أنا وهو والكلب: القسم الثاني (مسرحية من فصل واحد)

2017-03-06 03:00:00

أنا وهو والكلب: القسم الثاني (مسرحية من فصل واحد)

الزوجة : قال لي : ثقي بي، وثقي بالله ، ولكن الله لم يعرنا أدنى إلتفاتة، لقد تركه يعود ثانية إلي، لأغني، 

           وأصهل، وأرتعش رعشة فظيعة كانت تمتد من قبة رأسي حتى إبهام قدمي، كان قلبي يرتعش، عيناي 

           ترتعشان، وأصابعي ترتعش، ولست أعلم سببا لكل هذا الحار الذي اندلق مني، لم أعد بحاجة إلى 

           مخالب كي أصبح نمرة، صار بوسعي، أن أقطع ذيل زوجي ، لأقطع ذيل إمبراطورية لاتعرف سوى

           أن تقول بكل الطاعة يا سيدي، أو تقول ، آمرك بفعل هذا يا امرأة ليس هذا فحسب، كانت 

           الجملة الأكثر مأثرة لديه هي : إن استعمال الأيدي والأرجل هو المسموح فقط .. من الخطر استعمال

           الرؤوس في العمل، عندما تعمل رأسك أعمله في حدث غير عادي، كأن تعرب عن ارتياحك لهذا 

           العدد الهائل من الذين يقفون كالمسامير في حضرتك 

( الجنرال يقعي في الزاوية والضوء عليه وحده )

الجنرال : وكنت تقفين كالمسمار في حضرتي حتى أصبت بداء الكلب (بانفعال اشد) فليقل الأطباء مايشاؤون

            قوله، لكن داء الكلب هو من مكائد العدو الكثيرة، وهاأنذا قد شفيت منه، أجل، إجمالا أنت امرأة

            لا تستطيع الجلوس الاّ على أرض مغبرة ،واحدة مثلك لا تستطيع احتمال الشعر المعطر، لا تستطيع

           سوى الانجراف إلى الأسفل 

الزوجة : لا فرق .. بعد شهر .. سنة .. خمس سنوات .. على أبعد تقدير نصف قرن سنكون ميتين .. ليس 

            هنالك ما هو أسفل من الحفرة 

الجنرال : آووه .. هذا هراء .. على كل حتى وأنت في الحفرة ستبحثين عن هيكل عظمي تمارسين الجنس 

             معه 

الزوجة : أنظر .. 

(تقترب منه وتضغط صدرها فوق صدره)

الزوجة : ها أنذا .. هذه يدي .. هذه ساقي .. أنا حقيقية .. أنا حية .. ألا تحب هذا كله ؟ 

الجنرال : إذن  أوقفي كلامك عن الموت 

الزوجة : اسمع .. سأرسم لك الطريقة .. متر مربع .. لا .. عذرا أعني مترا مكعبا من التراب .. تحمله على 

           كتفك وتنام مكانه لينهال فوقك .. هذا هو الموت الذي تخافه 

الجنرال : لا تقولي أخاف .. هذا عار ..  الخوف عار . . إن ما أحتاج إليه هو النصر فقط .. النصر المؤزر

            إن كان هنالك أمل في النصر، فهو في الكادحين، وان لم يكن في الكادحين فينبغي أن يكون في 

            الكادحين 

الزوجة : وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني ، إن كان ثمة أمل فسيكون بي .. بي وحدي .. ألست أنا التي

           تنحدر إلى الأسفل ؟ 

الجنرال : الكادحون هم بشر يختلفون عنك .. أنت متمردة تأكل الجنس ولا شئ آخر ، وبالجنس وحده 

           هزمت جيوشنا وكان على كتائبنا إعدامك، وإعدام من هم مثلك 

( الزوجة تعود إلى لزامة الورق )

الزوجة : قل لي يا زوجي هل هربت من المعركة حتى أعدم ؟ 

الجنرال : أنا لم أهرب 

الزوجة : بل قمت بعضّ ذراعك وقلت أن كلبا قد عضها، وصرت تنبح كي تقنع سيدك بأنك مصاب بداء 

          الكلب وتخرج من الخدمة

الجنرال : لا .. بل انه كلب حقيقي .. حقيقي ذلك الكلب الذي عضني .. لقد كان الظلام دامسا .. لا بل

           كان يوما كله دامس حين هاجمني ذلك المخلوق الشرس وذيله منتصب 

الزوجة : ومن أين للكلب أن يدخل وزارة الحرب مخترقا كتائب الإعدام وكم الحراسات الهائلة، ليصل إلى 

           ثلاثين طبقة تحت الأرض يا زوجي ؟ 

الجنرال : لا أدري .. لقد فتح الباب الفولاذي بكثير من الجلبة ، أما وجهه فقد كان ذا سيماء شاحبة

           أشبه بقناع من شمع 

الزوجة : أنت تعرف أنني أعرف يا زوجي 

الجنرال : لم أكن رجلا جبانا بأي حال .. صحيح أن مخي كبير جدا لكنني حاولت أن أفعل ما بوسعي من أجل

          المعركة . . ولو كان ممكنا فتح سجلاتي الحربية لقرأت ذلك الدوي الهائل الذي أحدثته أقدامي في

          المعارك السابقة 

الزوجة : إذن ما الذي كان يدفعك لتتسلل خلسة وتقف في بهو السلم، دون أن تستطيع منع سعالك من

           أن يفضحك ؟

الجنرال : وعندما كنت أقف في بهو السلم .. من كان يصعد إليك ويطرق بابك بحذائه المدبب ؟ أليس ذاك

           النفاية جامع نفايات العاصمة ؟ 

الزوجة : ولماذا كنت تنتظر ؟ كان عليك أن تضع طلقة في بيت النار وتلقي رصاصة في رأسه

الجنرال : لم أكن متأكدا أن جامع القمامة كان يصعد إليك من أجل أن ينتفخ بطنك ، شئ واحد كان يشغلني

           هو ماهية الكميات الضخمة من القمامة في بيتنا والتي تتطلب زيارة يومية لعامل تنظيفات العاصمة لنا

           لقد كنا نأكل الحطب والهواء فقط، ولم أكن أدري أن الكتلة الهائلة التي كانت تحت معطف جامع 

           القمامة ليست قمامة وانما دليل ذكورته .. بل بذاءته 

الزوجة : من أجل ذلك وجدت طفلتنا مختنقة في سريرها ؟من أجل ذلك ضممت قبضتك فوق فمها وضغطت

          حتى سكتت أنفاسها ؟ كانت ليلة عاصفة، ولا أدري ماهي الأقدار التي جعلتني أغفو باستسلام 

           وطمأنينة لامعنى لهما .. في تلك الليلة كانت العاصفة تقف إلى جانب سرير ابنتي .. على الفور 

           استسلمت الطفلة لقبضتك .. لقد أخذت الوقت الكافي لتضغط وتضغط .. الأصابع طويلة .. 

           الأظافر معتنى بها .. الكف المخشوشنة . . وأخذت تضغط تضغط تضغط فوق الأنفاس الطرية ، حتى

           ظهرت صبغة الموت على وجه أبيض كالحسك .. حتى شفتيها كانتا بيضاوين وماتت البنت أيها 

           الجنرال المحارب الذي عضه كلب فأخرجه من الخدمة ليصبح معطفا مهترئا

الجنرال : (بحالة انهيار ) أنا لم يعضني الكلب .. أنا أعض جميع كلاب الدنيا 

الزوجة : إذن من الذي عضك ؟ لم تستطع أن تتقن التعقل ففضلت عليه داء الكلب .. ومع ذلك أستطيع أن 

           أطلب منك أن تنبح .. إن كان بوسعك أن تنبح هيا حاول، فقد يصل نباحك إلى السماء وهناك لن

           يبقى شئ من سجلك، ولا شئ من ذاكرتك، لقد كانت ليلة عاصفة .. الجنود مشغولون بهندام 

           أقدامهم وأنت تتسلل خلسة من غرفة الحجر، ثم تفتح الباب لتخنق طفلتك      

الجنرال :ليست طفلتي .. لاتقولي هذا ثانية إنها ابنة جامع القمامة الذي حط بذوره في جوفك 

الزوجة : لا .. بل هي طفلتك 

الجنرال : لايمكن أن يكون ذلك .. لايمكن .. كنا نمضي الوقت كله وراء أصوات الأوامر دون أن نعرف

            بماذا ولماذا  نؤمر .. 

            كان علينا أن لا نعرف شيئا .. كان علينا أن نكون مثل أحجار الدامة .. ألم يقل لي سيدي أنت 

            حجر دامة يا عسكري ؟ 

            نعم .. ولقد كنت كذلك فعلا .. حجرا أكولا نهما يقفز من مربع لمربع ويأكل الأحجار الأخرى

            كان علي أن لا أرى .. لا أسمع .. لا أتذكر شيئا ..

            شئ وحيد كنت أتذكره .. صورة تلك المرأة المشوهة من التيفوئيد تساور ذهني .. كانت فتاة 

            جميلة جدا، تنظر بعينيها الكبيرتين بحب واخلاص إلى زوجها الذي يأتي تارة ويغيب تارات . . 

            انتهت حياتهما معا وبسرعة .. خطف التيفوئيد الإنسان الذي أحبه حقا .. لم يبقى منها سوى 

            الصورة الفوتوغرافية وأنا صبي أشعث يقف إلى جانبها .. يقف قصيرا وهزيلا إلى جانبها .. لتحل

            محلها بعد أيام امرأة أخرى هي زوجة أبي .. منذ أن وصلت زوجة أبي إلى سرير أمي بدأت حياتي 

            السرية .. كان علي دائما أن أتعلم الخبث والحيطة والحذر .. وتعلمت كيف انفذ الأوامر دون أن

            أنفذها 

( الجنرال يستحضر أبيه )

الجنرال الأب : ابتعد عن باب هذه الغرفة .. هكذا يقول أبي . . إن سمعت أية أصوات إياك أن تسمع 

الجنرال : وكنت لسنوات استرق السمع دون أن أسمع أي شئ أبدا .. وحده الصمت كان يتحرك في 

           غرفتهما .. كان أبي يرقع الأحذية .. ويمضي نهاره فوق السندان 

           ضربة على النعل وضربة على المسمار

           ولم يكن قد اعتاد على الكلام أبدا                       

           كان عليه أن يبقى صموتا واجما، فحالما يفتح الإسكافي فمه للكلام ، فإن كمية هائلة من المسامير 

           تتدحرج إلى جوفه ، لكنه سيتعلم فيما بعد أن يحكي ويبصق المسامير العالقة تحت شاربه .

           لقد قال لها : 

                        - اخرجي من هذا البيت ولا تعودي ثانية ..

           وبما أنه كان ممنوع علي أن أسمع ، فلم أكن أعلم ، ولست أعلم حتى الآن تلك العلاقة ما بين أن

           تسمع وأن تعلم .

           فيما بعد ، أي بعد سنوات كثيرة ، أي بعد أن صار لي شارب وعلامات جدري فوق وجهي 

          كعلامات الجدري التي كانت فوق وجه أمي ، علمت أنها كانت تبحث عن ولد من أبي ، وكان لأبي 

          ولد هو أنا ، والأهم من ذلك أنه كان يعرف جيدا ، أن العالم هو المسافة الممتدة ما بين مسامير شفتيه 

          ونعل الحذاء المثبت على السندان ، وصلة الوصل هي المطرقة . 

          كان قد تنبأ منذ زمن طويل ، أن على البشرية أن لا تسمع كي لا تعلم .. ولقد قرر ذلك على مايبدو

          عندما كان يسير وراء جنازة أمي ..

الزوجة : وبعدها ملأت فمك بمسامير والدك ، وصارت المسافة بين أن تسمع وأن تفهم هي المسافة بين : 

           بكل الطاعة يا سيدي وآمرك يا امرأة 

           وبينما كانت الطفلة تتعلم أول حروف النطق، وتلتقط حرفين هما حرف الباء وحر ف الألف ،

           قررت أن تدفن صوتها كي لايدندن في صمتك ، أو يدخل في أزيز الرصاص الذي يحشو جمجمتك 

           وفي طريق العودة من و إلى المحجر الصحي ، عثرت على جامع القمامة وهو ينتظر في قعر السلم

           وفي تلك اللحظة 

الجنرال : ( مقاطعا) في تلك اللحظة رأيت جسدا بذقن قرصان وشعر كث أكثر من شعر هندي 

الزوجة : لم يكن سوى رجل قد تعلم أنه غير قابل لأن يتعقلن ولهذا فقد كان يصعد الي ليعلمني كيف أستخدم

           أذني في أن أسمع ، كانت طفلتنا بلا حراك ، تتأمل ، وتتبين ، وكانت ملامحها في غاية الرقة ، تجللها 

           كرة كستنائية من خصل ثائرة نفرت من المشط في ذؤابات شعرها القصير المجنح 

( الزوجة تبكي )

الجنرال : والله لم أرها ، كل ما رأيته هو خربشات قلمها الصغير فوق أوراق مرمية فوق طاولتي 

الزوجة : لم تكن خربشات فوق الورق ، لقد كانت أصوات تنبعث من تلك الطفلة 

الجنرال : لو عاشت أكثر ماذا كان بوسعها أن تفعل ؟ لا شئ .. صدقيني لو عاشت فلن يكون لهذا أي معنى 

           إن أكبر مجد يمكن أن تحصده هو أن تصبح عجوزا توافيها المنية .. لقد جمع سيدي أطنانا من الملابس

           لأمه .. وجلب لها أطباء كثيرين لكشط الطحالب عن جسدها ومداواة شعرها .. وكساها من أسفل 

           قدميها إلى قبة رأسها ليعيدها صبية شابة .. كان علي أن أذهب يوميا مصطحبا طبيبين أو أكثر لنقدم

           العلاجات اللازمة من أجل إزالة الكآبة عنها ( بعد صمت )

           ومع ذلك فان مراسم العزاء كان لابد منها  

           لقد امتلأت عيناي بالدموع وأنا أتقدم لتعزيته 

           قلت لسيدي : إنني لو استطعت الطيران لطرت وراء روحها ، لأرجو تلك الروح أن تعود إلى 

           جسدها ( بعد صمت طويل ) فأمرني أن أصمت .. 

          عندها تأكدت أن صفات الخادم المرفه قد طارت من يدي .. في تلك اللحظة قررت أن أبحث عن 

          زوجة وقررت للتو أنك المرأة الوحيدة التي يمكن أن تكون زوجتي .. لقد مررت أمامي وأنت متجهة

          إلى مخزن الحلوى ، ولبضع دقائق كنت فتاة صغيرة تلوك حبات المشمش المجمد وتحشينها في فمك .. 

          لم يخامرني الشك أبدا في أن أكون الخاطب المثالي لك .. كان علي أن أسرع أكثر فأكثر ذلك أنني لم

          أكن أمتلك ثروة كبيرة أتقدم بها إليك فيما لو وضعوا أقدامهم في ظهري ..

          طوال عمري وأنا أحصي عدد النياشين التي ستكون ذات يوم فوق صدري

          طوال عمري وأنا لا أملك سوى ستر رسمية وجزم ومعاطف تصل حتى كاحلي 

          لم أكن أحب شيئا سوى الأشياء المتصلة بالسلطة والسلطة فقط 

         كان علي أن اهرع لأملك جيشا يغرق بي .. وكنت أنت جيشي .. كنت ضارب أبواق الصباح 

          والسجادة الحمراء التي أطأها في الاحتفال الرسمي اليومي الذي أصل فيه إلى بيتي 

( الجنرال يخرج من غيبوبة البوح هذه بانفعال وعصبية)

الجنرال : وآمرك أن تقلعي عن هذه الشهوات الزائفة ..أن تكفي عن سماع الصبية الذين عششوا في ذاكرتك

           أن لا تعيري انتباها للمتع السافلة ، فالمتعة أن تمشي بفستان طويل .. عيناك للأعلى .. فمك للأعلى 

             بذراعين غليظتين ممتدتين ، وردفين قويين ، وتعقل لايبارح خطوة قدمك 

             خطوة تمشي دائما وراء خطوتي بخطوة .. لا .. بنصف خطوة .. نصف خطوة لا أكثر .. وكنت 

            ( وهو يبكي) كنت عاهرة 

الزوجة :  كنت طازجة للغاية .. صامتة أكثر فأكثر 

الجنرال : إلى أن جاء جامع القمامة 

الزوجة : إلى أن جاءت طفلتك بعينيها الكستنائيتين وخر بشاتها المتسائلة .. لقد أعددت الكثير من حبال 

          الغسيل .. حبال تتسع لخرق أطفال أكثر فأكثر 

الجنرال : لتكونين عبدة لعشرين أو ثلاثين حفيدا ، بعد أن يبتلعك جامع القمامة كسمكة .. يبتلعك بذيلك

           وحر أشفك 

الزوجة : لا أدري .. كل ما أنا متأكدة منه أن البنت من نسلك أنت .. أنت الذي رميتها في جوفي 

الجنرال : ولم تعد بعد ذلك تخرج من يدي ذلك السافل الأشعث 

الزوجة : لقد كان الأشعث يعلمها الصراخ .. ويتلمس فراشها المبلل ويلاعبها بأحجار الدامة .. ثم يلعبان 

           برمي أحجار الدامة خارج الرقعة .. كان يغني لها أغنية لذيذة .. مثل عسل النحل الأبيض .. كان 

           يغني لها أغنية تتطاير كالحمام فوقها ، وكانت تتطلع إليه بعينين مستطلعتين ، ثم يشدها إليه .. إلى 

          جسد غرانيت وجلد  أحمر كالمبرد تربطه بجسدها  اللدن الطري علاقة أشبه بعلاقة البرتقالة بسرتها

          حين ذاك كان يتمتم : إنها جميلة .. جملية هذه الطفلة .. هذا ماكان يؤكد أن لي رحما خصبا ، ولهذا

          كنت أريد أن يكون فوق حبل غسيلي ثلاثون غيارا لثلاثين طفلا من الأحفاد أكون عبدة لهم 

الجنرال : ثلاثون جروا يكبرون ليتلقوا الأوامر ويمضون إلى الحفرة 

الزوجة : لا .. بل ثلاثون راقصا، وراقصة، ومغن ، وضارب دف ، ثلاثون مخمورا ومقاتلا ، ثلاثون قديسا 

           ثلاثون نمرا ، ثلاثون شهقة وزفرة ورعشة في البطن والرحم والعينين والقلب .. ثلاثون مهرة وحصانا

           .. حصان .. حصان .. حصان 

(  تصهل ثم ترقص رقصة الحصان .. يدور الجنرال حولها وهو يقعي كما الكلب )

الجنرال : ( يصرخ ) كفى .. كفى بالله عليك كفى .. إن يدي الداميتين تلتفان حول عنقي .. إنني اختنق .. 

           أختنق 

            ( الزوجة تنسحب وتعود بهدوء إلى تلزيم الورق .. الجنرال يقعي في زاوية المسرح )

الزوجة : وبعد ذلك ما الذي فعلته بجامع القمامة ؟ لقد اختفى .. لم تعد ظلال حماره تترجرج فوق بلاط 

           المبلل بالمطر 

الجنرال : لا تتصوري أن بوسعك سماع أخباره من الراديو .. لقد أخذه رجلان أحدهما كان طبيبا ، أخذاه من 

           أجل أن يهذبا روحه وهندامه وشعره 

الزوجة : كم مرة تعرض للضرب ؟ 

الجنرال : هذا أمر لا أتذكره أبدا ،لقد كان هنالك دائما ثلاثة أو أربعة من الرجال يعملون بجسده في آن معا 

           كانت تمر لحظات يتدحرج فيها على الأرض كالحيوان متلويا ، عاصرا جسده ، مراوغا الرفسات 

           التي يتعرض لها .. رفسات فوق أضلاعه .. وجهه .. ساقيه .. خصيتيه .. عجزه .. حوضه .. ظل 

            يفقد الوعي حتى لم يعد لديه وعي يفقده 

الزوجة : ماذا لو جئت مكاني هنا لتقطع الورق 

الجنرال : لا .. أصابعي لاتقويان على استخدام مقص الأوراق هذا .. تابعي القص أنت إلى أن أرتاح قليلا 

            وأحل محلك 

الزوجة : ولكن ما معنى أن يكون الطبيب برفقة الرجل الآخر ؟ هل الطبيب رفسه أيضا 

الجنرال : لا .. ولكن كان على الطبيب أن يمنعه من الموت 

الزوجة : أن يأمره بألا يموت ؟ 

الجنرال : نعم 

الزوجة : كي تميتونه أكثر فأكثر ؟ بماذا اعترف ؟

الجنرال : اوووووه .. بجرائم لاحصر لها .. إن الرجال السمان وكذلك ضئيلي الأجسام الذين حققوا معه  

          كان بوسعهم انتزاع آلاف الجرائم من فمه وأذنيه وشعره 

الزوجة : مثلا ؟ 

الجنرال : مثلا بيع أسرار عسكرية .. الدعوة إلى تغيير النظام بالقوة..التحريض على فتنة أهلية ..توزيع أوراق 

           هامة .. اختلاس أموال عامة .. تخريب من كل نوع .. لقاءات في الظلام مع بشر ينشرون خرق 

           الأطفال فوق حبال الغسيل أيضا 

الزوجة : وهل تدخلت أنت في الأمر ؟ 

الجنرال : حاولت أن أطمئنه .. قلت له لاتخف أنت تحت رعايتي 

( الزوجة ومازالت منشغلة بترتيب الأوراق .. تحمل ورقة تناولها للجنرال )

الزوجة : خذ .. اقرأ 

الجنرال : ما هذا ؟ 

الزوجة : اقرأ هل أنت خائف ؟ ما بالك تتلمس ظهرك هكذا ؟ هل ثمة علة في عمودك الفقري ؟ لاتخف 

          أقصى مافي الوجع أنه يخرج النخاع الشوكي من العمود الفقري ، ولكن هذا ضروري في أحيان كثيرة 

( الجنرال يقرأ )

الجنرال : ولكن ما علاقة هذا بالنخاع الشوكي والعمود الفقري ؟ إن هذا يتحدث عن الحرب التي انتهت 

           وعن الحقول التي التهمتها 

الزوجة : تلك الحرب كانت من طقوس التدريب .. أليس كذلك ؟ أما زلنا مجهزين للحرب ؟ 

الجنرال : هنا يقولون أن العدو يمتلك عبقرية ولكننا نمتلك عبقرية مضادة لعبقريته ، ويؤكدون أن الأوضاع 

          داخل الحدود  هي أشد حساسية بكثير من الأوضاع خارجها 

( الزوجة تفتح راديو .. صوت المذيع يتقطع )

صوت المذيع : وهكذا تحصلون على شبان يشربون دم العدو ، وتتم تنشئة الأطفال من سن الثالثة على ذلك 

                 حتى يتم دحر العدو وننال النصر المظفر 

الزوجة : آه .. بهذا تجلبون أطفالا يملؤون العصر 

الجنرال : نعم خاصة إن كانوا لا يسمعون كثيرا ، ولا يتكلمون كثيرا ، ويكتفون باحترام هدوء الموتى

الزوجة : ولكن ماذا إن أصيبت الجثث بالانهيار العصبي ؟ ماذا يحصل عند ذلك ؟ ولكن  لا .. لاوجود 

           للموتى .. الموتى هم ذلك الرماد الأبيض الذي لا ينهض .. انهم مجرد حفر صغيرة في الحفرة الأكبر 

           ولهذا فحالما مات تحت أيديكم ، حمل كل شئ على ظهره .. حماره وعربة الحمار .. وسلة القمامة

           و أيديه الخشنة .. انه لن يصرخ أبدا ، ومع ذلك فانك ترتعد خوفا من مجرد ذكره 

الجنرال : لقد قال لي : سنلتقي يوما حين يشاء الله أن نلتقي

الزوجة : انه يكذب ، ليس بوسع الله أن يجمع ميتا إلى جانب ميت حول فنجان قهوة  

الجنرال : (بانتعاش وارتياح )مادام الأمر كذلك ، لماذا لا تضعينه خلفك وتصعدين على كتفي لنلعب ؟   

الزوجة : هذا بالتحديد ما أريد أن افعله .. هل نبدأ اللعبة ؟ هيا تعال نبدأ .. 

          ولكن ماذا نسمي اللعبة ؟ 

الجنرال : لابد من اسم لها .. إن الألعاب التي لاتحمل اسما لا تليق بنا .. مار أيك بأن نسميها جامع القمامة 

           والكلب ؟ 

الزوجة : لا . . مار أيك بان نسميها : أنا وأنت والكلب ؟ 

الجنرال : وماذا علي أن ارتدي وأنا ألعب ؟ هل أرتدي بزتي العسكرية ؟ أم ارتديك أنت ؟ أم ألبس قناع 

           الكلب ؟ 

الزوجة : لا عليك .. ليس ثمة دور  لأزياء الكلاب لذا فما دمت أنا لم أغادر هذه الدنيا فهذا يعني أنني في

          اللعبة ولا يجوز أن ترتديني .. عليك إذن أن تكون أنت .. كن أنت وتعال نلعب .. هيا.. هيا

الجنرال : (مخاطبا نفسه ) الآن حان موعد موتي 

الزوجة : هذا يعني أنك قررت أن تنهي اللعبة قبل أن تبدأ 

الجنرال : ذلك لأنني لا أتقن سوى لعبة الموت وإذا لم يكن بوسعك تقبل موتي خوفا من إنهاء اللعبة فهذا 

            يعني أن علي أن أميتك أو أميت الكلب 

الزوجة : إذن دعنا نبحث عمن سنميت ..هيا الوقت ضيق فلننتهي من تحديد من سيموت بيننا ..أنا لا أعرف 

          المبارزة ولذا فمن غير اللائق لمحارب مثلك أن يبارز من لا يعرف المبارزة ، وقتلك للكلب سيسيء 

          لسمعة الموت ، وهذا لا يليق بالبشر المترفعين مثلك 

الجنرال : في هذه الحال ، لن يتبقى سواي من حصة الموت ، كوني عاقلة يا امرأة ولا تغلطي هكذا غلطة

الزوجة : الغلطة قد تكون مشعة في هذا النوع من اللعب 

الجنرال : أنت دائما تصرين على اللعب بالأخطاء الكبرى ، وكأنك قد وصلت توا من رحم الخطيئة 

الزوجة : لولا الخطيئة لكنا لقطاء في هذه الأرض ، ألسنا أبناء آدم الذي لعب بالتفاحة كما يحلو لك أن 

           تلعب بقنبلة ؟   انظر .. لي صدر مكوّر يأخذ شكل التفاحة .. حمدا لله أنه لم يلعب بموزة 

           لو فردت ذراعيك فوقهما ، لوضعت كامل ذراعيك على الخطيئة الكبرى ، طالما وضعت يدك 

           فوقهما وأنت ترتجف ، تماما كما تضع يدك على قنبلة مفخخة ، 

           بكامل قيافتك تدخل سريري ، وأنت تمشي على مارش عسكري .. آح .. اثنين .. آح.. اثنين

           ثم تلقي الأوامر على جسدك .. إطلاق .. نار .. 

           كنت آخذ شكل الصحن ، لتكون أنت الملعقة و تلعقني ، دائما كنت تلعق ما بي ، حتى إذا ما 

           أحسست بالرطوبة ، تبدأ ترتجف ، ثم تدخل الحفرة ، لتكون حفرة في حفرتي ..

           لكن ذلك لم يكن خسارة فظيعة ، كان عليك أن تقهقه كلما أفقت من غيبوبتك ، لتقول : 

           إن هذا مفيد من أجل تقوية البطن ، وتنشيط الدورة الدموية ، والجهاز التنفسي ..

           كان فراشي بالنسبة لك نوعا من الرياضة البدنية لا أكثر ، لقد كنت تحافظ على هيبتك ، 

           ولكن أظن أنك كنت تغرق في البكاء حالما تدخل الحمام لتتطهر مني .

الجنرال : لا يجوز لرجل مثلي أن يلقي ملابسه وأحشاءه على الأرض ،كما تفعل ولادة حبلى ،على الرجل أن 

           يخرج إلى العراء عندما يكون الظلام مخيما ، ليس من اللائق أن يبربر بكلمات لا معنى لها ، ليس من 

          اللائق أن يموت في فراش امرأة .

          أقول الرجل ، ولا يحق لك أن تفهمي ، أن أي كائن من حقه أن يقول إنه رجل 

          هنالك مسافة بين الصغار والعظماء ، وليس بضع إنشات كما ترين أنت .. يوليوس قيصر لقي حتفه 

          متجلببا بثوبه الأرجواني الملكي على أيدي زمرة من الخونة 

          إن الميتة الجديرة برجل مثلي ، هي أن أتمزق على عجلة دبابة وكأنني ألف نسر مجنح ، لا أن أتمزق 

          فوقك وأنا أشق طريقي إلى بطنك كسكير ملهم يقص حكايته 

          أي امرأة هذه تلك التي تطلب من رجل ملأ رأسه بالرصاص أن يموت بذات الرئة ؟ أو بذاك الفعل 

          الذي يجيد ممارسته حتى الأرنب ؟

الزوجة :لقد عشت كملاكم الظل الذي لا يتعاطى سوى مع الهواء 

الجنرال :بل كصاج يتفرقع فوقه الآخرون كحبات الذرة الصفراء .. 

          جميع مرؤوسي كانوا يتفرقعون تحت أوامري في أطوار ولحظات من أطوار ولحظات الضعف المثير ، 

          ويبقون هكذا حتى يصبحوا كالرماد 

الزوجة : لماذا لم تنفخ بهم لترى مافي جوفهم ؟

الجنرال : عندما دخلت المحجر الصحي حاولت ذلك ..إن بعضا من جنودي كانوا يقومون على حراستي هناك

          غير أن أشياء فظيعة كانت قد حصلت ، كنت أخجل من كوني قد بدأت أطلب منهم أن يتمسكوا 

          بالقلب حين ينظرون الي .. لقد أكدت لكل واحد منهم أن لي قلبا 

          من خلال ممراتهم السرية الضيقة شاهدت مالا يسمح لأي إنسان بمشاهدته ، واكتشفت مالا يسمح 

         لأي إنسان باكتشافه .. اكتشفت أن لهم أصواتا وأن الصوت الآدمي موجود لدى كل إنسان .. نعم

         اكتشفت قلوبهم وأصواتهم معا ، وعبر قلوبهم وأصواتهم وشفقتهم التي تكسر قلبي كنت أستطيع 

         التسلل والخروج من  المحجر لآتي إلى بهو السلم ، وأتطلع إلى ما يجري في غرفتك ، ولكن …. 

( الجنرال يعود إلى نوبته العصبية )

الجنرال : ولكن آمرك يا امرأة بأن تكتفي بهذا وتكفي عن هذه اللعبة .. أن توقفي هذه المهزلة .. أن لا تعيدي 

             الحديث عن ذاك الجماع مابين السنديان والعشب النتن .. إن ورق التواليت هو ما يملأ رأسك

             وليس تلك القيم المرتفعة الشاهقة 

             إن رأسي يدور بي .. صوت الرصاص يملأ رأسي ، عواء كلاب أيضا .. ذلك الكلب البغيض 

             الذي اخترق ثلاثين طبقة من الخرسانة المدججة بالفولاذ ليدخل خوذتي .. إن أصوات الرصاص

             تختلط بصوته .. نباح .. رصاص .. نباح .. رصاص  .. من هذا الذي ينبح في رأسي ؟ ليس 

             جديرا برجل مثلي أن يسمح لامرأة أو لكلب أن يتمرغا في رأسه .. تعالي هات يدك .. سأنزعك

             وأنزع أصوات الكلاب من رأسي .. هيا .. انزعي من رأسي هذه الأصوات القاتلة .. لقد 

             أوشكت أن أمرغ رأسي ببول كلبك . . وحده إيقاع الرصاص المجلجل ما أحتاجه .. ارفعي قبضة

             الفولاذ  هذه .. ارفعيها بهدوء .. دعيني أستسلم للذة الطيران للأعلى .. إن من الواجب على رجل 

             مثلي أن يرتفع عن هذه الأرض وعن العشب النتن .. أن يركض ببطء أو بسرعة ليقطع الأنفاس 

             الوسخة التي علقت في رأسه .. أنفاس بنت كانت ستجلب لك ثلاثين عاهر وعاهرة .. أنفاس 

             كلب يعوي في رأسي ، وأنفاس ذلك الأشعث جامع القمامة التي تنسكب في أوصالي وكأنني مازلت

             أقف في بهو الدرج 

             إنني وحيد ومهجور في هذه اللحظة .. ما أشد هلعي عندما أكتشف وجود ثغرة في قلبي 

             إذن  ها .. آمرك أن تنزلي هذه المطرقة 

(الجنرال يضع عنقه تحت قاطعة الورق )

الجنرال : آمرك أن تنزليها فوق عنقي .. أنزليها يا امرأة .. آمرك هيا .. افعلي ما آمرك به 

الزوجة : ( بارتباك واستسلام وحيرة ) بكل الطاعة يا سيدي 

           (الزوجة تنزل القاطعة فوق عنق الجنرال .. عنقه يتدحرج أرضا .. المرأة ترتجف والجنرال مرمي فوق 

           الأرض يتخبط بدمه )

الزوجة : ( بهستيريا) ما أشد هلعي .. ما أشد وحشتي .. انهض أيها السيد المضرج بدمه .. مرني بأن 

           لا أستجيب لأوامرك .. امسح بالزيت جسدي .. عيناي باردتان .. قلبي يحترق .. وإنني أحبك .. 

           أحبك أيها الرجل الممتلئ بحبوب الجدري .. ياليداي الآثمتان اللتان نفذتا أوامرك .. يا لقلبي الذي لم

           ينشغل بقلبك .. انهض أيها السيد .. مرني أني ميته .. طنين في أذني .. رتيب كمن يدور في فراغ 

           موحش .. كلاب تنبح وأزيز رصاص .. بضع انشات بيننا أيها السيد الميت .. خذني معك لأتجلبب

           بك وأنا العشبة النتنة .. إنني نتنة يا سيدي .. بكل الطاعة يا سيدي 

           والآن ها أنذا أمتثل لأوامرك .. نصف خطوة وراءك .. نصف خطوة لا أقل ولا أكثر .. عيناي 

           مرتفعتان .. صدري مرتفع .. وذراعاي سمينتان وفستاني متوتر خلفك .. تمهل يا سيدي .. ها أنذا 

           وراءك .. ثمة عتمة ستجمعنا لنستكمل فيها اللعب في اللعبة .

           شاهد أول : نبيل الملحم

ملاحظة : يرجى من بقية الشهود متابعة اللعب في اللعبة