رسائل كوتزي وأوستر.. ما بين تأمّل العالم وبوح الأصدقاء

2017-03-15 06:00:00

رسائل كوتزي وأوستر.. ما بين تأمّل العالم وبوح الأصدقاء
كوتزي وأوستر

في كتاب "هنا والآن: رسائل 2008-2011" وهو رسائل ما بين بول أوستر وج. م. كوتزي من ترجمة أحمد شافعي، صدر عن "الكتب خان"، 2016، نتلمس أفكار رجلين من أهم الأدباء، ممن هم على قيد الحياة، حول الكثير من الأمور التي تدور في العالم في اللحظة الحالية.

برغم أن كوتزي وأوستر ظلا يقرآن أعمال بعضهما لسنوات، فإنهما لم يلتقيا إلا في فبراير 2008 خلال مهرجان أدبي بأستراليا. ولم يمر وقت طويل حتى تسلم أوستر خطاباً من كوتزي، يقترح فيه أن يبدأ الاثنان تبادل الرسائل بشكل منتظم.

وعبر ثلاث سنوات، تناولت رسائلهما موضوعات مثل الرياضة، الصداقة، الأبوة ومهرجانات السينما والقضية الفلسطينية والفلسفة والسياسة والكارثة الاقتصادية والثورات العربية والفن والزواج والعائلة والحب.

قد تكون الزاوية الأكثر إثارة للحماس حين نقرأ هذه الرسائل هي زاوية التلصص. فمن خلال حديثهما نبدأ شيئًا فشيئًا بتكوين صورة عن الرجلين، أفكارهما واهتماماتهما. فالطريقة التي يتناولان بها الأدب والسينما عموماً، ومفهوم الصداقة تحديدًا تبدو لافتة على نحو مربك.

يكتب كوتزي لبول عن كيف تنشأ الصداقات، "كيف يدوم بعضها لفترات طوال، تتجاوز حتى علاقات الارتباط الغرامي التي أحيانًا ما نفترض -مخطئين- أن الصداقات نسخ باهتة منها." يندهش كوتزي من كون موضوع كهذا لم يكتب فيه إلا القليل. "إذ تبقى الصداقة لغزًا في ما يبدو؛ صحيح أننا نعرف أن الصداقة مهمة، لكن لماذا يصبح الناس أصدقاء ويبقون كذلك؟ هذا ما لا نملك إزاءه إلا التخمين".

يقارن بين الحب والصداقة من حيث السلوك اللغوي، "الأصدقاء، الذكور منهم في الغرب على الأقل، لا يتكلمون عن إحساسهم تجاه بعضهم بعضًا. قارن ذلك بثرثرة المحبين. لكن عندما يموت الصديق، ينصبّ الحزن: "أواه، فات الأوان". سؤال: هل الحب ثرثار لأن الرغبة بطبيعتها تنطوي على مشاعر متضاربة، بينما الصداقة قليلة الكلام لأنها خالية من المشاعر المتضاربة؟"

يظهر في جزء كبير من الرسائل اهتمام كليهما بالرياضة تحديدًا. النصف الأول على الأقل من الرسائل يبتدآنه بالحديث عن الرياضة، مشاهدة مباراة ما وتعليق أحدهما على الآخر. أسفار كليهما تأتي أيضًا بشكل ملحوظ في الرسائل، فكثيرًا ما كتبا لبعضهما وكلاهما في مكان بعيد عن بيته لحضور مؤتمر أو مهرجان أدبي. يبدو أوستر وكوتزي كعجوزين يتابعان نهاية العالم في هدوء، "العالم ذاهب إلى الجحيم في سلة بأذنين" كما يقول كوتزي، والواضح أنه لا سبيل لإيقاف ذلك حتى الآن، "ولكن ما بديل التذمر؟ أن يغلق الواحد منا فمه ويحتمل القرف؟"

يتحدث كوتزي لأوستر في إحدى المرات عن قراءته لكتاب الأسلوب المتأخر لإدوارد سعيد، وأن سعيد كان مشرفًا عليه أثناء تحضيره للدكتوراة، فيأتي رد أوستر ليخبره أن الأجزاء الخاصة بأدورنو لم يفهمها على نحو واضح. 

ثمّة بوح آخر عن فيليب روث، أحد أهم الأدباء ممن هم على قيد الحياة حين يتحدث كوتزي لأوستر عن أنه قرأ رواية "شبح الخروج" لروث، ويشعر أن هناك شيء ما مشترك بين أوستر وروث. 

لكن أوستر يخبره أنه فقط قابل روث مرة أو مرتين "روث هو الإله الذي تمتدح أعماله منذ أول عمل. أما أنا فتراكلت الأرجل أعمالي لوقت طويل.. هو له حضور أدبي هائل، أما أنا فأفضل الاعتناء بحديقتي الصغيرة في بروكلن".

يتناولان الوضع الحالي بين الإسرائيليين والفلسطينيين. يرى كوتزي أن شعور الفلسطينيين بالهزيمة يبدو جليًا، وكونهم تحملوا ما حدث لليهود في أوروبا وهم لا ذنب لهم فيه يزيد الأمر ظلماً، فيما يرى أوستر أن السياق الحالي لا ينبئ بأي حل سياسي مطروح في الأفق.

وفي الرسالة الأخيرة بينهما، يتحدثان عن ما حدث في البلدان العربية من حراكات شعبية، الخوف من أن تتحول البهجة في شوارع القاهرة وطرابلس وغيرها إلى واقع "لا تدفع فيه الرواتب، ولا تجمع فيه القمامة". وأنه حتى ربما النظام الذي قد يحل مكان القذافي قد يكون مرتشيًا وديكتاتوريًا "لكن على الأقل سيكون لدى هؤلاء الشباب الذي يجوبون الشوارع ما يتذكرونه لما بقى من حياتهم. أيام مجيدة. ربما ذلك أقصى ما في الثورات".

بول أوستر، كاتبٌ وروائي أميركي، من مواليد 1947، تمزج كتابته بين الوجودية، وأدب الجرائم، والبحث عن الهوية في أعمالٍ مثل "ثلاثية نيويورك" و"كتاب الأوهام" و"حماقات بروكلِن". تُرجِمَت كتبُه إلى حوالي أربعين لغة.

جيه. إم. كوتزي، من مواليد 1940، كاتبٌ وروائي، ومترجم، من جنوب إفريقيا، حصل على جائزة نوبل في الآداب لعام 2003. من أعماله، "في انتظار البرابرة"، "العار"، "الرجل البطيء".