في مثل هذه الأيام قبل عام تم افتتاح "المَتحف الفلسطيني"، رافق الافتتاح انتقاداتٌ كما رافقته آمالٌ بتأسيس مشروع ثقافي توثيقي ضخم يتعدى النكبة كزمن وكموضوع. التقيت مؤخراً بمديره العام محمود هواري في مارسيليا وأجرينا هذه المقابلة عن المتحف فكرةً وتنفيذاً. ننشر المقابلة الآن ضمن ملف النكبة الممتد على طول الشهر.
كيف بدأت فكرة المتحف وكذلك التنفيذ، وهو أول متحف فلسطيني من نوعه كشمولي أو مركزي؟
بدأت فكرة المتحف منذ عشرين عاماً، مجموعة من المثقفين والفاعلين في الثقافة الفلسطينية من فلسطين التاريخية والشتات اقترحت فكرة إنشاء متحف للذاكرة الفلسطينية والتركيز على النكبة الفلسطينية. وتم بلورة هذه الفكرة وتم البدء بتجنيد الأموال لإنشاء المتحف وكان الحديث عن إنشائه في القدس. ولكن مع الوقت وخاصة في ٢٠١٠ تمت المرحلة الثانية من هذه الفكرة وهي تخص شمولية المتحف، وقد شاركت شخصياً كوني أستاذاً زائراً في جامعة بيرزيت كمحاضر في مجال آثار فلسطين. تم دعوتي للجنة استشارية لفكرة المتحف الجديدة، وهي فكرة تطورت من متحف للذاكرة الفلسطينية والتركيز على النكبة إلى متحف شمولي يعرض تاريخ وتراث وثقافة فلسطين، من منطلق أن الشعب الفلسطيني ليس فقط ذاكرة بل حضارة مادية وتاريخ مديد وتراث غني وثقافة راهنة غنية، بالتالي لا يمكن اختزال تاريخ الشعب الفلسطيني في النكبة.
من هنا بدأ العمل على تطوير هذه الفكرة، وهذه اللجنة الاستشارية تم دعوتها للاجتماع في لندن في أكتوبر ٢٠١٠، وتم وضع وثيقة برامجية استراتيجية للمتحف، وكان التركيز على أن هذا المتحف سيقوم بإنتاج معرفة وروايات عن تاريخ وتراث وثقافة فلسطين، وتم التركيز على الشمولية في الموضوعات التي سيقوم بتناولها. لن يكون متحفَ تاريخ أو آثار أو تراث أو معاصر، بل متحف يتعاطى مع كل هذه المواضيع بشكل شمولي وخلاق وإبداعي ويقوم بربط الماضي بالحاضر مع نظرة إلى المستقبل، لأننا نتحدث عن الشعب الفلسطيني في أرضه، هو الشعب الأصيل وهذه هي الرواية التي سيطرحها المتحف، أن شعبنا له تاريخ طويل ومديد وتراث غني وموجود الآن وله ثقافة فاعلة ومتفاعلة مع المنطقة والعالم، وسيكون كذلك في المستقبل، ومن هذه الوثيقة الإستراتيجية تم وضع برنامج لإنشاء المتحف وتأمين الموارد المالية والبشرية لذلك، وبالفعل تم البدء بذلك في ٢٠١٣ وتم تدشينه في مايو/أيار من السنة الماضية، وهذا التاريخ هو تاريخ تعييني كمدير للمتحف الفلسطيني.
مع مرور السنة الأولى للمتحف، كيف تقيّمها وكيف تتحضرون للمرحلة القادمة؟
عندما استلمت إدارة المتحف بدأنا بمراجعة أهدافه واستراتيجيته، والهيكلية التنظيمية وكيفية عمله، وخلال الفترة الماضية قمنا بصياغة برنامج جديد وبتوضيح أهدافه المستقبلية، وبوضع هيكلية جديدة للمتحف كي تقوم بتنفيذ هذا البرنامج. ما تم إنجازه في هذه الفترة. قمنا مثلاً بالإعلان عن برنامجنا في بداية هذا العام للسنتين القادمتين، وهو يتضمن إنشاء وإقامة خمسة معارض فنية، وإطلاق مشروعين بحثيين في مجال الأرشيف، إضافة إلى سلسلة كبيرة من الفعاليات والنشاطات التي تترافق مع هذه البرامج، ومن أجل تنفيذ هذا البرنامج تم الإعلان عن وظائف جديدة مؤخراً، كذلك سنلقي مهمة تنظيم هذه المعارض على قيمين خارجيين لأن أحد التحديات التي نواجهها حالياً في المتحف، في الوفد الفلسطيني تحديداً، هي انعدام الكفاءات والمهارات المتحفية المطلوبة في العمل، ولذلك سنحلّ هذه الإشكالية من خلال تدريب الطاقم الحالي على المهارات المتحفية وتوظيف خبراء في العمل المتحفي من الخارج، فلسطينيين وعرب وأجانب.
ما الصعوبات التي واجهها المتحف حتى الآن؟ هل هي تقنية وحسب؟
هنالك صعوبات على عدة أصعدة، على صعيد المجموعات، كون فلسطين محتلة، كان من شبه المستحيل على الفلسطينيين جمع مجموعات مرتبطة بتاريخ وتراث فلسطين، لأن هذا التراث وهذه المجموعات وخاصة في مجال التنقيب على الآثار، كان تحت السيطرة الإسرائيلية وكان صعباً على المؤسسات الفلسطينية الحفاظ على هذا التراث الذي كان مباحاً من قبل الاحتلال منذ النكبة وحتى اليوم. بالتالي، هنالك مجموعات تراثية وأثرية في فلسطين لكنها مجموعات محدودة، والآن المتحف إحدى مهامه الأساسية هي المساهمة في الحفاظ عل هذه المجموعات إما من خلال اقتنائها أو مساعدة مؤسسات أخرى على اقتنائها والحفاظ عليها.
منذ إنشاء المتحف العام الماضي، تواجد العديد من الأفراد أو المؤسسات التي عبرت عن رغبتها في التبرع بمجموعات، سواء أثرية تراثية أو أعمال فنية، وللأسف فالمتحف لا يحتوي على أماكن لتخزين والحفاظ على هذه المجموعات، وبالتالي سنقوم باستقبال المجموعات المهددة فقط حالياً، ولدينا الآن مجموعة من أعمال فنية وملصقات تم التبرع بها للمتحف. ليس الهدف جمع المجموعات في متحف في بيرزيت بل استقبال مجموعات وحفظها في أماكن أخرى، في الشتات كما في فلسطين التاريخية. إن كان هنالك مجموعة من الأثواب الفلسطينية للتبرع بها في الأردن مثلاً، فلدينا خطة استراتيجية لبناء مراكز مرتبطة بالمتحف الفلسطيني في بلدان الشتات، أولاً لأن نقل هذه المجموعات سيكون مهدداً من قبل السلطات الإسرائيلية التي قد تستولي عليها في المعابر، فنحاول أن تبقى في هذه المراكز المرتبطة بالمتحف الفلسطيني، ثانياً ليس لدينا حالياً مكاناً كافياً للتخزين، لدينا مخازن صغيرة جداً نسبياً، ولا نريد أن يتحول المتحف لمكان جمع الأشياء القديم والتراثية وتكديسها، إن أردنا جمع مجموعات فالهدف هو عرضها للجمهور، بالتالي جمعنا سيكون جمعاً ذكياً يستهدف المجموعات التي يمكن تحويلها لمعارض وبرامج وليس لغاية تجميعها وحسب.
هذه النقطة تقودني إلى السؤال عن الانتقادات التي رافقت افتتاح المتحف، لكونه متحفاً فارغاً.
عندها، عندما تم تدشين المتحف في شهر أيار الماضي، صحيح كانت هنالك انتقادات بأن المتحف تم فتحه بدون معارض ومجموعات. كان الهدف من التدشين هو الاحتفال بهذا الانجاز الكبير، إنشاء متحف على أرض فلسطين برغم الاحتلال، وإنشاء مؤسسة ثقافية بهذه الأهمية هو بحد ذاته إنجاز، وكان لمؤسسة التعاون، والمتحف أحد مشاريعها الرئيسية، أن تحتفي بهذا الإنجاز وخاصة مع المؤسسين ومن قام بالتبرع بأموال سخية لإنشاء هذا المتحف، فكان الهدف هو الاحتفال بالمتبرعين للمتحف وكانوا فلسطينيين، وهو بالفعل من أهم المشاريع الثقافية الفلسطينية اليوم والذي تم إنشاؤه بأموال وسواعد فلسطينية، وعلى تلة في بيرزيت التي تطل على فلسطين التاريخية. الهدف كان تدشين المتحف أولاً والعمل على بناء المجموعات والمعارض لاحقاً، وظروف الاحتلال هي ما فرصت ذلك. هذه نقطة مهمة لأنه تم انتقادنا، خاصة في مقالة نشرتها نيويورك تايمز، ومن قبل بعض الصحف العربية ممن لم يعجبها افتتاح المتحف فارغاً. سيتم ملئ المتحف تدريجياً بالمجموعات المتنوعة.
هذه المجموعات، بمعزل عن العرض التقليدي لها، هل هنالك أساليب حديثة أو تفاعلية يمكن أن تدخل في برامج المتحف؟
طبعاً، فالمتحف يقدم نفسه كمتحف حديث يكون على مستوى المتاحف العالمية في زمننا، لن يكون متحفاً تقليدياً بالمعنى الضيق للكلمة، لن يكون صالة للعرض فقط، بل سيقوم بتنظيم معارض تترافق معها نشاطات وفعاليات حول موضوع هذه المعارض. وهذه المعارض ستكون تفاعلية، باستخدام كل الوسائل المتحفية والتقنية الحديثة المستخدمة في المتاحف العالمية، استخدام الطرق والأساليب المرئية والڤيديو والأفلام وكل الطرق التثقيفية والتربوية والتفاعلية، مع إنشاء وتنظيم حوارات وندوات حول مواضيع المعارض، وورشات عمل لطلاب المدارس والجامعات، بالتالي ستكون هذه المعارض تظاهرات ثقافية بكل معنى الكلمة، لجذب الجمهور العام والمستهدف وتثقيفها.
ما هي الموضوعات الأساسية التي يمكن أن تكون في المتحف، أو تلك التي حضّرتم لها وستعرضونها؟
بما أن المتحف الفلسطيني سيكون منبراً لعرض روايات ومعرفة عن تاريخ فلسطين وتراثها وثقافتها، فمن الطبيعي أن يتناول مواضيع مختلفة وبمحاور شاملة، مثلاً برنامجنا للسنتين القادمتين سيتضمن خمسة معارض وهي تعكس المواضيع التي سيتطرق إليها المتحف، الأول وهو المعرض الافتتاحي للمتحف وسيكون بداية أيلول/سبتمبر، موضوعه هي مدينة القدس، التحولات والتمثيلات لها، في الأعمال الفنية سواء لدى الرواد أم الناشئين، كيف ينظرون إلى القدس، وكذلك القدس في الفن الشعبي، في بيوت الناس وواجهات بيوتهم وحرفهم، وفي البلدة القديمة في القدس حيث رسومات للمسجد الأقصى وقبة الصخرة وأخرى تبيّن معالم هذه المدينة. أيضاً في أعمال الفنانين هنالك العديد من الأعمال الرمزية للمدينة. وهو يتطرق إلى خمسين سنة لاحتلال إسرائيل للقدس.
المعرض الثاني سيتناول التطريز الفلسطيني في السياق السياسي، وأهمية التطريز في الحفاظ على الهوية الفلسطينية واستخدام التطريز في مراحل مختلفة من حركة التحرير الوطني الفلسطيني في السبعين سنة الأخيرة، منذ النكبة حتى اليوم، دور التطريز في بلورة هذه الهوية والحفاظ عليها. هذا موضوع سياسي وراهني ويبرز أهمية التطريز وهو أحد عناصر التراث الأساسية في فلسطين.
المعرض الثالث سيكون عن مئويّة وعد بلفور، سيكون معرضاً تثقيفياً أساساً، خاصة للأجيال الفلسطينية الناشئة، سيركز أكثر على أشكال مقاومة الشعب الفلسطيني لوعد بلفور، وهذا الموضوع مهمّش، سواء في المناهج الدراسية الفلسطينية أو كتب التاريخ، بالتالي الهدف منه هو إعادة استكشاف هذا الجانب من مقاومة الشعب الفلسطيني للاستعمار الحديث، ووعد بلفور صدر عن الاستعمار البريطاني، هنالك نواح عدة لهذه المقاومة غير معروفة حتى للشعب الفلسطيني، كيف انعكست هذه المقاومة وما هي أشكالها، خاصة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين، اكتشفنا مثلاً أن هنالك العديد من الأهازيج في الأعراس والمناسبات المناهضة لوعد بلفور، الهتافات في المظاهرات، الصحافة الفلسطينية التي كانت آنذاك، الكاريكاتير، والموسيقى وغيرها من هذه الأشكال الثقافية.
أما المعرض الرابع فستكون مشاركتنا في احتفالية قلنديا في ٢٠١٨ عن معرض اسمه طوبوغرافيات حميمة، سيكون عبارة عن إنتاجات فنية لفلسطينيين وكيف ينظرون إلى الطوبوغرافيا الفلسطينية، البيئة والطبيعية، على ضوء المتغيرات التي حصلت في فلسطين في العقود الأخيرة. المعرض الخامس عن غزة، سيكون عبارة عن عرض لمجموعة أثرية أصلها من قطاع غزة وسيكون في مركزها مجموعة للجامع الفلسطيني جودت الخضري الذي جمع آثار وقام بحمايتها من التسرب لسوق الآثار العالمي وإسرائيل، ومجموعة تابعة لوزارة السياحة والآثار التي تم التنقيب عنها من قبل بعثات فرنسية في قطاع غزة، هذه المجموعة سافرت إلى أوروبا وتم عرضها في متحف في جنيف، سيتم إحضارها إلى المتحف الفلسطيني وإعادة تصميمها. الهدف من هذا المعرض ليس فقط إبراز تاريخ وحضارة غزة على مدى ٥٠٠٠ عام، وإنما أيضاً وضع هذه المجموعة في سياق غزة اليوم، السياق السياسي، والنظر لتاريخ وحضارة فلسطين من منظار غزة. غزة وفلسطين عامة كانت على مفترق الطرق التجارية والمواصلات في العالم القديم ما بين ٣ قارات، كانت على مفترق ما بين الحضارات الكبرى، ومدينة غزة كانت على طرق التجارة العالمية لآلاف السنين، أما اليوم فهي محاطة بأسوار وأسلاك وهي عبار عن غيتو كبير مفتوح، هذا أيضاً الهدف من المعرض. هذه خمسة معارض ستعكس أيضاً مفهوم المتحف الفلسطيني الذي سيقوم بعرض روايات ومعرفة عن فلسطين تاريخياً وتراثياً وثقافياً.
لنتحدث عن المراكز التابعة للمتحف والواقعة خارج فلسطين، إلى أي درجة سيكون لها علاقة بهذه المعارض؟ وهل سيكون لها معارض خاصة بها؟
أحد أهداف المتحف هو أن يكون عبارة عن مركز ويقوم بإنشاء شركاء له سواء في فلسطين التاريخية وفي المنطقة العربية والشتات في العالم، هذا مفهوم جديد للمتحف، وربما سينفرد المتحف الفلسطيني بهذه الصفة عن معظم المتاحف في العالم، من أجل التواصل مع الشتات الفلسطيني والعالم سيقوم بإنشاء فروع وشركاء له في فلسطين التاريخية والمنطقة العربية والعالم وسيكون التواصل من خلال إقامة معارض في مراكز مرتبطة بالمتحف، وشراكات متفاوتة. مثلاً المعرض الأول للمتحف تم إنشاؤه في بيروت في دار النمر للفنون والثقافة وتم توقيع اتفاقية تفاهم مشتركة معها، فتم عرض معرض للمتحف في الدار عن موضوع التطريز، نحن الآن مثلاً في مفاوضات مع مركز طراز في عمان وهو مركز يحتوي على مجموعة كبيرة من المطرزات الفلسطينية التي جمعتها وداد قعوار، نجري حواراً حالياً من أجل أن تصبح المجموعة هذه جزءاً من المتحف الفلسطيني.
إحدى الأفكار هي أن هذه المجموعة تبقى في المركز وتكون جزءاً من المتحف ويتم إعادة عرضها في سياق مختلف وكجزء من المتحف الفلسطيني. يمكن أن نبحث عن إمكانيات في بيروت ومدن عربية أخرى لإنشاء هذه المراكز وربطها، وهي ليست فروعاً يمتلكها المتحف، بل فروع بالمعنى المجازي، بتوقيع اتفاقات تفاهم مع هذه المراكز، فتكون فضاءات يتم فيها معارض وفعاليات للمتحف. في أوروبا أيضاً بدأنا في التفاوض مع عدد من المراكز في أماكن مختلفة من العالم، ومراكز مرموقة يمكن أن نستخدم فضاءاتها لعرض معارض للمتحف. ونفكر أيضاً بأن معارضنا التي ستكون في المتحف في بيرزيت يمكن أن تتنقل إلى أماكن أخرى في العالم. بخصوص معرضنا مؤخراً الذي أقمناه في بيروت، مثلاً، أتانا عدة طلبات كي يتنقّل في عدة أماكن في العالم، في البحرين وشيكاغو وسياتل وواشنطن. هذا مرتبط بمدى نجاح معارضنا ويمكن لهذه المعارض أن تتنقل حول العالم، وهذا ما نسعى له.
هل سيتم العمل على عرض لمقتنيات شخصية ليست بالضرورة أعمالاً فنية، بل ربّما لها قيمة تاريخية تعود بالزمن إلى النكبة وما قبلها؟ كتوثيق لتلك المرحلة؟
لا يقتصر المتحف على تناول النكبة الفلسطينية، ولا يمكن تناولها أساساً من خلال معرض واحد، بل بعدة أشكال. هنالك عدة مشاريع سابقة وحالية وقادمة ستتناول موضوع النكبة، ويكون ذلك من عدة جوانب، فقبل مجيئي إلى إدارة المتحف، كان هنالك مشروعان أرشيفيان: الأول هو ألبوم العائلة وجمع صور من عائلات فلسطينية في مناطق مختلفة من فلسطين، تبين التاريخ المصوّر للشعب الفلسطيني وخاصة في فترة ما قبل النكبة، فقد كان لشعبنا حياة عائلية واجتماعية وسياسية واقتصادية، كان مجتمعاً متطوراً كباقي المجتمعات القابعة تحت الاستعمار التي تناضل من أجل الاستقلال، وهذا يمس النكبة بشكل أساسي. المشروع الآخر هو كذلك توثيقي، وهو من خلال توثيق التاريخ الشفوي، والذي يهدف إلى جمع شهادات من أنحاء فلسطين، وخاصة كل ما يتعلق بما جمعه هؤلاء الفلسطينيون من مدنهم وقراهم وأخذوها معهم إلى أماكن لجوئهم. كان هنالك بعض الإشكاليات في موضوع مفهوم هذا المعرض، وتم تجميده، لكن سيتم استخدام كل هذه المواد الأرشيفية في البرامج المستقبلية للمتحف الفلسطيني واستخدامها في المعارض والمشاريع المرتبطة بالأرشيف، وخلال العام ٢٠١٨ سنقوم بعدد من الفعاليات المرتبطة بالذكرى السبعين للنكبة، هنالك عدة أفكار لمعارض ستقوم بتناول موضوع النكبة لهذه المناسبة.
حالياً أنت في متحف ميوسيم في مارسيليا، ولمشروع يخص المتحف الفلسطيني هنا، ما هو؟
فكرة المشروع بدأت في معرض أقيم هنا في ميوسيم في ٢٠١٥، هو «أماكن مقدسة مشتركة»، جئت إليه حين كنت أعمل في حينه في المتحف البريطاني، وجدت أنه معرضاً مهماً جداً لفلسطين، وحين صرت مدير المتحف الفلسطيني أردت الحديث مع متحف الميوسيم لتنظيم نسخة فلسطينية من المعرض، أسوة بعدة نسخ يتم العمل عليها حالياً، كالنسخة التونسية التي انتهت مؤخراً، في تونس، وهذا العام في المغرب ستكون هنالك نسخة من هذا المعرض، هو بالأساس معرض يتحدث عمّا قبل العام ١٩٤٨، عن النصف الأول من القرن، أتباع الديانات السماوية الثلاثة تشاركوا في زيارة العديد من الأماكن المقدس لوجود عناصر مشتركة في هذه الديانات، وسيركّز المعرض على أن كافة أتباع الديانات الثلاثة في فلسطين عاشت بسلام لمئات من السنين دون أي مشاكل وصعوبات، ونحاول إبراز هذا الجانب من تراث فلسطين وهو تراث اندثر وغير معروف حتى في فلسطين وخاصة في الأجيال الناشئة، وهو ما يخدم رسالة المتحف التي تبين أن الشعب الفلسطيني هو الشعب الأصيل في فلسطين وهو مكوّن من يهود ومسيحيين ومسلمين وهم كانوا عرباً يتكلمون العربية، وهنالك تقاليد دينية مشتركة، يمكن الاطلاع على التشابه بينها في القصص الموجودة في التوراة والإنجيل والقرآن، وهذا ما يجمع الفلسطينيين. من هنا تكمن أهمية المعرض خاصة على ضوء الاستعمار الصهيوني في فلسطين، فعلى هذا الأساس أتيت للميوسيم للبدء في المحادثات مع إدارة المتحف، وقد التقيت بمديره في تونس سابقاً، للحديث في شراكة استراتيجية بين المتحف الفلسطيني ومتحف ميوسيم. وقد تزامن مجيئي مع تظاهرة "تصوير فلسطين" المقام في المتحف ذاته، وكانت فرصة للالتقاء بأصدقاء وزملاء مشاركين في التظاهرة.