بشار إبراهيم، ناقداً للسينما الفلسطينية والسورية

2017-04-11 07:00:00

بشار إبراهيم، ناقداً للسينما الفلسطينية والسورية

يصعب على مخيمات سوريا الفلسطينية بعد ما جرى فيها تخريج مثقفين من طراز مثقفي الثمانينات والتسعينات وما يليهما، لاختلاف الشروط الموضوعية والذاتية، وتشكّل شروط الشتات الثاني في حياتهم، وقد رحل عدد منهم وهم بعيدون عن مخيماتهم وأرضهم الثانية، سوريا، مثل  المترجم والناقد يوسف سامي اليوسف، والناقد السينمائي بشار إبراهيم الذي رحل قبل أيام، والعديد من المبدعين والمثقفين والسياسيين الفلسطينيين. 

البدايات: 

شتات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا موزع على عدد من المخيمات منها، مخيم خان دنون الذي عاش ونشأ فيه الراحل بشار إبراهيم، وعمل الصديق الراحل في مجلة "الكفاح" الصادرة عن منظمة الشبيبة التقدمية الفلسطينية، حيث شغل موقع أمين ومدير تحرير لسنوات عديدة، وعمل أيضاً بدار الشجرة مع الراحل غسان شهابي في أكثر من مجال كمستشار تحرير لمجلة إبداع.

جرى في إحدى دورات مهرجان دمشق السينمائي حوار كنت قد أجريته مع المخرج الراحل رضوان الكاشف عن فيلمه "عرق البلح" الذي عرض في ذلك المهرجان، وحضر ذاك الحوار الروائية حسيبة عبد الرحمن في مطعم ومقهى القنديل الدمشقي، حيث امتد الحوار لساعات طويلة وكانت سعادة الكاشف بحوارنا ظاهر حين طلبنا منه أن نعرض فيلمه عرق البلح في النادي الفلسطيني للسينما في مخيم اليرموك، وتعذر ذلك لأسباب فنية لأن شريط الفيلم كان على بكرات كبيرة وعدم وجود جهاز عرض، كما في دور السينما الكبيرة. ومجهود الراحل بشار بيّن على عديد من الاسطوانات السينمائية  في أكثر من مقر حيث ساعدنا على جمع جزء من أرشيف السينما الفلسطينية في النادي، وشارك النادي في استقبال المخرج المبدع إياد الدود أثناء عرضنا فيلم "أعراس الزهور"، بمشاركة الناقد علي العقباني في أسبوع الفيلم الفلسطيني الأول من 27/7/2002 حتى 12/8/2002.

وكان قد أصدر الراحل كتابه السينمائي "نظرة على السينما الفلسطينية في القرن العشرين" (دار الطارق للثقافة دمشق، 2000)، وكذلك الكتيبات الصغيرة التي صدرت عن دار السوسن بإشراف أيمن بهلول، وهي عدة كتيبات أذكر منها "النظام الشرق أوسطي" و"ريح العصر، العولمة ثقافياً"، بالإضافة إلى مشاركته لي في جلسة مونتاج أثناء العمل على فيلم "انتفاضة الاستقلال" في العام 2004.

السينما الفلسطينية، شغفه: 

شكلت فلسطين هاجساً حقيقاً للراحل بشار إبراهيم، فهي بالنسبة له الجرح النازف في الوجدان والضمير والأحلام، في سبيلها قدمت التضحيات الكثيرة، من شهداء وجرحى ومعتقلين وأسرى ومن تدمير ومجازر ونكبات ونكسات وخسائر مادية ومعنوية، وإعاقة تاريخية للتطور الحضاري المنشود، والكثير من الأحلام المؤجلة في الوحدة والحرية والتحرر والتقدم والتطور والتنمية والعدالة الاجتماعية.

ويؤكد إبراهيم أن "قضية فلسطين ليست مجرد أرض محتلة، فقط، على أهمية حضور الأرض وجوهريتها في الصراع العربي الصهيوني، وليست مجرد موضوع شعب مشرد، فقط، رغم فاجعة المآسي التي عاشها الشعب العربي الفلسطيني، والألم الذي خلقته هذه لأوساط واسعة من الشعب العربي الفلسطيني، الذي مازال يكتوي بنار التشرد والغربة  والمنافي.. بل إن قضية فلسطين هي قضية وجود عربي شامل، في أن يكون أو لا يكون.. وهي سؤال أحلام مغتصبة وكرامة مجروحة، ووعد كبرياء، ونهوض تاريخي ودور حضاري."

وهو يميز بين نسقين في السينما حيث يقول: "ما بين نسقي السينما الفلسطينية وسينما القضية الفلسطينية، ثمة نقاط تواصل وتفاصل، لابد من ملاحظها، لإدراك المسافة ما بين هذين النسقين من السينما، رغم أن موضوعهما واحد، أو متشابه في غالب الأحيان."

ونحن إن كنا نمايز بينهما، فإنما ذلك يتم على أساس الجهة المنتجة، إي بين أن يكون هذه الفيلم منتجاً بأموال فلسطينية، أو ثمة مشاركة لأموال وجهات فلسطينية في إنتاجه، وبين أن يكون الفيلم منتجاً بأموال وإمكانيات غير فلسطينية، سواء أكانت هذه الجهات عربية أو أجنبية، حتى لو كان المخرج في هذه السينما فلسطينياً. 

ويوثق إبراهيم للجهود السينمائية الفلسطينية قبل عام النكبة 1948، في كتابه "السينما الفلسطينية في القرن العشرين" من إصدار المؤسسة العامة للسينما في دمشق، ويرصد فيه الشتات السينمائي الفلسطيني بعد عام 1948، والسينما الفلسطينية بالأرض المحتلة، والسينما الفلسطينية في تسعينيات القرن الفائت، ويضع ثبتاً للأفلام الفلسطينية المنجزة منذ العام 1935 حتى العام 2000. 

أما في كتابه "فلسطين في السينما العربية" الصادر عن وزارة الثقافة السورية، وعن المؤسسة العامة للسينما في العام 2005، يؤكد على قول الراحل حسين العودات:" إن أهمية السينما للقضية الفلسطينية أنها وإن كانت لا تصنع ثورة، فإنما هي دوماً وسيلة تعليم، وتحريض، ودفع، ونهوض، وإن كانت لا تخلق ثورة من فراغ، لكنها تضبط خطواتها مع خطوات الثورة."

ويقرأ فيه الراحل الموضوعات التالية: السينما العربية في فلسطين، وفلسطين والصراع العربي الصهيوني في السينما المصرية، وفي السينما السورية، واللبنانية، والعراقية، وفي سينمات الدول الأخرى، و"صورة اليهودي الطيب في السينما العربية ؟!"، وسينمائيون عرب في السينما الفلسطينية…

وكان قد صدر له كتاب "نظرة على السينما الفلسطينية في القرن العشرين" في العام 2000، و"ثلاث علامات في السينما الفلسطينية الجديدة (ميشيل خليفي، رشيد مشهراوي، إيليا سليمان)".

السينما السورية، اهتمامه: 

لم ينحصر اهتمام بشار إبراهيم بالسينما الفلسطينية، ومكانة القضية الفلسطينية  في السينما العربية، وإنما قرأ السينما السورية من أكثر من زاوية واتجاه، وتجلى في كتابه "ألوان السينما السورية" الصادر عن المؤسسة العامة للسينما في العام 2005، حيث أوضح كيف أن السينما السورية ذهبت من المغامرة الفردية إلى سينما القطاع العام من خلال المؤسسة العامة للسينما، وبرز فيها مخرجون واتجاهات ما قبل العام 1970، ومخرجو السبعينات، ومخرجو الثمانيات والتسعينات، لينتقل بعدها إلى سينما المؤلف المخرج، وليرصد أفول النجم وانكسار البطل، ويعرض للأنثروبولجية ولإثنوغرافية، والبيئة والمكان والبنية والعلاقات الاجتماعية وفيلموغرافيا السينما السورية.

وفي كتابه "سينما القطاع الخاص في سوريا" الصادر في العام 2006، يرصد موت سينما القطاع الخاص في سوريا، والتاريخ السينمائي السوري، وثنائية الأخلاقي وللأخلاقي، وصناعة النجوم، والشخصيات السينمائية السورية، ويعرض بعدها لسينما القطاع الخاص بكل أفلامها من "عقد اللولو" للمخرج يوسف معلوف في العام 1964، إلى" وكان مساء" من أخراج غنام غنام في العام 1996.

بالإضافة إلى ذلك هناك كتاب عن الفنانين دريد ونهاد يوثق فيه تجربة الراحل نهاد قلعي مع دريد لحام، صادر عن المؤسسة العامة للسينما في العام 2007، وكان قد صدر له كتاب "رؤى ومواقف في السينما السورية" في العام 1997.

همومه السينمائية العربية: 

لم تقف تجربة بشار إبراهيم في سماء فلسطين وسوريا، وإنما طارت لتغطي سماء الوطن العربي، من دمشق إلى بيروت ومصر ومهرجاناتها، ووهران الجزائرية، والمغرب إلى مقر إقامته ما بعد دمشق في الإمارات العربية المتحدة، ومن أهم أعماله الورقية كتاب "عبد الناصر والسينما (إشكالية الرؤيا بين سينما السيرة وسينما المعتقل)"، مع الدكتور جمعة قاجة في العام 2001. 

وفي دبي عمل في مهرجانها السينمائي رئيس تحرير النشرة اليومية التي أصدرها مهرجان دبي السينمائي، واختير مع خمسة وعشرين ناقداً شكلوا لجنة تحكيم مبادرة دعم السينما العربية والترويج لها على المستوى العالمي، التي تمثلت في جوائز النقاد السنوية. 

أخيراً، لا يمكن الإحاطة بكل ما قام به وقدمه بشار إبراهيم سواء كان في مجال توثيق السينما الفلسطينية، والسورية، والعربية، أو في كتابته زاويته الأسبوعية في جريدة الحياة اللندنية على مدار سنوات مديدة حيث تابع فيها نقده للميديا والسينما والدراما التلفزيونية، أو متابعته المونتاجية والإنتاجية للعديد من الأعمال السينمائية الروائية أو التسجيلية أو التوثيقية.