تحقيق بمشاركة سعيد البرغوثي وسمر عبد الجابر ووائل قيس

الكتاب بين المعارض والمكتبات والنسخة الإلكترونية

2016-12-23 07:47:32

الكتاب بين المعارض والمكتبات والنسخة الإلكترونية
"سماء الكتاب" في متحف اسطنبول للفن الحديث

في موسم معارض الكتاب العربية هذه الفترة، والتي يراها البعض تظاهرة اجتماعية وشرائية للكتب لا أكثر، ويراها البعض الآخر تظاهرة ثقافية شاملة، أردنا في رمّان تناول المعارض والمكتبات والكتب الإلكترونية من ثلاثة مواقع: الناشر والشاعر والصحافي.

في الحديث عن المعارض، يرى سعيد البرغوثي، صاحب دار كنعان للنشر في دمشق، أن ظاهرة حصر سوق الكتاب، غالباً، في المعارض، بمعزل عن المكتبات، أمر غير صحي. فمن المفترض، يقول، أن تكون المكتبات الفضاء الطبيعي لتسويق الكتاب. ولكن معارض الكتاب في بلداننا، وبسبب العزوف عن القراءة، ولما تشكله من تحفيز للزائر، شكلت الفضاء الأكثر أهمية بالنسبة للقارئ، وكذلك للناشر، يضيف بأن فضاء المعارض يحقق اللقاء المباشر بين الناشر والزائر، الأمر الذي يتيح للناشر تقديم كتابه على أفضل وجه.

أما الشاعرة الفلسطينية سمر عبد الجابر التي وافقت على أن الأمر ليس صحياً، فقد أضافت بأن ذلك لا يقلل من أهمّية المعارض، من ناحية هي تجمع معظم دور النشر العربيّة في مكان واحد، حيث يمكن للقارئ الاطلاع والحصول على الإصدارات الجديدة بسهولة. لكن المشكلة بحسبها تكمن في شبه انعدام هذه الحركة طيلة العام، وحصرها في زمن المعرض، ممّا يجعل أحدنا يشعر بوجود طابع "تجاري" إلى حدّ ما في المعارض. تضيف بأنّ أصحاب دور النشر المحرومين من البيع طيلة العام، يحتاجون الاستفادة من هذه الفترة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المبيعات، ولذلك أثر سلبي على القارئ وقد يؤدّي إلى نتيجة عكسية. شخصيّاً، تضيف بأنها تشعر بنفور من بعض دور النشر وتتجنّبها في المعارض لأنّها تتعامل مع الكتاب كسلعة للبيع فقط لا غير.

من ناحيته قال الصحافي وائل قيس، وهو شاعر كذلك وعمل في دور نشر عربية، بأن الموضوع يرتبط بعدة تفرعات. فمعارض الكتاب وما تطرحه من تنوع في المواضيع، تجعل القارئ يميل أكثر للكتاب غير المتاح محلياً، وتجعله يتعرف بشكل أكثر على المؤلفات الصادرة في البلدان الأخرى، وهذا يرجع لمزاجية دور النشر المحلية في اقتنائها للكتب، وتعاملها مع إصدارات البلدان المجاورة، من ناحية أسماء المؤلفين، وإن كانت مطلوبة لدى القارئ أم لا، ففي النهاية ما يهم المكتبة هو الكتاب الذي ينفذ بسرعة وليس العكس. يضيف بأنّ القارئ، كذلك، يجد فرصةً في مثل هذه المعارض للحصول على الكتاب غير المحلي بسعر مخفض بنسبة 20%، بدل أن يقتنيه بسعره الكامل بعد المعرض، فالقارئ ينظر للأمر من منطلق وفرة الكتاب المحلي في المكتبات، وغلاء الكتاب غير المحلي إن توفر لديها. يؤكّد قيس بأن حصر حركة سوق الكتاب في المعارض ليس أمراً صحياً، لكن للقارئ العربي في النهاية أسبابه التي تجعله ينتظر مثل هذه الفعاليات، لما تقدمه من حسومات وعروض، على عكس المكتبات العامة التي تبحث عن نسبة ربح معينة، وهو ما يرجع لغياب الدعم المطلوب للكتاب، على عكس ما يحدث في الدول الغربية. وكمثال على ذلك، يضيف، نشأت في الفترة السابقة، العديد من مراكز الأبحاث التي تقوم بنقل أهم المؤلفات للغة العربية، لكن ثمنها لا يناسب الواقع الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة في معظم الدول العربية، هنا يجد القارئ المحلي في معرض الكتاب، فرصة للحصول على مثل هذه العناوين التي يريدها بثمن أقل من النسخ المتوفرة في سوق المكتبات.

أما عن مآل المكتبات التي تبيع الكتب على طول السنة، في ظل مواسم معارض الكتاب، والانحياز لدى الكثيرين إلى الكتاب الإلكتروني، فقال البرغوثي إن العديد من المكتبات بدمشق تحولت إلى نشاطات أخرى. مكتبة ميسلون تحولت إلى مقهى، ومكتبة اليقظة، أقدم مكتبات دمشق، تحولت إلى متجر للأدوات الكهربائية، ومكتبة أطلس تحولت إلى متجر لبيع الملابس!

وهكذا احتلت معارض الكتاب تمايزها، لنفسها الاحتفالي الثقافي من جهة، وللحسومات التي تقدمها لزائر هو في حاجة إليها من جهة ثانية. كل ذلك بغض النظر عن بعض السلبيات التي طالت معارض الكتاب، كون معظمها أصبح محكوماً بالهاجس التجاري، مما يشكل عبئاً على الناشر، يترك أثره على نسبة الحسم، الذي يتضاءل طرداً مع زيادة التكاليف.

أما عبد الجابر فقالت بأننا إن أردنا أن نصل إلى جذور المشكلة هنا، فلا بدّ من الحديث عن الانخفاض الشّديد في نسبة القراءة في العالم العربي، ممّا يؤدي لشبه انعدام الحركة في المكتبات. وقد يطول الحديث عن أسباب انخفاض نسبة القراءة أساساً، لكن ثمة مشكلة أخرى برأيي وهي أنّ معظم الكتب الموجودة في معظم المكتبات هي كتب تجاريّة إلى حد ما. وما أعنيه هنا، تضيف، هو أنّ ثمة خلل في توزيع الكتب من قبل دور النشر، حيث إنّك تجد نخبة معيّنة من الكتب هي المنتشرة، رغم أنّها لا تمثّل بتاتاً الإنتاج الثقافي الحالي، بينما عليك أن تبذل مجهوداً هائلاً في البحث لتجد مكتبة تحتوي على كتاب تريده، أو عليك انتظار المعرض لتحقيق ذلك.

وفي الموضوع ذاته قال قيس إنه وفق ما يتم تداوله عبر الفضاء الافتراضي، فإن المكتبات في طريقها للانحسار، لأن معظم المكتبات الفاعلة في الأسواق المحلية داخل بلدانها حالياً، إن بحثنا في تاريخ نشأتها، سنجد بأنها تأسست قبل أكثر من ١٥ عاماً، بينما نادراً ما نسمع أنه جرى افتتاح مكتبة جديدة، أو أن اسم إحدى المكتبات الحديثة أصبح لها مكانة على الصعيد الخارجي وليس المحلي فقط. ولهذا، يضيف، نلمس أن المكتبات التي لا تزال تحتفظ بروادها الذين يساعدونها على الاستمرار، يرجع تأسيسها لفترة زمنية قديمة نسبياً. وهناك، حتى يومنا الحالي، رغم ما وصلت إليه العقول البشرية من تطور تكنولوجي، لا يزال يوجد من يبحث عن الكتاب الورقي، الذي يحتفظ بخاصية مميزة لدى جميع القراء، ويمكن القول إنه الوحيد الذي بقي صامداً في وجه الاكتشافات، لكن لا يُعرف إلى أي مدى سيبقى محافظاً على هذا الصمود.

وانطلاقاً من الموضوعين أعلاه، الإقبال على المعارض والعزوف عن المكتبات، سألنا عن الإقبال على الكتاب الإلكتروني وإن كان لما وُرد أعلاه رابط معه، قال سعيد البرغوثي إن الكتاب الورقي ما يزال يحتل مكانه المفضل لدى الكثيرين، دون أن يؤثر التفضيل بين المعارض والمكتبات على ذلك، فلا يؤثر ذلك على عشّاق القراءة.

وأشارت سمر عبد الجابر إلى أمرين: أوّلهما اعتماد الكثير من القرّاء الآن على شراء الكتب عن طريق الإنترنت، لما في ذلك من سهولة في عمليّة الطلب والتوصيل. وثانياً يفضّل الكثيرون قراءة الكتب إلكترونيّاً خصوصاً أنّ الكثير من الكتب تتوفّر مجاناً على الإنترنت. ولا شكّ أنّ لذلك تأثير على هجران المكتبات، وقد يؤدّي تدريجيّاً إلى هجران المعارض كذلك وربّما إلى انحسار الكتاب الورقي. تضيف بأنها لا تعتقد أنّ نسبة شراء الكتب في المعارض متناسقة مع نسبة الإقبال، فالكثيرون يزورون المعرض كنوع من التقليد أو العادة التي لا بدّ من القيام بها، ولا يعني ذلك بالضرورة أن يحصلوا على أي كتاب. وثمّة الذين يزورون المعارض ليحضروا حفل توقيع أو اثنتين فقط. في النّهاية، تقول، أعتقد أنّه من المهم أن تستمر المعارض وأن يستمر الكتاب الورقي، وآمل أن تتحسّن عمليّة توزيع الكتب لأنّ ذلك قد يشكّل فرقاً في الإقبال على المكتبات.

ورأى وائل قيس أن أكثر ما يؤثر على إقبال القراء على المعارض وهجران المكتبات، هو الوصول للمعلومة بطريقة أسهل، ما يحصل حالياً من استسهال للمواقع الإلكترونية، مكّن القارئ من الحصول على المعلومات التي يريدها حول قضية معينة، من وجهات نظر مختلفة، وخلال فترة زمنية قصيرة، يمكن لأي منا على سبيل المثال البحث عن معنى "العلمانية"، ليجد أمامه آلاف الأبحاث، والاقتباسات التي تجعل القارئ غير مهتم بشراء كتاب يتطرق لتاريخ نشؤها وتطورها، ليس مهماً مدى صحة المعلومة، بقدر الوصول إليها بأقل وقت وجهد ممكنين. لذا، من المتوقع أن يستمر انتشار الكتاب الورقي بين القراء، لكن ضمن دائرة ضيقة، وأقصد هنا، يقول، الكتّاب والباحثين، الذين يهمهم الوصول للمعلومة عبر المصدر الورقي، لعدم تجاوبهم مع الكتاب الإلكتروني، مثل أولئك الذين لا يزالون يكتبون أعمالهم على الورق قبل نقلها لجهاز الكومبيوتر، لكن لا يمكنني الجزم، يقول، أنها من الممكن أن تستمر لما بعد منتصف القرن الجاري، في ظل هذا البذخ الإلكتروني الذي نسمع عنه يومياً.