تجربة الرقيب والمنع في الضفة الغربية منذ 1967 (حقنا في الخيال)

2017-02-11 07:57:00

تجربة الرقيب والمنع في الضفة الغربية منذ 1967 (حقنا في الخيال)

"ضجة رام الله":

أثارت رواية صدرت في العام الماضي عنوانها "جريمة في رام الله" للروائي عباد يحيى ضجة كبيرة إثر منع السلطة الفلسطينية قبل أيام تداولها في مناطق السلطة الفلسطينية. 

مر على صدور الرواية ستة أشهر تقريباً ولم يلتفت لها في الصحافة ووسائل الإعلام، وحين قررت مجموعة من المهتمين مناقشة الرواية في مدينة نابلس التُفت إلى الرواية، حيث تم إلغاء المناقشة التي كان مقرراً عقدها في مكتبة بلدية نابلس، وبدأت إثر ذلك مناقشات على صفحات التواصل الاجتماعي حول الرواية والمناقشة ووصل الأمر إلى الجهات الحكومية فقرر النائب العام منع الرواية وسحب نسخها من المكتبات وتم استدعاء موزع الرواية وكاتبها أيضاً لمساءلتهما في الرواية. سوف تثير هذه الحادثة في ذهني سلسلة من التداعيات حول الرقابة على الكتب والمطبوعات في الضفة الغربية منذ العام 1967. 

إثر الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية ومع صدور الصحف والمجلات عرفنا مفردة الرقيب وظاهرة المنع وسحب الكتب من المكتبات، بل وعرفنا أيضا منع إقامة حفلات غنائية لمغنين ملتزمين مثل مصطفى الكرد، ولا أنسى شخصياً محاصرة الاحتلال الإسرائيلي مبنى مكتبة بلدية نابلس في العام 1976 لمنع إقامة أمسية غنائية للفنان الكرد. 

كانت قوائم منع الكتب من التداول وسحبها من المكتبات تصل إلى مديري المدارس باستمرار وكان ضابط التربية الإسرائيلي هو مصدرها. هكذا سحبت عشرات، بل مئات الكتب من مكتبات المدارس والمكتبات العامة.

لم يكن الأمر يقتصر على ضابط التربية الإسرائيلي؛ فقد كان هناك ضابط إسرائيلي على جسر دامية، ومثله على جسر اللنبي تعرض عليه الكتب التي يحضرها معهم الفلسطينيون العائدون إلى الضفة الغربية من العالم العربي، وكنت واحداً من هؤلاء في أثناء دراستي في الجامعة الأردنية. 

كان الضابط على الجسر يصادر ما تروق له مصادرته بحجة الأمن، أمن الدولة الإسرائيلية. وكان الأمر خاضعاً لقائمة لديه ولمزاجه أيضاً، وغالباً ما كانت الكتب تباع للجامعات الإسرائيلية.

ولم يقتصر المنع على هذا، فعدا منع الصحف والمجلات العربية من التوزيع في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل وفلسطين المحتلة، حتى توقيع اتفاقية كامب ديفيد، إذ سمح إثرها للصحف والمجلات المصرية بالتوزيع، فقد منعت مجلة الحزب الشيوعي الإسرائيلي وصحيفته "الجديد" و"الاتحاد" من التوزيع في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكان كل من يحصل عليهما يتعرض للسجن ودفع الغرامة. كان الحصول على صحف ومجلات الحزب مغامرة.

لم يقتصر الأمر على ما سبق، فقد كان هناك رقيب إسرائيلي يقرأ المواد التي ستُنشر في الصحف والمجلات الصادرة في القدس لتوزع في الضفة الغربية وقطاع غزة. 

كانت المواد تُرسل للرقيب وكان يمنع ما يرى فيه تهديداً للدولة الإسرائيلية، وهذا كله ترك أثراً واضحاً على الحريات الصحفية وعلى الكتابة الأدبية. 

بل إن الأمر تجاوز حد شطب مقالات ودراسات ليصل أحياناً إلى إغلاق الصحيفة أو المجلة لفترة زمانية محددة قد تصل إلى أشهر، وقد يتم اعتقال هذا الكاتب أو ذاك.

إن للفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة تجربة مريرة مع الرقابة العسكرية الإسرائيلية في منع الكتب من التداول ومصادرة الصحف والمجلات وشطب مواد كثيرة والحيلولة دون نشرها. وظل الأمر على ما هو عليه حتى مجيء السلطة الفلسطينية.

"ليل الضفة الطويل":

قبل مجيء السلطة الفلسطينية بعام واحد كتبتُ نصاً أدبياً عنوانه "ليل الضفة الطويل" عام 1993، وطبعته، ولكن لم أنشره في كتاب، وتم تداوله على مستوى مدينة نابلس، وقد أتيت فيه على سنوات الانتفاضة الأخيرة، وكانت نهايات الانتفاضة تغاير بداياتها. كانت البدايات جميلة مشرقة واعدة، وكانت النهايات مظلمة وموحشة. ولما كنت في البدايات في المانيا فلم أشهد الفترة الجميلة المشرقة الواعدة، خلافاً للنهايات التي عشتها، ولما كتبت كتبت ما اختزنت به ذاكرتي، وهكذا بدا نص "ليل الضفة الطويل" أسود يظهر صورة سوداء للفلسطيني، وهذا ما لم يرق لكثيرين من أفراد التنظيمات الفلسطينية، ما دفع بعض هؤلاء إلى تقديم شكوى رسمية لإدارة جامعة النجاح الوطنية يطالبون فيها بفصلي من الوظيفة. 

وفي الجامعة ستشكل لجنة لمساءلتي عن النص وعما كتبته عن بعض أعضاء هيئة التدريس فيها. ولما كانت الضفة فوضى فلم أفصل، ولكن تم تدبير مكيدة لي وأنا عائد ليلاً إلى نابلس من رام الله. 

وكما سأعرف لاحقاً فإن أمر المكيدة كان قادماً من تونس. هل كان السبب تعرضي في النص للمرحوم ياسر عرفات وسخريتي من بعض سلوكاته أم لأن النص احتوى على نكتة شاعت في الضفة عن زواجه، وارتبطت بالاسم المقترح للخطوط الجوية الفلسطينية؟ أيا كان الأمر فإنني لم أطبع النص إلا قبل سنوات قليلة وبعدد محدود جداً من النسخ، فشبح الملاحقة والفصل من العمل ظل يلاحقني.

"نص أدب سياسي":

لم يكن "ليل الضفة الطويل" نص أدب "بورنو" ولم يلامس سوى المحرم السياسي، وقد عرفت الضفة الغربية في تلك الأثناء، وتحديداً في العام 1991 ظاهرة ملاحقة أديب ومطاردته لأنه كتب رواية عن قريته.

كتب الروائي أحمد رفيق عوض "العذراء والقرية" عن قريته يعبد، ولما قرأ بعض أبنائها الرواية التي صدرت عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد لاحقوا الكاتب وطاردوه، وتدخل اتحاد الكتاب في الموضوع، ووقفت حركة فتح إلى جانب الكاتب وسوت الأمر الذي انتهى بسحب نسخ الرواية من الأسواق. 

تكرر الأمر نفسه لاحقاً بخصوص روايات أخرى عربية وفلسطينية، بل ومع بعض كتب المفكر والناقد إدوارد سعيد، وبخاصة كتبه التي تمحورت حول اتفاقيات أوسلو وانتقد فيها القيادة الفلسطينية. لم يستدع إدوارد سعيد ولم يحاكم، لأنه لو تم هذا لحدثت ضجة عالمية ستتدخل فيها الولايات المتحدة الأمريكية. اكتفت السلطة بالايحاء بمقاطعة الرجل حين يزور الضفة، ولا أظنها نجحت في ذلك. 

من الروايات العربية التي أثيرت حولها ضجة رواية الكاتب السوري حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر" وكانت الضجة جزءاً من ضجة كبيرة في العالم العربي، وانتهت وظلت الرواية توزع.

ومن الكتابات الفلسطينية التي أثارت إشكالية ما رواية تسجيلية للكاتب عدوان عدوان وتمحورت حول الشهيدة دلال المغربي، إذ رأت فيها أختها وبعض عناصر من حركة فتح إساءة للشهيدة، وقد سئلتُ في الأمر ووقفت إلى جانب كاتبها وعدم التعرض له، فالرواية ليس فيها ما يسيء، بل إنها كتابة روائية للفيلم الذي أعد عن عملية الشاطيء، وسيمر الأمر باتفاق ينص على سحب الرواية وعدم توزيعها.

"جريمة في رام الله":

تختلف رواية "جريمة في رام الله" للروائي عباد يحيى في أنها قاربت محرماً آخر مختلفاً لم نعثر عليه إلا في رواية حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر". ولكن ما ورد في رواية حيدر حيدر لا يكاد يذكر إزاء ما ورد في رواية عباد يحيى. 

أعتقد أن مقاربة عباد يحيى لتابو الجنس فاقت المقاربات السابقة كلها، لا في الرواية الفلسطينية، بل في الرواية العربية. وهي أيضاً لا تقارب هذا المحرم وحسب، بل قاربت محرمات أخرى تمس السلطة وحركة حماس، واختصرت واقع الضفة الغربية في شقة وبار وشذوذ جنسي وقيادة أعضاؤها جواسيس. 

وربما احتاج الأمر إلى مقاربات أخرى بخصوص الرواية التي تعد على مستوى الشكل رواية عادية، فهي لم تضف أي جديد في هذا الجانب.