن تصدير القضية الفلسطينية للمشهد العالمي. وعليه دعت المقاومة في خطاباتها الشعوب الحرّة إلى النفير العام والخروج إلى الشوارع تنديدًا بجرائم العدوان، وهو ما ساهم بحشد الجماهير لمعارضة اتفاقيات السلام والتطبيع ورفض الدعم الأمريكي وازدواجية المعايير، مع المطالبة بموقف رسمي لوقف النار.

  1. تفنيد الروايات الغيريّة 

انطلاقًا من أول خطاب إعلامي للمقاومة ومرورًا بكافة الخطابات المتتابعة، حرصت القسّام على موضعة عملية “طوفان الأقصى” في سياقها بالحديث عن دوافعها وأهدافها، وذلك بالتزامن مع كلّ الجهود الإعلامية الغربية والإسرائيلية في نزع حدث السابع من أكتوبر عن سياقه المتمثل في وجود احتلال إسرائيلي متواصل منذ أكثر 75 عام، يرافقه أبشع سياسات التنكيل والتطهير والإحلال. فعرفت المقاومة كيف تشتبك مع الادعاءات عبر نشر روايتها المضادة التي تقدم أدلة تثبت عمليات التضليل والتزييف التي  يبثها الاحتلال للرأي العام، وبرز ذلك في الرد المباشر على البروباغندا التي صدّرها للغرب الذي تبناها وكثفها دون تمحيص، كتلك التي اتهمت المقاومة بالإرهاب وفق إشاعات عن تعاملهم مع النساء والأطفال الإسرائيليين. وهو ما ساهم إلى جانب هشاشة الرواية الإسرائيلية في ظلّ غياب الأدلة إلى إنتاج الوعي الاجتماعي بالمقاومة، والوعي السياسي على أصعدة محددة .

من هنا، بدأ التعاطي الإعلامي مع القضية يأخذ مواقف متباينة، وترجم ذلك في حراك الشوارع رغم سياسات التهديد وإجراءات القمع. وكان هذا نتيجة الوعي بالمواقف الرسمية للدول العربية والغربية، والكشف عن ازدواجية المعايير وتبدد الكثير من المفاهيم.

  1. إدارة المعركة النفسية والاجتماعية

تدير المقاومة حربها الإعلامية بطريقة تسهم في زعزعة وتفكيك الجبهة الداخلية للاحتلال، مع التصدي لسياسته تجاه الحاضنة الشعبية. في الأولى، عرفت المقاومة كيف لها أن تكسر كل روايات العدو وتضرب عمق المجتمع الإسرائيلي وتوجهات شارعه، بعد أنّ كان السابع من أكتوبر ضربة في خاصرته الأمنية والاستخباراتية، مكنتها من تبديل الدفاع بالهجوم وتحقيق عنصري المباغتة والمفاجأة. بالتالي، يلاحظ المتابع أنّ إعلام المقاومة سبق إعلام الاحتلال في الكشف عن عملية “طوفان الأقصى”، وأنّ الناطق العسكري للقسام يتفوق في كل مرة على الناطقين الإسرائيليين. مثلًا؛ قدم”أبو عبيدة” رقمًا تقديرًا لعدد الرهائن والأسرى لدى المقاومة قبل أن يعلن الاحتلال عن العدد الرسمي، ثم خرج وصرّح بأن المقاومة قدمت مقترحًا لصفقة تبادل للأسرى بناءً على رغبتها وعدم حاجتها للرهائن المدنيين إلّا أن المعارضة والتأخير في كلّ مرة يكون من طرف الحكومة الإسرائيلية، كما أنه منذ بداية الحرب البريّة يصدر باستمرار خطابات توصيف لما يجري في الحرب البريّة من استهدافهم للمركبات وإجهازهم على الجنود مع الإعلان بأن عدد القتلى منهم يفوق ما يعلنه الاحتلال لشعبه، ويلحق ذلك بمقاطع مرئية تثبت فشلهم بتحقيق أي هدف عسكري واستمرار قدرة المقاومة على الدفاع والهجوم معًا. كلّه ساهم في انقسام الداخل الإسرائيلي على كيفية إدارة الحرب، وفي احتقان الشارع الإسرائيلي الذي يحاول الضغط على حكومة نتنياهو لتحمل الإخفاق الأمني، ويطالبه بالموافقة على الصفقة.

أمّا عن التصدي للاستهداف الصهيوني للحاضنة الشعبية، فيمكن القول بأنّ ممارسات الاحتلال في عدوانه على غزّة من حصار وإبادة جماعية وتطهير عرقي، وتجويع وتعطيش، وكل الانتهاكات التي تسلب من الشعب الغزّي أبسط مقومات الحياة وتفرض عليه أن يختار التهجير قسرًا، ما هي إلا انعكاس لسياسات هذا الاستعمار الاستيطاني الإحلالي المتبعة منذ أكثر من 75 عام، الساعية إلى ضرب المقاومة بخاصرتها عبر استهداف حاضنتها المدنيّة التي يتأسس عليها منهج المقاومة وفلسفتها، ووجود مجتمع فلسطيني متماسك وله قيمه الوطنية التي ترفض الاحتلال الإسرائيلي وترفد العمل الكفاحي المسلّح بالتأييد والشرعية. 

وعليه، تدرك المقاومة بأن الاحتلال يلجأ للبطش بالمدنيين بكل ما يؤتى من عنف وإرهاب؛ غايةً في  تحريض أهل غزّة ضدّها ليتمكن من إضعافها والضغط عليها بقبول خططه عن كيفية إنهاء الحرب. من هنا، ركزت المقاومة على أن تستند خطاباتها على ما يحافظ على ثقة حاضنتها ومعنوياتها بوصفها جبهتها الداخلية، بما يعزز حتمية الانتصار ولا يفقدها الشعور بنصر السابع من أكتوبر وبتفوقهم العسكري حدّ اللحظة؛ لذلك اهتمت بكيفية رواية ظروف الاشتباك مع توثيقها بمشاهد تثير النصر في الأذهان، كما عمدت إلى توصيف عملياتها الجهادية النوعية والكشف عن نوع الأسلحة المستخدمة في تدمير آليات العدو ودك تحصيناته، وعن الكمائن المحكمة التي يوقعون بها القوات الإسرائيلية. مع الحرص على الاهتمام بلغة الخطاب ومفرداته، كاستخدام عبارات مثل: “اختراق صفوف العدو”، “خلف خطوط العدو”، “محاور تقدم العدو”، “الاشتباك المباشر”، “أجهرنا على قوة راجلة”، “المسافة صفر”، “عاد مجاهدونا إلى قواعدهم بسلام”، وغيرها مما له وقع في نفوس الفلسطينيين، وتأثير يمنحهم الشعور بالقدرة على التفوق وتحقيق النصر رغم اختلاف موازين القوى في هذه الحرب الغير متناظرة. بالتالي يفشل الاحتلال اليوم باجتثاث المقاومة عن طريق تقويض الثقة والتلاحم بين الحاضنة الشعبية والفصائل.
 

عوامل ميزت الخطابات

تتعدد مظاهر احتفاء الناس بخطابات الناطقين العسكريين لفصائل المقاومة، ويتجلى ذلك في الساحتين الميدانية والإلكترونية بصورةٍ تمجد فعل المقاومة وتعزز مشروعيته. مثلًا؛ هنالك الكثير من الجماعات الغربية بدت تتبنى ما في الخطابات وصار رأيهم بالاحتلال كما المقاومة، ويستمرون بالحشد والتظاهر تلبيةً لندائها. وبهذا يلاحظ أنّ الخطابات، من حيث الظرفيّة، ترتكز على أساسي التعبئة والتضاد في كلّ مرة. 

يقصد في وصفها بالتعبوية، أولًا؛ أنّها خطابات نجحت في تشكيل دعم عواصم العالم الغربي بمشهد فاق مؤخرًا الشوارع العربيّة؛ وهو ما يؤكد على أنّ المقاومة استطاعت أنّ تؤثر بالرأي العام الذي انحاز بدايةً للرواية الإسرائيلية وجنّد لها كافة وسائل الإعلام. ثانيًّا، قدرتها على نفي جدوى تشرذم الجغرافيا الفلسطينية بالاستعمار عن وحدة الشعب الفلسطيني إزاء المقاومة بوصفها فعلهم الأصيل، فها هي الضفة تشتبك وتقاوم وتقدم أسرى وشهداء رغم ضيق الخناق. ولعل بلورة هذا في الخطابات بدأت من الخطاب الأول لكلٍّ من؛ محمد الضيف، أبو عبيدة، وأبو حمزة. إذ أشار الضيف في حديثه عن بواعث العملية إلى ما يحدث في كافة الضفة الغربية من انتهاكاتٍ وتنكيل، ثم دعا أهلها للانضمام واتبع ذلك قائلًا: “بدءًا من اليوم ينتهي التنسيق الأمني وأجهزته لتثبتوا أن وطنيتكم وانتمائكم للأقصى والقدس وفلسطين أكبر من كل أوهام الاحتلال”.  أمّا “أبو عبيدة”، فقد صرّح أنّهم اضطروا متألمون للتغاضي عما يحدث في الضفة مؤخرًا في سبيل نجاح العملية لتكون الردّ الأقوى والشامل. كما أكد “أبو حمزة” في خطابه على ذات المنطلقات ودعا لوحدة الساحات، ووجه التحية لكتيبتي جنين وطولكرم ومجموعة عرين الأسود لجهادهم في الضفة ودعاهم للمزيد. 

أما من حيث أنّها مضادة، هذه الخطابات حرصت على بلورة هويّة المقاومة وهوية العدو (النحن مقابل الهم)، وهو ما تغلب على كثيرٍ من خطابات التفوق لإسرائيل وأمريكا، التي عمدت إلى “دعشنة” الفعل المقاوم واستهداف المقاومة بما يهدم قيمها التي تتبناها، ويصدّرها للعالم على أنها “إرهاب” باتهامات عرفت المقاومة كيف تفنّدها وتعكس الحقيقة، وهنا نلاحظ أن ناطق الخطاب حرص على أن “يراعي المناسبة لإنتاج خطابه؛ بوصفها محدّدا سياقيّا”(٣)”. 

وعليه، يمكن القول أنّ خطابات المقاومة امتازت بالقوة على مستوى الصياغة والتوقيت والمضمون، ولعل أبرز ما يكسبها البعدين التداولي والتفاعلي يتمثل في:

  1. مفردات الخطاب ومرجعياته

تكمن جدوى الخطابات الإعلامية للمقاومة في أنّها خطابات “تدفع الجماهير إلى تغييرات حاسمة وتطورات ملحوظة من خلال اللغة المستخدمة والألفاظ القوية التي تدعوهم للثورة …، كما تدفعهم اللغة السياسية للشعور بالانتماء أو الوحدة أو بالغضب أو بالحماسة”(٤). بالتالي، تمتاز الخطابات باستخدامها للكلمات البسيطة والشعارات المتكررة التي من شأنها أن تنتشر وتترسخ في عقلية المتلقي؛ وبهذا حققت جملة “وإنه لجهاد نصر أو استشهاد” التي اعتمدها “أبو عبيدة” لتوقيع ختام خطاباته، انتشارًا واسعًا وشعارًا لكثيرين آمنوا بها كعقيدة ثابتة. أضف إليه أنّ هناك كلمات حققت رواجًا واسعاً في الفضاء الإلكتروني وفي ميادين التظاهر، فاستخدمت كشعاراتٍ صدحت بها حناجر المتضامنون في العواصم وعلى أبواب السفارات. كان أشهرها كلمة “لا سمح الله” التي استخدمها “أبو عبيدة” للتهكم على ضعف الأنظمة العربية في القدرة على فرض دخول مساعداتهم للقطاع بلا قيد وشرط. 

من جانبٍ آخر، إنّ مما ساهم في الحفاظ على الحاضنة الشعبية الفلسطينية لخطابات المقاومة وتوسيعها هو أنّها خطابات وطنية تعتمد في مرجعيتها ومنطلقاتها على المنظومة القيمية للشعب الفلسطيني الداعمة للفعل المقاوم والمحددة لشكل علاقة الفلسطيني بالآخر المحتل، والتي تعتبر الأرض والبندقية قيمًا وجودية، كما أنها ترتكز على الثورية وأفعال النضال والفداء وتؤكد على الخط الجهادي للحركة بما ينسجم مع مفهوم الكفاح المسلّح المتجذّر في الثقافة الفلسطينية. بالإضافة إلى أنّها خطابات أشخاصٍ مقاومين جهاديين حاضرين في الميدان، يشتبكون مع العدو من خلف خطوطه ومن المسافة صفر؛ وهذا ما يمنحهم مكانة رفيعة ومقدسة في الذهنية الفلسطينية.

  1. وحدة النظرية والممارسة

تدرك المقاومة أهمية التلاحم بين إرادة الشعب وخياراتها الميدانية، وأن لا جدوى لخطاب ثوري بلا ممارسة نضالية تطبيقية تحافظ على ثقة الحاضنة الشعبية بها. ويتجلى ذلك في رؤيتها السياسية، التي ترتكز على خطاب وطني تحرّريّ تعبوي قائم على الوعي الثوري والكفاح المسلّح. وهو ما بلورته أكثر في عملية “طوفان الأقصى”، التي بينت أنّ لهذه المقاومة وأنشطتها العملياتية العسكرية أهدافٌ وخططٌ سياسية، تسعى لإحداث التغيير وفرض واقع فلسطيني جديد، وليست ردود فعل  تعسفية وعشوائية أو لحظية. وعليه جاء خطابها ملبيًّا لتطلعات الشعب الفلسطيني لمستقبل التحرير وطريقه، وقائمًا على تمسك المقاومة بنهج التوظيف السياسي لانتصارها العسكري؛ فلن يعود الحال لما كان قبل السابع من أكتوبر، كما لن ينفع أي ضغط في تحريف المسار الواضح لقضية الأسرى بوصفها ملفًا استراتيجيّ.

أضف إليه أن خطابات الإعلام العسكري لحركة حماس والإعلام الحربي للجهاد الإسلامي تُعرَض بصورة “تقويل الفعل” للمشاهد إن صحّ التعبير. أي أنّ ما جعل لها جمهورًا عريضًا يرتقبها ويصدقها هو أنّ الناطقين يخرجون له لقول ما تم فعله، وليس ما ينوى فعله؛ بمعنى أنّ الفعل كممارسة يسبق في كلّ مرة الخطاب كفكر. وهو ما رفع من كفاءة وجدوى الخطاب ومعنويات الشعوب.

 

الهوامش

١-  نورمان فيركلف، “الخطاب والتغير الاجتماعي”، تر: محمد عناني، ط1 (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2015)، ص15
٢-  ماجد أبو دياك، “الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية”، ورقة عمل مقدمة لمؤتمر: مستقبل المقاومة الفلسطينية في ضوء الحرب على قطاع غزة، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، سبتمبر 2015، ص1. انظر: https://www.alzaytouna.net/2015/09/22/%D9%88%D8/
٣-  عيسى عودة برهومة، تمثلات اللغة في الخطاب السياسي، عالم الفكر، العدد1، المجلد 36، عمان، سبتمبر 2007، ص125
٤-  المرجع السابق، ص135

The post الإعلام العسكري… جبهة أخرى لإدارة الحرب appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
التغريبة الفلسطينيّة بين دَفّتي “أيّام البلاد” و”حكايا المخيّم” https://rommanmag.com/archives/21059 Mon, 28 Nov 2022 12:13:07 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ba%d8%b1%d9%8a%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a%d9%91%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%af%d9%8e%d9%81%d9%91%d8%aa%d9%8a-%d8%a3%d9%8a%d9%91%d8%a7/ في أيلول الماضي، صدر عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع رواية “التغريبة الفلسطينيّة” للكاتب والشاعر والباحث وليد سيف، والتي تتألف من جزأين؛ “أيّام البلاد” و”حكايا المخيّم”. يأتي هذا الإصدار كجزء جديد من مشروع قيامه بتحويل أعماله التلفزيونية إلى أعمالٍ روائية، فيؤرخ فيه للنكبة والنكسة أدبيّاً بعد أنّ وثق تاريخ أحداثهما دراميّاً عام 2004 في مسلسل “التغريبة […]

The post التغريبة الفلسطينيّة بين دَفّتي “أيّام البلاد” و”حكايا المخيّم” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
في أيلول الماضي، صدر عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع رواية “التغريبة الفلسطينيّة” للكاتب والشاعر والباحث وليد سيف، والتي تتألف من جزأين؛ “أيّام البلاد” و”حكايا المخيّم”. يأتي هذا الإصدار كجزء جديد من مشروع قيامه بتحويل أعماله التلفزيونية إلى أعمالٍ روائية، فيؤرخ فيه للنكبة والنكسة أدبيّاً بعد أنّ وثق تاريخ أحداثهما دراميّاً عام 2004 في مسلسل “التغريبة الفلسطينية”، الذي روى للمُشاهد قصّة أسرة فلسطينيّة في الفترة الزمنية الممتدة بين ثلاثينيات وستينيات القرن الماضي، التي شهدت وقائع الانتداب البريطاني مرورًا بالتهجير القسري وحرب حزيران، فما الجديد من تحويل المسلسل لنصٍّ روائي بصورةٍ مغايرة للسائد عربيًا عن تحويل النص الأدبي إلى سيناريو درامي أو سينمائي، وليس العكس؟

فلسطين في رواية الروائي الفلسطيني 

يحدثنا الكاتب وليد سيف في روايته “الشَاهدُ المشْهُود” عن مرحلة كتابته لسيناريو “التغريبة الفلسطينية”، وكيف هو “عمل سيكون المشهود فيه هو عين المشاهد الشاهد نفسه(١)، حيث أنّه اسْتَحْضَرَ نصّ السيناريو مما عايش من أحداث ليحافظ على ذاكرة المكان حيّة ونشطة، فكَتَبَ منطلقًا من تجربته ومخزونه المعرفي المتشكل من احتكاكه بذلك الواقع الاجتماعي،إذ أنّ القضية الفلسطينية “قضية نشأ الكاتب وعاش في قلبها وكان لها الإسهام الأكبر في تشكيل وعيه ووجدانه وأحلامه وأحزانه وذاكرته ومخيلته، بل شرط وجوده على الجملة”(٢). من هنا، تتجلى فكرة أحقية المجتمعات بأنّ تُنتج معرفة عن ذاتها وتكتب ثقافتها وتاريخها بنفسها، من خلال العلاقة التي تربط الكاتب بالمجتمع باعتباره فرداً فاعلًا في السياق ولم يكن بمعزل عن التفاعلات الاجتماعية. وعليه، أذكر أنّ أبرزّ ما يميّز رواية وليد سيف “الشَاهدُ المشْهُود” هو فلسفته في كتابة سيرته الذاتية، فيراها “مراجعات فكرية” للكيفية التي تشكّلت بها ذاته وتوسع بها وعيه. أضف إلى ذلك، تجاوزه لفكرة التدوين، فالقارئ للكتاب يلاحظ انتقاله من حدود فرديته إلى سيرة الجماعة الفلسطينيّة ككلّ. 

يحضر الكاتب وليد سيف وعائلته في أبرز شخصيات عمل “التغريبة الفلسطينيّة”، تلك الشخصيات التي تشكلت سِماتها وملامحها من وسطه الاجتماعي فكانت مرجعيته في السرد، حيث تقاطعت قصة جدّه مع قصة عائلة “أبو أحمد” التي تدور حولها الأحداث، والتي جسد فيها واقع حياة أبيه، أمه، أعمامه وواقع مرحلة من عمره هو. 

وكان أبرز ما ميّز هذا العمل، تصوير الكاتب وليد سيف الصراعات الداخلية بين ذات أفراد الشعب الفلسطيني، بين من يحارب باسم الثورة والمقاومة والنضال وبين من يتخذ من الثورة رداءً يحجب به خيانته. وسرد العديد من المشكلات الاجتماعية في تلك الفترة من الزمن- سيجرى ذكرها لاحقًا- بالتالي، يمكن أنّ نقول، أنّ وليد سيف صَدَقَ التوثيق ونقل الواقع بمنأى عن عمليات تحوير المعاني أثناء عملية الكتابة، حيث يتم تغييب بعض التفسيرات وتهميشها باستبعاد حضورها في النصّ. 

على ضوء ما سبق، يمكن أن يكون كل أديب فلسطيني هو الشاهد المشهود، كونه ابن بيئة القضية الفلسطينية الذي عايش واقعها وكان جزءًا فاعلاً فيه وشاهداً على أحداثه. هذا ما يمكن أن نتلمسه عند قراءة روايتي “عائد إلى حيفا” و “رجال في الشمس” لغسان كنفاني أو رواية “رأيت رام الله” لمريد البرغوثي، على سبيل مثال.

بين الدراما والسرد… ما فارق الرواية عن المسلسل؟

إنّ ما يميز “التغريبة الفلسطينية” في الرواية عن “التغريبة الفلسطينية” في السيناريو، هو قدرة الكاتب على وَصَفَ مجريات الأحداث الاجتماعية والسياسية بكامل تفاصيلها وحيثياتها، دون اختصار أي منها، كما يحدث عادةً في المعالجة الدرامية لمقتضيات التصوير والإخراج. والشاهد في هذا، قول وَليد سَيْف في كتاب سيرته، عن مرحلة كتابته لنصّ السيناريو، أنّ “الذاكرة ممتلئة بالمشاهد والتجارب والأخبار والقصص، وكلها تتدافع للحضور في نص لا يمكن أن يتسع لها جميعاً.. والانتقاء من كثير متزاحم أعسر من التوسّع بالقليل”(٣). لكن، مما لا شك فيه، أنّ الرواية والمسلسل عَمَلان يرفد كلّ منهما الآخر في محاولة خلق توازن معرفي للقارئ والمتلقي، ولتكاملهما الدورَ في تمكين الأفراد على التحليل والتفسير، من خلال اتساع دائرة الوعي والإدراك.

إنّ وظيفة القارئ هي أن يتعامل مع هذا الإبداع الأدبي في حركته الاجتماعية، فالرواية تقدم المجتمع كحقل معرفي، يُمكّنه من فهم الظواهر الاجتماعية بصورة شمولية وأكثر عمق، وعليه هو أنّ يغوص في تحليل وتفسير سلوكيات الفاعلين في الأحداث الاجتماعية من داخلها، واستنتاج كافة المعاني المحتملة لها ضمن السياق الواقعة فيه (سياق الممارسة). وهذه الأخيرة، هي إحدى فوارق الرواية عن المسلسل، فهي تفرد للكاتب مجالًا أفضل لنقل الأحداث وإيصال المعنى؛ لأنّ فرصة الشخوص للتعبير أكبر، فيرى د. وَليد سَيْف”أن العقل الروائي يفرد مساحات واسعة لعوالم الشخصيات الداخلية وكيفية تلقيها لما هو حولها”.(٤)

على صعيدٍ آخر، يحمل النصّ معنى متعدد أوجه التأويل، كما لا يكتفي بمعنى واحد وإنّما يفرز العديد من مستويات المعاني والتفسيرات، وعلى القارئ أن يعتمد على ذاته في التأويل واستنباط المعاني وقراءة الحدث التاريخي. التأويل الذي يُقصد فيه فحص واستخلاص جميع المعاني الكامنة في النص، إذ ينتهي دور الكاتب عند دار النشر بعد أنّ يصدر كتابه، لتبقى محاولة فهم القضية الفلسطينيّة مهمة القارئ الواعي. وهذا ما أكدّ عليه وَليد سَيْف مؤخرًا بقوله:”أريد أن أوجه القارئ لكيفية قراءة الرواية، فيجب أن يقرأها على عاتقه، ويتصورها كما تتفتت في وعيه.”(٥)

البعد الاجتماعي في النصّ اللغوي

تُعدُّ الرواية حقلاً أدبياً مُحمّلاً بالموروث الثقافي والتراث الاجتماعي للسياق الزماني والمكاني الذي تدور فيه الأحداث. فلا تقتصر وظيفة الرواية على السرد، بل تتجلى أهميتها لدى الباحثون والقُرّاء على قدرتها في الكشف عن تمظهرات القضايا الاجتماعية في البنية السردية، وذلك من خلال العلاقة التي تربط النصّ بالسياق الاجتماعي؛ نظراً إلى تصوير الرواية لشبكة الأحداث التاريخية والعلاقات الاجتماعية، عبر رصدها للتفاعلات الاجتماعية وتناولها لمكونات الحياة الاجتماعية المختلفة، والنبش في مختلف أبعاد متغيرات الواقع الاجتماعي. وهذه إحدى ميادين اهتمام الباحثون في سوسيولوجيا الأدب، حيث “إن علم اجتماع النص يهتم بمسألة معرفة كيف تتجسد القضايا الاجتماعية والمصالح الجماعية في المستويات الدلالية والتركيبية والسردية للنص”(٦)، إذ إنّ المضامين الدلالية للنص والمعاني الكامنة فيه رهينة النظام الاجتماعي، والأنساق السياسية والاقتصادية والثقافية في المجتمع.

يبرز البعد الاجتماعي لرواية “التغريبة الفلسطينية” في تجسيدها للواقع اليومي للمجتمع الفلسطيني، في الفترة الممتدة ما بين ثلاثينيات وستينيات القرن العشرين، في سردٍ نَقَلَ لنا العديد من الظواهر الاجتماعية في ذلك الزمان والمكان، حيث أنّه عمل يُحاكي مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية التي أبدع وليد سيف في رصد يومياتها وتفاعلاتها. ففيها، مثلًا، المناضل، المتعلم، الفلاح والإقطاعي. وعليه، كانت أداةً رصدت لنا، على سبيل التعداد لا الحصر: فوارق المدينة والقرية، الإشكالية الطبقية بين الفلاحين والإقطاعيين، النظام الاقتصادي للبيع والشراء الذي كان يتم عبر مقايضة السلعة بالسلعة (تبادلها)، حياة القرية وعاداتها وتقاليدها، نمط الإنتاج وعلاقة الفلسطيني بالأرض، تركيبة الأسرة، نظام الزواج وقضاياه، واقع التعليم وظروفه، والصور النمطية السائدة عن الحب، الأرملة، اللاجئ وغيره.

أيضًا، “تمثل الرواية .. مواقف وأفعالاً اجتماعية وتاريخية. إنها تجمع وصف الحياة النفسية “الداخلية” للفرد ليس فقط بتصور الأوساط الاجتماعية بل أيضاً بتحليلات “اجتماعية” لهذه الأوساط”(٧)، يتجلى هذا في وصف الكاتب للظروف الاجتماعية التي أحاطت بشخصيات الرواية؛ كرصده لقضايا اللاجئين من خلال سرد معاناتهم وأحوالهم الاجتماعية، والوصمة الاجتماعية التي لحقت بهم جرّاء وقائع المخيم، المخيم الذي يراه د. وليد سيف “عنوان المأساة الفلسطينية، وحاضنة الكفاح والمقاومة”.

أضف إلى ما سبق، بُعدًا آخر، وهو تجليات الهوية في النصّ. إذ أنّ الحديث عن المكونات الثقافية والاجتماعية للمجتمع يعتبر جزءًا مهماً في عملية بناء الهوية، في أبعادها الاجتماعية والسياسية والقومية والإنسانية، حيث يمكننا اعتبار رواية “التغريبة الفلسطينية” أداة مقاومة في وجه سلطة تزييف الحقائق وطمس الهويات وخطط التطبيع وصفقاته، وما يقوم به الاحتلال من عمليات اغتيال للذاكرة وسلب حق العودة وانتقاص قصص الكفاح والثبات.

إنّ الحديث عن تاريخ النكبة والنكسة والتهجير وجرائم الاحتلال، في أدبٍ لازم الفعل الثوري وفعل المقاومة، من شأنه أن يُسهم في تأصيل قيمة ومكانة القضية، بالإضافة إلى بلورة وإثبات الهوية الفلسطينية في عقول الأجيال القادمة، فكيف يمكن أن تتشكل الهوية بمنأى عن ذاكرة واعية!. كما أنّه يعمق الوعي بخطط إسرائي الممنهجة لبناء ذاتها وصورتها وانعكاساتها في الداخل والخارج على أنها صاحبة حق ووجود. 

وقائع الحاضر بشواهد الماضي

يرى وليد سيف أنّ “ما يجعل من عمل ما معاصراً ليس الزمان الذي تدور في إطاره الأحداث، بل طريقة المعالجة كتابياً ودرامياً، والطرح الذي عليه أن يلامس الشطر الإنساني بالأساس”(٨). وفق هذا الطرح، تكون المعالجة الكتابية للمسلسل قدمت الحالة الفلسطينية في زمن حرب عام 1948و 1967 كحدث معاصر لأي زمن يقرأ فيه النص، من خلال استدعاء السياق الاجتماعي للقراءة. من هنا، يمكننا القول، أنّ رواية “التغريبة الفلسطينية” ستكون ذلك الفضاء المكاني والزماني، الذي سيمكّن القارئ من استنباط أو فهم واقع الحياة الاجتماعية في فترة زمنية محددة، وتفسير أحداث الحاضر من خلال وقائع الماضي الذي شكّل الأرضية التي أسست لشواهد اليوم؛ وذلك غايةً في تكوين رؤية شمولية عن قضايا المجتمع الفلسطيني في ظلِّ الاحتلال، إضافةً إلى إعادة إنتاج الوعي بالقضية الفلسطينية. على اعتبار أنّ النص حقل معرفي واسع مليء بالمعاني والدلالات والمشاهد التي يمكن أن يستحضرها القارئ ويتلقاها وفقًا لتصوراته وكيفية قراءته للأحداث الراهنة. 

إنّ المعنى من ذلك يتلخص بقول د. وليد سيف: “بقدر ما يسهم الماضي في إنتاج الحاضر، فإنّ الحاضر يسهم في إعادة إنتاج الماضي من حيث هو رواية يشيدها الوعي الحاضر”(٩). وفق هذا المنظور، يتشابك الماضي بالحاضر، حاضر تراكم الماضي. فمن منّا اليوم لا يستذكر مع كلٍّ وقائع الظلم والاستبداد، سؤال الماضي الأخير لغسان كنفاني، في روايته “رجال في الشمس”، ” لماذا لم تدقّوا جدران الخزان؟”.

كانت “التغريبة الفلسطينيّة” ولا تزال نموذجًا للرسالة التي يُجاهد صاحبها لتمهيد كلّ الطرق أمامها حتى تَصل، إذ نراها عملاً شاملاً لكافة حقول الأدب الفلسطيني، بدءًا من السيناريو إلى الشعر المُغنّى فالإنتاج الدرامي ثم ختامًا الإصدار الروائي. هذا العمل الذي بدأت شارته بكلمات الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان التي لا زالت تعزز الانتماء فينا وتعيد تأصيل الجذور؛ حيت أنّ أبياتًا كَ “وبلاداً أحبَّها .. ركنُها قد تهدًّما .. وخصوماً ببغْيِهمْ .. ضجَّت الأَرضُ والسما” لم تكن مجرد أغنية “التتر”. وقفلة مشاهد المسلسل بكلمات محمود درويش: “أيها المارون بين الكلمات العابرة .. اجمعوا أسمائكم وانصرفوا .. وخذوا ما شئتم من صور كي تعرفوا .. أنكم لن تعرفوا .. كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء .. منكم السيف ومنا دمنا .. منكم النار ومنا لحمنا .. وعلينا نحن أن نحرس دم الشهداء .. وعلينا نحن أن نحيا كما نحن نشاء .. آن أن تنصرفوا” – لم تكن مجرد موسيقى تصويرية أو معالجة شعرية للمشهد الأخير من الحلقة الأخيرة، بل رسخت مجريات التاريخ في الذاكرة وسعت لإثبات الهوية الفلسطينيّة، كي لا ننسى أنّ “لنا الماضي هنا .. ولنا صوت الحياة الأول .. ولنا الحاضر والحاضر والمستقبل”، فتكون “البارودة” بطلة المشهد الأخير، ووصية “الكايد أبو صالح” لنا : “الأرض بترجعش غير بالمكاومة”. 

واليوم، يعود المثقف الشمولي، وليد سيف لِيُحيي ذاكرة الوطن فينا؛ فيخطّ في روايته إهداءً “.. إلى كل القابضين على جمر القضية .. إلى كل حرّاس الذاكرة .. إلى كل الوطن الممتد بين الماء والماء” ؛ ليؤكد لكّلِ قارئ من الأجيال القادمة مَنْ هم أصحاب الحق والقضية، وهذه الحقيقة التي جاهد الاحتلال تزييفها بين دَفّتي روايتي. 

 

هوامش

١- وليد سيف، الشاهد والمشهود، ص476
٢- المرجع السابق، ص47
٣- المرجع السابق، ص476
٤- بديعة زيدان، “وليد سيف .. حراسة رواية الفلسطينيين”، جريدة الأيام، تاريخ النشر: 06/09/2022.
٥- المرجع السابق.
٦- بيير زيما، النقد الاجتماعي نحو علم اجتماع للنص الأدبي، ترجمة عايدة لطفي (القاهرة، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، 1991)،  ص12
٧- المرجع السابق، ص123 
٨- بديعة زيدان، مرجع سابق. 
٩-  وليد سيف، الشاهد والمشهود، ص6

The post التغريبة الفلسطينيّة بين دَفّتي “أيّام البلاد” و”حكايا المخيّم” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>