عهر العالم في سوريا

2017-03-28 01:00:00

عهر العالم في سوريا
"الخلق" . للفلسطيني أسامة دياب

قبل شهرين صدر تقرير عن منظمة العفو الدولية (أمنستي) طواه النسيان كغيره من التقارير، هو مجرد تقرير احترافي (بمعنى أن عمل المنظمة هو إصدار التقارير) وإلا فما مبرر وجودها؟ّ! وهي لا تستطيع حِرَفياً أن تتجاهل ما يجري في سوريا وبشكل خاص معتقلات النظام السوري.

لا قيمة واقعية للتقرير إذا لم يكن هناك قرار سياسي عالمي بمحاسبة المسؤولين، وهذا أمر آخر لا علاقة له بصدور التقارير، وهو يصدر بعد خمس سنوات كانت الإبادة الممنهجة خلالها تجري أمام أعين مراقبي هذه المنظمات، وأنا شخصياً كنت مراقباً لـ "هيومان رايتس ووتش" في مخيم اليرموك في فترة حصار التجويع الذي لم تعترف به الأمم المتحدة إلا بعد استشهاد مئة وثمانين مدنياً، ولدى هذه المنظمات ملفات ووثائق تفصيلية تملأ عشرات التقارير ولكنها لم تنشر، ولا أظنها ستنشر!

مئات آلاف الصور والفيديوات التي تصور عمليات القتل والتعذيب والإذلال بأبشع صورها التي يندى لها جبين الإنسانية ولم تهتز شعرة في طيز هذا العالم.

سرعان ما سيتوقف الأمر عند موضوع ما زال يتكرر منذ ست سنوات، كنا نسمع التصريحات الغاضبة والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن هذه الفظائع، ويكتب الكتّاب حتى تمتلئ صفحات الصحف بالبكاء والغضب، ثم ينتقل العالم كله إلى قضية مثيرة أخرى يهتم بها.. فما يهتم به العالم بعيد غالباً عما نظنه مهماً،- استطراداً- لاحظوا معي أن مقتل أكثر من ألفي مدني عراقي في الموصل في قصف لطائرات التحالف الدولي بطلب من الحكومة العراقية، لاحظوا أن هذا لم يحظَ بنصف اهتمام العالم بمقتل شرطي أزرق العينين في لندن.. وصار الإرهاب نوعاً محدداً هو فقط عندما يكون القاتل مسلماً، أما إذا كان القاتل أوربياً أو أمريكياً أو "غير سني" فهو خطأ أو جريمة تدعو الأمم المتحدة وهيئاتها وبنات خالات هيئاتها للقلق... لا شيء غير القلق.  

علينا أن نعترف بأن الأمر ليس متعلقاً بالمعلومات حول الجريمة ولا بصدقيتها على الإطلاق.. فثورة المعلومات والاتصالات وصلت إلى حد بث الحدث مباشرة، ألا تكفي خمسون ألف صورة لآلاف الذين قتلوا تحت التعذيب ليفعل العالم شيئاً بإنقاذ من تبقى من الموعودين بالموت في صيدنايا وغيرها من معتقلات الموت السورية؟!

القضية متعلقة بنوعية الضحايا، فلهؤلاء الضحايا أسماء لا يجرؤ أحد على ذكرها أو لا يريد.

والسؤال، بالعودة إلى سوريا، هو: ما السبب الحقيقي الذي يدعو النظام إلى هذا الحجم من الما بعد بعد السادية؟ حتى غدا القتل عند مجرميه نوعاً من التسلية والمتعة، وهذا جلي من خلال سلوك جنوده بلكنتهم المعروفة، وهم يتباهون أمام كاميراتهم بإذلال السوريين بمنتهى الخسة إذ لا فرق عندهم بين صغير وكبير ولا بين رجل وامرأة، هم يتصرفون على اعتبار أن هناك كتلة بشرية كاملة استحقت هذا النوع من المعاملة… ويبدو لي أن العالم يأخذ حصته من المتعة في عرض أشلاء هذا الشعب.

ويعرف السوريون أنه منذ الشهور الأولى من عمر الثورة بدأ النظام يستبيح فئات محددة من أبناء الشعب السوري، ففي مرحلة كان الدرعاوي مستباحاً لمجرد أنه وُلد في درعا، وفي مرحلة اعتبر كل فلسطيني خائناً لأن جزءاً كبيراً من أبناء المخيمات أيّد ثورة الشعب السوري، ولك أن تعدد أسماء المدن والقرى التي اعتبرت مهدورة الدم، حتى وصل الأمر إلى اعتبار أكثر من ثلثي الشعب السوري خونة ويجب تهجيرهم أو قتلهم بمنتهى البساطة.

وصار يكفي أن يجر الجندي الواقف على الحاجز أي شخص لا يعجبه شكله ويرسله إلى جحيم المعتقلات السورية، وهو يعرف تماماً أن ليس له علاقة بالثورة لا من قريب ولا من بعيد، والجميع يعرف أن أكثر من ستين بالمئة من المعتقلين لا علاقة فعلية لهم بالثورة، والكثير منهم قد يكونون مؤيدين للنظام ولكن تأييدهم لم يشفع لهم.

قبل فترة قرأت شهادة لمعارض (علوي) اجتمع بشبيح (سني) في زنزانة واحدة (اعتُقل الشبيح بسبب مخالفة بسيطة) وقد ذكر المعارض في شهادته أن الشبيح عُذب حتى الموت بينما خرج هو بعد فترة ليروي شهادته ويستمر في معارضته.

الأن فهمت لماذا كان النظام في بداية الثورة متساهلاً مع المعتقلين؟!!