الشعب يريد

2016-09-03 01:53:42

الشعب يريد

لا أعرف إذا كان من حقي أن أستعير كلاماً من حوار غير منشور، غير أن ما يمنحني هذا الحق صداقتي مع القائل والسائل.. كليهما أستطيع سرقته، ومن كل منهما أصغي إلى هزّات رأس  بالقبول.. الأول، عبد الله فاضل، والثاني سناء ابراهيم، وما سأستعيره من الحوار هو كلمتان وكانتا في الحوار  بين قوسين :"الشعب يريد".

الشعب يريد؟!!

عظيم.. وهل نريد ما يريد؟

عبد الله وكما كل الأنقياء.. أو ما تبقى من أنقياء، يحكي لا بلغة المثقف تلك التي تلتهم الكلام بالشوكة والسكّين، وكذلك ليس بروائح الهتّافين، الرجل يحكي بتواضع "المناضل"، صاحب مآثر السجون، يقول:"أنا لست شعبوياً، ولكني مع "الشعب يريد"، ومع قناعتي بأن أخطاء كبيرة قد ترتكب تحت شعار "الشعب يريد"، لا يمكنني إلا أن أكون معه دون أن أتبعه، أبقى ناقدًا لما أراه من أخطاء".

ليس ثمة تعال على الناس.. على من "يريدون"، فالناس .. كل الناس تدرك احتياجاتها.. احتياجاتها من الممارسة.. احتياجاتها من التجربة، واحتياجاتها من دمها ودموعها، والناس هنا، ليسوا من حاملي السواطير.. والنتيجة: يعرفون ما يريدون.

النجّار زكريا، وهو من صنع لي مكتبتي، يعرف الصيام والصلاة، ويتوق ليحجّ إلى ما يسميه "بيت الله"، وأنا لا أتوق إلى صيام ولا صلاة وأزيّن بيتي بمكتبة لا تخلو من جورج أمادو، فيما يأخذ قسماً كبيراً منها فلاسفة الإغريق القديم، مع رذاذ فلاسفة عرب، هم أعلى شأناً من مُخبر صحفي، وأدنى شأناً من فيلسوف.. للنجّار بيت الله، ولي بيتي.

هو يريد نحت الخشب بندى القلب وزيارة بيت الله، وأنا أريد الكتب وبيتي باعتباره (باعتبار بيتي هو بيت الله).

من هو الشعب فينا؟ أنا أم زكريا النجّار؟ هو الشعب وأنا "النخبة" الذي لم تنتخبه حتى ولاّدته؟

سؤال يدعونا لأن نعرّف الشعب، وحين نحتكم إلى التعريفات، لا بد من الاستعانة بالعقيد الراحل معمّر القذافي باعتباره الشعب والنخبة في شخص واحد، ومعطفين، رأس واحد بطربوشين، ولكل منهما ما يريد، وقد آل صراعهما إلى أن قتل الشعب العقيد. 

في التجربة السورية، أين كان العقيد وأين كان الشعب؟

فيها، أين كانت النخبة، وأين كان الرعاع (باعتبار الأول يوليوس قيصر والثاني الغوغاء)؟

تعالوا نتابع اللوحة، لوحة "النخبة"، تلك التي طالما "نجّر" لها زكريا المكتبات، لتبادله بتنجير "الخوازيق".

من النخبة "فتية" ما أن رُفع السلاح على السلاح حتى زغردوا للسلاح ولم يكونوا من حامليه، ولن ننسى الصورة التذكارية وقد التقطها المفكّر اليساري برهان غليون مع مقاتلين من جبهة النصرة، فبدا "يريد" السلاح، وحال أن سخن الحوار فيما آل إليه السلاح، تبرّأ الرجل من "السلاح" ومما تحمله الصور التذكارية إلى الذاكرة، غير أن كارثة الإنسان هي أنه بالإضافة إلى كونه كائناً عاقلاً فهو "كائن يتذكر"، والذاكرة  لعنة للإنسان بقدر ما هي خزّان التاريخ.

من النخبة من راهن على الأمريكاني، حتى غدا الأمريكاني هو يسوع المسيح، وهذا صاحبنا، فيلسوف الثورة (وكل ثورة ميشيل كيلو)، يغسل يديه من الرهان ويصرخ في كوريدورات الإعلام "لقد خدعنا الحليف".

ومن النخبة من تخصّص ذات يوم في نقد الفكر الديني حتى غدا فقيه العلمانيين العرب (وكل العلمانيين في الوطن والمهجر)، وما أن تحوّلت الثورات من "الشعب يريد"، إلى "بالذبح جيناكم"، حتى بات واحداً من مُنظّري "إرضاع الكبير".

الشعب هو أصابع النجّار زكريا، وقد أبدع مكتبتي التي حملت جان بول سارتر، كارل ماركس، جورج أمادو، شكسبير، غابرييل غارسيا ماركيز، ونسخة مذهّبة من القرآن، وثانية من الإنجيل

هذه نخبتنا، هي ذي، وذات يوم من بدء "الثورة"، كانوا في بيتي، وفي الخلفية مكتبتي التي صنعتها أصابع زكريا، وكان الحوار عمّا يجب أن يكون، وعما سيؤول إليه ما يجب هذا، وبالقدر الذي كنت فيه بالغ التهذيب، كنت بالغ الوضوح وقد قالت النخبة لي: احك ماتريد.

فحكيت.. قلت مايلي:

الثورات، أيّ ثورة تحتاج إلى نخبة.. نعم، الأمر كذلك، ولكن أيّة نخبة؟

إما أن يكون (النخبة ذاك)، رجلاً ما من بنت تراه إلاّ وتحلم بأن يكون أبوها، ومثاله نيسلون مانديلا.

و.. إما أن يكون (النخبة ذاك)، رجلاً ما من بنت تراه إلاّ وتحلم أن يشاركها السرير ومثاله تشي جيفارا.

وبعدها أضفت: ليس فيكم أباً، وليس فيكم (نيّيك) ولهذا فأنا مع:

الشعب يريد.

الشعب هو أصابع النجّار زكريا، وقد أبدع مكتبتي التي حملت جان بول سارتر، كارل ماركس، جورج أمادو، شكسبير، غابرييل غارسيا ماركيز، ونسخة مذهّبة من القرآن، وثانية من الإنجيل.

وكلما أريد.. أريد أن أتذكر العفيف الخضر، ذاك الذي أراد ما لايريده متكسبو السلطات وحاصدو الثورات:

المثقف كلب ينبح ولا يعضّ.