"نُكات للمسلّحين".. فانتازيا الواقع العربي والأطراف المبتورة

2017-02-20 07:00:00

في مجموعته القصصية "نُكات للمسلحين" الصادرة عن منشورات "الكوكب – رياض الريّس"، يقدم القاص الفلسطيني مازن معروف عدة حيل وألاعيب فنية، ويضفّرها في مجموعة من الثيمات المتكررة على مدار قصص المجموعة، فيمنح هذا المزيج المجموعة القصصية شخصيتها وأجواءها.

فازت "نكات للمسلحين" بجائزة الملتقى للقصة القصيرة في دورتها الأولى في ديسمبر الماضي، بعد منافسة مع عدة مجموعات قصصية.

تُحكى أغلب القصص بالضمير الأول، ضمير الأنا، ويتناول فيها السارد مجموعة من الثيمات والمحاور التي ترسم الأجواء العامة للمجموعة، يفتتحها معروف بثيمة العلاقة مع الأب، وهي المحور الرئيسي لقصص مثل "نكات للملسحين" و "غرامافون"، كما تحضر الحرب والقذائف في القصص، وبالمثل نجد تكراراً للأجساد المشوّهة والمعاقة بالأطراف المبتورة والعيون المسمولة وحتى حالة التحوّل إلى مسخ محني الظهر، النُكات أيضاً ثيمة مكررة، بتأويلات مختلفة. لا تعريف واضح للنكتة، هي ابتسامة خافتة على مر القصص، أو قهقهة في وسط القراءة، مرح سوداوي سوريالي يبثه معروف بمهارة، وبالتساوي، بين الأربعة عشرة نصاً، مع الأخذ في الاعتبار أن قصة "نكات للمسحلين"، عبارة عن متتالية قصصية صغيرة ورشيقة و"أُعجوبية" إن صح التعبير.

تلعب قصص "نكات للمسلحين" في مساحات خيالية مفتوحة، لا تبالي بقوانين الواقع، قدر اعتنائها بجماليات النص ومنطقه الداخلي، من الطبيعي هنا أن يموت شخص واحد ثلاثة مرات، أو أن ينبت ذراعان للأب مبتور الذراعين، ولا عجب في أن يحاول الطفل الراوي أن يبيع أخاه التوأم للمسلحين مقابل أموال يشتري بها عيناً زجاجية لأبيه ليخيف بها المسلحين الذين يضربونه ويستهزئون به، المنطق السائد هنا هو منطق الحكاية الملبّدة بالخيال: "كنت أمنّي النفس بأن يكون المسلحون من هواة الأعضاء. فقد وجدت في أخي الأصم بضاعة رابحة. حسناً، ليست بضاعة باب أول. أعترف. فأخي كون أذنيه لا تعملان، يعني أن جزءاً منه غير موجود. وهذا صحيح لأن أخي على ما يبدو استعمل أذنيه كثيراً أثناء إصابته بالحمى، حتى ما عاد عنده سمع. كما أن هناك اثنين منه. أنا. وهو ما سيخفّض حتماً من سعره. لكن سعره زائد ما في القجة سيمكنني من شراء عين زجاجية لأبي. كما أن هناك سبباً آخر سيدفع المسلحين حتماً إلى شرائه. أخي له قلبان. هذا ما كانت تقوله أمي".

يلحظ القارئ على امتداد المجموعة، وجود حالة من الإحساس بالدونية، ومحاولة تعويض ذلك بانتهاج نوع من الشر الساذج والحيل العبثية، توليداً للمفارقات التي تمنح "نُكات للمسلحين" شخصيتها، بالطبع إلى جانب هذا العمق العبثي السوداوي والفكاهي.

تنبني الكثير من أحداث قصص المجموعة على أساس صدورها من وعي طفل، وهو صوت الراوي، فالطفل بطبيعة الحال يمتلك خيالاً واسعاً، ومنطقاً محدوداً، الأمر الذي استغله مازن معروف في نسج قصص عجائبية تليق بخيال طفل.

المدهش في "نكات للمسلحين" هو تماسّها المباشر بالواقع اليومي في الكثير من البلدان العربية، رغم أنها ملبّدة بالفانتازيا بشكل كامل، وتطغى عليها أجواء فوق واقعية، إلا أن تكرار حضور المسلحين ورجال المليشيات والقذائف والأسلحة والأطراف المبتورة، خلق تماساً مباشر بما يراه الناس في سوريا وفلسطين واليمن وليبيا والعراق وغيرها من الدول العربية. من هنا ربما وجدت المجموعة طريقها إلى القارئ العادي غير المتخصص، إذ تحمل القصص مستويات للتأويل والتلقي، هناك القصص العبثية العجائبية المحزنة المضحكة، وهناك مستوى مرتبط بالإضافة الفنية وحرفية الأسلوب وجماليات السرد يرصدها الناقد والمتخصص.

لا يهتم مازن معروف في مجموعته بمسألة تكثيف حجم النص، أو الوصول به إلى أقل عدد من الكلمات، لا يولي عناية كبيرة باجتراح هندسات شكلية أو الاشتغال على التقطيع مثلاً. فجل فنّيات "نُكات للمسلحين" تتجسد في عجائبيتها وأجواءها التي تبدو فيها الشخصيات كتكعيبيات بيكاسو. 

تلك التكعيبيات، مليئة بالشخصيات الكفكاوية، شخصية الراوي الذي يشعر دوماً بالدونية، ويعاني إحساساً فادحاً بالنقص، تجعله شخصاً وضعياً غير ذي شأن، ويتجلى ذلك النقص في شكل فيزيقي عبر الأعضاء المبتورة أو الأجزاء الناقصة من جسم الإنسان، وربما يفسّر ذلك إحساس القارئ بواقعية الأحداث رغم كونها فنتازية مغرقة في الخيال، إلا أنها في الوقت عينه تشبه مثلاً وجود أكثر من مليون عاجز منذ اندلاع الثورة في سوريا.

بشكل إجمالي يمكن القول أن "نكات للمسلحين" مجموعة قصصية متناغمة ورائقة، كُتِبَت بقدر كبير من الحرفية وبنَفَس قصصي وخيالي رفيع.