أربعة أشهر مرت على انطلاق المشروع المكوّن من بوابة اللاجئين الفلسطينيين ومجلة رمّان الثقافية. لم نشعر بالأشهر القليلة هذه، فالعمل كان يومياً، من الصباح حتى المساء، متقطّعاً وموصولاً، غير مقترن بمكان دون غيره. الرّفاق في تحرير "البوابة"، وفي الإدارة، في بيروت، وأنا، كمحرّر للمجلة، في فرنسا، ما يعطي لـ"البوابة"، لطبيعة عملها وهو المعني أساساً بالفلسطينيين في المخيمات في سوريا ولبنان، وكذلك بالفلسطينيين في كل مكان، علاقة مباشرة بمكان محرّيرها، وما يعطي للمجلة، وهذه طبيعتها، علاقة لامكانية مع كل من محررها وكتّابها وقرّائها.
والمجلة، لذلك، انطلقت بالأساس كصحافة غير مقترنة بمكان طالما أن الفلسطيني، منذ تهجّر عام النكبة، لم يعد تَواجده مرتبطاً بمكان دون آخر، فالأمكنة الفلسطينية متعددة ومتباعدة، من داخل الداخل في القطعة المحتلة عام ٤٨ من أرضنا، إلى الضفة وغزة والقدس، إلى المخيمات خارج الوطن، إلى الشتات في أوروبا، وهذا شتات متجدّد ومتزايد، وممتد إلى كل العالم.
ليس للفلسطينيين، إذن، ما يمكن أن يكون صحافة محلية، فليس للفلسطينيين "محل" فلسطيني واحد، ليس لدينا "محليّة" فلسطينية، بل إن "محلّيتـ" ـنا هذه مرتبطة بالتقسيم التاريخي/السياسي لعموم فلسطين، وذلك لا يشبه الفلسطينيين بقدر ما يشبه المجتمع المحلي لهذه الصحيفة أو تلك. فيبقى الموضوع الثقافي لتجمّع فلسطيني "آخر" -في مخيمات لبنان مثلاً- شأناً هامشياً وخارجياً لدى صحيفة تصدر، لنقل، في رام الله.
لذلك نقول إن "رمّان" تشبه الفلسطينيين، تشبه شتاتهم، وتسعى لأن تساهم في لملمة هذا الشتات -الأدبي والفني تحديداً- وإنْ صحافياً، فتكون المجلة محلية بقدر ما تكون عالمية. والكتّاب الفلسطينيون، بمن فيهم أنا، منتشرون في الصحف العربية، كتابةً وتحريراً وإدارة، دون أن يسهموا، في شتاتهم، بصحافة تكون فلسطينية شاملة وتكون متماثلة مع حالة الشتات الفلسطيني، شعباً وكتّاباً. ولا يعني كل ذلك أن المجلة "تفرّط" في هواها المشرقي، سورياً ولبنانياً.
في "رمّان" كتّاب من داخل الوطن وخارجه، بكل ما في هذين الداخل والخارج من تقسيمات، وفيها مواضيع فلسطينية ومشرقية وعربية وعالمية، والأسماء الجديدة التي ستكتب في المجلة ابتداء من اليوم وغد وبعده، ستساهم، إضافة إلى كتّاب المجلة خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، في منحها صيغتها الفلسطينية الشاملة، المتماثلة مع الحال الفلسطيني المتشتت على كل الكوكب.
وستستمر المجلة في ما بدأت به من يومها الأول، الاهتمام بنوعية النشر لا بكميته، بجمالية الشكل الذي تقدم فيه المادة واللائق بمضمون المادة وما يمكن أن يسعد كاتبها وقارئها، وهذا يهمنا. ستستمر في استقلاليتها في وقت سيطر فيه المال الخليجي -بشروطه- على الصحافة، بما فيها الثقافية، ما يعني أن المجلة ستستمر في جرأة الطرح وجودته دون أي معايير خارج إطار المجلة بمحرّرها والمادة بكاتبها، وكل ما يخص النّشر لا يخرج عن الحلقة المكوّنة من الكاتب أولاً والمحرر ثانياً. ستخلِص المجلة أكثر لما ذُكر في افتتاحية إطلاقها، وفي تعريفها عن نفسها.
ابتداء من اليوم، وليس أمس لأن الأحد يُخصّص للكاريكاتير، ستقدّم المجلةُ الجديد: زوايا ثابتة وتكثيف للنشر وكتّاب جدد وتنويع أكثر في المضمون واهتمام أكبر بالنّتاج الثقافي الفلسطيني، والمشرقي.
أفضل ما يمكن أن يحكم على المجلة هو ما تقدّمه. ننتظر، لذلك، أي آراء نقديّة في كل ما يتعلّق بها.